السبت ١٩ نيسان (أبريل) ٢٠٢٥

معبر زوج أبطال

مصطفى الحلوي

في روايتها "معبر زوج أبطال"، تخط عبير عزيم دربًا شائكًا في الذاكرة المغاربية، حيث تتقاطع السياسة بالوجدان، والتاريخ بالعلاقات الإنسانية. حيث تُجري جراحة دقيقة في نسيج ممزق بين شعبين كانا يوما شقيقين، ولا زالا، رغم الحدود والأسلاك الشائكة، يبحثان عن ظل شجرة واحدة تحتضنهما من ريح القطيعة.

تتناول الرواية تَركُّمَ العداء بين الجزائر والمغرب من قلب التجربة الفردية، حيث يصبح التاريخ حملاً شخصيًا على أكتاف البشر العاديين. لا تبحث الروائية الناشئة عبير عزيم عن الجناة بقدر ما تسلط الضوء على الضحايا: أولئك الذين لا يكتبون البيانات الرسمية، لكنهم ينامون كل ليلة على وسادة من الخيبة، ويستيقظون على نداء حب لم يُكمل طريقه.

يوسف، الطالب المغربي في الصحافة، هو ابن الماضي المُقصي، الذي يحمل آثار الطرد الجماعي لمغاربة الجزائر عام 1975، لكنه لا يعيش هذا التاريخ كمجرد حدث، بل كظل طويل يرافقه في أحلامه وهويته، وهو يبحث عن صوت آخر غير صوت الكراهية. هدى، المعلمة الجزائرية، تحمل هي الأخرى موروثًا من الأسى الصامت، نشأت على سرديات متضادة، لكنها تنحاز في النهاية إلى خيار الإنسان، لا الرواية الرسمية.

يتقاطع طريقهما في فضاء رقمي، لكنه يتحول إلى معبر روحي، وجغرافي، وسياسي. بينهما تنمو علاقة ليست فقط حبًا بالمعنى العاطفي، بل شكلًا من أشكال المقاومة الرمزية، بحثًا عن الحقيقة وسط ضجيج المزايدات.

عزيم تكتب بأسلوب هادئ من حيث اللغة، لكنه عميق من حيث البنية الدرامية. تجعل من يوسف وهدى "زوج أبطال" لا لبطولتهما الخارقة، بل لقدرتهما على الوقوف في وجه سرديات التفرقة. المعبر الذي يشيدانه، ليس مجرد تواصل عابر، بل مشروع رمزي لإعادة بناء الذاكرة، وترميم المعنى المشترك.

الرواية لا تقدم حلولًا سياسية، لكنها تؤمن بأن الإنسانية المشتركة هي أول الطريق إلى المصالحة.. تجعلنا نتساءل: كم من يوسف وهدى يعيشون بيننا، يبحثون عن كلمات لم تُقل، ورسائل لم تُرسل، وأحلام لا تعرف طريقها إلا عبر المعابر المحفوفة بالخوف… والرجاء؟

مصطفى الحلوي

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى