الخميس ١ آب (أغسطس) ٢٠٠٢
القدس في الأرشيف العثماني

لم يكن لليهود وجود سكاني في القدس بين القرنين 16 و19

يحوي الأرشيف العثماني مائة وخمسين مليون وثيقة، ثلاثة ملايين منها تخص المدينة المقدسة .. القدس. فقد اهتم العثمانيون بأرشفة الوثائق الرسمية في القرن السادس عشر وبدأ اهتمامهم بحفظها في دور الأرشيف بعدما احترقت أجزاء من وثائق السراي، القصر السلطاني في عام 1754 ونقل المتبقي منها الى أول دار للوثائق وهو "المهتر خانة".

القدس العربية

وعند الحديث عن القدس يقول الباحث والمؤرخ البروفيسور محمد مهدي إلهان، أنها "عربية" ولا علاقة للصهاينة بالقدس ويثبت ذلك من خلال الأرشيف العثماني الذي يحتوي على الوثائق والأدلة.

وعرض إلهان لـ "المجلة" آخر الإحصائيات التي توصل إليها عن عدد السكان وتوزيعهم الديني في القدس، اعتباراً من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر وتثبت النتائج أن اليهود لم يكن لهم وجود سكاني في القدس حتى نهايات القرن التاسع عشر ولم يعطهم العثمانيون العهد مساواة بالمسيحيين لأنه لم يكن لهم عهد من صلاح الدين الأيوبي. وبالتحديد فقد سجل عددهم ارتفاعاً ملحوظاً وصل الى 30 ألفاً عام 1876، ومعظمهم من الأشكناز، يهود أوروبا المهاجرين الى القدس، ولم يتجاوز عددهم قبل تلك الفترة عدد سكان قرية وكانوا يسمون السفارديم.

ويدعي الصهاينة الإسرائيليون أنهم كانوا أكثر عدداً، لكنهم اضطروا لتغيير أسمائهم الى أخرى إسلامية كي يتخلصوا من دفع الجزية للسلطان العثماني وهذا ما يظهرهم قلة في تلك الحقبة من الزمن. ويفند هذا الادعاء بولنت أري الباحث المتخصص في الأرشيف العثماني بوثائقه التي توصل إليها من دار أرشيف، الباش باقانلق، التي تؤكد أن الأرشيف رصد أسماء اليهود الذي غيروا أسماءهم ولا يتجاوز عددهم المئات وجميعهم اختاروا أسماء التعبيد، وورد اسم عبد الله وعبيد لأسماء العائلات اليهودية التي استولت على المراعي ومنعت البدو من العرب الفلسطينيين من رعي مواشيهم فيها.

ويقول الباحث أري، إن المراعي في القانون العثماني كانت كلها ملكاً للسلطان ويمنع على العامة تملكها، بينما تدعي الأبحاث الإسرائيلية التي تعتمد على الأرشيف العثماني أن اليهود شكلوا النسبة الأكبر من السكان في القدس منذ القرن السادس عشر وهذا ما يروج له عدد من الباحثين الأتراك والأوروبيين ، ومنهم الباحث الدكتور مصطفى جوشكون مستشار وزارة الصناعة في أنقرة الذي نذر نفسه لخدمة الصهاينة في تأكيد ادعاءاتهم، وقد أنهى دراسته التخصصية في إسرائيل وعاد لاستكمال أبحاثه في الأرشيف بعد 12 سنة أمضاها في جامعة تل أبيب.

ويمكن الحديث عن عشرات من أمثال جوشكون، الذين يتلقون الدعم المالي والمعنوي من إسرائيل التي استقطبت علماء وباحثين في هذا المجال، بل ومنهم من يعرف في الأوساط العلمية بتجارة التاريخ علناً، مثل البروفيسور أويغور كوجاباشاوغلو، أستاذ التاريخ في الجامعة الأمريكية في أنقرة.

وهذا ما يؤكد صحة الادعاءات التي أطلقها عدد من أشهر العلماء الأتراك بتورط الباحثين في إتلاف عدد من الوثائق المهمة لصالح إسرائيل وهو ما يؤكده لنا الباحثون في التاريخ بالكشف عن أحد أهم الوثائق التي تؤكد تزوير اليهود المستندات والوثائق الخاصة بالملكية للعرب في القدس والوثيقة محفوظة في قسم الطابو في أنقرة.

تزوير الوثائق

فالوثيقة المحررة في 25 أكتوبر (تشرين أول) عام 304 حسب التاريخ العثماني، هي كتاب موجه من المشير حسين فوزي قائد الجيش الخامس الى القصر العالي في اسطنبول يبلغه فيها إحالة أوراق الأخوين اليهوديين مائير وصالامون روكا اللذين اعترفا بتزوير سندات الملكية الخاصة بالعقارات والأملاك العربية في القدس لمديرية المال في ولاية حلب (مدينة القدس كانت تتبع ولاية حلب)، لمصادرة أموالهما التي جمعاها من عملية التزوير لصالح اليهود. وهذا ما دعا القصر العالي الذي انتبه لنيات اليهود التوسعية في المدينة المقدسة لمنعهم من الدخول إليها.

ويثبت ذلك المؤرخ إلهان بوثيقة عثر عليها في أرشيف دفاتر المهمات ويرجع تاريخها الى القرن السابع عشر جاء فيها: إن السلطان امتنع عن السماح للقبطان هرمز من العراق بأن يحج الى بيت المقدس برفقة مائة من رجال وأمر بالسماح لعشرة فقط من أتباعه لمرافقته وذلك للحد من استيطانهم هناك.

"حائط المبكى"

كما تشير الوثيقة التي وضع الباحث إلهان يده عليها، ويعود تاريخها الى القرن السادس عشر، الى أن القصر العالي منع اثني عشر يهودياً من التعبد بكاء عند جدار في أحد زوايا مسجد عمر وتقول الوثيقة:

"بأمر من السلطان المعظم يمنع على اليهود التعبد عند الجدار (يدعون أنه حائط المبكى)"، وقد تبين بعد البحث بأمر السلطان عدم وجود دليل يؤكد الادعاء بأن الجدار المذكور هو من بقايا هيكل سليمان، وتوصل العثمانيون آنذاك الى أن القدس كانت قد تعرضت للدمار الشامل، بل لحراثتها من قبل الغزاة في القرن الثالث للميلاد، لذا يأمر السلطان في هذه الوثيقة والي طرابلس لمنعهم من تلك العبادة.

فيما يقول الباحث بولنت أري، إن القيود الضريبية التي أعدها العثمانيون اعتباراً من القرن السادس عشر وجددها السلاطين مرة كل ثلاثين عاماً تعتبر خير مرجع لتوثيق أعداد اليهود. ومن التدقيق في الأرقام وبطريق المقايسة، كما يقول أري، أثبت أن سكان القدس كانوا من العرب المسلمين والمسيحيين، أما الأعداد الواردة لليهود فهي ضئيلة، بحيث لم تعيرها الوثائق الضريبية أي أهمية حتى في التصنيف المبدئي لإيرادات القدس.

طلب قبرص

ولا ينكر أري النفوذ اليهودي في القصر العالي ويقول، أنه بدأ بعدما دخل اليهود أرض الإمبراطورية العثمانية عام 1492، عندما أرسل السلطان بيازيت الثاني سفنه الى إسبانيا لإنقاذ اليهود من بطش الملك الإسباني فردناند، الذي قتل وأحرق أكثر من مليون مسلم خلال سقوط دولة الأندلس.

ويكشف الباحث حقيقة النفوذ وأسبابه بأن السلاطين منذ ذاك التاريخ اعتمدوا على اليهود في جمع المعلومات الاستخباراتية وكان اليهودي جوزيف أرجيت مدير المخابرات السلطانية لدى السلطان القانوني، قد وظف لذلك التجار اليهود المنتشرين في أرجاء السلطنة ويتجولون في الدول الأخرى.

وتقول الوثيقة: إن جوزيف طلب من السلطان أن يوليه على إمارة جزيرة قبرص، في إشارة الى احتمال نية اليهود في الاستيطان في الجزيرة عوضاً عن فلسطين إلا أن السلطان رفض طلبه لأسباب مجهولة.

أما عن المساعي الصهيونية لتغيير الحقائق الواردة في الأرشيف العثماني فيقول الباحث إلهان: إن العديد من الوثائق نشرتها إسرائيل واستعانت بباحثين غربيين لتحريف الوثائق المحفوظة في أرشيف رومانيا والمجر والأمم المتحدة ومن أبرزهم، الباحث اليهودي يوريل هايد الذي نشر معظم الوثائق في قسم الأوراق الرسمية للدولة العثمانية ويطلق عليها اسم "مهمة دفتري".

فيما تتحدث مصادر مقربة من مديرية الأرشيف التابعة لرئاسة الوزراء عن تورط بعض العاملين في المديرية ببيع وثائق مهمة لعملاء المخابرات الإسرائيليين في بلغاريا عام 1931، وتقول هذه المصادر: إن عبد الرحمن شرف قد حال دون الاستمرار في تلك الجرائم. كما تؤكد أن معظم القائمين على مخازن الأرشيف زاروا إسرائيل أكثر من مرة، والغريب أنهم يعيشون بمستوى معيشي أعلى بكثير من المستوى الذي يمكن لمرتباتهم التي يتقاضونها أن تحققه لهم.

وثائق وتواريخ

كما تكشف هذه المصادر أن أبناء وأقارب عدد منهم يتلقون التعليم في جامعات ومعاهد أمريكية بأموال إسرائيلية، فيما حظي البعض منهم بالحصول على الدعم المادي والمعنوي لنشر الأبحاث والكتب التي أصدروها، وهي أيضاً تصب في مجرى الخدمات التي يقدمونها للادعاءات الصهيونية.

وقد فضح الكاتب التركي الشهير أرغون بويراز في كتابه (ستة أيام عشتها مع الصهاينة) هذه العلاقات وتفاصيلها وقد تعرض دار النشر لحرب أعلنتها عليه إسرائيل وانتهت الحرب بهزيمة دار النشر وسحب الكتاب من الأسواق.

الأرشيف العثماني

يوجد في تركيا أربعة من دور الوثائق الكبرى ويقدر عدد الوثائق العثمانية بمائة وخمسين مليون وثيقة محفوظة في المتاحف والمكتبات في أنحاء تركيا وعدد كبير منها مازال محفوظاً في متاحف الدول التي حكمها العثمانيون مثل بلغاريا ورومانيا والمجر وباقي دول البلقان ومصر وسورية والدول العربية الأخرى ويحتفظ بعدد منها أيضاً في مكتبات الأمم المتحدة.

أهم دور الأرشيف في تركيا
 أرشيف باشباقنلق (أرشيف رئاسة الوزراء)، أسسه كوجا رشيد باشا عام 1846، بعد تنصيبه صدراً أعظم (رئيس وزراء السلطان) للفترة (1800، 1858) وقد عين محسن أفندي أميناً عاماً لوثائق الصدارة وأمر بجمع الوثائق الحكومية كافة وإيداعها أرشيف الصدارة. وفي الفترة التي تلته تم تأسيس وزارة خاصة للأرشيف سميت (وزارة الأرشيف الحكومي).
 وفي عام 1937 حولتها الحكومة التركية الى مديرية أسمتها (المديرية العامة للأرشيف) وألحقت بها مديريات فرعية إحداها باسم مديرية التصنيف والفهارس وأخرى بعنوان مديرية التلخيص. وقد بدأ المؤرخون تصنيف الوثائق . ولهذا الغرض دعوا الخبير المجري كراجسون. وبعد مدة قصيرة من مباشرة عمليات التصنيف توقفت بسبب موته. واستؤنف التصنيف والفهرسة بإشراف علي أميري (1857-1924) وخلال هذه المدة تم تصنيف 180316 وثيقة حسب الترتيب الزمني وتمت فهرستها حسب الحروف العربية وقسمت الى ثلاثة أبواب هي:
1- وثائق الديوان الهمايوني
2- وثائق الباب العالي (الأصفي)
3- الوثائق المختلفة

ويقول أهل الاختصاص إن هذا المركز فيه أكثر من 100 مليون وثيقة تتعلق بأكثر من ثلاثين دولة وأن حوالي 15% منها فقط قد صنفت حتى الآن. ويشمل المركز 3 أقسام مهمة من الوثائق مصنفة على الشكل التالي:
 دفتر طابو تحرير
 دفتر المهمات
 الدفتر الوقفي


دانيال عبد الفتاح، أنقرة عن مجلة "المجلة"


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى