السبت ١٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٧

أسفار الجحيم جديد أيمن جعفر

صدرتْ للقاصّ البحريني أيمن جعفر محمد يوسف باكورة أعماله الأدبية ، مجموعته القصصية الأولى بعنوان " أسـْـفــَـارُ الجـَحِــيم " عن المؤسسة العربية للدراسات و النشر ببيروت ، و ذلك ضمن سلسلة الإصدار الأول لمركز الشيخ إبراهيم للثقافة و البحوث في البحرين و المؤسسة العربية للدراسات و النشر .

المجموعة التي جاءت في 208 صفحات من القطع المتوسط ، ضمَّــتْ بين دفتيْـها خمسة عشر قصة وفق ترتيب زمنيّ ، بدءً بالأقدم فالأحدث ، لتتيح للقارئ فرصة اكتشاف المستوى التصاعدي للقاصّ ، حيث إنَّ القصص مكتوبة في الأعوام 2004 ، 2005 و 2006م ، و قد أشارَ المؤلف إلى أنَّــه ارتكب إعادة خمس قصص كان قد كتبها في العام 2003م ، و ذلــك في
" وشوشته " للقارئ .

القصص الخمسة عشر حملتْ عناوين (أحاسيس صحراويَّـة ، أهازيج القمر ، فوانيس شاحبة ، بين حيرتين .. غابات أسئلة ، عواصف خاسرة ، الشتاء يحترق وجدا ً، الضفة الأخرى من الوهـم ، شذا الأيَّــــــــــام ، حقائب الدهشــــــة ، مدائن الحنين ، مرافئ السـِّـحر ، ليلة البــُـهـْـر ، أسفار الجحيم ، أبجديّـة الوجــع و طوفان الضـِّـيـاء ) ، و تناولتْ مواضيع شتى بتقنيات سرديَّــة متنوعة ، و بلغة شعريَّــة تؤكــِّـد على نظرة القاصّ تجاه اللغة في القصة الحديثة ، و هـو ما جعل من الدكتور منذر عياشي الناقد و المترجم المعروف يتساءل لدى تقـديمه للمجموعة عن البعد الفاصل بين القصة عند القاصّ و القصيدة الحديثة .

قدَّمَ للمجموعة د. منذر عياشي تحت عنوان " قراءة ٌ في خــَـبْءِ المكتوب و حساسيّـة السّـطور " و تناول بشكل موجز بعض القصص ، و التي يؤكــِّـد فيها على بعض سمات السمت الذي اتبعه القاص لنفسه ، و ملتقطا ً بعض جماليات القصّ عند صاحب " أسفار الجحيم " . و نقتطف من هذا التقديم ما قاله الدكتور منذر عياشي لدى توقفه عند قصة " فوانيس شاحبة " حيث يقول : " القصة الثالثة هي بعنوان " فوانيس شاحبة " . لو تركتُ موضوعها و مضمونها ، و مصير بطلها الذي تتغيّـر أقداره ، فماذا يبقى من هذه القصة ؟ هل يبقى شيءٌ منها ؟

ليس ســؤالا ً إعجازيــا ً و لا تعجيزيّـا ً . فأنـــا بالـفـعــل ، مـتــأثــر بـفكرة القصة ، و لكني أكثر تـــأثــرا ً بالفن الذي جعــل من هـــذه الفكرة قصة . و إذا كان صحيحا ً أن مصائر الناس تعنيني و تعني كل إنسان ، فإنه لا مجال أمـــام الفن و في رحابـــه أن نخوض غمـــار مزاودات شعاريــة على غرار ما يفعل بعض " المتحزبين " هنا و هناك ، و أنــــا في الـواقـع أسـمـيهم
" المتخربين " .

القصة هنا حديث عن موقف . فهل هي قصة إيديولوجيا النضال ، نضــــال المظلوم ضد الظالم ؟
ربما تكون كذلك . و لكن أعود إلى سؤالي المركزي . إذا تركت هذا الموضوع و ابتعدت عن هذا المضمون ، هل يبقى شيء في القصة ؟

إن الفن الحقيقي حيز يستطيع القـــــارئ أن يـقـف فيه على مُـتـَـع ٍ ألوانهــــا مختلفات . و من تلك المتع ، أو على رأس تلك المتع تقف اللغة و جمالياتها .

صحيح ، إنه ليس مطلوبا ً في كاتب القصة أن يكون بلاغيا ً ، و لكنـــه إذا كان أنيق العبـــارة أولا ً ، و عرف كيف يجدل العلاقـــــة بين عبــاراتــه الأنـيـقـــة و المضامين التي تحملهــا تعبيـرا ً عن موضوعــه ، فتلك غاية لا يبلغها إلاّ من علا كعبه و نهضت قامته في الفن الذي يمارســــه . و لقد نستطيع أن ندلّ على ذلك ببعض العبارات الأنيقة المبثوثة هنا و هناك ، و التي تشكل هي وحدهـــــا متعة القصة إذا تساءلنا ماذا يبقى إذا وضعنا مضمون القصـــة و موضوعـهـــا جانبا ً .

و من هذه العبارات ما يلي :
"
ها أنت ذا تتسوَّل حلا ً ناجعــــا ً " ، و " وجهك الملوّث حزنــا ً " ، " مــا فتئ أرقـــا ً " ، " قد أصبحـت قبلـــة ً للأوجـــــاع التي تأتيــــك مـن كل جرح ٍ عميق " ، " ينتحر صوتك " ، " الحــرائــق تستـعـــر فيــك " ، " فهـــل أضحى قدرك سامريــا ً ، أن تـقـول لا مســاس " ، " تستحيل الدنيا كلهـــا في نظرك إلى مخبــــأ أسلحــة " ، " حزنك الأنيق يرفض تلويث ثيــابــه الأنيقــة في وحــل الصـــراخ " ، " الذكريــــات عنكبوت تلفك " ، " يرنو إليك العنوان ، تشيح بوجهك عنه ، لكن بعدما فتح فيك شوارع ذكريـــات أليمـة لن توقفها إشارات ضــوئيــــة " ، " تصهــل فيـــك خيــول العـمـر " ، " تــدوس على أيـــامـــك اليـابـســة " ، " كنت حقلا ً غريبا ً في ظلمة دامســة ، و الآن حقل فرح ٍ يورق جذلا ً " .

إنّ هذا الرصيد من العــبــارات الأنيقة ، على اختلاف نسيجهــــا الأسلوبي و الاستعـــاري و المجــــازي ، لتعطي المكتوب نكهة الخصوصيّـة . و القارئ لشدة مـــــا يلتذ بافـتـراع المكـتـوب قــراءة ً ، يـحسبُ أنّ هــذا النص مــا كتب إلاّ له . و من هنا ، فإنّ لغة ً كهـذه لتـجـعـل النصّ بكرا ًمع كل قراءة ، و مولودا ً جديدا ً مع كل قارئ . "

و في ختام تقديمه يراهـنُ د. منذر عياشي على القاصّ عند قوله :

" في الخاتمة

لم يعد في هذه المقدمــــــة المجــال مفتوحا ً للمزيد ، و لكننا نراهن أن أيمن جعفر محمد يوسف قد سلك في كتابة القصة القصيرة طريقــــا ً تظهر فيه براعتـه ، و فرادتــه ، و تميزه ، كما نراهن أن هذا الكاتب ما عــــاد بإمكانه أن يتوقف ، و هذا بالطبع رهان يقوم في عالم الغيب ، و لكن الكتابـــــة التي سجلتها القصص هنا تكشف نوعيا ً عن امتزاج الكـــائن الشخصي للكاتب بالكائن النصي للقصة . و إن مثـل هـــــــذا الامتزاج ليشبه الزواج الأبدي الذي لا ينفك منه إلاّ بالموت . و من هــنا فإننا نطلّ بنظرنا على المستقبل حيث نرى الكاتب أيمن و قد رفد المكتبة العربية بنفائس قصصية قيّـمة ، تجعل منه علامة بارزة في عالم السرد . "

جديرٌ بالذكر القول إنَّ القاصّ افتتح قصصه بعبارة " هَــذِهِ أسـْـفــَـارُنـَـــا فــَاقـرَأوْهــَــــا مُكـْـتــَشِفِـــيْـنْ " دعوة ً منه إلى قراءة أكثر عمـقا ً ، بما ينطوي عليه الاكتشاف من متعة و عمق في الفعل القرائيّ .

تصدير القاصّ لعنوان قصة " أسفار الجحيم " يحمل دلالات كثيرة ، و مشكلات ستستوقف القارئ و الناقد بداية ً بالعنوان ، و منذ أول كلمة فيه " أسفار " ، مرورا ً بالتقنية ، و ليس انتهاءً عند الموضوع و الرؤية و اللغة . و هـذا التصدير أو عنونة المجموعة بعنوان هـذه القصة يحمل في ثناياه الكثير من الأمور الفنيّـة و الموضوعية و النقدية .

و إذا عدنا إلى القصة فإننا نجد القاصّ قد صدّرها بقوله : " نَحـْنُ الذِيْـنَ أَحَلـْنـَا تـَاريْخــَنـَا مِنْ أسـْفــَارِ نَعِيـْم ٍ إلَى أسْـفــَارِ جَحِيــْم ٍ مَا فــَتِـئـْنــَا فِيْ ُأوَارِهَا نـَحْتـَرِقُ !!".

الناشر اختار المقطع الآتي من قصة " ليلة البُهر " : " تابعتُ تقدمي ، أبتعد عن مكامن الخطر إلى الأماكن الأقل خطرا ً ، الحجـــــارة تتساقط ، يسقط قلبي في بركان الخوف ، أقشعرُ هلعا ً ، أمدّ يدي إلى الأعلى لأتشبث بشيء ما ، تصطدم بشيء حاد ، تنزف يدي اليسرى ، و تجف رغبتي في الوصول ، أنزلق . عقب تمسكي بغصن قوي توقفت عن الانزلاق . نظرتُ إلى يدي في ضوء القمر فوجدتُ بحر الجرح من بين اصبعي السبابة و الوسطى مرورا ً بما يسمى خط الحياة في كفي . لا أعلم السبب ، غير أن الألم يتناسل . فكرة التراجع تعاودني ، نظرتُ إلى الأسفل . قطعتُ مسافة ً كثيرة ، على أنَّ باقة من العيون تومضُ . أشحتُ عنها ، و تنـهدتُ زافرا ً : " الصعود صعب .. جدّ صعب " !!

قلتُ هذا مع أني شخصيا ً أدرك ألاَّ شيء صعب . هل أخبركم لماذا ؟ ".

و من أجواء المجموعة نقرأ من قصة " طوفان الضياء " : " مِنْ حقــِّكَ الآن التحـليقُ في مجرَّاتِ الفرح ، إقامة ُ عَرْش ٍ سماويٍّ مرصَّـع ٍ بالغيماتِ المتقنةِ صفاءَ الحليبِ ..من حقكَ تلوينُ لوحة ِ القلبِ بألـوان البهجة ِ المائيَّـة ِ ، الغرقُ الآمنُ في فتنةِ الوقتِ ، كيف لا و هاهي أيامُ حزنكَ تذوبُ سُكــَّرَا ً في كوبِ ذكرياتكَ ، و تتجمَّدُ أوقاتُ معاناتكَ في ثلاّجةِ ذاكرتكَ ؟؟!!
كيف لا ، و أخيرا ً أخيرا ً ، سَتـُفـتـَحُ ستارةُ حاضركَ ؛ مستقبلة ً قوافـلَ الضِّـيَاء ، طاردة ً عبر ما حدثَ اليومَ ، كائناتِ الهواجس المزعجة ، و روائحَ الأسى المقرفة ، المحترفة تشويه روحكَ ببخور الألم الرديء ؟؟!!

مُـذ سمعتَ الخبرَ ، و أمطارُ السُّـكــَّرِ تهطلُ فيكَ ، البنفسجُ يورقُ في عينيْـكَ ، أحاسيسكَ ترتدي
ينابيعَ الياسمين ، بكعبةِ الفخرِ تطوفُ ، حافية ً من الندم ِ .

أوَّاهُ .. أحقا ً سيتحققُ ما نزفتَ لأجلهِ انتظارا ً ؟ ليُشـْنـَقَ ما جعلَ أحلامكَ مؤجـَّـلة ً أو كما دَعَوْتـَها " ميتة ً حتى إشعار ٍ آخر " ؟ ليُدحرَ ما تسبَّـبَ في دخول ابتسامتكَ غرفة العمليـَّّـاتِ المركزة ؟ " .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى