الاثنين ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٤

مؤتمر الثقافة الشعبية يطالب بمجلس قومي عربي لصيانة الهوية

بيروت - سلوى التميمي:

تظاهرة ثقافية عربية شهدتها العاصمة اللبنانية بيروت عبر المؤتمر السادس للثقافة الشعبية العربية الذي عقد مؤخرا ولثلاثة ايام على التوالي وتحت عنوان “الثقافة الشعبية في عالم متغير”. كان ثمة اكثر من محور ثقافي، واكثر من اضاءة، وحضور شامل للتحديات التي تشهدها ثقافتنا الشعبية والثقافية العربية بالمطلق في ظل المستجدات والتحولات التي تغزو عالمنا العربي. “الخليج” رصدت نبض هذا المؤتمر وحركته وطرحت مع عدد من المشاركين فيه اشكالية الثقافة العربية وهموم المثقف العربي وما تتعرض له الهوية العربية عموما من محاولات حادة لطمسها وتغييبها. فما القضايا التي طرحها المؤتمر؟ وما هي أبرز توصياته وتقويم الحضور لها؟ وأين هو فعلا من قضية الثقافة والمثقفين وهموم الوطن؟ وأسئلة كثيرة نختصر من خلالها ابرز وأهم عناوين هذا المؤتمر.

بداية، ما الاضافات التي قدمها المؤتمر للثقافة الشعبية العربية؟ الناقد والصحافي العراقي أثير محمد شهاب يقول:

ربما تعتبر أهم خطوة أو انجاز قدمه هذا المؤتمر من خلال أعماله ومن خلال المحاور والبحوث والاوراق التي طرحها هي التذكير بالهوية التي ضاعت منا في ظل المتغيرات الجديدة والطوارئ الجديدة في زمن العولمة. فالثقافة الشعبية هي جزء من الهوية الوطنية والثقافية لكل المجتمعات، اضافة الى أننا في مواجهة مستمرة لتغييب الهوية عبر ما يسمى بالعومة. استطيع القول ان هذا المؤتمر هو تجسيد للهوية الوطنية وللثقافة العربية عموما. لقد اكتشفت خلال رحلتي الى لبنان بأن هذه الهوية لا تزال فاعلة ومستمرة. وعلى سبيل المثال ادهشني ان المعمار في بيروت يحمل طابعا مشابها لبغداد وذكرني احد الشوارع فيها بشارع الرشيد في بلدي في بغداد.

من جهته، وعلى السؤال نفسه اجاب د. محمد عيسى الحريري عميد كلية الآداب في جامعة المنصورة سابقا وأستاذ مادة التاريخ في كلية الآداب قائلا: استكمالا للفكرة التي طرحها الاخ أثير حول تشابه فن الهندسة المعمارية في بيروت في الشكل العام أو في بعض الشوارع، أرى في بيروت مدينة الاسكندرية. أحسست وأنا أسير في شوارعها وكأنني فعلا في الاسكندرية، وهذا يؤكد ان الهوية العربية واحدة ولن تستطيع ان تؤثر فيها أية قوة خارجية مهما كانت عظمتها ومكانتها. هذا المؤتمر يقدم الآليات التي يمكن ان نعتمد عليها كاملة في المحافظة على تراثنا وثقافتنا الشعبية وتفعيلها لكي تقف على الطريق الصحيح لمواجهة هذه الهجمة الشرسة أو ما يسمى بالعولمة. فالثقافة في رأيي هي خط الدفاع الاول في وجه هذه المؤثرات الوافدة وهي قادرة على المواجهة اذا زودت بالعناصر اللازمة.

أما د. عفت ابو شقرا استاذة علم الاجتماع والانتروبولوجيا في الجامعة اللبنانية والمشاركة في المؤتمر ببحث ثقافي بعنوان “الثقافة والحرية” فهي تقول: في تقديري ان القواسم المشتركة بيننا معروفة، بينما المتمايز في الثقافة الشعبية غير معروف، ونحن هنا نعمل على هذا التمايز وهذا التنوع الذي لا يعتبر اختلافا، لأننا نتفق على القواسم المشتركة في جميع الدول العربية ونعرفها ونقرها. المطلوب ان نعرف أين يبدأ التمايز. يمكن القول انه جغرافيا يوجد اختلافات، وفي العلاقات المباشرة مع الدول المجاورة يوجد اختلافات، وهذا كله يشكل نوعا من الاختلاف لا الخلاف. وأتساءل هنا ان كان علينا ونحن نعيش في لبنان ان نكون جميعا صورة طبق الأصل. كل واحد منا يبقى لديه هامش من الحرية الى ان يتمايز.

فيما يرى د. محمد الحريري من القاهرة توصيات المؤتمر فيقول: لو عدنا الى التوصية الاولى لهذا المؤتمر “وجود أو تكوين مجلس قومي عربي لرعاية الثقافة العربية” لوجدنا انه يضع آليات للثقافة العربية لمواجهة أية ظروف طارئة سواء العولمة أو غيرها. وهو يضع هذه الآليات أمام المسؤولين قادة وزعماء ورؤساء دول ليضعوها في اعتبارهم. وهذه التوصية التي أشرت اليها هي آلية خطرة جدا فيا لو تمكنا من تفعيلها حقيقة، وهي تستطيع ان تجسد آمالنا في ان يكون لنا شخصيتنا وثوابتنا التي نتمكن بها من مواجهة أية طارئ.

خصوصية المجتمع العربي

وتساءل د. رفعت الرميسي استاذ الاقتصاد السياسي وعضو محكمة القيم في القاهرة، وهو الذي طرح فكرة تأسيس مجلس قومي عربي لصيانة الثقافة العربية حول مجموعة من الطروحات قائلا: لو عدنا لعنوان المؤتمر “الثقافة الشعبية في عالم متغير” ولم أقل الثقافة الشعبية، لأنني اعتقد تماما ان الثقافة بصوة عامة تواجه أزمة. والسؤال المطروح فيه شيء من التفكك. فهل هي أزمة مجتمع أم أزمة ثقافة أم أزمة مثقف؟ النظام الدولي الجديد ولا أريد ان اسميه بالعولمة اذ تعددت الاسماء واختلطت الاوراق حتى ان هناك من يسميه عصر “المعلومالية” وهو يعني تراكم الثروة المالية مع تراكم الثروة المعرفية وأعتقد ان هذا هو الاسم الدال على حقيقة هذا العصر اذ يوجد انفجار معلوماتي ضخم يرافقه انفجار مالي ضخم جدا ايضا والمال السياسي يلعب اليوم دوراً خطرا مع المعلومات ونحن بصورة او بأخرى مغيبون عن المعلومات وعن المعرفة، فالمعرفة تملكها الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية. والعالم الخارجي اليوم يبحث عن مصالحه ويفجر المعلومات والمال والتحالف بين المعلومات والمال لتحقيق هذا الهدف، وقد نكون نحن من ضمن المستهدفين على طريق تحقيق هذه المصالح!

شخصيا، وجدت وأنا اتحدث عن الثقافة العامة والمثقف والمجتمع ان قضية اساسية تبرز امامي وتتمثل بخصوصية المجتمع العربي. فنحن لدينا هاجس الهوية منذ زمن وليس اليوم فقط هاجس الهوية هذا تشكل لدينا بدءا من القرن التاسع عشر ومنذ زمن التحديث وزمن رفاعة الطهطاوي وجماعة النهضة، ولكن لاختلاط الرؤى واختلافها على مدار مائة سنة او يزيد لم نصل بعد الى رأي حول التحديث او الحداثة والتغريب، وعن هذا ايضا نسميها اسماء مختلفة مما أوقعنا مع بعضنا في اشكاليات معرفية خطرة جدا دون ان نصل الى نتيجة فأصبح هناك مثقف غربي ومثقف شرقي ومثقف لبناني وآخر مصري.. الخ.

وحول سؤال وعي مقومات التغيير الذي جرى الحديث عنه في المؤتمر يجيب د. محمد الحريري: بداية لابد ان أشير الى التوصية الثانية التي وضعها المؤتمر والتي تدلل على اهميته، تقول ان اجهزة الاعلام العربي مقصرة جدا في حق التراث وحق الثقافة الشعبية مما يستدعي التنبه الى ضرورة قيام الاعلام العربي، وبصفة خاصة الفضائيات لعرض التراث والثقافة الشعبية والتأكيد عليها والالحاح على ذلك ليصبح هناك صلة ما بين القديم والجديد. من هنا تحدث نقلة جديدة، وهذا لا يعني ان الجديد ينفي القديم او يلغيه وانما يطوره ويضيف اليه اثراء وغنى يحفظه لتتناقله الاجيال، وأنا كمؤرخ لا أستطيع ان انفي فكرة المؤامرة عن الغرب، وما يقوم به هو مؤامرة لتحقيق مصالحه في العالم ونحن جزء من هذا العالم، واذا استعرضنا تاريخنا منذ ألف سنة مثلا فسنجد ان الحروب التي جاءت باسم الصليبية كانت تحمل شعار الصليب لكنها في الحقيقة صورة من صور الاستعمار في العصور الوسطى. وبعدها جاء الاستعماران البريطاني والفرنسي وكلنا يعرف ما حدث في الجزائر لتغيير الهوية ولكن التراث الجزائري هو الذي حافظ على هذه الهوية او شارك في الحفاظ عليها، كذلك ما حدث في مصر حين احتلها الانجليز لمدة اثنين وسبعين عاما حاولوا خلالها بكل امكانياتهم ان يغيروا بحيث يصبح شعب مصر جزءا من انجلترا لكن هذا ايضا لم يحدث، من هنا نقول ان هذا المشروع الجديد للهيمنة على الامة قد يحقق بعض النجاحات في بعض الاجزاء ولكنه لن يستطيع ان يحقق النجاح الشامل، اذن فكرة المؤامرة موجودة والغرب يريد ان يسيطر على العالم لكنه يعد لكل جزء مشروعا خاصا به.

اشكالية الثقافة تبدأ بالسلطة

وبدوره رأي د. رفعت الرميسي انه من الضروري الانطلاق من العام الى الخاص مع التوجهات والمتغيرات الكاسحة التي تحدث اليوم في العالم، وقال “يجب ان نرى ما التحديات التي أمامنا ومن خلالها نستطيع ان نحدد درونا، ولكن للاسف عندما نتأمل دور المثقفين والمفكرين والحالمين نجده بين شد وجذب، وبين اليأس والرجاء وتشاؤم العقل وتفاؤل العزيمة لأن حجم الصعاب التي امامنا خطر جدا جدا.

للاسف نحن نتصور اننا بمجرد ان نحيي بعض آليات التراث سنواجه هذه الهجمة الشرسة. في الحقيقة ان عملية الحفاظ على التراث أمر مهم جدا ولكن الثقافة الشعبية هي جزء من مكون رئيسي من الثقافة التي نتلقاها والتي علينا دعمها والتمسك بها لنواجه تلك الهجمة الثقافية الشرسة التي نتعرض لها. أمريكا والغرب تبحثان عن مصالحهما ولتحقيقها تصبح ثقافتنا وهويتنا وكياننا كأمة مستهدفة بكاملها. وحول سؤال ماذا عن عملية احياء التراث الثقافي والشعبي في مواجهة هذه الهجمة يقول الرميسي: حين نتحدث عن احياء التراث لابد ان نتحدث عن عملية تنشيط اللغات الحية، اذ لا أرى ضرورة لإحياء التراث دون ان نتكلم اللغات الحية ودون ان نعرف شيئا عن عصر الاتصالات والمعلومات والانفجار المعلوماتي الحاصل اليوم، لا يفيد احياء التراث ونحن بعيدون كل البعد عن المتغيرات التي تجري وآليات الحرب وآليات المال الموجودة اليوم، وأقول إذا كنا سنستفيد شيئا من الثقافة الشعبية فعلينا السعي في هذه المرحلة للتركيز على الهوية وتحديد لغتنا وديننا ثم نذهب الى اشكالية الثقافة العربية، وأنا اتصور ان الاشكالية تبدأ بالسلطة، فالهيمنة الموجودة من الخارج وجدت طريقها من خلال السلطة ومن خلال بعض الآليات التي بدأت تظهر اليوم مثل المجتمع المدني، الذي هو بحد ذاته فكرة طيبة كونه يحل ديكتاتورية الحكومة ويأتي بديمقراطية الشعب، ولكن الذي يحدث في الحقيقة ان العولمة الثقافية تنادي بمجتمع مدني وفي الوقت نفسه تؤمن بتكريس السلطة والامثلة على ذلك كثيرة، لقد بذلنا مجهودا كبيرا في تعليق كل سلبياتنا ومشكلاتنا وأزماتنا على المشجب الخارجي “العنصر الخارجي، الاستعمار، القوى الاجنبية، حضارة الاستهلاك..الخ، ولم نسأل أنفسنا ماذا فعلنا او نفعل لتصحيح أوضاعنا بأنفسنا، لماذا لا نعدّل او نغيّر او نواجه انفسنا بصراحة ونقف وقفة جادة لاعادة تقويم وتصحيح مسارنا وأوضاعنا؟

شخصياً اعتبر ان اشكالية الثقافة العربية اليوم هي تسلط السلطة عليها. واذا لم نخرج من هذا المأزق فسنجد انفسنا نخسر هويتنا وأوطاننا وثرواتنا. لابد من الوصول الى حل جذري من تسلط السلطة السياسي. والذي هو عملياً يمهد الطريق لاجتياحنا من الخارج

بيروت - سلوى التميمي:

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى