لمحة تعريفية عن السيميائية
إن معرفة السيميائية، تساهم في فتح أفاق جديدة في البحث أمام الفكر، وتنمية حسه النقدي، وتوسيع دائرة اهتماماته، بصورة تجعله ينظر إلى الظاهرة الأدبية، أو الاجتماعية بعمق، فلا يقنع بما هو سطحي، ولا يقتصر على الأحكام المجانية التي تعودنا عليها، لأنها لا تسد الرغبة الملحة في المعرفة، ولا يكتفي بنتيجة علمية، إلا بعد التحقيق من سلامة فرضيتها، وصحة التفكير الذي أفضى إليها. إن المعالجة السيميائية تبرز التوجه التوسعي لآليات المنهجية السيميائية، لاختراق مختلف مجالات النشاط الثقافي البشري، فهي لا تتوقف عند حدود السردية والشعرية، بل ترمي إلى تناول مختلف مجالات الوقائع الثقافية، وعليه فإن السيميائية وكما يراها "شارلز موريس"، أنها هي:’’العلم الذي ينسق العلوم الأخرى، ويدرس الأشياء أو خصائص الأشياء في توظيفها للعلامات، ومن ثم فالسيميائيات هي آلة كل العلوم (علم العلوم)، لأن كل علم يستعمل العلامة، وتظهر تاليا نتائجه طبقا للعلامات، إذن هي العالم الواصف أو علم العلوم، مما يستوجب استعمال السيميائيات بوصفها أورغانونا".
ويعتبر دوسوسير أول من بشر بميلاد هذا العلم، في محاضراته الصادرة1916 حيث قال: "اللغة نظام من العلامات التي تعبر عن الأفكار".
و فيما بعد استقلت السيميائية بموضوعها؛ في العصر الحديث، وأضحى لها اتجاهات عدة،
ونقطة الاختلاف بينها وبين القصدية؛ في العلامة، فهناك من يؤكد الطبيعة التواصلية للعلامة: علامة=دال+ مدلول + قصد
وهناك من يركز على الجانب التأويلي للعلامة؛ أي من حيث قابليتها للتأويل الدلالي بالنسبة للمتلقي.
ولتوضيح هذه بعض من أنواع السيميائيات:
1) سيميائية التواصل:
تهتم بدراسة طرق التواصل، أي دراسة الوسائل المستخدمة للتأثير والتواصل مع الغير، و المعترف بها من قبل الشخص المستقبل؛ أي أن تفرض وجود قصد التواصل من قبل المتكلم، يكون معترفاً به من طرف متلقي الرسالة، فمن منظورها تعتبر اللغة ما هي؛ إلا نظام تواصل، يتضمن قدراً كبيراً من الانسجام، سمح للدراسة اللسانية بالاهتمام بالنموذج الذي رسمه جاكوبسون: (البث- الرسالة- الملتقي- سنن الرسالة- مرجعيتها)، وذلك بتمكينها من تجاوز التطبيق اللساني، المحصور على جملة محدودة من الخصائص، التي تشتمل على الظاهرة اللغوية، إلى القراءة اللسانية للنصوص ومظاهر التعبير الأخرى.
2) سيميائية الدلالية:
هي دراسة أنظمة الدلائل، التي لا تستبعد الإيحاء، وترفض التمييز بين الدليل والأمارة، ومن الملفت للانتباه أن الحديث عن الظواهر الدلالية، يستدعي بالضرورة الحديث عن العلامة، لأن الظواهر الدلالية؛ ما هي إلا نسق مكون من علامات، أو رموز، ذلك باعتبار أن اللغة هي الشرط الضروري لنقل المعرفة، ومن دونها نصبح عاجزين عن تلقين أو تلقي أي معرفة. لأنها لا تحمل إلا بواسطة أدوات لغوية، وبالتالي لا يمكن أن نغفل عن البعد السيميائي، الذي تتوافر عليه النماذج التحليلية اللسانية، حيث أن العلامة تكون قابلة للتحليل، انطلاقا من قيم خلافية ناتجة في جوهرها عن علاقتها الداخلية.
- أما التحليل السيميائي، أو الدراسة السيميائية، فهي تشتمل على المبادئ الأولية للنظرية السيميائية، التي تندرج ضمن الممارسات النقدية، الساعية إلى فضح مكامن السقوط في النظام النقدي التقليدي، المبني أساساً على التقيد بالمسلمات وإصدار الأحكام المسبقة، ولئن كانت هذه الممارسات تشكل قفزة نوعية في الدراسات النقدية العربية.
والتحليل السيميائي يميز بين "السيميوتيقا النصية " وبين "اللسانيات البنيوية الجملية "، ذلك لأن هذه الأخيرة، تهتم بالجملة ترتيبا وإنتاجاً، وهو ما يسمي بالقدرة الجملية، والسيميوتيقا، تهتم ببناء نظام لإنتاج الأقوال والنصوص، وهو ما يسمي القدرة الخطابية. فغدى بذلك التحليل السيميائي يتعامل مع الأشكال السردية، بنظره كونية مستقلة، بوصفها ذات حمولة معرفية ترتبط بالعبقرية الإنسانية.
وهو أيضا – أي منهج التحليل السيميائي- ما يدعي بالقراءة السيميائية؛ التي تتطلع إلي الكشف عن دلالات السمات الكامنة في مجاهل اللغة، الطبيعية والاصطلاحية معاً.
كما أنه يهدف إلى استكشاف نظام البناء والعلاقات، في مختلف أشكال التواصل، وفق منطلقات منهجية ومرتكزات نظرية، لذلك فهو يمتد ليشمل مختلف الأنظمة السيميوتيقية، إذن يمكن القول عنه: أنه علم للجميع انساق العلامات.
مع العلم الطريقة المنهجية التي يقترحها التحليل السيميائي للخطاب السردي، تقوم على " إقامة نماذج منطقية، تحكم البناء الشكلي للمسار السردي ولانبثاق الدلالة، إن هذه النماذج تمثل أطر هيكلية مفرغة، يتم استنباطها من المدونة المدروسة، في شكل انساق تنتظم على أساسها مختلف التجسيدات، ذات الطبيعة السردية أو المتعلقة بالشخوص، أو الخاصة بالقيم المرجعية، التي تسند عليها الخطابات السردية ".
والخطاب السردي كغيره من الخطابات، يستند إلى السيرورة السيميائية للعلامة المتمظهرة في فعل المتواصل - الألفاظ المشكلة للغة - حيث أن الألفاظ في التركيب، تجرى مجرى العلامات والسمات، لاسيما وأن العلامة تستعمل بغية نقل المعلومات من أجل القول أو الإشارة إلى شيء ما. "ولا معنى للعلامة والسمة حتى يحتمل الشيء، ما جعلت العلامة دليلا عليه وخلافه".
لكن هذه العلامات اللسانية، إضافة إلى قابليتها للدخول في علاقات تركيبية، تتميز أيضا بقابليتها للتحول الدلالي، حيث تتحول العلامة في سياق معين، إلى علامة ذات دلالة مركبة، يتحول مدلولها إلى دال، باحثاً عن مدلول أخر.
إذن فقد اكتسب السرد مفهوماً سيميائياً جوهرياً، في ظل تطورات السيميائية السردية، حيث أصبح نشاطاً سيميائياً، يضطلع بتمثيل الوقائع كلها، بل أنه أصبح يمثل "مركزاً لكل نشاط سيميائي"، ووسيلته في ذلك؛ هي المحكي؛ الذي ما هو إلا علامة كباقي العلامات الأخرى، وعليه يكون المحكي أنموذجا أو ظاهرة سيميائية، ليست خاصة بنسق معين. ليبتغي لنفسه عدة سبل، لاسيما تلك التي تستند إلى التمظهرات اللسانية، مثل الحكايات، الروايات، الكتب.
وعليه فإن السيميائية تمنح السرد، "بعداً سيميائيا عاما، يتجاوز تلك النظرة المعهودة في الدراسات الأدبية"، التي ترى أن السرد ذو طبيعة لفظية لنقل الرسالة.
والرواية – على سبيل المثال- من بين الفنون الأدبية، التي تعتمد على جمع من الرموز، هاته الأخيرة التي تحتم بدورها على الدارس الاستعانة بالسيميائية، مع استثمار كل عطاءاتها وإجراءاتها، وكل ما يستظهر به المحلل على قراءة النص. مع أن دراسة الرواية سيميائيا أمر ليس بالهين، فهي تتطلب بحثا قائماً بذاته، مع انه قد لا يكتمل. " لو جئنا نطبق الأدوات السيميائية بكل حذافيرها، على نص روائي طوله مائتا صفحة، فقط، لخرج التحليل المكتوب عن هذه الرواية، في ألف صفحة أو أكثر من ذلك كثيراً ".
[1]
مشاركة منتدى
6 آذار (مارس) 2017, 20:08, بقلم khaled lemgharbi
بارك الله فيك اخي ... شكرا على المجهودات
31 آذار (مارس) 2017, 21:02, بقلم عبد الإله المالك
تعقيب: دوسوسير اعتبر اللسانيات فرعًا من علم شامل يسمى السيميولوجيا..وهو العلم الذي يدرس الأدلة أو العلامات في حضن المجتمع..وجاء بارت من بعده ليقلب المعادلة معتبرًا أن السيميولوجيا جزءًا، من اللسانيات، وهو ما برهن عليه في كتابه نظام الموضة أو التقليعة..شكرًا للباحثين المغاربة محمد الداهي ومحمد البكري وسعيد يقطين
24 تشرين الثاني (نوفمبر) 2017, 22:46, بقلم وحيد
اود منكم تعريف السيمائية لجاكبسون و مولينو وريقاتير و كرسيفا