

نبوءات الثورة في الشعر المصري
مارد رفض وانتفضزلزل عروش العار
هذا ما تنبأ به الشاعر «الخارج على القانون» والمتمرد أحمد فؤاد نجم قبل أكثر من ثلاثين عاما ويتحقق اليوم، وربما يكون نجم أكثر شاعر مصري عبر عما يحس به الشعب البسيط المسحوق، حيث كان ملتصقا بالطبقات الفقيرة والمسحوقة والتي تشكل الغالبية الساحقة من الشعب المصري، فعكس ما يفكر به الشعب في شعره، وكثيرا ما وصلنا هذا الشعر عبر صوت وألحان الفنان الشيخ إمام زميل ورفيق نجم، وقد تلقينا تلك الأشعار والأغاني بفرحة أيام الدراسة في الجامعة، حيث اتفقت مع مشاعرنا ومع الحراك السياسي آنذاك، وان بدت بعض تلك الأشعار أيامها أمنيات أو مشاعر جميلة تزرع الأمل في النفوس، لكنها اليوم ومع اندلاع ثورة الغضب المصرية تبدو تلك الأشعار وكأنها تنطلق اليوم من جديد وتعكس حقيقة ما يجري في الشارع المصري وتصف لنا الواقع الحالي.
وتعكس قصيدة «هما مين» حقيقة الصراع ما بين الشعب والطغمة الحاكمة، حيث تصور وبسخرية لاذعة الفوارق بين الطبقة الحاكمة والطبقة المحكومة، حيث يفتتحها الشاعر بوصف الحال وكأنه حال مصر اليوم:
هما مين واحنا مينهما الأمرا والسلاطينهما المال والحكم معاهمواحنا الفقرا المحكومينحزّر فزّر شغّل مخكشوف مين فينا بيحكم مين" ص748
ويواصل نجم عقد المقارنة بين الطرفين، بين من يمسك ويسيطر على مقدرات البلاد والمراكز الحساسة فيها، وبين من يعمل ويعرق ويخدم دون مقابل ودون كرامة الى أن يصل الى نهاية القصيدة التي تصف نهاية الصراع ومن سيفوز فيه في النهاية والتي تعكس موقف الشاعر وصدق رؤيته:
حادي يا بادي يا عبد الهادييا للي عليك قصد الغنوا ديلما الشعب يقوم وينادييا احنا يا هما في الدنيا ديحزر فزر شغل مخكشوف مين فيناحيغلب مين" ص754
والمعنى واضح وهو يتحقق اليوم في الثورة على الحكام الفاسدين وأصحاب رأس المال والملاكين الكبار في مصر. وكان أحمد فؤاد نجم قد حذر من طول الصمت الذي يغط فيه الشعب المصري:
" أيها المواطنونأيها المواطناتمصر من طول السكاتبتناديكمتسمعون؟" ص110
ويتابع في قصيدة "اصحي يا مصر" بالدعوة للخروج عن الصمت والنهوض من النوم لتحرير الوطن من مستغلي خيراته وناهبي أمواله:
" اصحي يا مصراصحي يا مصرهزي هلالكهاتي النصركوني يا مصر وعيشي يا مصرمدي ايديكيوطولي العصراصحي وكوني وعيشي يا مصر" ص311-312
حيث يحث العامل على الصحوة لأن جهده يحصده " الحرامية" والفلاح يمتص جهده "السمسار" ويصف الجندي على أنه الابن المخلص للوطن والذي سيحرر البلاد من الاستعباد فهو ابن الشعب وهو حامي الشعب، ألم يستنجد أبناء الشعب بالجنود واستدعوهم ورحبوا بهم في الشوارع والميادين في ثورتهم الأخيرة؟ وكأن نجم يقول بلسانهم:
" اصحى يا جندي ودق الكعبحرّر مصر وطهّر مصراصحي وكوني وعيشي يا مصر" ص317
ففي قصيدة "شيد قصورك" يسخر من الحاكم الفاسد والطاغي الذي يشيد قصوره من كد وعمل الناس ويفتح السجون لهم ويطلق أعوانه والمستفيدين من النظام بكلمات لاذعة تصور ما شهده بالضبط "ميدان التحرير":
"شيد قصورك ع المزارعمن كدنا وعمل اديناوالخمارات جنب المصانعوالسجن مطرح الجنينةواطلق كلابكفي الشوارعواقفل زنازينكعلينا"
فهذا ما فعله الحاكم "المخلوع" حسني مبارك الذي أطلق "كلابه" لينهشوا أبناء الشعب المنتفضين، لكن عندما يتحد العمال والفلاحون والطلاب تقوم الثورة التي ستنتصر حتما على أنظمة الطغيان والديكتاتورية:
" والتقينا
عمال وفلاحينوطلبةدقت ساعتناوابتدينانسلك طريقما لهش راجعوالنصر قرّب من عنيناالنصر أقربمن ادينا" 609-613
أليس هذا ما حدث في الأيام الأخيرة ويجري اليوم في مصر؟ ونحن بانتظار النصر المنشود.
* الأشعار مأخوذة من "ديوان أحمد فؤاد نجم" الأعمال الكاملة في جزأين، طبعة أولى 1986نبوءات