الخميس ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٤
حُسن شاه: الاعلام العربي ذكوري

نصف قرن من الصحافة والسينما

حوار: ميرفت الخطيب ـ مصر

رأت حُسن شاه الاعلامية المخضرمة والكتابة والناقدة السينمائية ان الاعلام العربي وعلى الرغم من تقنياته الحديثة والمتطورة لم ينصف المرأة في وسائله المتنوعة والسبب في ذلك - كما تقول - يعود الى الشخصية الذكورية المهيمنة على معظم وسائل الاعلام باحتلال مواقعها القيادية.

حُسن شاه التي تنتمي الى الرعيل الاول بعد جيل روز اليوسف وامينة السعيد وهن رائدات في العمل الاعلامي، ترأست تحرير مجلة “الكواكب” في مؤسسة اخبار اليوم لمدة عشرة اعوام، اضافة الى انها تعد من اهم الناقدات السينمائيات، كما استطاعت هذه المرأة المصرية والتي يزيد عمرها على 65 عاما ان تسخر دراستها وتخصصها الاكاديمي في الحقوق اضافة الى خبرتها وتعاطيها المباشر مع القضايا المجتمعية، الى افلام سينمائية ما زال صداها قويا حتى الآن واهمها “اريد حلا” والذي لعبت دور البطولة فيه سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة الى جانب رشدي اباظة وطرحت فيه قضية الطلاق وحقوق المرأة وعدم وجود قانون للاحوال الشخصية كان له الاثر الكبير في الالتفات الى هذا الموضوع وبالتالي صدور قانون ينظم تلك العلاقة في مصر.

وحُسن شاه اليوم وبعد تقاعدها لا تزال محافظة على مكانتها الصحافية فهي صاحبة باب ثابت في جريدة اخبار اليوم يحمل عنوان “اريد حلا” نسبة الى الفيلم كما انها قامت بتأليف مسلسل تلفزيوني جديد لم يعرض بعد يطرح مشاكل الازواج ولكن باطار كوميدي. وشاه تقوم حاليا بزيارة اسرية الى ابنها المقيم في دبي التقيناها وكان هذا الحوار:

 كيف يتعامل الاعلام اليوم مع المرأة العربية؟
 ما زال يوجد تجاهل لقضايا المرأة لأن معظم رؤساء التحرير يحصرون قضاياها في باب محدد مثل الازياء، المطبخ، التربية الخ.. في حين ان المجالات التي وصلت اليها المرأة هي أوسع وأهم بكثير من هذه الامور، فاليوم وتحديداً في مصر من واقع تجربتي وحياتي هناك فإن الساحة تشهد تحركا ملفتا لدور المرأة وفعالياتها واهميتها في المجتمع خاصة بوجود المجلس القومي للمرأة والذي تترأسه السيدة سوزان مبارك حرم الرئيس المصري وبالتالي يوجد دعم من القيادة السياسية لكل حركات التطور الخاصة بالمرأة. وقد كنت عضواً في هذا المجلس لمدة ثلاث سنوات ولاحظت تلك التغييرات والتطورات خاصة في مجال دراسة القوانين المتعلقة بها وبالتالي وضع المرأة او وجود دور لها في الخطة التنموية في مصر.

ولكن هذا الامر غير كاف بسبب هيمنة العقلية الذكورية على الصحف والمجلات، فعلى سبيل المثال اذا ورد خبر عن قتل رجل لزوجته فيكتب بشكل عادي وخبري، ولكن اذا قامت هي بهذا الفعل ضد زوجها بسبب ما فتظهر المانشيتات بالبنط العريض بأن امرأة ارتكبت جريمة شنيعة مثلا وحتى ايضا في جرائم الاغتصاب، حيث يوجد قانون ينص على منع ذكر اسم المجني عليها لانه يدمر حياتها الا اننا نجد ان الاسماء تذكر كاملة ومثل هذه الامور والخلفيات لا تشعر بها وبأهميتها وخصوصيتها الا المرأة نفسها وبالتالي لا يشعر بها المحرر الرجل.

وعلى الرغم من ان الصحافيات يعملن في مختلف المجالات الا ان العديد منهن بحاجة الى نوع من التوعية في كيفية تناول القضايا من زاوية المرأة.. من هنا اقول بأن الاعلام لم ينصف المرأة بشكل عام الى يومنا هذا.

تجارة الفضائيات

 على صعيد آخر وفي المحطات التلفزيونية الفضائية نجد إقبالا من اصحاب هذه المؤسسات على المذيعات اللائي تنطبق عليهن مواصفات عارضات الازياء او ملكات الجمال ولم تعد معايير المهنة امراً مطلوبا فبماذا تفسرين هذا التوجه؟
 الامر يتعلق كليا بالتجارة لان جميع الفضائيات تنافس بعضها بعضاً، لكن لا يمكننا اغفال وجود مذيعات ومقدمات برامج جميلات وبنفس الوقت هن بمنتهى الذكاء ويطرحن ويناقشن قضايا حيوية سياسية كانت أم اقتصادية او اجتماعية اما فيما يتعلق باللواتي يعتمدن اعتماداً كلياً على اشكالهن وملابسن فبنظري ان هذه النماذج فاشلة ومن يراها مرة فلن يبحث عنها مرة اخرى ليشاهد برنامجها.

 حُسن شاه والتي قاربت في عملها نصف قرن من الصحافة هل تفضل اليوم ان تكون في هذا الزمن او في زمانها في فترة الخمسينات كمحترفة في المجال؟

 هو سؤال صعب وذكي بنفس الوقت، قديما كانت الصحافة ورئاسة التحرير فيها التزاماً، بمعنى ان من كان يعمل في هذه الصحيفة كان من غير الممكن ومن المستحيل ان يتركها ليعمل في جريدة اخرى منافسة بمعنى ان الشعور بالانتماء الى المكان الذي اعمل فيه يأتي في الدرجة الاولى وبالتالي اذا ما اقدم الصحافي على تسريب خبر الى جريدة اخرى يتم طرده من دون مناقشة، وربما يعود السبب الى ان عددنا كان قليلا لذا كنا نعامل مثل النجوم، و كان يكفي الصحافي ان يعمل تحقيقا او تحقيقين حتى يصبح محط حديث الناس ويصبح مشهوراً، اما اليوم فجيل الشباب من الصحافيين لا احد يعرفهم، وبالتالي فاعتبر ان فرصنا نحن كانت افضل من اليوم وقد يعود السبب كما قلت لقة العدد ولقلة الجرائد في ذلك الوقت اضافة الى الاجواء التي كانت سائدة حيث كنا نتعامل مع نجوم وشخصيات ! كبيرة سواء على الصعيد السياسي او الفني مثل أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ وغيرهم، اما اليوم يأخذون الاخبار من ايهاب توفيق وعمرو دياب وشعبان عبدالرحيم وامثالهم لذا اقول ان الزمن الجميل قد ولى والكتاب الكبار رحلوا امثال توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ الذي تحول اليوم الى رمز.

رجال ولكن اقزام

 كلامك يذكرني بالمقولة لكل زمن رجاله، هل يعني انه في زمننا هذا لا يوجد هامات؟
 طبعا لكل زمن رجاله الا انهم “تقزموا” بفعل المؤثرات والمصالح وكذلك المنافسة، فمصر بعظمتها على الصعيد الاعلامي والصحافي لم يكن يوجد فيها سوى جريدتين وهو حال بقية الدول، انما اليوم اذا اردنا ان نتصفح ما تكتبه الجرائد فنحن نحتاج الى يوم باكمله للمتابعة.

لذا فالمنافسة قوية جدا، وايضا توجد تقنيات حديثة دخلت عالم الصحافة وهذه الناحية تحسب ايجابيا لصحافة اليوم بوجود شبكة الانترنت التي توفر ابحاثاً ومقالات عن اي موضوع مهما كان تخصصه.
 هل تعتبرين ان معايير الصحافة والعاملين في مجالها قد اختلفت اليوم؟
 بالطبع ففي السابق، كنا نعمل بامانة وبصدق وبانتماء للمكان الذي نعمل فيه اضافة الى الحرفية المهنية، اما اليوم فكل هذه الامور قد انحدرت واختلفت كثيراً خاصة ما يتعلق باخلاقية المهنة، لذا اعتبر ان التقنيات في المجال الاعلامي قد تطورت كثيرا وفي المقابل انخفضت آداب المهنة والحرفية كثيرا ايضا.

 ما هي الصفات التي كنت تحرصين عليها ومتمسكة بها وبالتالي تنصحين الجيل الجديد باتباعها؟
 ما الاحظه ان جيل اليوم متسرع جداً يريد الوصول بسرعة الى النجاح ولكني اعذرهم لان ايقاع حياتنا كان اهدأ بعكس اليوم، واعتقد انهم يمرون بظروف اقسى بكثير مما مررنا به خاصة في مجال المنافسة بين بعضهم البعض وبالتالي فقدان عنصر الامان في المهنة، فقديما لم يكن الصحافي يطرد من عمله حتى في القطاع الخاص لم يكن صاحب الجريدة بمقدوره ان يقدم على هذا الفعل، لذا كنا نشعر بالامان، هذا الامر مفقود اليوم وببساطة قد يجد الصحافي نفسه مطروداً لأي سبب من الاسباب، نحن كنا نخطئ احيانا الا ان المسؤولين عنا كانوا يصححون هذا الخطأ ويوجهون الصحافي الى الطريق السليم لكن المشكلة الكبرى سوف يواجهها الجيل المقبل من الصحافيين الذين اشعر بأنهم لا يعرفون عن علي أمين سوى التمثال الذي يشاهدونه في مدخل مؤسسة “اخبار اليوم” هذا الانسان الذي كان عالماً قائماً بذاته تحول الى قطعة من الحجر فقط.

 قد يعود السبب الى ان جيل اليوم لم تعد تعني له الرموز شيئا على اكثر من صعيد؟
 ربما لانهم لم يروا رموزاً في حياتهم وواقعهم وبالتالي ليس من حقنا ان نلومهم، واعتقد ان الاجيال القديمة قد خانتهم بهزيمتها تجاه قضايانا القومية والعربية، فنحن عشنا على الامل بأننا دولة عظيمة سوف تنتصر على الاعداء وتستعيد امجادها وفجأة انهار كل شيء وجيل اليوم جاء في زمن الانهيار.

 هذا يعيدنا للحديث عن سقف الحرية في الصحافة والاعلام قديما وبوجود المد القومي تألقت الصحافة العربية والتي كانت تستطيع ان تسقط رؤساء ومسؤولين.. في الواقع الذي نعيشه ماذا بقي من هذه الحرية؟

 اعتقد ان الوضع لم يختلف كثيراً، ففي الماضي كانت المعتقلات تضم العديد من الصحافيين الذي يجاهرون بآرائهم بحرية، بينما اليوم هناك حرية كلمة اكثر من الاول لكن هذا ليس أمراً ايجابياً لان الكلمة لم يعد لها قيمة كالسابق، انما خطأ جيلنا ومن سبقونا اننا لم نعمل شيئاً لانفسنا ولأمتنا العربية وبالتالي تكالبت علينا السياسات الغربية، فعلى سبيل المثال عندما بدأت اليابان حركة الاصلاح كانت مصر في ايام محمد علي وكنا نلهو ونعبث ونتكلم كلاماً كبيراً جدا ودائما يرد في خاطري سؤال لماذا لم يعمل الزعيم جمال عبدالناصر قنبلة ذرية، فالمال كان موجوداً وحرية الحركة كذلك في الوقت الذي استطاعت الهند ان تصنعها.. نحن ما زلنا “مكانك سر” والحل الوحيد لأزمتنا في المنطقة أن نتعلم ونستنير ولا نعيش على امجاد الماضي لان عدونا يعمل ويطور ام! كاناته العلمية التي نفتقدها نحن في هذه الحرب الحضارية.

اولاً واخيراً صحافية

 حُسن شاه كيف تقضي ايامها اليوم بعد التقاعد؟
 اولاً وأخيراً انا صحافية واذا كان لدي شيء اريد ان اقوله بطريقة او بوسيلة اخرى مثل الكتابة للسينما فالجأ اليها مثلما حصل في افلامي الستة التي كتبتها وهي “اريد حلا”، “امرأة مطلقة”، “الضائعة”، “الغرقانة”، “الارهاب” و”القتل اللذيذ”، اضافة الى باب اليوميات في “الاخبار” بعنوان “اريد حلا” ومن خلاله ارد على المشاكل التي انتقيها بدقة متناهية مثل القضايا العامة التي تمس كل الناس ومن ضمن القضايا التي تطرقت اليها ودافعت عنها بقوة ضرورة تعيين المرأة قاضيا وحصل هذا الامر بتعيين أول امرأة قاضية وهي تهاني الجبالي. وتصديت لقضية منع الزوج لزوجته من السفر وكذلك عدم منح الجنسية لاولاد الام المصرية المتزوجة من اجنبي ومثل هذه المشاكل والقضايا اطرحها لايجاد حل لها.

وحاليا اقوم بكتابة مسلسل كوميدي لكن يتناول قضية اجتماعية عن علاقات الازواج ببعضهم البعض وهي حالات انتقيتها من خلال المشكلات التي تصلني يوميا.

حوار: ميرفت الخطيب ـ مصر

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى