الأحد ٢٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٧
بقلم جميل السلحوت

كما يليق بحبك وعصر السرعة

صدرت مجموعة نصوص "كما يليق بحبّك" للكاتبة الفلسطينية علا برانسي-قسيس عن دار الجندي للنشر والتّوزيع في القدس، ويقع الكتاب الذي يحمل غلافة الأوّل لوحة للفنّانة التّشكيليّة سامية حلبي، وصمّمه محيي الدّين دروزة في 171 صفحة من الحجم المتوسّط.

القارئ لهذا الكتاب سيجد نفسه أمام سؤال كبير حول شغف الكتّاب الشّباب في استعجال إصدار كتابهم الأوّل، ورغم تعدّد الاجابات والاجتهادات على هذا السّؤال، فإنّ تلافي هذا الأمر قد يكون شبه مستحيل، لأنّ الغالبيّة العظمى تقع في شباكه. فكاتبتنا علا برانسي- قسّيس والتي يبدو جليّا أنّها تملك موهبة الكتابة من هذه الغالبيّة التي استعجلت في اصدار كتابها هذا، فجاء خليطا من الشّعر، الخاطرة، القصّة، الأقصوصة، ولو تريّثت قليلا، وأعطت قليلا من العناية لما تكتبه؛ لكان بإمكانها أن تصدر ديوان شعر ومجموعة قصصيّة، لكنّ اندفاعها تحت وطأة "حماس الشّباب" جاء باصدارها الأوّل، الذي أحسنت صنعا عندما صنّفته "مجموعة نصوص"، لكنّ هذا الاندفاع أوقعها في شباك "علامات التّرقيم"، فنصوصها النّثريّة تكاد تخلو من الفواصل والنّقاط وغيرها من علامات التّرقيم بين الجمل، وهذا مخالف لأصول الكتابة ممّا يثقل على القارئ غير الحاذق باللغة في فهم النّصوص.

وبما أنّ الكتابة لحظة شعور، فإنّ القارئ لهذه النّصوص سيجدها انعكاسا لمشاعر الكاتبة، التي تعيش صراعات الحياة وانعكاساتها، فلننظر إلى النّصّ "وجوديّة" ص 21، التي تتكلّم عن بحيرة طبريا، وبعض القرى المحيطة بها والتي تمّ هدمها ومحوها عن الوجود حيث: "يضوع عبيرها النّضر الفلسطيني، فماء بحيرة حلوٌ يناديني، ورائحة من الزّيتون تسبيني، غناء من عصافير تناجيني". لكنّ الأمور انعكست بفعل أحداث لم يكن لنا فيها خيار: " قبور الأهل ما زالت تناجينا، وتروي قصّة الآمال والقهر، وبين القبر والقبر فراشات، مزركشة وأزهار وصبّار، وباقات من الآهات والعطر، هي الحدثة" لكن الحدثة تلك القرية الفلسطينيّة التي تمّ محوها ومحو قرى فلسطينيّة أخرى مجاورة لها عن الوجود، لا يمكن أن تمحى من ذاكرة أهلها وشعبها، فرغم كلّ هذه الوحشية إلا أنّ الكاتبة تحمل روح التّحدّي والصمود فتقول:" هنا أمشي على مهلي، هنا وطني هنا ذاتي هنا بيتي".

ويلاحظ أنّ الكاتبة تلجأ إلى السّخرية في بعض نصوصها، مثل قصيدة "مقتولا طعنا بسكين وانتقل إلى رحمته تعالى".

لكنّ نصوص الحبّ والعشق التي تطغى على نصوص الكتاب، تحمل فلسفة الكاتبة في فهم العلاقة بين الرّجل والمرأة، فالعشق ليس لعبة، وإنّما هو سكن وطمأنينة، وبناء أسرة، تقول في قصيدة "بيت" صفحة 66:

"حين يعشق دوريّ دوريّة

يبني لها عشّا من القشّ

يأتي لها بحبّتي قمح، سي ، سي، سي،

وتبدأ الحكاية، حكاية عشق أبديّة بين دوريّ ودوريّة".

وكأني بالكاتبة هنا تدعو الانسان أن يتعلّم الحبّ من بعض الحيوانات كالعاصافير.

ويصل طلب السّكينة بين الحبيبين ذروته في أقصوصة " رشفة" ص 112، فهي تشبّه موقفها من الحبيب بمدمن القهوة، ومن يحتسي القهوة فإنّها تؤرّقه، بينما قرب الحبيب يجلب النّوم والاسرخاء، " وبين اللا نوم واللا صحو فنجان صغير ولون أسمر ورشفة". والرّشفة هنا قد تكون قبلة الحبيب بين نوم وصحو.

وفي أقصوصة" امرأة" ص167، تتحدّث عن غواية المرأة، وأحلامها في الحصول على شريك لها في حياتها، فعندما تتساءل طفلة عن سبب عدم عمل النّساء في صيد السّمك تجيبها:" على الأرجح أنّ امرأة لن تحتاج أن تلقي بصنارتها في البحر لتصطاد سمكة، تستطيع امرأة اصطياد حوت بنظرة". وهذا النّصّ حمّال أوجه، فالنّساء لا يشتهين الأطفال، كما يفعل بعض الرّجال عندما يشتهون الطفلات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى