السبت ٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠٢٥

«وخز الحكايات» لمحمد بن راشد الندابي

كتاب "وخز الحكايات" لمؤلفه محمد بن راشد الندابي يؤصِّل للحكمة القائلة: "تعدَّدت الأسباب والموت واحد".

ويأتي عنوان الكتاب الصادر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 42 صفحة من القطع المتوسط، ويضم عشر قصص إضافةً إلى الإهداء والمقدمة القصيرة التي افتتح بها الكتاب، وتدور قصص المجموعة العشر حول مواقف جمعت الكاتب بمشاهد حية تجسِّد مشاهد ما قبل الموت وأسبابه.

يقول محمد بن راشد الندابي في تقديمه للكتاب: "يأتي هذا الكتاب ليكون أول مولود لي في الحقل الثقافي، وهو مجموعة قصصية لأحداثٍ واقعية صُوِّرت في قالب أدبي، مستثمراً اللغة الأدبية والأحداث الدرامية لهذه القصص لتكون في كتاب مستقل حتى لا يطويها النسيان فيما طوى من الذكريات والأحداث. لقد أحببت القصص التي تهزُّ المشاعر وتستثير الدمع وأجد نفسي تميلُ إليها عن غيرها، فكنت كلما حكى لي أحدهم قصّة أستمع إليه باهتمام بالغ وأقول في داخلي: هذه قصة تستحق الكتابة، حتى تجمّعت بين يديَّ مجموعة جيدة آثرت نشرها لعلّها تنال إعجابكم وتستحوذ على اهتمامكم".

وفي أولى قصص المجموعة، والتي جاءت تحت عنوان "الرجل الذي دفن البحر" يمزج محمد بن راشد الندابي بين حكمة الحياة والأحداث التي تسبق الموت في دراما لا تنتهي، وإنما تؤكد أن الموت هو الباقي الوحيد، فيقول: "إن المصائب والرزايا إذا تنزلَّت على الإنسان ضعضعت بنيانه وهدَّت أركانه، فكيف إن كانت كهذا الخطب الجلل، لقد غيَّرت المصيبة هذا الطفل الصغير، ونشأ وقد انطفأ جمال الحياة في عينه وماتت أمانيه التي كان يرسمها على دفتره الصغير، وشاخت كل آماله التي كان يحدِّث بها أمه ويهمس إليها كل ليلة قبل أن ينام على حجرها".

وفي قصة "دمعة الوداع" يصنع الكاتب مفارقة بين الغياب الذي يظل الأمل موجوداً معه، والموت الذي يقطع الرجاء، فبعد أن يفقد الأب الأمل في عودة ابنه، وفي اللحظة التي يعثر عليه فيها يفاجأ بموته، يقول الندابي: "خرج من بيته ودمعه يترقرق يمشي بمحاذاة الجدران حتى خرج من حارته وبلغ الوادي، وكان الليل قد أسدل أستاره ومحا الأصوات عن الوجود إلا صوت الفزع، وجلس تحت شجرة أحس منها دفئاً وشعر أنها تحبُّه وتدنيه إلى جذعها، فاستراح إليها وتمدَّد على الأرض ريثما يغلبه النعاس فينام وينسى هذه الليلة السوداء بأحداثها المريرة".

ويتابع الندابي في القصة نفسها: "نام هذه الليلة الطويلة تحت الشجرة، ليلة من هولها وثقلها لم يحس حتى بالنوم لولا لذعة أشعة الشمس في وجهه، فأفاق منها مذعوراً كأن أحداً لطمه على خدِّه، واستذكر ما كان من أمره، ووثب إليه رشده وآنس من هذه الشجرة ظلّاً ظليلاً فاتخذ كوخاً صغيراً تحتها يكون فيه منامه وشرابه وطعامه والوادي إلى جانبه يجري ويهدر هديراً، ومكث تحت هذه الشجرة سنواتٍ طويلة وكوخه صامد أمام قصف الريح واشتداد المطر وتعلّق قلبه بهذا الوادي النائي المقطوع عن الدنيا، وأحسَّ أن صلته بالدنيا والناس قد انفصمت، ولكن الخير باقٍ ما بقي الإنسان إلى جنب أخيه الإنسان، وكلما ظنّ الناس أنها قد خلت من النبل والشيم قيّض الله رجالاً ذوي شهامة يغدقون على الآخرين من الخير والفضل لا يرجون بذلك جزاءً ولا شكوراً".

وفي قصة "الأحزان تغيِّر الإنسان" فإنها تفعل ذلك لا سيما إن كان الإنسان هو ذاته سبباً فيها، وهكذا كان بطل القصة، إذ يقول الندابي: "كانت الدنيا في ظلام دامس وليل أليَل لا همس فيه ولا ضوء إلا ما يرسله القمر من خيوط النور ينيرُ بها وجه الأرض، في تلك الليلة الهادئة عاد من العمل بسيارته إلى البيت وحرَّك المذياع على القناة العامَّة، وأثناء مروره في الشارع الداخلي لحارته والقريب من بيته حدث ما لم يكن في خلده مطلقاً، صدم بسيارته سيارةً أخرى وبسبب قوَّة الارتطام وفجأة الموقف اشتعلت السيارة الأخرى، فنزل مذعوراً يعاين الحادث، فحانت منه التفاتة إلى السائق فإذا النار تزحفُ إليه، وخميس يرى المشهد أمامه فتسمَّر في مكانه مصعوقاً مما رأى، لقد انغرزت قدمه في الأرض فلم تكد تحمله على الوقوف فضلاً عن إنقاذ السائق، فقد كان خميس رجلاً يتحاشى أن يدوس على نملة في الأرض رحمة بها وشفقة عليها، فكيف يتصوَّر أن يصدم إنساناً ثم يكون السبب في وفاته!".

يذكر أن محمد بن راشد الندابي من مواليد ولاية مطرح بمحافظة مسقط في سلطنة عُمان ٢٤ فبراير ١٩٩١ م، تلقى تعليمه الإبتدائي في مدرسة سلطان بن أحمد ثم أكمل تعليمه الجامعي في كلية التقنية العليا سابقا في تخصص هندسة الإتصالات والإلكترونيات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى