الأحد ١ أيار (مايو) ٢٠٠٥
قصة قصيرة
بقلم عادل سالم

أخي غجب

كان عدنان وكنيته أبو أحمد يعمل عتالا (شيالا ) في مدينة الخليل ـ إحدى مدن فلسطين الجنوبية ـ يغادر البيت صباحا قبل السابعة ويعود له مساء بعد أن يحل الظلام .

لم يكن يعرف عطلة أسبوعية أو رسمية ، كل الأيام عنده سواء ، فكثيرا ما كان يعمل أيام الأعياد كعيد الفطر أو عيد الأضحى ، لديه سبعة أبناء ومطالبهم لا تنقطع ، ورغم أنه جاوز الخمسين سنة إلا أنه كان سعيدا في حياته حيث لا يعرف المرض طريقا لجسمه ، قوي البنية يحب المشي حتى كان يمشي أحيانا عشرين كيلومترا في اليوم الواحد . كان عدنان فقيرا جدا حتى لتعجب من سر سعادته .

أكثر ما كان يشتهر به بشاشته ، فقد كان صاحب نكتة ، يحب أصدقاؤه من العتالين الحديث معه ، ولأنه كان ألثغ بحرف الراء ـ يلفظ الراء غينا ـ فيلفظ الربيع الغبيع ، فقد أضاف لمعارفه مادة أخرى يتندرون بها عليه .

لعدنان أخ غني جدا من أصحاب الجاه والمال في الخليل لا يقام عرس إلا ويدعى إليه ولا يفتح بيت عزاء إلا ويشارك فيه ويبحث عنه رجال الإصلاح ليأخذوه معهم ، باختصار كان رجب رجل الخليل في تلك الفترة ، وكان إذا دخل مجلسا يقف كل من في المجلس احتراما له ولا يجلسون إلا إذا جلس . ومع أن أخاه عدنان أكبر منه سنا لكن لا أحد يقف له عند دخوله المجلس بل لا يكترث له أحد رغم أنه طيب المعدن وحديثه ممتع لكن كما يقول جيوبه فارغة لذلك لا يقف له أحد .

في أحد المرات وصل عدنان مجلس أحد الأعراس قبل أخيه رجب فرحب به أحد الحضور وحدد له أين يجلس في الحفل ، لكن عندما وصل رجب وقف الجميع مرحبين به وتعالت الأصوات :
  تفضل تفضل يا أبا عماد ( كنية رجب ) والله لتجلس مكاني
  لا لا والله لا يجلس إلا مكاني أنا ، قالها ضيف آخر
  يا جماعة الخير ، أبو عماد مكانه محفوظ في صدر المجلس بجانب أبو العريس ، صاح ثالث .
  قهوة يا محمد لأبو عماد ، هتف خامس
  نورت نورت والله بدونك العرس ليس له بهجة قالها سادس
  حبيبي أبو عماد ، صدقني وما لك علي يمين عندما أراك يزول كل هم في قلبي ، قالها مبتسما أبو العريس

كان عدنان ينظر إلى الناس غير مصدق ، لماذا كل هذا الترحيب ؟ والله لو حرر فلسطين ما لقي كل هذا الترحيب .

بعد أن جلس الجميع وجلس أخوه رجب ، هب عدنان واقفا وقال لأخيه رجب : الله يمسي مصغياتك ( يقصد مصرياتك أي فلوسك ) بالخير يخي (يا أخي ) غجب ( رجب ) !!

وقف رجب مبتسما لأخيه الكبير يحاول إنقاذ الموقف : مساء الخير يا أخي أبا أحمد ، فلوسي فلوسك والعين ما بتعلى على الحاجب وانتقل بأسلوبه لحديث آخر .

كان رجب يعرف أن أخاه دائما ينغص عليه سهراته ولا يترك مناسبة إلا ويقلل من قيمته لكنه لا يستطيع أن يفعل شيئا فهو أخوه على الأقل أمام الناس . كان يقول أن عدنان يحسده لأن الله يرزقه فيما هو فقير : هذه سنة الله في خلقه ، ماذا أفعل إن كان الله يريده أن يكون فقيرا ؟؟

المشكلة أن أم عدنان كانت تلوم ابنها رجب وتقول له هذا أخوك يا ابني لازم توقف معه وتساعده ، ومن كثرة إلحاحها عليه قرر فعلا أن يقدم لأخيه مساعدة لعلها تخفف من حقده عليه فيتوقف عن الإساءة له في المجالس ، قرر في نفسه أن يحمل سيارته كل أسبوع لحوما وخضارا وفواكه وسكرا ورزا الخ ويرسلها لأخيه عدنان وبالفعل توجه بسيارته محملة بالمواد الغذائية مساء أحد الأيام حيث صدفت أن كان عدنان في البيت .

بعد وصول رجب بيت أخيه عدنان نادى أولاد أخيه لينزلوا ويحملوا الأغراض وطلب منهم أن يسرعوا لأنه مشغول ، وكالعادة تجمع الجيران ليشاهدوا اللحوم والخضار تنقل لبيت عدنان فيما ربات البيوت يسرقن النظر من الشبابيك للخير الذي عم بيت أبي أحمد ، وكل واحدة منهن تتمنى لو أن لزوجها أخ مثل أبي عماد .
  تعال وانظر يا أبا خليل ماذا أحضر أبو عماد لأخيه أبي أحمد ، هكذا الإخوة وإلا فلا ـ قالتها امرأة تتفرج من الشباك لزوجها في الداخل ـ .
  هل ترين يا ابنتي ، هكذا الأعمام وليس كعمك الذي يزورنا مرة كل سنة ـ قالتها جارة أخرى لابنتها .
  طبعا لأن أبا عماد يحسن لأخيه وأخواته يرزقه الله
  .......

فجأة طل أبو أحمد من شرفة الطابق الثاني ونادى أخاه ليصعد لأمر هام ، حاول رجب التملص لكنه اضطر أن يستجيب لرغبة أخيه لأنه هدده إن لم يصعد سيعيد كل ما جاء به .

في غرفة الجلوس أو الضيافة جلس عدنان مع أخيه رجب وحدهما بعد أن أغلق عدنان البيت ، فقال عدنان :

  لماذا تغلب حالك يا أبا عماد ؟
  لا تقل ذلك يا أخي خيرك سابق
  هل كان يجب أن تغلب نفسك يا أخي ؟؟
  يا أبا أحمد ، أحرام على الأخ أن يساعد أخاه ؟
  لا يا أخي غجب ( رجب ) ، قالها عدنان مستهزءا ، لكن الذي يغيد (يريد) أن يساعد أخاه يعطيه بالكتمان ثمن اللحمة والفواكه وو ... ليشتغيهم ( يشتريهم ) بنفسه ويأتي بهم إلى البيت ليرفع غاسه ( رأسه) بين أولاده وزوجته ، لا يفضح أخاه أمام كل الحاغة (الحارة )، حتى إذا زعل مني أحد يعايغني ( يعايرني) ويقول لي الله يخلي أخاك الذي يطعم أولادك !

أنت يا أخي لا تهدف أن تساعد أخاك ، بل تحب أن تنفش حالك على أكتاف أخيك العتال ، وكغامة (كرامة) أولاده . أنت لا يهمك سوى تحدث نساء الحي عن كرمك وحسن أخلاقك .

أنا عتال منذ ثلاثين سنة ، وحملت آلاف الصناديق والتنكات على ظهغي ( ظهري ) ، لكني للأسف لا أستطيع أن أحمل نظغات ( نظرات )الشفقة والتعالي التي في عينيك لي ولو يوما واحدا .

أخي أبا عماد طز فيك وفي فلوسك وقبل أن تذهب ، احمل معك ما أتيت به فلسنا بحاجة له .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى