الجمعة ١ تموز (يوليو) ٢٠٠٥

هل اللغة العربية حقاً في حالة احتضار ؟

بقلم الدكتورة منيرة فخرو ـ البحرين

لفت نظري رد الأمين العام للجامعة العربية السيد عمرو موسى على الكاتب والمفكر محمد بنيس حول ما نشره الأخير في جريدة «الحياة» عن مصير اللغة العربية بعد قرن ونصف من التحديث. ذكر محمد بنيس أن العربية أكبر من العروبة وتاريخها أطول من تاريخ العروبة، لكن العروبة مضت بسرعة مثلما أتت بسرعة، وتبقى العربية في حالة احتضار.

ويواصل بنيس « أيصعب تصديق أن العربية أصبحت شبه مفتقدة في التعليم أو في الكتابة أو في المؤسسة الرسمية والمؤسسات التجارية والإعلامية، مما يدل على أن هناك احتضاراً للغة العربية في حياتنا العامة والشخصية».

إلى أن يتطرق إلى الجامعة العربية التي «لا تعني شيئاً فليست هي التي تسمّي العالم العربي ولا هي المقررة في مصير فكرة العروبة. الجميع يعلم أن الجامعة العربية مؤسسة ذات وضع سياسي رمزي، وهي لذلك تفتقد القدرة على التسمية وعلى تقرير مصير التسمية».

وجاء رد الأمين العام للجامعة العربية بأن: اللغة العربية قادرة على مواجهة تحديات العصر فهي لغة القرآن الكريم وستظل محفوظة بوعد الله في قوله الحق «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» وبفضل إعجاز القرآن لن تحتضر العربية ولن تندثر طالما تمسكنا بها جميعاً وأثرينا أركانها بالجديد في عالم المعلومات والتقنية ومختلف أرجاء منظومة المعرفة العالمية.

والحقيقة أن هذا السجال قد تكرر مراراً خلال القرن الماضي. فهاهو سعيد عقل منذ منتصف خمسينات القرن الماضي ولا يزال يطالب بأن تكتب «اللغة اللبنانية» بحروف لاتينية. وأيضاً عندما غيّر أتاتورك، في إطار تحديث تركيا، كتابة اللغة التركية إلى الحروف اللاتينية بعد أن كانت تكتب بحروف عربية مخلفة وراءها وثائق تاريخ الدولة العثمانية الذي كتب كله بالحروف العربية ولم تستطع أجيال تركيا الحديثة قراءة تاريخها الذي بقي مكوماً في مخازن يتآكلها القدم والنسيان.

اللغة العربية لم تصل إلينا عبر أجيال عديدة إلا بعد أن طورت ووضعت قواعدها كوكبة من أئمة النحو والأدب أمثال نفطويه وخالويه والكسائي وسيبويه وبالتحديد في العصر العباسي في الكوفة والبصرة. فاللغة تحيا بحياة ناطقيها، وتموت عبر العديد من المسببات مثل الفتوحات وغلبة شعب على آخر كما حدث للهنود الحمر في الأميركتين.

ولا ننسى اننا نعيش عصر العولمة والغلبة الآن للغات الأوروبية وعلى رأسها اللغة الإنجليزية التي يحكيها معظم شعوب العالم فهي لغة العلم والتكنولوجيا.

وحتى الهنود الذين ينطقون بمئات اللهجات واللغات والذين يسيرون في طريق التنمية بخطى حثيثة تشكل اللغة الإنجليزية لديهم لغة التفاهم ولغة العلم ووسيلة الاتصال بالخارج. ومما يلفت النظر في اللغة اليابانية كثرة الكلمات الأجنبية التي تم تحويلها إلى اليابانية فالطاولة هي «تيبورو» مشتقة من الإنجليزية، والتلفزيون هو «تيريبيجين» وغيرها الكثير.

فمنذ عصر الميجي في القرن التاسع عشر وهو ما يعتبر بحق بداية عصر الحداثة والتنوير، واليابان تواصل انفتاحها على الثقافة والحضارة الغربية والتكنولوجيا إلا أنها لم تفقد خصوصيتها اليابانية ولم تتنكر لتراثها العريق. ولا ننسى العملاق الصيني الذي بدأ انفتاحه الأخير منذ فترة الثمانينات حيث أرسلت الصين ألوف المبتعثين إلى جميع دول العالم الحديثة وعلى رأسها الولايات المتحدة لتعلم الإنجليزية والتخصص في مختلف العلوم .

وكذلك الترحيب بعشرات الألوف من الطلاب الذين جاءوا من أوروبا والولايات المتحدة وانتشروا في مقاطعات الصين المختلفة لتعليم اللغات في مدارسها وجامعاتها. كل ذلك لم يقض على لغات الصين المتعددة ولم يشتك أحد من مثقفي الصين بانهزام لغتهم أمام اللغات الأخرى.

السؤال الذي يواجهنا الآن كعرب.. هل ستضمحل وتزول لغتنا بمجرد كوننا نتحدث لغات أخرى إلى جانب العربية ؟ خاصة وأن انتشار اللغات الأجنبية قد ازداد في السنوات القليلة الماضية وأصبح تحديث التعليم مطلباً دولياً إلى جانب كونه مطلباً محلياً ينادي به المهتمون بتطوير التعليم في كل بلد عربي.

الجواب جاهز لدي وأستعير بعض ماقاله عمرو موسى في بداية المقال من كون لغتنا وهي الحافظة للقرآن ستبقى لفترة طويلة جداً وليس هناك دلائل على اندثارها. وكما حافظ اليهود في شتاتهم على لغتهم العبرية.

وهي لغة التوراة ولكنهم زاوجوها بكلمات من لغات مختلفة أغلبها أوروبية أو «اليدييش» بما أصبح يعرف بالعبرية الحديثة، نستطيع نحن أن نحفظ لغتنا بعد أن نضيف إليها ما أمكننا من لغة العصر المليئة بالمصطلحات التقنية الحديثة. المهم أن نكون واثقين مما نفعل.. لا يرعبنا فتح النوافذ على باقي شعوب العالم.

وأن نجتاز الحاجز النفسي الذي أعاقنا طويلاً من الولوج في عالم المعرفة والعلم الذي سبقتنا إليه شعوب كثيرة، وستبقى لغة الضاد ما بقي العرب.

بقلم الدكتورة منيرة فخرو ـ البحرين

عن البيان الإماراتية


مشاركة منتدى

  • منذ زمان بعيد تردد في كثير من كتابات الشاعر الناقد محمد بنيس صيحات مثل صيحته هذا الصيف و من فوق منابر عربية مسموعة في أقصى الوطن العربي وأدناه ، بل تجاوز الأمر هذه المرة إلى أسماع العالم جميعه ، بفضل هذا النشر الإلكتروني ، ولاأريد في هذاه العجالة أكثر من تأييد حجج الشاعر الناقد ، لتأييد دعوته من جهة والرد الهاديء الرزين على الكاتبة الفاضلة صاحبة هذا المقال القصير الذي لم يزد على أن يكون تهدئة خواطر ،وإن كانت الخواطر الآن تستثار في كل نفس ذات ميول عربية تتجاوز الهدوء رغم كل شيء إلى اضطراب وخوف حقيقيين.
    إن خطر اضمحلال تام للعربية قد يكون يعيدا نسبيا ، وإنما انطلقت صيحة محمد بنيس الصادقة لأنه ، في العمق لا يرضى للعربية مصير العبرية ، بل مصير لغة أمة ذات سيادة قانونية وحضارية وتاريخية حتى ، وإن كان التاريخ لايرحم الأمم الضعيفة بل يحكم عليها بالزوال ، ولو تمّ ذلك على مراحل .
    وخدمة للحقيقة فإن الردود الانفعالية ليست بذات جدوى في مقام مناقشة هذه المسألة ، إذ لا يكفي أن نردد ما ذهب إليه الأمين العام ، الذي أظهر بحكم موقعه الساسي أشياء وأخفى أخرى ، حين استند إلى أن العربية لن تضمحل لأنها لغة القرآن ، وموقفه في ذلك :ان أشبه بالقول القديم: إن للبيت ربا يحميه ، فإذا كان القائل القديم لم يكن يملك القرة على صد عدوان أبرهة على البيت المحرم ، واعتمد على صاحب البيت ـ جل علاه ـ فإن وضعية العرب اليوم ومسؤوليتهم في الدفاع عن لغتهم مختلفتان تماما عن اللحظة التاريخية القديمة.
    فلن تضمحل العربية ولن تزول لمجرد أن أبناء العروبة اليوم يقبلون على تعلم لغات أخرى والتحدث بها ، فإن في ذلك ـ لو تمّ ـمظهرأ من مظاهر قوتهم ،ودليل اننفتاحهم على الثقافات والمعارف والعلوم ، ولكن خطر اضمحلالنا كثقافة وكأمة يتأكد لأن لغات (تدخلت ) ولاتزال تتدخل بنية استعمارية مكشوفةالإستراتجية والخطط والأهداف حتى تمكنت منا في الإدارة والتعليم والتفكير ،ومرافق كثيرة كثرة مرافق الحياة على كل صعيد .فلم تنطلق صيحة الشاعر الناقد محمد بنيس ، خوفا من اللغات الأخرى ، أو من مزاحمتها لنا في هذا المجال أو ذلك الميدان ، بل خوفا من آت سيكشف الأعداء فيه ، بعد أن يبعثوا بحصان طروادة اللغوي أو الثقافي ـ كما سماه ذات مرة غالي شكري ـ وبفعل ما نعاني منه في مرحلتنا الراهنة من تفكك سياسي وتضعضع بكل الألوان ، وتبعية مطلقة أمام الأعداء ، سيتمكن جنودهم من مغادرة الحصان ، في رابعة النهار ، وليس ليلا ، كما تحكي الأسطورة ، ما دام الليل العربي نابغيّ الطول ، رغم ما نلاحظه من توالي شموس كاذبة خاطئة
    إذن فموقف الضععف السياسي هو ما يجعلنا ، ويجعل ثقافتنا ، هي أيضا في موقع التبعية ولن ننجو أمة ً وثقافة ً من الاضمحلال دون تحرر ثقافي . يخيف الإخوة الأعداء ، المتشككين في مقدرات الأمة الإبداعية قبل أن يخيف خصومنا الحضاريين والسياسين والاستعماريين.
    وبحسن نية أجل بكل حسن نية ردد شاعر نهضوي كان صادقا في انفعاله مقولة لا أدري ماذا فرض تقديمها بشكل مقلوب ، أهو النظم ، فالشاعر من الفئة المقدمة من شعراء عصر النهضة أم أنه كان بالفعل مؤمنا بما قال ، ولاعجب في ذلك ما دام واقعنا الثقافي يقوم على أكثر من مقولة مغلوطة ، عنيت الشاعر خافظ إبراهيم في حديثه عن اللغة العربية حين أنشد :(وكم عزّ أقوام بعز ّ لغات ) ويستطيع كل ذي حس سليم ،ووعي سياسي بسيط أن يكتشف ألا علاقة بين عزة اللغة وعزة الناطقين بها ، فالمراحل التاريخية للعربية تراوحت بين الضعف والقوة ،إلا إذا أردنا أن نوسع المسألة فنقول أن هناك رابطا بين قوة ثقافة القوم وقوتهم على كل المستويات، أفيكون سبيل اكتسابنا القوة الثقافية هو نفسه سبيل نهوضنا السياسي وبلوغنا مبلغ الأقوياء على هذا المستوى ؟ ربما كان هذا هو جوهر المسألة ، كما أن في البحث ، من أجل مزيد من مثل هذه الاسئلة خيرا نطلبه لأمتنا التي نغار على لغتها وثقافتها غيرتنا على أنفسنا ، وذلك من أهم ما تثيره صيحة الشاعرمحمد بنيس ، الذي هو في هذا كالرائد لايكذب أهله ، من أجل نهضة حقيقية لهذة الأمة وإقالتها من عثرتها التي في سبيل أنقاذها سياسيا وثقافيا من عواقبها، يجب أن يتنادى الصائحون و يتنافس المتنافسون .ولي عودة إلى مقالة الكتورة فخرو ، و إلى مزيد من مناقشة الأمين عمرو ، ولكم الشكر الجزيل

    عرض مباشر : في مناقشة الدكتورة فخرو

  • يبدوا اننا نحن العرب نحب ان نقف علي توافه الامور و ترك المقصود و المنشود من الاطروحات و الاراء. هل المقصود من الكاتب عندما قال انها بحالة احتضار انها فعلا ستنقرض؟ كل ما في الامر انها ليست كما يجب ان تكون لا سيما في المؤسسات و الجامعات و المدارس. لا يخفى على احد من العالم العربي ان جميع الجامعات قد تعجمت و ان اللغة المكتوبه و المقرؤة بهذه الاروقه اجنبية، بغض النظر عن مؤيد و معارض. فشلنا في نقل العلوم و مواكبتها و تدريسها بلغتنا فلمنا اللغة بينما الملام نحن و المؤسسات و من ورائهم المتعلمين. حتي اننا فشلنا بادارة المسطلحات و المفردات،ببركة مجمع السدنة الخالدين، فاصبحنا نترجم بلا فهم و نقراء بلا وعي.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى