الثلاثاء ١١ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم محمد أبو عبيد

«ألف ليلة وليلة» على قائمة الإرهاب

لم يكن يعرف من سبقونا على مدى ردح طويل من الزمن أن شهرزاد خادشة للحياء العام،حتى أتانا مؤخراً من يخبروننا عن ذلك، فكأنهم يصفون شهرزاد بالمنسلخة عن الأخلاق. إن ذلك تنكيل حقيقي بالأدب عندما يُصنف في خانة "قلة الأدب"، وعندما يطالب البعض باستئصال أجزاء من الجسد الأدبي المشرقي، كما لو أن المراد استئصاله سرطان في نظر من يريدون محاكمة " ألف ليلة وليلة.

في وقت نحن، المشرقيين، في أمسّ الحاجة إلى الاحتفاظ بما شكّل لنا فخراً لتأثر الغرب وباقي الحضارات به، يأتي مِنْ ذوي القربى مَن يطالب بإنزال حُكم الإعدام به ، أو جعله مثل أسد لا يزأر، فلا فرق،إذنْ، بينهم وبين من يضعنا على قائمة الإرهاب من حيث الديدنْ. وفي الوقت الذي يطالب فيه العقلاء بتوسيع هامش حرية التعبير ورفعالرقابة والحظر عن مئات الكتب، يُفاجأ المرء بمحاولات الكاظمين الغيظ من حرية التعبير وضع شهرزاد في حِجْر صحي كي لا تعيث فساداً وإفساداً في صفوف العرب والمسلمين، فيا للبليّة.

المؤسف في حادثة محاكمة "ألف ليلة وليلة" ليسكونها الأولى، وبالطبع لن تكون الأخيرة، إنما هو تنشيز سيمفونية أدبية أثرت في الآخرين فصرنا مثل المنتحِر. هذا العمل الأدبي كان ملهِماً لأدباء من أصقاع الأرض قاطبة كالكاتب الإيطالي الشهير بوكاشيو الذي استوحى منه في كتابه "الأيام العشرة" وشكسبير في مسرحيته "العبرة بالنهاية" والموسيقارالروسي ريمسكي كورساكوف في سيمفونيته شهرزاد. 

مَن يطالِبون بإنزال العقاب في ألف «ليلة وليلة» إنما هم يسلخون الرؤية الإنسانية عن العمل الأدبي، ولا يتعاملون معه إلا بالشكل الغرائزي، فضاقت بهم الرؤية بما رَحُبت ولم تستوعب إلا الجنس في العمل الأدبي، وتعاموْا عن جماليات العمل وسحره وعذوبته، والذي صار اسمه أسماء لأعمال وأماكن شتى.

إن العرب اليوم في معركة "هارمجيدونية" طرفاها عرب، فإما أن ينتصر أحرار التعبير على جزاري الكلمة وسفاحيها، فتشرق شمس الأدب من جديد مبددة غيوم القمع المسْودّة، أو أن يربح الجزارون المعركة فيصبحوا مثل الملك شهريار نفسه حين كان يقطع رأس كل بِكر في صباح اليوم التالي لزواجه منها انتقاما من النساء، فيفر الأدباء فرار أبكار المدينة من بطش شهريار، فلا تنفع الصياصي حينئذ .

من الجدير أن يُقال لطواغيت الفكر والأدب لقد جاوزتم في الحد نصحاً أضرّ بكم لا بنا، من حيث قدّرتم أنّ النصح ينفعنا، وما هو بالنصح سوى أنه قمع وكبْت لحرية التعبير وتسفيف للأدب .فلتطالبوا، بناء على ذلك، بمنع الشعر العربي الغزلي منذ الجاهلية وحتى حاضرنا ، ولتطالبوا بجز رقبة قصيدة اليتيمة، وطالِبوا الناشرين بأن يُدْنوا على المؤلَفات من الجلابيب ويضربوا على أغلفتها بالخمور أو البرقع. فلا يبقى لنا من المعرفة سوى بعض التاريخ والحساب، والنحو والإعراب، وأن الأرض مجرد بحار وجبال وسهول وهضاب، وكيف نقضي على الذباب، وأن القطط تخاف من الكلاب، ومن تخطت معرفته أكثر من ذلك مطلوبٌ على قائمة الإرهابْ


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى