الأحد ٢ آذار (مارس) ٢٠٢٥

«لُعْبَةُ القَفْزِ مِنَ النَّافِذَة» لهدى الشماشي

تطرح قصص "لُعْبَةُ القَفْزِ مِنَ النَّافِذَة" للكاتبة المغربية هدى الشماشي تساؤلات وجودية، في محاولة للتوفيق بين حيوات أبطالها ومآسيهم الخاصة المتواترة عبر العصور.

تقع المجموعة الصادرة حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" بالأردن في 152 صفحة، وتضم 29 قصة حول مواضيع متعددة، يجمع بينها خيط رفيع هو المعاناة، في شتى صورها وأشكالها.

وتفتتح الشماشي مجموعتها وقصتها الأولى التي عنونتها "حكايات الغابات والنُّسور" بعبارة تؤصل لمنهجها على امتداد صفحات المجموعة، مهما كانت الظروف المحيطة بأبطالها، فتقول: "هذِهِ حِكَايَةٌ عن الأمل"، وإن كنا بعد قراءة القصة نظل نتساءل: هل هي حكاية عن الأمل، أم التماس له بعد ذلك العصف الذهني الذي عرَّضتنا له الكاتبة حتى الكلمة الأخيرة في القصة؟

تقول الراوية قرب نهاية القصة: «حولهم كانت تنتشر أصوات الطبيعة الهائلة المبهمة، وكانوا يطمئنون كل لحظة على وُجُودِهِم كنقطة صغيرة تتحرَّك في خريطة على الهاتف. إن المَشْيَ في الغابة شاعرية تقريبًا. نفض حسن عنه أوهام القصائد التي كتبها في الجامعة وأهازيج أمه بصعوبة، وحاول أن يكون عاقلًا تمامًا وهو يَدْخُلُ نومه عندما توقَّفوا للاستراحة أثناء الليل. همس لقلبه الذي كان يخفق بشدة: "كُلُّ هذا سيمضي"، غير أنه حَلمَ حُلْمًا بشعًا فيه عيون جهنمية وأجساد مبتورة ونسور حانقة تحمل صديقه وتُغَادر مُحَلِّقة إلى الأعلى».

وفي قصتها الثانية التي اختارت لها نهاية فانتازية، والتي عنونتها "المرأة التي تحولت إلى دخان"، تطرق الشماشي باب الحروب وما تخلفه من مآسٍ وحكايات إنسانية مؤثرة، إذ تقول: «دَامَت الحَرْبُ طويلًا جدًّا، ودهست الجميعَ بلا هوادة، حتى أولئك الذين نجوا.

كانت الحكاية قريبة جدًّا منا دائمًا، وبعيدةً أيضًا لأنه لا يُحِبُّ أن يَتذكَّرها أحد. إنها قصة عن جدَّتي، المرأة التي تحوَّلت إلى دخان.

هذه قفزة كبيرة إلى الأمام واستباقٌ غير مهذَّب للنهاية. قالت لي أمي إن الرجال كانوا في الجبال حينها، أما النساء فكن يختبئن مرتجفات في القرية ويستعرضن الاحتمالات السيئة كُلَّها. تُشارِف الشمس على المغيب فيبدأن بالدخول إلى بيوتهن بسكون ثقيل لا يخالفه حتى الأطفال».

ونلاحظ أن اختيار الكاتبة لعناوين القصة ليس اعتباطيًّا ولا كيفما اتفق، فقد اختارت أن تجعل العناوين هي نفسها قصة وكأن فهرس المحتويات هو من يحكيها، فعن المرأة التي تحولت إلى دخان، والرجل الذي يحمل مصباحًا في يده والبنت التي سمعت والولد الذي يسقط؛ تنسج هدى الشماشي تلك القصص وأخواتها، وكأنها تقصد الجمع بين كل أبطال الحياة اليومية المعيشة.

ففي قصة "الرجلُ الذي يحملُ مصباحًا في جيبه" تقول هدى الشماشي: «شغل موسيقى على الحاسوب وضغط وجهه على الطاولة. رقدت أمامه ثلاث أوراق مكرمشة كان قد خط عليها بعض الجمل. همس لنفسه: "قصة عن رجل يريد الموت، قصة عن فتاة تقع في الحب ويَنْكَسِرُ عنقها، قصة عن الرجل الذي يحمل مصباحًا في جيبه"».

وفي قصتها "بينما تنتظر" تؤكد هدى الشماشي فكرتها التي افتتحت بها المجموعة، وبنفس الألفاظ تقريبًا تقول: «هذه قصة أخرى عن الأمل».

ولا ندري هل أرادت الكاتبة الاستمساك بالأمل وحث القارئ عليه أيًّا ما كانت الظروف، أم أنها تسخر في النهاية من كل شيء! تقول هدى الشماشي في سياق تلك القصة: «وهذه تفاصيل أكثر مما يجب لليلة واحدة، ولكنَّ ليالي كثيرة حلت، وسرعان ما تعوَّدت على كل شيء.

إن هذه كما قلنا قصة عن الأمل، ولذلك فلنركّز على موضوعنا: "لقد كانت ليلى تنتظر الحب"».

هل الحب هو الأمل، أم أن الأمل هو ما نبحث عنه حين يقذف بنا الحب في هوَّة بلا قرار!

ولا يأتي عنوان القصة الخاتمة في المجموعة اعتباطيًّا كذلك، بل إنه كالمخطَّط له يثبت وجهة النظر التي تتبناها المجموعة، وهي الاستمساك بالصبر والأمل، وكل مر سيمر، تقول هدى الشماشي في القصة الأخيرة بالمجموعة، والتي عنونتها " لَنْ تَكُونَ حزينًا أبدًا": «تنظر إلى السقف وتتخيَّل مسجدًا من ذلك الزمن القديم وأتباعًا ومريدين، وترى أنهم جميعًا يكتبون على لفائف ورق مُصْفر، أما الجد فيحدِّق إلى البعيد ويبدو كمن يقرأ من لوح غير مرئي. في لحظة ما يبدو لها أنها تدخل حالة انخطاف حقيقي. ينظر الجد إلى واحد من تلاميذه بتمعُّن ثم يقول له إنه لن يكون حزينًا أبدًا. إن التلاميذ الآخرين يحسُّون بالخدر والذهول وسرعان ما يشتعل الحسد في قلوبهم أيضًا، وعندها تَكُونُ هِيَ ذلك التلميذَ المتورِّد الوجه وتتوقف فجأة عن أن تكون نفسها...»

يذكر أن هدى الشماشي حاصلة على الإجازة في الفيزياء. تعمل بميدان التعليم. تكتب القصة والمقالة في عدد من المنصات العربية. حازت على جائزة سرد الذهب للقصة غير المنشورة سنة 2023 عن قصتها "مرثية العطر والبحر".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى