الأحد ٢٢ نيسان (أبريل) ٢٠١٨
فيلم الحواس الخمس الفرنسي(1999)
بقلم مهند النابلسي

وأيام الفيلم المغربي في عمان(2018)

أبدع الممثلون في الفيلم الفرنسي "الحواس الخمس" بتقديم أدوارهم بتكامل وانسجام ودون أن يحاول أحدهم الاستثئار باللقطات وسرقة "الكاميرا"، وقدم المخرج كوميديا طريفة ورومانسية بفكرة خلاقة "فلسفية"ترتبط بفصل الحواس الخمس والتركيز على دور كل منها،ولكنه كان عاجزا عن التعمق فيها بشكل مجازي مؤثر وشمولي ، حيث بقي تناوله سطحيا بلا مغزى! كما بالغ المخرج باظهار اللقطات العارية التي لا تخدم السيناريو و"جمل" بقصد الشذوذ الجنسي المزدوج وكأنه يوجه رسالة لتأكيد دور هذه الشخصيات المنحرفة بالمجتمع ! وللأسف فقد لاحظت انبهار بعض المخرجين العرب بهذا النمط "السافر" من الأفلام وبعضهم يحاول تقليده، وكانه يحاول أن يقنعنا بتحرره الزائد وانفلاته من القيود الاجتماعية وربما الخلقية، ولقد لاحظت ذلك حديثا بأفلام "أيام الفيلم المغربي" في عمان (16-/4/201818)، وتحديدا بفيلمي "بورن آوت" و"غزية"(2017) اللافتين، للمخرجين نور الدين لخمري ونبيل عيوش، حيث استعرضا بعمق درامي مبالغ به و"غير مفهوم" كافة المشاهد الجنسية بجراة غريبة, وربطا ذلك بانتشار الفقر والطبقية الحادة والفساد المتفشي والنفاق والبيروقراطية والشذوذ والاجهاض (بأنماط معالجة سطحية وغير مقنعة)، حيث ناقش فيلم "بورن آوت" بابداع فكرة تمرد رجل اعمال ثري على نمط حياته النخبوي، وقيامه بالانطلاق بسيارته الرياضية الحديثة في فضاء وشوارع "كازبلانكا" الجميلة، ومتابعته لمشاكل الفقراء ماسحي الأحذية، ووكيلهم المستغل اللئيم، كما يتماهى ولو مؤقتا مع نمط حياتهم البسيط، ويحاول الانطلاق والرقص والسباحة والصراخ وكأنه يريد التحرر من بؤس حياته وزواجه وميراثه، وبدا وكأنه يكره والده الثري الميت حديثا لأسباب مجهولة، طبعا المقصود هنا ايجاد حل شخصي لكبته ومشاكله الشخصية ومعاناته وضياعه وعجزه عن التوائم مع بيئته الثرية اللامبالية، وليس لايجاد الحلول لمجتمع مدينته وللفقراء البائسين وأطفال مسح الأحذية الذين يعانون من التشرد والاستغلال والبؤس وربما الاغتصاب احيانا..... ثم نواجه في استهلال الفيلم الثاني "غزية" مبالغات تتعلق باهمال التعليم بالأمازيغية للصغار وهيمنة اللغة العربية (وكأنه يبرر هنا ضعف وتخلف التعليم)، وننتقل للتعصب الديني المتزمت العشوائي والانفلات الجنسي الغريب، وكذلك لممارسات اغتصاب الأطفال واستخدام العنف بحقهم، وبؤس حياة ومعاناة الفقراء والشحاذين وبشاعة استغلالهم، ثم لتصنع قصص معاناة الطائفة اليهودية المنعزلة والمرفهة واللامبالية والغير منتمية ومندمجة مع المجتمع، (في احدى اللقطات اللافتة تستنكف بائعة هوى عن ممارسة العلاقة مع صاحب المطعم اليهودي الجذاب بعد ان علمت أنه يهودي)! ثم يقودنا المخرج الأول لعبث ولامبالاة وسفالة وازدواجية معايير المسؤولين ورجال الأعمال على حد سواء، وصولا لتداعيات احتجاجات الربيع العربي البائس والمدمر في الفيلم الثاني، والذي اوقد شعلة الفوضى والخراب والانتقام في كل مكان، وخلط الأجندات والمشاكل والأولويات... وبمضمون شيق سينمائيا وبصريا ومسليا بطروحاته الجاذبة الصادمة والرومانسية والطريفة على حد سواء (ومنها قصة صنع فيلم كازابلانكا الشهير الذي لم ينتج حتى في الدار البيضاء، والذي تعرض لمشاكل اخراجية وافتقد حتى للكيمياء بين بطليه الرئيسيين، او حتى بوضع كلب اسود شرس المظهر ولطيف المعشر،وعظابة صغيرة لحراسة أموال صاحب محل البلياردو السمين الظريف، فيما يتعاطف الحيوانان مع الطفل ماسح الأحذية ويسمحان له بسرقة النقود ببساطة، قبل ان يقبض عليه السمين متلبسا....)! ولكن كلا الفلمين بصراحة افتقدا كليا للاقناع والعمق، وبدا وكأنهما يصدران من عيون "استشراقية-متفرنسة" بالغة التشويه للمجتمع المغربي (العربي-الاسلامي، ومن منطلق "وشهد شاهد....")، واشعر ككاتب وناقد وباحث سينمائي، وكأن هؤلاء المخرجين يسعون بهذه الأعمال "الغير مقنعة والغير صادقة" لاسترضاء الغرب ونيل التمويل والشهرة على حساب سمعة اوطانهم ومعاناة شعبهم الفقير المكافح، وكذلك ربما للعرض في المهرجانات الدولية، ولنيل الجوائز التقديرية العالمية: وقد استغربت حقا من بعض المشاهد الصادمة، التي قدمها الفيلمان بطريقة استعراضية ايمائية لافتة، مثل قيام طبيبة رصينة بالسنة الدراسية الأخيرة بممارسة الجنس العنيف مع الأثرياء والوزراء مقابل النقود، كما مثل الجنس الفمي في السيارة، ومحاولة استمناء تقوم بها زوجة لصديقها الفنان "العاجز جنسيا"، واغتصاب الأطفال مرارا حتى ينتقم أحد المراهقين فيقتل بضراوة المغتصب العجوز، ثم عبث مراهقة في الخامسة عشر من عمرها بجسمها جنسيا، وكذلك المشي شبه العاري في شوارع الدار البيضاء وعلى الشاطىء، كما بالسخرية اللاذعة من بعض السلوكيات الاسلامية الحميدة كالدعاء المستفيض للموتى في المدافن، وتجنب الجلوس فوق القبور، والحجاب العادي الساتر والعملي، الذي حتى سمح به في العديد من الدول الاوروربية، والسخرية والتحرش بامراة جميلة بدينة ترقص في حفل شبابي، لمجرد أنها لا تحرك جسمها بطريقة مثيرة جامحة...والغريب أن مخرج فيلم "غزية" يعزى تخلف بلده للممارسات الاجتماعية/الدينية المتحفظة السائدة في دولة علمانية/ليبرالية، وكذلك للنفاق والبيروقراطية (متجاهلا الفساد وجذوره المجتمعية والمؤسسية، والقمع وعدم الانتماء وكراهية الذات والتراث،واسباب اخرى لا يتسع المجال هنا لذكرها...)، وناسيا أن دولا اسلامية كبيرة كأندونيسيا وماليزيا على سبيل المثال، قد حققت معجزات القتصادية ريادية، بدون أن تسمح للمعيقات الاجتماعية/الثقافية بأشكالها المختلفة لأن تمنعها عن تحقيق اهدافها، ولنأخذ كذلك الهند مع كل التفاوت الهائل المتنوع الذي تعاني منه كمثال صارخ!

وأخيرا فقد أكد فيلم "الحواس الخمس "الغريب" هذا على اهمية تكامل الحواس البشرية وتداخل العلاقات والبحث عن الذات والانسجام لبشر متجاورين "باردين" لا يعرفون بعضهم البعض، كما على الحس العاطفي والتواصل الانساني، ولكنه عجز عن التعمق بفلسفة هذه الثيمة الانسانية "البالغة الأهمية" واكتفى بمعالجة درامية سطحية ممتعة لا تنطبع بالذاكرة!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى