نقاد يقاربون في «محاورات» منهجيات تحليل النص الشعري
خص برنامج "محاورات"، في افتتاح الصيغة الجديدة للموسم الثامن لورشات الكتابة الشعرية، شباب ورواد دار الشعر بمراكش بلحظة معرفية خاصة. وشكل موضوع "منهجيات تحليل النص الشعري" عتبة أساسية لنقاش مفتوح، قارب أوليات وأساليب التحليل على ضوء تعدد المناهج والمدارس والنظريات. والتقى النقاد، والذين سبق لهم التتويج بجوائز النقد الشعري للنقاد والباحثين الشباب والتي تنظمها دار الشعر بمراكش سنويا: محمد محي الدين، والذي سبق له التتويج عن كتابه "شعرية التصوف، والناقد مبارك باعزي، عن كتابه جماليات الانزياح في الشعر الأمازيغي، والناقدة فاضمة نايتخويا لحسن، والتي توجت في حقل الدراسات عن منجز الشاعرة مريريدة، في محفل النقاش عند أسئلة تهم منهجيات التحليل، ونظريات المقاربة للنصوص الشعرية، على اختلاف مرجعياتها اللسانية والثقافية.
واهتمت فقرة محاورات، في افتتاح الموسم الثامن لورشات الكتابة الشعرية، وضمن سياق الانتقال الى تمثل المكتسبات التي تحققت على مستوى المعارف للمرتفقين والمرتفقات، وضمن الانفتاح على رواد الدار، الى سياق النقاش المختبري والذي يهم تحيين المعرفة العلمية بأسئلة الخطاب الشعري ومن خلال آليات التحليل النصي، وأيضا التوقف عند بنيات النص الشعري، كما لخص النقاش بعضا من أسئلة العلاقة الملتبسة بين الناقد والشاعر وبين الناقد والنص، في محاورات لا تنتهي تتعلق بمرجعيات إيجاد النظرية الملائمة للفعل القرائي.
وشارك في فقرة القراءات الشعرية، ضمن النماذج التطبيقية، كل من الشعراء: إسماعيل آيت إيدار، آمال الغريب، يوسف آيت المودن، وبدر هبول. وتم اختيار نماذج تطبيقية تتعلق ببنيات نصية شعرية متعددة، (القصيدة العمودية، الشعر الامازيغي، الحساني، قصيدة النثر، الزجل..) في محاولة لتمثل هذا التعدد اللساني والتعدد الثقافي المغربي، وأيضا في محاولة لالتماس صيغ التحليل في كل ما يتعلق بمنهجيات تحليل النص الشعري. إذ توقفت أسئلة النقاد والباحثين الشباب المغاربة، عند بعض "المزالق" التي يجب الانتباه إليها أثناء اختيار المثن المختار للتحليل والمقاربة، إذ تنفتح بعض النصوص الشعرية على استقراءات متعددة.
وقرأ الشاعر اسماعيل آيت إيدار، المتوج بالمرتبة الأولى لجائزة الشعراء الشباب في دورتها الأولى، والتي تنظمها وزارة الشباب والثقافة والتواصل، نصا شعريا جديدا موسوما ب"الطّينُ سَيُصْلِحُ أَعْطابَ الْجينات": "هَلّا فَتَحْتِ هَذِهِ الْكُوَّةَ الصَّغيرَةَ/ يا صَغيرَتي/ لَقَدْ أَصْبَحَتْ طَوْعَ يَدَيْكِ الْآنَ/ أَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ شارَفَتْ عَلى الشُّروق/ وَالضَّوْءُ عَمّا قَليلٍ سَيَتَسَلَّلُ/ إِلى شُقوقِ بَيْتِنا الْمُقيمِ أَعْلى/ الْمُنْحَدَرِ..". واختار الشاعر آيت إيدار أن يقرأ من المنجز الشعري، لأحد رواد الحداثة الشعرية الأمازيغية محمد واكرار، مقاطع قصيرة تستلهم هذا الحس اللافت في صياغة دهشة اللغة.
فيما اختارت الشاعرة آمال الغريب، والتي توجت بالجائزة الأولى لجائزة الشعراء الشباب في دورتها الثانية، والتي تنظمها وزارة الشباب والثقافة والتواصل، نصا شعريا أهدته الى نفسها وفي هذه العلاقة المركبة بين الشاعر وقصيدته، بين الشاعر ولغته: "أي تابوت هو لك؟ / يا اسمي/ أين ستنام؟/ بعد أن ودعت/ كل من أكل حروفك/ وغيروها لأخرى/ لا تشبهك/ يا اسمي/من اختارني لك/ لم يعرفك جيدا.../ لكنني عرفتك/ وأطلقت سراحك/عدت لي/في تابوت/ أي تابوت هو لك؟ / يا اسمي..".
أما الشاعر يوسف آيت المودن فقدم من منجزه الشعري الزجلي مقاطع تنم عن حفريات خاصة في اللغة "العامية"، في استلهام لمعجم خاص وقدرة على صياغة الجملة الشعرية بحس شعري مختلف: "فين غاب لقفل هكذا سولتي/ وٱنت قاري قرايته/ سول لمداد/ ليك يحكي حكايته/ هو يفديك/ لا تكشف عنه عنايته". واختتم الشاعر بدر هبول الفترة التطبيقية لمحاورات، بتقديم نصين من ديوانه الصادر حديثا عن دائرة الثقافة في حكومة الشارقة "النفس الأخير": "من بسمة الصبحِ قطفتُ قـــــافيتي/ وأشرقت من عيــون الفجر أسئلتي// أنا القصيد الذي ما خان من عشقوا/ ولا غدرت، فصون العهد من صفتي// أنا القصيدُ ونــــارُ الحب من شجري/ قد قطفت، وعيـــون الشعر أشرعني// أغـدو جميلا بها فـــــي كــل مرتحلٍ/ كــلحنِ أغنيةٍ مــــن همسِ حنجرتي". ومن القصيد الى مقام الغزل في المثن الشعري الحساني، قدم الشاعر هبول بعضا من مقاطع شعرية لهذا المنجز الغني والذي انتقل اليوم الى مرحلة أساسية من التوثيق.
برنامج محاورات لدار الشعر بمراكش، لحظة معرفية بميسم إبداعي ونقدي، يتحاور خلالها الناقد والشاعر ويلتقيان في مقام الحوار وفي استلهام لقضايا وأسئلة الشعر. وهي خطوة جديدة، ضمن الصيغة التي اقترحتها الدار لبرنامج ورشات الكتابة الشعرية في موسمها الثامن، من أجل تمثل أفضل للمكتسبات السابقة وأيضا من أجل الانتقال الى لحظة معرفية يحضر خلالها النص الإبداعي والتفكير النقدي.
ويمثل برنامج محاورات لدار الشعر مراكش، فضاء مفتوحا لإثارة قضايا وأسئلة الشعر، في انفتاح بليغ على أسئلة الإبداع والخطاب الشعري. وتسعى الدار الى الانفتاح أكثر، على الأصوات الشعرية والنقدية الشبابية الجديدة، وفق منظور جديد يراعي تداولية أوسع للشعر بين متلقيه، ويستحضر أسئلة التحولات التي مست راهن القصيدة وأسئلتها وقضاياها.