السبت ٢٨ نيسان (أبريل) ٢٠١٨
بقلم مهند النابلسي

لعبة المشنوق: هانغمان

"آل باشيو" يعيد الحياة لجملة أفلام قديمة وحديثة مماثلة برونق جديد لافت ومشوق مع نهاية مؤثرة ومحزنة!

*اذا اردت مشاهدة نسخة جديدة من فيلم "سيفن"، حيث تستند أدلة القاتل المتسلسل على خفايا لعبة الكلمات للأطفال، بدلا من "الخطايا السبع الميتة"، فقد تستمتع بهذا الفيلم وتجده مشوقا:

*في فيلم "المشنوق" الجديد(2017)، يلعب "آل باتشينو" دور المحقق المتقاعد "آرشر"، الذي يقضي معظم وقته بحل الألغاز المتقاطعة باللاتينية داخل سيارته القديمة، خارج مقهى الدونتس، ولكنه يعود مجبرا الى التحقيق في جريمة قتل جديدة غامضة، حيث سيضع كل حنكته وبراعته على المحك مع مجرم متسلسل يلعب لعبة قاتلة تتعلق بباتشينو والمحقق الشاب رويني (كارل اوربان)، عندما يجدا رقم شارتهما محفورا في مسرح الجريمة، الى جانب لعبة اطفال رمزية تدعى "الرجل المشنوق"، مع دميتين لطفلين جالسان يلعبان أمام شاشة: كما يتضمن مسرح الجريمة المدرسي ايضا، مشهد مروع لمدرسة شابة (في الرابعة والعشرين) مشنوقة على غصن شجرة في فناء المدرسة، علما بأن المحقق رويني كان رفيق آرشر قبل ان يتقاعد هذا الأخير، وقد عانى المحقق الفطن من الظروف الغامضة القاسية التي احاطت بمقتل زوجته، وربما للتحقيق الحالي علاقة بذلك.

*يحفر الجلاد السادي رسالة بسكين صغير في صدور ضحاياه العديدين، اللذين يتم شنقهم (رجالا ونساء) في تمام الساعة الحادية عشرة من كل ليلة، وكأنه يقصد استفزز الشرطة، بوضع هذه الألغاز التي تقودهم احيانا لمسرح الجريمة القادم ولكن بعد فوات الآوان، كما أنه يسعى احيانا لتشويه الضحايا متعمدا بعد شنقهم، مثل تركيب رأس خنزير على رأسهم، او تبريد الضحية بالماء قبل وضعها في مجمد مسلخ الخنازير، كما يستنتج باتشينو بخبرته، كيفية تجمد شخص مبتل سريعا على درجات حرارة تفوق الصفر المئوي، تماما كما كان يفعل بقنينة البيرا...ولكن المشهد الحابس للأنفاس تمثل بحالة الرجل المشنوق على منصة سكة الحديد، حيث يحاول المحقق الشاب عبثا انقاذه من على سطح السيارة وقد اكتشف أنه ما زال حيا بعد، وذلك قبل ان يمر قطار سريع يطيح بسيارتهم ويدمرها، لينجو جميعهم باعجوبة من موت محقق، وينالوا اصابات متعددة ولكنها ليست بالغة.

*يقوم الممثل "جو اندرسون" بدور القاتل المتسلسل المعقد، والذي يترك احيانا بقصد بعض القرائن المفتعلة، حتى يندل المحققان "الفطنان" ورفيقتهم الصحفية الشابة (بريناني سنو الحاصلة على جائزة بوليترز الشهيرة) على موقع الجريمة التالي قبل الساعة الحادية عشرة، فيما يتركهم بحالة متداخلة من التيه لجمع الأدلة والقرائن لملاحقته بلا هوادة، حيث تتكشف ملامح اللغز شيئا فشيئا مع تقدم مشاهد الفيلم، ليستدعي باتشينو تفاصيل قصة تراجيدية قديمة، يقوم فيها شخص بشنق نفسه امام ناظري طفله الصغير ذي الستة اعوام، وتدل مشاهد الاستهلال الغامضة على الحقد الكبير الذي يخفيه "القاتل المتسلسل" (الذي كان نفس الطفل عندما كبر) تجاه آرشر عندما يحاول تحطيم سيارته بباص صغير ومحاولة الهروب عاجلا للنجاة بفعلته.

*تقدم الصحفية المثابرة (بريتاني سنو) اداء جذابا وفطنا بدور "كريستي دافيني" مهمشة المحققين احيانا وكأنها تعمل لوحدها، كما تساهم في عدة حالات في اكتشاف أثر القاتل الهارب وتتعثر احيانا بالضحايا، فيما تكون هي التي تكتشف الضحية الاولى عندما تكون بصحبة المحقق الشاب رويني، وبدت جادة ومنغمسة بدورها وتهدف لتسجيل التقارير المهنية المتميزة، تماما كرئيسة الشرطة المقعدة الصارمة "قوية الشخصية"، التي بدا وكأنها تقود التحقيق من كرسي مكتبها، وتستمتع بتوجيه الأوامر والتحذيرات للثلاثي بلا استثناء.

بدا "كالبطل التراجيدي" الذي يضحي بنفسه!
*يحاول القاتل السيكوبائي التفلسف وبعث الرسائل المعبرة، كعادة مثل هؤلاء المجرمين "غير النمطيين"، كمثل تعنيفه الغريب لضحاياه بعبارات مثل "سأجعل منك رسالة ذات قيمة مضاعفة"، ولا شك ان ظهوره في آخر الفيلم، قد جلب الحيوية والطاقة، وصولا للذروة التراجيدية التي تمثلت بمقتل باتشينو "المحزن" بعد اصابته البالغة وسقوطه اثناء مطاردة المجرم، وقد ذكرتني هذه المشاهد بمقتله المؤثر "المحزن" في فيلم نولان اللافت "الأرق"، والذي عانى فيه من عقدة الذنب القديمة لمقتل رفيقه الضابط بالخطأ أثناء ملاحقة مجرم غامض "مريض نفسيا" في سيبيريا ...ولكن المحقق "رويني" يتأثر كثيرا هنا لمقتل زميله ورفيق دربه المهني "الغير متوقع" في هذه الظروف، فيقدم على قتل المجرم بعد سقوطه، وقد شعر بأنه ينتقم ايضا لمقتل زوجته الراحلة في ظل ظروف غامضة قبل فترة طويلة.

*لا شك ان "آل باشينو" ما زال يحافظ هنا على براعته الكاريزمية (حيث قدم الفيلم بنكهة أتلانتا مونرو/جورجيا)، وبدا هادئا وأقل عصبية كما يظهرعادة في معظم افلامه القديمة، وبالرغم من ندرة ظهوره في السنوات الأخيرة، الا انه كعادته يقدم دوما أفضل ما عنده، كذلك بالرغم من تواضع حبكة الفيلم وتكراريتها، مما دعى باقي النقاد (على موقع الطماكم الفاسدة) ومشاهدي "البوبكورن" العاديين لاعطائه تقييما منخفضا، ولكني بالعكس وجدت فيه بعض التشويق والمتعة بمشاهد تفاصيل الحبكة الشيقة وانعطافات الأحداث وبراعة التمثيل من قبل الجميع بلا استثناء، وهذا ما قادني للانغماس بمتابعة المشاهد بدون ان اشعر بالملل، كما تبين ان شخصية باتشينو (بدور المحقق آرتشر) قد تميزت هنا بالهدؤ والحكمة والتبصر وقلة الانفعال، مقارنة بنمط تمثيله في افلام مشابهة صدرت قبل اكثر من عقد، ومنها 88 دقيقة و"القتل الصالح او المبرر"(رايتآوس كيل).

ابقاءنا بحالة دائمة من التشويق والتخمين!

*نجح المخرج "جوني مارتن" بابقاءنا بحالة دائمة من التشويق والتخمين، وحاول أن يجمع جملة أفلام قديمة شيقة في فيلم واحد، أفلام لاقت رواجا مثل "سيفن و زودياك وجامع العظام"، مع الحد الأقل من التأمل والمناجاة، ونجح في توجيهنا للاتجاه الخاطىء خارج توقعاتنا، وأثبت لنا ان براعة الاخراج قادرة احيانا على تخطي المألوف المتوقع....وكمثل هذا النمط من أفلام الألعاب والألغاز والجرائم المتسلسلة، فلا يمكن تخمين حركات القاتل المتسلسل القادمة، فيما اذا فهمنا اساسا سبب اختياره للمدرسة والمعلمة في استهلاله الاجرامي، فلا زلنا لم نفهم اسباب اختياره لمسلخ الخنازير ومحطة القطارات، ولا كيفية تمكنه من شنق هؤلاء الأشخاص بهذه البراعة والتمثيل بجثثهم كما بدا، وهذه في اعتقادي تمثل ثغرات في السيناريو والاخراج تجعل المشاهد لا يأخذ ما يراه على الشاشة بجدية ومصداقية، وهنا يكمن الفرق الجلي بين الابداع والاقناع والمصداقية المشهدية والنمطية الدارجة الاستهلاكية، لنأخذ مثالين معبرين من فيلمي "صمت الحملان وهانيبال"، حيث تجرأ المخرجان المميزان حينها على توضيح مجريات الاجرام التفصيلية بشكل معبر ومقنع وصادم لحد ما!


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى