الثلاثاء ١٠ نيسان (أبريل) ٢٠١٨
بقلم إبراهيم مشارة

ينبوع العطش /دروب الحرية

"لا خطيئة أكبر من الشهوة ولا تعاسة أكبر من التذمر ولا ملمة أكبر من حب الاقتناء لذلك كانت السعادة الكبرى في القناعة"

لاوتسو

أرى حريتي كوردة لا تذبل وشذاها ينفحني بأطيب أريج وسأتخذ من وجودي أصيصا لها.

إ.م الكتابة تحرر

عندي ينبوع جميل اكتشفته مرة وأنا أهيم على وجهي في الحقول صنته عن كل عين وحفظته من كل مقالة، ماؤه حلو سائغ ولونه من لون الروح في شفافيتها حين نزل مني منزلة الروح من الجسم والمعنى من اللفظ غازلته، ناغيته وشوشت له ترجيته باسم الأبجدية ورميت له جميع شباك المعجم وصنانير البلاغة ولكنه كان أبيا للصيد عصيا على الوقوع فريسة لولا أن بادلني محبة بمحبة.

رشفت منه مرة رشفة واحدة ثم انتهرني ينبوعي قال حسبك لا تقتل نفسك اكتف بالقرب والنظر فتحت ظلال جمالي سكينة لك وفي حمى ودادي نشوتك خبئني عن العيون وصني عن الأفواه مت في حبا تنل حريتك ولا تمت في لذة فترسخ عبوديتك بحبي تتحرر من الموت ذاته ومن آصار الجسم وقيود المادة.

قلت كيف وفي الحب عبودية؟ أنسيت قول القائل:

أنا عبدكم بل عبد عبد لعبدكم: ومملوككم من بيعكم وشراكم

رد ينبوعي بصوت كله خرير إن الحب والحياة والحرية أرحام ثلاث يلد الحب التضحية وفي التضحية تحرر من الخوف، وتلد الحياة الصيرورة وفي الصيرورة تحرر من النمطية والجمود وتلد الحرية الكرامة وفي الكرامة تحرر من قيود الطين إنه هوية إنسانية إلهية تصل الأرض بالسماء. ألا تلاحظ أنها تشترك في حرف واحد الحاء وفي الحاء حنية، حبور، حلم ........

ينبوعي صفاؤه في مثل البلور يجري على عشب أخضر بين الخمائل كم أحب خشخشتها وأنا أتسلل لأجلس في حماه أسمع خريره أتملى بمنظره تراودني نفسي على الشرب أشرب كما يشرب الناس فما خلق الناس لغير الشرب والإفراز هجير الحياة، آصار المادة وساوس الظنون، تباريح القلب. قيود السياسة، تربص الموت بنا كل يصيح لك شربة وشربة وشربة

لكن ينبوعي حكيم ينتهرني كلما توسلت إليه صاح بي: لا تشرب دع روحك ترفرف حول عرش جمالي تحوم حولي كما يحوم الطائر في السماء بحثا عن فريسته تحف بي كما تحف الهالة بدارة القمر. في عطشك محنتي ومنحتي

محنتي الشوق إلى وصالي ،إلى الاندغام في. جسمان مندغمان على شاكلة حرفان مدغمان تلك لغة الأجساد وأنا أبغي لغة الأرواح، عش متشوقا منتظرا ولا تعش ملولا متخما فأنا لست مجرد هي أنا هي وزيادة فأنا الوطن وأنا الحياة وأنا الحرية وأنا الجمال. تملق جمالي وأنوثتي واجعل رضاي وسعادتي أن أراك حرا مبدعا إنسانا جديرا بصفة الإنسانية.

سأعطيك الإلهام والكلمات التي ليست كالكلمات والمشاعر الدافئة سأرفع اسمك عاليا وأنتشله من بين براثن الفناء ألم أقل لك؟ تشرب ثم تفرز تشرب ثم تفرز لكن شربة الروح لا إفراز إلا أنوار الكلمات وهي فوق قيود الزمان والمكان أنا أعرف أنك تتألم حين تنفرد بي في هجير اليوم نظرتك شبقة ورغبتك حارة ومن لدني يتدفق الماء الزلال لذة للشاربين القوام أهيف العين نجلاء الشعر خصلات الشمس الذهبية الصدر مرمر والفم حبة كرز والأسنان حق عاج والنفس حار حارة الشمس في أغسطس برد يا عطشان

شرابي شرابان شراب ظاهر تشرب فتعطش وتظل بين شراب وإفراز وعطش...

وشراب هو الذي قال عنه القائل:

صفاء ولا ماء ولطف ولا هوا: ونور ولا نار وروح ولا جسم

لا تكن عبدا لجسمك في العبودية موت لقد خلقك الله على صورته أنت عظيم أيها الحبيب نصفك إله ونصفك بشر نفخ الله فيك من روحك روحا عظيمة جليلة قدسية فلا تبتذل كرامة الروح الإلهية لقاء شهوة أو عرض من إعراض الحياة الدنيا.في حاجاتك عبودية وعبودية الجسم أفظع أنواع العبودية تضطرك لتملق إنسان ليس فيه من روح الإنسان إلا الهيكل وعبودية التاريخ تضطرك إلى التقليد تترك الحياة في نضارتها وحيويتها لتطمس نفسك في أكفان الماضي وهياكل الموتى من يفعل ذلك لا يشم إلا العفن. تحرر من الشهرة ومن المجد ومن الشهوات حتى لا تتملق سياسيا فليست السياسة سوى احتيال وكل الموبقات عش حياتك واترك بصمتك لا تقلد ميتا ولا حيا وتمل من الكون فالنجوم لك والأقمار والشموس كل الأرض لك أنت ملك فلم تريد العبودية؟ تخاف الموت؟

الخوف عبودية أخرى تحرر من خوفك إنك ميت لا محالة قل كلمتك إذا لقيت الله مرة قل يا إلهي تباركت يا قدوس يا سيد الجلال والجمال إني أحببتك

ورأيتك في كل شيء جميل حتى أني كنت أتمثل بقول القائل:

تراهُ إن غابَ عنّي كُلُّ جارحةٍ
في كلّ مَعنى لطيفٍ رائقٍ بَهجِ
وفي مَسَارحِ غِزْلاَنِ الخمائلِ في
بَرْدِ الأصائلِ والإِصباحِ في البلَجِ
وفي مَساقط أنْداء الغَمامِ على
بِساط نَوْر من الأَزهارِ مُنْتَسِجِ
لم أدرِ ما غُرْبَةُ الأوطان وهو معي
وخاطري أين كنّا غيرُ مُنْزَعِجِ

ومت شوقا إلى حماك حيث النور سرمدي والجمال أبدي ولا سلطان للزمان على ذلك الملكوت ولأني روح من روحك وعلى صورتك أحببتك كما أريد ورسمت لك صورة في خيالي وردة بألوان بهية متناسقة ذات أريج زكي ورشفة عسل حلوة سائغة وقلب كبير يخفق في السماء يعز عليه ألمي وسهادي وعطشي ووساوسي وعذاباتي لأجلك رفضت كل صنم ودهست كل نزوة وأبيت كل تقليد، وترفعت عن كل رياء رفضت كل هؤلاء المتحدثين باسمك المتاجرين باسمك والذين ليس لهم من حبك ومعرفتك إلا الكلمات لهم الزؤان ولي الحب لهم القشور ولي اللباب لهم الجهام ولي المزن لهم الحواشي ولي المتن لهم العبودية ولي الحرية فليتسكعوا على قارعة الكلمات الجوفاء.

مازلت أتعبد في محاريب الجمال وأطير بأجنحة الفكر والشوق إلى دنى فسيحة مغمورة بالنور والوهج، لا أبتذل كرامتي ولا أسمح في حريتي أحيا ببصمتي وأرسخ إنيتي كارها للتقليد نابذا للتعصب وبين الحين أختلس لحظات في حضرة ينبوعي لا أشرب ولكن أتملى من الحسن وأتمدد بين العشب وتأخذني سياحة فكر ووثبة خيال إلى تلك السماء اللازوردية غير المنتهية فأرى النبع في قلب الشمس وفي المجرات وفي الأكوان وفق ذلك أرى حريتي كوردة لا تذبل وشذاها ينفحني بأطيب أريج وسأتخذ من وجودي أصيصا لها.

على الغياب الخالي من الرغبة
على العزلة العارية
على أعتاب الموت
أكتُبُ ٱسْمَكِ
على العافية التي عادت
على المخاطر التي ولّت
على الأمل الذي ليس له ذاكرة
أكتبُ ٱسْمَكِ
وبسلطان كلمة
أبدأ حياتي من جديد
لقد وُلدت لأعرفكِ
لأسميكِ
حرية
بول إيلوار


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى