الأربعاء ٢٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٨
بقلم أحمد الخميسي

أحمد عبد الله زعيم الطلبة.. النغمة المفقودة

في السادس من يونيو الحالي تحل الذكرى الثانية عشرة لرحيل أحمد عبد الله قائد الحركة الطلابية عام 1972، وكان نموذجا فريدا من نوعه في تاريخ النضال الوطني. فقد كانت تحوطه هالة سحرية من شجاعة وكبرياء وذكاء حاد إلي جانب اهتمامه العميق بأحوال بالآخرين وقدرة مدهشة على الخطابة والتألق بين الحشود. وكانت مواهبة تلك كلها تؤهله ليكون زعيما، أو ليكون "الزعيم"، بعد أن ثار الطلاب إثر خطاب الرئيس السادات الذي أجل فيه حرب التحرير متذرعا بالضباب السياسي! فأخذت الجامعة تغلي، وتشكلت اللجنة الوطنية للطلبة بزعامة أحمد عبد الله، بشعارها " كل الديمقراطية للشعب، كل التفاني للوطن"، وطالبت مظاهرات الطلاب بإعداد الجبهة الداخلية لحرب تحرير شعبية، وتسليح الجماهير بما فيهم الطلبة، ورفض الحلول السلمية، وفرض الضرائب على الدخول المرتفعة، وقطع العلاقات مع أمريكا، ودعم نضال الشعب الفلسطيني. وفي 24 يناير 1972 شغل الطلاب ميدان التحرير كله، وكتب أمل دنقل: "أيها الواقفون على حافة المذبحة.. أشهروا الأسلحة"! وألقى السادات خطابا أشار فيه إلي أحمد عبد الله بقوله: "الواد أبو كوفية حمرا"! وفي اليوم ذاته تشكلت لجنة وطنية ثانية من الأدباء تناصر مطالب الحركة وضمت: أحمد عبد المعطي حجازي، رضوى عاشور، عبد الحكيم قاسم، عز الدين نجيب، أحمد الخميسي، وآخرين، ودعت لمؤتمر موسع بنقابة الصحفيين، وأصدرت بيانا موثقا في كتب الحركة بهذا الصدد. وكانت الانتفاضة الطلابية في 1972 امتدادا لدور الطلاب الوطني منذ ثورة 19، ثم انتفاضة 1935- 36 التي برز فيها اسم عبد الحكم الجراحي، ثم في اللجنة الوطنية العليا للعمال والطلبة 1946، وفي مظاهرات فبراير 1968، وكان كل ذلك التاريخ يسكن ضمير جيل طلاب السبعينات الذي هب باحثا عن تحريربلاده من دنس غزوة 67 الإسرائيلية. ومع انحسار الحركة بعد ذلك كان أحمد عبد الله هو المتهم الأول في قضايا 73، وأدى امتحاناته فى سجن طرة حيث حصل على بكالوريوس العلوم السياسية في العام ذاته، ومع انحسار الحركة الطلابية سافر أحمد عبد الله إلي لندن على نفقته الخاصة حيث حصل على دكتوراه العلوم السياسية من جامعة كمبردج (إنجلترا) عام 1984. وعاد إلي مصر وبينما ظل الكثير من قيادات الحركة الطلابية أسرى صور الزعامة الوردية التي غربت، نفض أحمد عبد الله عنه تلك الصور، وراح يؤسس لمركز "الجيل" في حي عين الصيرة ليخدم به أبناء الحي، من دون أن يستسلم لأسى الذكريات الغاربة. وترك عددا من الكتب والأبحاث المهمة منها كتابه "الطلبة والسياسة " الذي أراد به أن ينقل للجميع رسالة مفادها أن الحركة الطلابية الوطنية في مصر لن تموت، وأنها ستبقى، مهما سبحت فوقها الغيوم، وظل وفيا لذلك المركز حتى وافته المنية في السادس من يونيو، وحده، داخل شقته، فانطفأت إلي الأبد صورة الموهبة النادرة لانسان كان يخطب في الطلاب فينصتون إليه مأخوذين به وبإشارات ذراعيه الطويلتين الرفيعتين وهو يخطف الألباب والأنظار بسحره الخاص وقدرته على استثارة الحماسة والأمل.

وقد افتقدت أحمد عبد الله بشدة في انتفاضة يناير 2011 التي توفرت لها ظروف مواتية لثورة أعجزها أنها بلا قيادة تحشد الناس حولها وتحصد الغضب وتمضي بثماره للأمام. وكان أحمد عبد الله وحده – من بين عشرات القيادات الوطنية التي التقيتها- يتمتع بهذه القدرة القيادية، التي يبدو أنها قدرة خاصة قلما تجود بها الحياة. بهذا الصدد يقول خالد محيي الدين في كتابه "الآن أتكلم" عن جمال عبد الناصر إن ضباط الثورة خلال اجتماعاتهم الأولى لم ينتخبوا أو يختاروا قائدا لهم، كما أن عبد الناصر لم يطرح نفسه زعيما لهم، لكن – على حد قول خالد- كان هناك شعور ضمني بدهي أن ذلك الرجل هو الزعيم بحكم شخصيته! كذلك كان أحمد عبد الله، يشعر كل من يجلس معه أنه– بداهة– الزعيم، بسحره، وطبعه الحاد، والطاقة العصبية الحارقة التي تتوهج بها روحه كلها دون توقف مثل قطعة ألماس تشع بنور صاف حاد لا يتكرر. من الذي عرف أحمد عبد الله ولم يحبه؟. لا أحد. ولقد كف المغني عن إلانشاد لكن غنوته مازالت باقية:" كل الديمقراطية للشعب، كل التفاني للوطن"!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى