الخميس ٣ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم دينا سليم

أنتظرت أدونيس وقاسم حداد.. ولم يأتيا...

أكلني برد الكلام وأنا عائدة الى بيتي ظهر ذلك اليوم. لكني وصلتُ بأعجوبة الى مشارف الحياة، أودي صلاتي الى العالم البائس، أخلط بين الحياة والموت، بين الحقيقة وغير الموجود.

سخرية القدر أن تكون قارئا عالميا، فتُعتبر مشاكسا، متمردا عاقا! فكانت تهمتي لهذا اليوم الذي انتظرته شهورا بفارغ الصبر!

يا الهي، أنتظر يوما كي أمليء مكتبتي فيه بالكتب الجديدة، فأنا هنا، لا أرى أبدا كتابا بلغتي التي أعشقها، ولا صحفا يمكنها أن تحجب عني صداع أدمغتي.

تُهت، في طريق عودتي، قاصدة، أحاول لملمة خيباتي وترك بعض أعبائي على أرصفة (بريزبن) الحائرة بهذا الكم من الرواد، اللغات، الجنسيات والديانات.

فكان مؤتمرا عربيا، ظهر النهر يومها متألقا، وفندق اللقاء ينطق باسمه من شرفاته الزجاجية الجميلة.

كانت احتمالات الذاكرة تنازعني، فهو نوع من الطلب الذاتي، ترمم روحي من مطر أناس يحتفلون ببقايا الحياة، فكان (أدونيس) حاضرا معي يومها عندما قال:

"هكذا تبدأ الحكاية أو تنتهي الحكاية

والمدى خيطي - اتصلت أنا

الفوهة الكوكبية

وكتبتُ..."

وكان مشهد الرؤية، الجميع يتأبطون كتبا، أطفالا، شبابا وشيخا، أثارني أن الجميع على موعد لممارسة الجمال، فنازعتني ذاكرتي مجددا قبل الوصول:

"ينظر الأطفال إلى الوطن العربي فيهلعون".

أردت أن أجيب (قاسم حداد) عندما وجد الحب:

"قل هو الحب

قل لهم في برهة

بين كتاب الله والشهوة

تنساب وصاياك..."

لكن، لم أجد الحب الذي نادى به (قاسم حداد) ولا (أدونيس)، لم يكن هناك، (نزار قباني) ولا ( سليم بركات)، أين أستطيع أن أجدكم، فكلام الحب لا ينتهي، ولماذا ينتهي الكلام عند عتبة الخوف من الله، والخوف من دخول الجنات، إن قرأنا عنه.

تهتُ بين بنايات (بريزبن) التي تستعد لعرس آخر في هذه الفترة، فظهرت كعروس في يوم الفصح، تزينها الأرانب المضيئة، وتنزل بها الأضواء كعروس الى ديمومة النهر.

لم أبحث عن مصدر الاحتفال بالأرانب في هذا الوطن الجديد، بل ما زلت أبحث عن جذور، حضارة وثقافة عربية، لم أجدها فبتُ كمن ينتظر الدينونة عندما صمتُ أمام أكشاك الكتب والصحف التي تحمل عنوانا واحدا، لا غير...

يعيش في ولاية (كوينزلاند) [1]وعاصمتها السياحية (بريزبن) عشرة آلاف مسلم، جاءوا من جميع أقطار العالم، وكما في كل سنة يخصص لهم يوما، التقاء ثقافي، حضاري وتراثي. وبما أننا ما زلنا مسكونين بذاكرة الخوف، لم أتطوع لبدء الكلام، وبدأ الكلام...حينها، تدخلتُ في محفل الأشياء، دخلتُ بالشكل المضاد، فرأيتُ الانعكاسات الجميلة في الموضوع، تنازلت عن رؤية القبيح، فمبدئي في الحياة، احترام وتقبل الغير، مهما كانت آرائهم وعقائدهم.

أهدرتُ كثيرا من الساعات وأنا أصغي، حاولتُ توضيح سرّ المغزى لحياة أفضل في مناقشة غير مجدية عن أمور نحن بحاجة لمناقشتها، لكني رأيتُ أن العالم ما زال يعيش في ظلمته.

أحاول بالحوار الهاديء تسكيت بعض الفوهات، فوهة تلو الأخرى، أنقل لوحدي جدول التعجب والاحتجاج، لم أرد أن أقلّب الناس على هواي، ولا أسمح لنفسي أن أركض على هوى الآخرين، لكني بقدر ما كنتُ معجبة بيوم اللقاء، أصبحتُ كمن يلملم أعشاب العماء. سقط حزني على الأرض فأصبحتُ كمسبحة ينفرط خرزها وتقع أرضا.

صار الكل يتمتع فأتى بعضهم من آخر الثقب، ومنهم من زال يحمل الخيط، وأنا أتأنى صبرا، فكنتُ نصفي والنصف الآخر أصبح قيد جدول الوجع الكبير، أرمي وجعي الى صنارة الدمع.

عدتُ أتأمل أحدهم من بعيد، وآخر، وآخرون الذين أصبحت كلماتهم أجمل من أكبر تراتيل، تدحرجت كلماتهم مجددا، منعتني من الاندحار، قبل أن يصل الخيط الأخير، خاطبتُ بعيد المحطات، فاستفاقت مدني المضيئة قبل إنكسار الأنفاق، ذهلَ الجميع من خطابي، فقلتُ لهم، هذا هو كلام الحب الأصيل، فله سأصلي ولهُ سأنفق جلّ نهاراتي.


[1(كوينزلاند) ولاية في قارة أستراليا وعاصمتها السياحية (بريزبن) حيث تقيم الكاتبة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى