أعمدة إبراهيم
شعر: سليمان نزال
أتخيلُ الآن- والعهدة على خيالي
الممزوج بالحسراتِ..المطوق بالظلالِ-
أن أعمدةَ إبراهيم قد هُدمت..
بقصفٍ همجيٍ مجرمٍ احتلالي..
و أن قبة الصخرة.. قد سُرقت
حُملت على ظهورِ الجِمالِ!
ثم وُضِعت بمتحفٍ صهيوني
و عاملتها عصاباتُ الأنذالِ..
مثل صخرةٍ عادية..لا تُلهم المؤمنينَ
لا تردع عن ضلالِ...
أتخيلُ أني شاهدتُ صرختها
تشكو غياب الرجالِ.. الرجالِ
أتخيلُ الآن.. و يحرقني سؤالي
بأن جرحي يقف على الأطلالِ..
و ينادي: هل هناك من يدافع عن أقصانا
عن المقدسِ الغالي؟
***
و أقولُ أن المماليكَ الأوغاد
أسباب هزائمنا و مهالكنا..
أحصنة طروادة
حين سقطت بغداد
في دموع معاركنا..
أخذتْ تجدلُ الخزيَ حبالا حبالا
ليتقدمَ من الموعدِ الفدائي
حشدُ نسور من ملائكنا..
شرعوا يطوقونَ أعناقَ آباء رغال
بما صنعوا من حبال..
***
أتخيلُ.. و أثقُ الآن بخيالي
مثما أنا واثقٌ من اشتعالي!
كما أثقُ بنزيفِ النجوم
في بلادي.. في أرضي, في جبالي..
و أعتمدُ على ما شقَّ هذا الحزنُ المبجَّلُ
من وديانٍ و تلال..
و ما عبَّدت من دروبٍ
وثباتُ الاحتمالِ الفلسطيني
و فوق الاحتمال..
بأن مياه دجلة و الفرات
تنتفض ضد الغزاة..
و تقذفهم بلهيبِ النصالِ!
فتتكاثر نعوشُ الأبيضُ اليانكيُ
فتحملها لأمريكا, الخيباتُ
عليها آثار أندحارٍ و رمال..
***
أتخيلُ بأني أطوفُ على سطحِ اليقينِ
و أني قطعتُ مع الشكِ اتصالي..
فأدركتُ بأن الانتصار في فلسطين
يسبقهُ النصر على أصحابِ المعالي..
وأن الفوزَ سيأتي أرض الرافدين
حين أنظفُ من عفنِ الخانعينَ أحوالي
***
أعلمُ الآن بكلِّ حواسي الجريحة و العنيدة
والبعيدة و الصديقة القريبة..
بأن أعمدة إبراهيم باقيةٌ
و الكعبة المشرفة باقيةٌ,
عزيزة, مهيبة..
و أني بجرحي النازف
أخوضُ النزالَ
كي أنقذَ فجرَ الحبيبة..
من المشرق العربي إلى غربه
و شعبه و حتى الموالي..
***
أتخيلُ الآن..
– و العهدة على ما تطلقه
في هذا المنفى, زفرات في بالي-
بأني تأخرتُ عن قافلةِ الشروقِ كثيرا
لم أفعل بما أمرني
أنبياء البسالة و النضال..
طلبوا أن أقاتلَ الأعداءَ بكلِ الجهاتِ
قاتلتهم شرقاً و جنوباً
و نسيتُ بعضَ الغرب و الشمال..
نسيتُ ألف طاغية و تمثال..
من الذين يقمعون أمثالي!
***
كيف نسيتُ الغزو
أقطع يده الشريرة, المغتصِبة
كيف جررت وقتي –تسرعت-
و ضعت الحصان خلف العربة!
كيف غفلتُ عن الذي سطا
على أيامي..
و يَتّمَ أحلامي
و حسبَ الدموع التي تحجرت
بأحداقِ تاريخنا, ذهبا..
وداسَ على جذوري بالنعالِ؟
***
أعرفُ الآن..
أن الأنظمة العربية
تمشي كلها في سروال..
من خوفٍ و ذعرٍ و قلة وقتٍ و إنشغال!
لكن الزمانَ سيعود إلى ساعاتي زاهيا
ستجبره يعود مكرها , أبطالي.