الأحد ٢٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم سعيد العلمي

مَرثاة نـِكاسـيو سـولـيـس

إلى روح صديقي وزميلي طيلة سنين في إذاعة (راديو ناثيونال دي إسبانيا) نيكاسيو سوليس المتوفى في شهر أغسطس 2006 بشكل فجائي عندما كان وحيدا في بيته قبل موعد وصوله للعمل بثلاث ساعات

أعـلـَمُ أنّ الـحَـيـاةَ سَـرابْ
وأعـلـمُ أنـّي وأنـتَ تـُرابْ
وأنّ المَماتَ مَآلُ الحَياةِ
وكلٌّ سَيـَشْرَبُ هذا الشّرابْ
ولـكِنـّكَ الأمْسَ كنتَ السّميرَ
وكان حديـثـُكَ مِلَء الرِّحـابْ
وكُـنـْتَ تـُخَطـِّطُ باقي الحَياةِ:
"ثلاثون عاما بقت للـذهاب"
وكنتَ لتـَبدو كَوَرْدِ الرّبـيع ِ
كأنـّك في عُـنفـوانِ الشّـبابْ
وكُـنـتَ تـَجاوَزْتَ خـَمْسينَ عاماً
وأمعَـنْتَ في العـَيْـش ِ دونَ اكتِئابْ
كمِـثـْـل ِ رعـيـلِكَ حُـبُّ الحَياةِ
يـُمَيـّـزُكـُمْ مِنْ عَجوز ٍ وشابْ
وكنتَ نِكاسيو لـخَـيـْر رفـيـقٍ
بأيام ِشُغـل ٍِ طويل ٍ يـُهابْ
لكم مرةً قدْ مَـشَـيْـنا الرُّواقَ
تـُحَـدّثــنـي عـن غدٍ لا يـُعابْ
وكَمْ قهْـوَةً قدْ أخـَذْنـا سَـويا
وجدْتـُكَ فيها مليءَ الجـِعابْ
بفِكْر ٍ غزير ٍ وقلبٍ حرير
تـُحَـدّثُ حتى يكٍلَّ الخِطابْ
وكُنـْتَ بـِسُمْرَتِـكَ المَشرقِيُّ
فخوراً بـيـَعـرُبِ دونَ اضْطِرابْ
تقولُ "ألا انظـُرْ لوَجهي مـلـيـّاً
لتـُدْركَ أصليَ دونَ ارتيابْ "
لـَكمْ قد شكوْتَ غلاظةَ ابنٍ
وأرْصُدَ في مقـلـتـَيـْكَ العَذابْ
لـَكَمْ أهـمَلوكَ ولمْ يـَسْمعـوكِ
لتـُضحي وحيدا ً وترنو لـبابْ
فـَزَوجُكَ وابناكَ تاهوا بكُرْهٍ
وخَلـّوكَ وحْدَكَ، قانونَ غابْ
ملايينُ مثـْـلـُكَ ربـّوا وحوشا
بـمُـجـتـَمَع ٍ ضلّ فيهِ الشّـبابْ
وحربٌ ضَروسٌ تـُطيـحُ البـيـوتَ
قوانينُ سُنـّتْ لنـَشْر الخَرابْ
فَمُتَّ وحيدا ً وخَلـْفَ الجـِدارِ
وسَبـْعٌ مَضَيـْنَ ولا مِنْ جَوابْ
تـُحَدِّقُ فيكَ الكَراسي وتـَبـْكي
وتسألُ هلْ ماتَ كُلّ العـِبادْ!
وكُـتـْبـُكَ تـَلـْطـُمُ خَـدّا ً وتـَشكو
وتـَنْـشُجُ إذ لا يُـفيدُ انتـِحاب
أصائِصُ وردِكَ في شُرفَةٍ
عويلٌ لـهـا دقَّ وجْهَ السّحابْ
تـُحَـدِّقُ عيـْناكَ مِنْ خَـلـفِ موْتٍ
بصورة ابنـيْكَ، تَـرمي عِتابْ
ودمْـعكَ جَـفَّ على وَجـْـنـَتـيْـكَ
يـُحدِّثُ عَـنكَ وحَـتـماأصابْ
ورسمٌ قديمٌ لـَكـُمْ أجـمَعـيـنَ
حُـبـورٌ يـَشعُّ كـَزَخِّ الشّـهابْ
وأنتَ بوَسْطِهُمو كالمَـليكِ
وعـيناكَ خاليةٌ مِن ضبابْ
وإبـْناكَ طِفلانِ مـِثْـلَ الزُّهورِ
يُحيطانِ ساقـيْـكَ، خيـْـرُ انتـِسابْ
وزَوْجـُكَ ترنـو إليـكَ بـِسَعْـدٍ
تبـثــُّـكَ شَـْوقا ً وحُـبـّاً مُـذابْ
وأنتَ مُسَجّى وحيدا ً ومَيْـتـاً
وهُمْ قدْ نـَسوكَ وأحْـنوا الرِّقاب
ومرّتْ عَـلـيْـكَ وحيدا ً بموتٍ
لأيـّامُ فـُحـْتَ بـِها كالسّـُبـابْ
وها أنـَـذا عـِنـدَ نـَعْـشِكَ وحْدي
وقد أغلقوهُ لفـُحْـش ِ الخَـرابْ
كأنـّكَ إذ ما هُجِرْتَ وَوَلـّوا
لـَـتـَـْرفـُضَ مـنـْهُمْ وَداعَ الكِلابْ
نِكاسـيو أجـَدْتَ بمَوْتـِكَ لـكـِنْ
تركـتَ ذويكَ برَهْـن ِالعـِقابِ
فـَإبناكَ ما بـَكـيا ما أراقـ
ولا دمْعَةً فـيـكَ... يا للدَّوابْ
وزوْجُـكَ كانـتْ كـسيرةَ قـَلـْبٍ
وأنهَكَها الدّمْعُ حـتـّى أذابْ
ولستُ لأعـلمَ كـَـنـْهَ الدّموع ِ
ولا سِرُّ غَـمٍّ نَـهـَشْها بنابْ!!
ألم تَكُ قد غادَرَتـْكَ وحـيداً
ولقــّـنـَت الولدَ نـَهْجَ الذِّئابْ!!
نكاسيو الإذاعَـةُ دونـَـكَ حـُزْنٌ
وغُـصـّةُ مَوْتِـكَ مِثـْـلَ الحـِرابْ
بمـَوْتـِكَ مِـتـْـنا قـليلا ً جـمـيعاً
وخلـّـفْـتـَـنا لنـَعيـق ِ الغـُرابْ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى