أوضاع مصر قبیل الشاعر محمود حسن إسماعیل
– أم البنین مرزي: طالبة في مرحلة الماجستیر في فرع اللغة العربیة وآدابها بجامعة آزاد الإسلامیة بکرج،إیران
– بحث مستخرج من رسالة الماجستیر بإشراف الأستاذ الدکتور یوسف هادي پور
الملخص
من البديهي أنه لايمكن دراسة الشعراء والتعرف علی خصائصهم الشعرية إلَّا بعد دراسة الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يترعرع فيها الشاعر. لأنَّ الشاعر كشجرة تنموفي تراب وشعره کثمار تلك الشجرة ولكل فاكهة لونها وطعمها ورائحتها تنتمي إلی ذلك التراب والنور والهواء الذي يتغذی منه. کما تنتمي حياة الشاعر وخصائصه الشعرية إلی الظروف السائدة علیه. من هذا المنطلق قبل أن ندرس حياة الشاعر وأدبه نتوغل في دراسة الظروف التي نشأ شاعرنا «محمود حسن اسماعيل» فيها.
الکلمات الدلیلیة:مصر، الاحتلال،محمد علي باشا،إسماعیل باشا،الدولة العثمانیة،عصر النهضة.
المقدمة:
كان احتلال الفرنسيين لمصر سابقة استعمارية خطيرة في بلد هوقلب العالم الاسلامي العثماني، كما كان تحدياً خطيراً هدد كيان الدولة العثمانية. لقد كانت مصر منذ وقت طويل ملتقی للمواصلات العالمية ومعبراً تمر به التجارة بين الشرق والغرب [1]ولم تفقد مصر أهميتها باعتبارها معبراً لتلك التجارة إلا بعد كشف طريق رأس الرجاء الصالح وتحول التجارة إلی الطريق البحري حول إفريقيا. [2]
الحالة السیاسیة:
« بعد اضمحلال جمهورية البندقية استطاعت فرنسا عن طريق العلاقات مع الدولة العثمانية ونتيجة لتوقيع معاهدة الامتيازات عام 1535م أن تحتكر تجارة الشرق. ولما رأت فرنسا أن كلاًمن إنجلترا وهولندا تتنافسان من أجل السيطرة علی طريق رأس الرجاء الصالح ارادت أن تنتهز هذه الفرصة السانحة لإحياء الطريق البري حتی تحقق نجاحا ملحوظا في مجال المنافسةالتجارية مع الدولتين الأخریين». [3]
«وعلی الرغم من استمرار اهتمام الفرنسیین بالطریق البری منذ القرن السادس عشر فصاعداً، لا يبدو أنَّهم قد علقوا أهمية كبيرة علی إنشاء قناة تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط حتی مجيء حملة نابليون بونابرت الی مصر في أواخر القرن الثامن عشر». [4]
« أما عصر عباس حلمي الاول فكانت فترة تفوق النفوذ الإنجليزي ولاسيما عندما توطدت علاقات الصداقة بينه وبين قنصل بريطانيا العام في مصر، واستطاعت بريطانيا أن تحصل علی موافقة عباس علی إنشاء سكة حديدية في مصر لكي تخدم المصالح البريطانية وتساعد علی سرعة نقل التجارة والجنود البريطانيين بين انجلترا والهند». [5]
« وأما عصر محمد سعيد باشا فيمثل فترة التفوق الفرنسي. فقد كان من الفرنسيين رفاق صباه ومعلموه، لهذا منح فرديناند دي ليسبس في نفس عام توليته الامتياز الاول لقناة السويس. وقد عارضت انجلترا فكرة حفر القناة منذ مطلع القرن التاسع عشر، وحبذت بناء الخط الحديدي الذي تم فعلاًبين القاهرة والسويس في عام 1858م.كما كانت تری ان مشروع القناة سيؤدي الی وضع حاجز من المياه بين مصر وسورية يفصل مصر فصلاً تاماً عن الدولة العثمانية بحيث يمكنها اعلان استقلالها متی شاءت. ولقد رأت انجلترا في اكتمال مشروع القناة مقدمة لوقوع مصر تحت السيطرة الفرنسية واذا ما نشبت الحرب بين انجلترا وفرنسا استطاعت الاخیرة في الحال احتلال مداخل القناة والتحكم في التجارة الانجليزية شرقي رأس الرجاء الصالح. أما عصر إسماعيل فيمثل التفوق الفرنسي (1863م-1879م) أولاً ثم الانجليزي ثانياً. كان إسماعيل بعكس عباس وسعيد ذا طموح وإرادة واتجاهات خاصة ولكن ذلك كلفه من الاموال اكثر مما تحتمل مالیة مصر، فاستدان من الدول الاوروبية ، وتغلغل النفوذ الاجنبي السياسي والمالی حتی انتهی الامر باشتراك وزراء أجانب في مجلس النظار المصري. وعندما حاول إسماعيل إيقاف النفوذ الاجنبي وتحريك عوامل الثورة الوطنية المصرية، ضغطت انجلترا وفرنسا علی الباب العالی حتی عزل إسماعيل في 1879م. وقد بلغ النفوذ الاجنبي في مصر غايته بالاحتلال البريطاني عام1882م، وبذلك خرجت مصر من الناحية الفعلیة عن السلطة العثمانية واستقر الاحتلال نهائياً بالاتفاق الودي بين انجلترا وفرنسا في عام 1904م، فاطلقت فرنسا بمقتضاه يد انجلترا في مصر،كما أطلقت انجلترا يد فرنسا في مراكش وظلت مصر من الناحية النظرية ولاية عثمانية حتی إعلان الحماية البريطانية علی مصر في عام 1914.وقد ظلت تركيا ترفض الاعتراف بالحماية حتی إعلان الحماية البريطانية علی مصر في عام 1914م. وقد ظلت تركيا ترفض الاعتراف بالحماية حتی معاهدة لوزان عام 1923م التي تنازلت بمقتضاها عن كافة حقوقها وسيادتها في الشرق العربي وبينه مصر». [6]
«وقد اثرت الحملة الفرنسية علی مستقبل مصر السياسي في القرن التاسع عشر فأدت الی ازدياد نشاط بريطانيا في الشرق الاوسط. ويمكن أن نلخص النتائج الاخری التي ترتبت علی هذا التحدي الذي واجهته الدولة العثمانية وكانت له أصداء علی الأراضي العربية في مطلع القرن التاسع عشر علی النحوالتالي: أولا: شجعت الحملة الفرنسية بريطانيا علی اتباع السياسية التي ظلت متمسكة بها طوال ثلاثة الأرباع الأولی من القرن التاسع عشر وهي سياسة المحافظة علی كيان الدولة العثمانية، ثانياً: أثرت الحملة في تغییر طبيعة العلاقات بين بريطانيا والدولة العثمانية فكانت العلاقات القائمة بينهما تجارية بحتة، وكانت سياسة بريطانيا نحوالدولة العثمانية تتجدد بالمصالح التجارية البريطانية في انحاء الدولة العثمانية، ولا سيما مصالح شركة الليفانت، اما بعد الحملة فقد قفزت العلاقات السياسية الی مركز الصدارة، وتولت وزارة الخارجية البريطانية تعيين السفير البريطاني في القسطنطينية بعد ان كانت تقوم بهذه المهمة شركة الليفانت .ثالثاً : أدت الحملة الفرنسية الی تدخل بريطانيا السياسي في منطقة الخليج الفارسي. فاحتلت جزيرة بريم عند باب المندب جنوب البحر الاحمر ، ولكنها انتقلت بعد ذلك الی ثغر عدن بالاتفاق مع سلطان لحج الذي وقعت معه معاهدة في عام 1802». [7]
مصر بين الدولة العثمانية والغرب:
ـلقد أدت الحملة الفرنسية الی الانهيار السريع في قوة الممالیك. « ولم يعد للممالیك مجال يتصارعون فيه من أجل السيطرة علی مصر، فلقد احتلت القوات البريطانية والجيش العثماني مصر ، وعملت الحكومة العثمانية علی استخلاص مصر لنفسها وعزمت علی الحيلولة دون انتعاش قوة الممالیك، وقررت وضع مصر تحت سيطرة العثماني، وفي بادي الامر كان حلفاؤهم البريطانيون أقل تحمساً لذلك ، ولكن تغیر ذلك الموقف بعد ان شعرت الحكومة البريطانية بأهمية مصر الإستراتيجية، ورجحت إعاده نظام الحكم المملوكي ،لأنه سيكون اكثر خضوعاً للنفوذ البريطاني .» [8]
ونستطيع أن نقسم حياة محمد علی إلی أربع مراحل :«في الفترة ما بين 1803م و1805م كان محمد علی واحداً من بين المتنافسين علی السلطة في مصر وبالحصول علی الولاية في العام التالی نال محمد علی بذلك سيطرة اسمية، ولكنه اخذ يدعم قوات علی اساس متين بالتخلص من نافسيه وانشاء قوة عسكرية فعالة يمكن الاعتماد علیها. واستغرق تنفيذ هذا العمل العقدين التالیين، ولقد اختبرت هذه الانجازات اختباراً دقيقاً خلال حرب المورة وما بعدها. اما المرحلة الثالثة من تاريخه فتبداْ في عام 1831م عندما قام بغزوسورية. وإنتهی الصدام بين الوالی وسيدة بما له من نتائج مهمة وانعكاسات علی الدبلومسية الدولية رسمياً في عام 1840م. وتلك سنوات قليلة أخیرة من المجهود المتراخي والشيخوخة المتزايدة حتی توفي في عام 1849م.» [9]
ولقد أدت سياسة محمد علی الی نتائج ايجابية وسلبية:«في المجال الاول، ساعدت هذه السياسة علی دخول كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية المصرية الی الأسواق الأوروبية المزدهرة، وفتح بذلك آفاقاً جديدة للتجارب المصرية.كما جذب الی مصر عدداً من التجار الأوروبيين نقلوا معهم كثيراً من المهارات الفنية الغربية والعلماء الغربیین، ولقد غیرت هذه التطورات الشكل العام لتجارة مصر كلية، فارتبطت ارتباطاً وثيقاً باوروبا. بإدخال مصر في فلك التجارة الاوروبية،لم يكن هناك مفر أمام محمد علی من اتصال مصر بالحضارة الغربية. ولقد استطاع محمد علی أن يؤسس فعلاً الدولة الحديثة في مصر وكان ذلك يرجع دون شك الی فتح مصر للموثرات الغربية وانعاش التجارة وتشجيع نموالمدن وايجاد طبقة بيروقراطية مصرية وانشاء جيش مصري وتاكيد نظام الوراثه في اسرته. وهذه في الواقع بعض الانجازات المهمة التي كان لها اهمية كبيرة في تطور مصر الحديثة. اما بالنسبة للنتائج السلبية، فلقد فتح محمد علی الطريق امام التغلغل الاستعماري الغربي. فاهتمام محمد علی بالاسواق الغربية وفتح الآفاق الجديدة للتجارة قد زاد من اعتماد مصر علی الاسواق الاوروبية وجعلها سريعة التاثير بتقلبات الاقتصاد الاوروبي. كما ان تدفق التجار الاوروبيين جعل مصر عرضة للتدخل الاوروبي في شوونها الداخلي، فزعمت الحكومات الاوروبية ان لها الحق في حماية تجارها ومصالحها التجارية بمقتضي معاهدات الامتيازات الاجنبية. بالاضافة الی ذلك فان قضاء محمد علی علی استقلال طبقة رجال الدين شل حركة الطبقة الوحيدة القادرة علی كبح جماح الطبقة الحاكمة وتطرفها. ولقد تفنن محمد علی في ايجاد الوسائل المختلفة للاطاحة « بالزعامة الشعبية » فاشاع الفرقة بين العلماء وضرب بعضهم ببعض ، وعمل علی افسادهم .» [10]
أما خلفاء محمد علی فقد اهتموا بمسائل مهمة وهي: « العلاقات مع السلطان ، والعلاقات مع الدول الاوروبية والاصلاح الداخلي، وتكوين إمبراطورية إفريقية .» [11]
« ولقد مهد محمد علی للتسلل الاجنبي الی مصر، وفي نفس الوقت ازداد اهتمام الدول الاوروبية بها لأهميتها البالغة باعتبارها طريقاً رئيسياً للمواصلات العالمية قبل وبعد إنشاء السكك الحديدية المصرية في عام 1858م وفتح قناة السويس للملاحة البحرية في عام 1869م. ومن ناحية اخری وضعت التسوية التي أقرتها الدول الأوروبية في1840م-1841م مصر تحت إشراف الدول وبذلك فتحت الباب علی مصراعيه للتدخل الاجنبي.» [12]
« وفي عهد الخديوي إسماعيل ازداد تغلغل النفوذ الاجنبي في مصر، واخذ الكثيرون ممن وفدوا الی مصر في استثمار اموالهم استناداً الی الامتيازات الاجنبية التي كانت تعفيهم من دفع الضرائب وتمنحهم الحق في ان يحاكموا أمام محاكمهم الخاصة واستناداً الی الوصاية الدولية التي بدات بمعاهدة 1840.
ولقد ظهرت في عهد اسماعيل تبعية مصر المالیة والاقتصادية للاجانب، اذ انهم جاؤوا برؤوس أموال استثمروها في انشاء المتاجر والبنوك والبيوتات المالیة والشركات وما الی ذلك. وبالاضافة الی ذلك، استحكمت الازمة المالیة في عهد إسماعيل فأدی هذا الی تدخل الدول الأجنبية في شؤون مصر المالیة والسياسية.» [13]
« إن التدخل الذي حدث في عهد إسماعيل بداّ يكشف عن اتجاهات جديدة في السياسة الأوروبية واذ كان هذا التدخل قد وصل الی غايته بعزل اسماعيل، إلا أن اهدافه ونواياه لم تبد واضحة إلا عندما احتلت بريطانيا مصر بعد ذلك بثلاث سنوات. لقد حرصت بريطانيا علی تاكيد وضمان مصالحها في مصر ومن اهمها تامين طريق مواصلاتها الی الهند عبر قناة السويس.» [14]
« وفي سنة 1883م،اصبح اللورد كرومر معتمداً جديداً في البلاد. فقد كان كرومر ممثلاً للاستعمار ومنفذاً لسياسة الغرب الاستبدادية المتسلطة.» [15]
وبفشل الثورة العرابية خمدت الحركة الوطنية طوال عهد توفيق (1879م- 1892م) بسبب ذلك التحالف البغيض بينه وبين سلطات الاحتلال التي ارتمی في أحضانها ودان لها بكيانه. واستبد كرومر بمصر وانكر علیها الحقوق النيابية واعتقد أن الاحتلال البريطاني كان منجاة لها واصلاحاً لحالتها وحلاً حاسما ً لمشكلتها. ولكن بريطانيا ما كانت تعتمد في احتلالها لمصر علی حق شرعي اوقانوني، اذ كانت البلاد من الناحية الدولية تابعة للدولة العثمانية وعرضت الحكومة العثمانية في اواخر اكتوبر عام 1882م الدخول في مفاوضات معها بشان جلائها عن مصر ولم تهتم بريطانيا بطلب الدولة العثمانية ولكنها وجدت في النهاية ان من صالحها التفاهم مع الحكومة العثمانية بشان المساَلة المصرية لتقوية مركزها في الشرق الاوسط.» [16]
« وعلی اية الحال فرضت بريطانيا علی مصر في الفترة ما بين عامي 1882م و1914م حماية مقنعة، ففي حین ظلت السلطة الشرعية في مصر في ايدي الخديوي ومجلس النظار، تركزت السلطة الفعلیة في يد اللورد كرومر الذي استمر في منصبه حتی عام 1907م. ولكن اذا كانت الحركة الوطنية قد همدت في السنوات العشر الاولی التي تلت الاحتلال، فإن الوضع قد تغير بعد اعتلاء عباس حلمي الثاني كرسي الخديوية عقب وفاة ابيه في عام 1892م.» [17]
« وعندما حاول الخديوالقضاء علی سيطرة الاحتلال، اصطدم بكرومر ووجد نفسه وحيداً امامه لا سيما وان قنصلي فرنسا وروسيا، اللذين كانا يشجعانه علی مقاومة الانجليز، قد تخليا عنه، ولكن لم يكن من خصال عباس الشاب الاستسلام للهزائم.» [18]
« وأما في داخل مصر فلم يدع عباس حلمي فرصة للاتصال بالشعب الا اقتنصها، وسعی للاستناد علی المثقفين في نضاله لان طبقة كبار ملاك الأراضي من المصريين قد ترددت بين الولاء للخديوية اوالاحتلال الذي حاول في سياسته الداخلية كسبهم بجانبه بان عين منهم نواباً في الجمعية العمومية ومجلس شوری القوانين. واتفق مع الزعيم الوطني الشاب مصطفي كامل (1873م- 1908م) علی تشكيل لجنة سرية من بعض الشبان الممتازين بالوطنية ممن بلغوا التعلیم العالی في مصر والخارج. وفي ذلك الوقت ايضاً كان لتقدم الشعور بالحرية ونموالروح القومية في أوروبا وآسيا وفي الدولة العثمانية بوجه خاص اثر كبير علی مصر التي تملك ناصية الشرق والغرب.» [19]
« منذ اوائل 1918م بدأ بعض الرجال السياسة المصريين في تشكيل وفد لبحث ما يجب عمله بعد انتهاء الحرب لتحقيق آمال المصريين والمحافظة علی حقوقهم.» [20]
« وفي 8 مارس 1919م اعتقل سعد زغلول وصحبه، وتم نفيهم الی مالطة بحجة اثارتهم الراي العام المصري وإثارة الاضطرابات في البلاد ». [21]
« كان القبض علی سعد زغلول بمثابة الشرارة اشعلت نار ثورة 1919م في مصر وفبمجرد انتشار اخبار القبض علی الزعماء أضرب طلاب المدارس، وانتشرت الثورة بين الموظفين والمحامين والعمال والتجار والفلاحيين، بل اشترك فيها النساء، وظهر التضامن بين جميع طوائف الشعب من مسلمين واقباط، وتبادل الخطباء من الجانبين الخطابة في المساجد والكنائس، واشتد لهيب الثورة فقطعت اسلاك البرق والتليفون، واقيمت المتاريس في الشوارع لمنع مركبات ومصفحات الانجليز من اختراقها واتلفت محطات السكك الحديدية ». [22]
« وقد اضطرت الحكومة البريطانية لاطلاق سراح سعد وزملائه وسمحت لهم بالذهاب الی باريس ». [23] وفي تصريح 28 فبراير 1922م اعترفت انجلترا ان مصر دولة مستقلة ذات سيادة وانتهت بذلك الحماية التي كانت قد فرضتها علی مصر بعد دخول تركيا الحرب ضدها. لكن قيد هذا الاستقلال بالتحفظات الاربعة وكان اعلان دستور 1923م من اهم الانجازات التی حققتها الثورة. [24]
« في 13 فبراير 1936م صدر مرسوم بتعيين الهيئة الرسمية لابرام معاهدة صداقة ومودة ومحالفة مع بريطانيا العظمی من: مصطفي النحاس باشا رئيساً ومحمد محمود باشا واسماعيل صدقي باشا و.... وتتألف الهيئة البریطانية من السیر مايزلامبسون وقواد عسكريين .» [25]
و«في 8 اكتوبر 1951م الغت معاهدة 1936م، واحكام اتفاقيتي 19 يناير (يوليو1899م) الخاصتين بالسودان ولم تعترف بريطانيا بما اعلنته الحكومة المصرية بخصوص الغاء معاهدة 1936م وأدی ذلك لاصطدام بين المصريين والقوات البريطانية المرابطة في منطقة القناة . وفي 25 يناير 1952 م وقعت مذبحة في الاسماعيلية، فقد هددت القوات الانجليزية المدينة وهاجمت مبنی المحافظة وصدرت الاوامر من الحكومة المصرية لقوات الشرطة بالمحافظة المسلحة بالبنادق للتصدي للقوات الانجليزية المهاجمة بمدافعها،كما اشترك الاهالی مع قوات البوليس في التصدي للقوات المهاجمة وترتب علی ذلك استشهاد خمسين من رجال البوليس وعدد من الاهالی. كشفت مذبحة الاسماعيلية عن ضعف الحكومة وتعريضها حياة المواطنيين للخطر باتخاذها قرارات خطيرة دون تدبر لنتائجها. وفي هذه الاثناء شب حريق القاهرة الذي اتي علی مناطق متعددة منها الاوبرا والعديد من دور السينما الكبری والمحلات خاصة المملوكة للاجانب ولم تستطع الحكومة وقف موجة التخريب واعلنت الحكومة الاحكام العرفية ونزول قوات الجيش للشوارع واستغل القصر هذه الفرصة لاقالة الوزارة الوفدية .» [26]
« وأما ما حققته الثورة في المجال السياسي فهي: 1 – اتفاقية السودان1953 . 2 – اعلان الجمهورية ( 18 يونيه 1953) . 3 – توقيع اتفاقية الجلاء بين مصر وبريطانيا في 19 اكتوبرسنة 1954. 4 – تأميم قناة السويس .» [27]
« واعلنت الثورة منذ البداية ايمانها بالوحدة العربية وان هناك عوامل تؤكد حقيقة الوحدة العربية منها وحدة اللغة ووحدة التاريخ ، ووحدة الامل واعلنت الثورة ان الجامعة العربية وهي جامعات للحكومات العربية المستقلة تستحق كل تاييد. وقد سادت حكومة الثورة بمصر حركات المقاومة الوطنية في كافة البلاد العربية وخاضت اكثر من حرب مساندة للشعب الفلسطيني في كفاحة ضد الصهيونية ولاسترداد حقه في ارضه. وساندت مصر ثوره الشعب الجزائري وقدمت له العون العسكري والمادي وكان هذا الموقف من حكومة الثورة الشعب الجزائري وقدمت له العون العسكري والمادي وكان هذا الموقف من حكومة الثورة من اسباب العدوان الثلاثي علی مصر في عام 1956 م. كما ساندت مصر ثورة العراق في عام 1958 م ولما نشبت الثورة في الیمن في 26 سبتمبر 1962 م كانت مصر في مقدمة الشعوب التي دعمت ثورة الشعب الیمني وعقدت معاهدة دفاع مشترك مع حكومة الیمن. وقد ساندت الثورة حركات التحرر في كل من تونس والمغرب الاقصي ( مراكش ). » [28]
« ولم يقتصر الامر علی موازرة الحركات التحررية في البلاد العربية فقد ساندت حكومة الثورة في مصر الحركات التحررية في كافة الاقطار الافريقية بل وفي العالم كله للمطالبة بحقوقهم.» [29] «ولقد كانت حرب نكسة 1967م نكسة وصدمة للشعوب العربية وكان علی العرب ان يستوعبوا مرارة هذه الهزيمة.ولذا اصبح التعبير عن هذه الحرب بانها حرب استعادة الكرامة العربية مما لحق بها نتيجةحرب 1967» [30]
الحالة الاقتصادية:
• في عصر محمد علی « كان للفلاح حق الانتفاع من الارض التي يحوزها، وياخذ منها الغلة المعينة له مقابل زراعتها وله ان ينقل هذا الحق الی ورثته ان شاء بترخيص من الملتزم. وبعد الغاء الالتزام، وزع محمد علی الارض علی الفلاحين، فنال كل فلاح ما بين 3- 5 افدنة كحق انتفاع لا كحق ملكية، فاذا تاخر عن سداد ضرائبها انتزعت منه واعطيت لغيره. وترك لمشايخ القري ما نسبته 4% من مجموع ارض القرية، وهومعفي من الضربية، وكان مقداره غالباً اربعة افدنة عن كل مائة فدان ، وذلك لقاء ما ينفقه المشايخ علی ضيافة موظفي الحكومة. وقد ابطل ذلك في عهد سعيد باشا (1857) بسبب سوء تصرف مشايخ البلاد واستغلالهم الفلاحين في زراعة هذه الاراضي ». [31]
« وفي الزراعة رتب محمد علی للفلاحين أجورا توخذ من محاصيل الارض التي يزرعونها، بمقدار يقارب السدس عادة وزودهم بالآلات والمواشي والماء والري. وكان مامور الحكومة يحدد المساحة المخصصة لزراعة كل محصول، حتی اذا نضج، حددت الحكومة ثمنه، واخذت منه مقدار الضريبة. صحيح ان محمد علی تمكن من تحسين طرق الزراعة، وادخل محاصيل جديدة كالقطن طويل التيلة واشجار التوت لتربية دودة الحرير و... وتوسع في زراعة النيلة والزيتون واهتم بزراعة النخيل والكتان والقنب اضافة الی الحبوب ونتيجة ذلك زاد دخل الحكومة اضعافا مضاعفة. ولكنه من ناحية اخری، ادخل نظام الاحتكار الزراعي، الذي يسميه الجبرتي (التحجیر) وبموجبه يقتسم الباشا مع الفلاحين منتجاتهم الزراعية ويستاثر بالنصيب الاكبر منها. فهويجبر الفلاحين علی بيع محاصيلهم الی الحكومة بالاثمان التي تحددها، وتجمع الحكومة هذه المحاصيل في مخازنها لتصديرها الی الخارج. فاذا احتاج الفلاح الی شيء منها لقوته الیومي، اضطر لشرائه بالثمن المرتفع الذي تعينه الحكومة وربما تعذر علیه الحصول علی غذائه في حين تمتليء به مخازن الحكومة.» [32]
« وامتد الاحتكار الحكومي الی التجارة، بحيث لم يجد التجار الاجانب من يتعاملون معه سوی الباشا ووكلائه الذين يبيعونهم منتجات البلاد من مخازن الحكومة وبالسعر الذي يحدده الباشا. ففي وقت انعدمت فيه بمصر الادوات اللازمة للمعاملات التجارية الكبری، كالمصارف والرساميل ووسائل النقل والتامين وطرق تحديد الاسعار لم يكن بد من مباشرة شؤون التجارة الخارجية، التي يستطيع بواسطتها توجيه الاستيراد نحوحاجاته الاساسية وكان القطن اهم صادرات مصر ويليه القمح .» [33]
« والاهتمام بالتجارة،أدی الی الاهتمام بوسائل النقل وطرق المواصلات، لنقل المتاجر والمحاصيل من مراكز انتاجها الی مواطن تصريفها وتصديرها، فانشئت الطرق المعبدة واصلح القديم منها، كما تأسست شركة للملاحة في البحر المتوسط 1845 م، واخری للملاحة في النيل في العام التالی.» [34]
« وأما الاصلاحات الصناعية فكثيرة من إنشاء المعامل واستجلاب الصناع من أقطار اوروبا فانه أنشا في هذا القطر معامل عديدة لمعالجة القطن والنيلة واصطناع الطرابيش التونسية والورق والغزل وانواع الاقمشة کالحرير والكتان والقطن والصوف في سائر جهات القطر ومعامل الاسلحة علی انواعها وغيرها.» [35]
« ونتيجة لهذه التطورات، ازداد ثراء واهمية مجموعة صغيرة من الفلاحين وهم المعروفون باسم مشايخ القری. وفي العهود السابقة تم تعيين مشايخ القري بواسطة الملتزمين، ولكنهم اصبحوا وكلاء عن الحكومة نتيجة لعودة محمد علی الی نظام الملكية الفردية محل ملكية الدولة، فلقد استمر وضعهم الاقتصادي والاجتماعي في النموحتی وصل الی الذورة في عهد اسماعيل، اذ اصبحوا من ملاك الاراضي الاغنياء وتمتعوا بنفوذ سياسي كبير في المناطق التي كانوا يعيشون فيها.» [36] « وكان تطور الزراعة، كذلك من اهم العوامل التي احدثت تغييراً اجتماعياً في ريف مصر. حقيقة كانت مصر تزرع القطن من قبل ولكنه كان قصیر التيلة. وأما القطن طويل التيلة فقد أمر محمد علی بزراعته في عام 1821م وأصبح من اهم حاصلات مصر الزراعية وخصصت مساحات كبيرة من الاراضي الزراعية للمحصول الجديد واستمرت زراعته بعد وفاة محمد علی .» [37]
« وتسابقت الحكومة وكبار اصحاب الاطيان وصغارهم في بذل أقصی الجهود للاكثار من زراعة القطن فاصبح القطن يزرع في جميع مديريات الوجه البحري، بعد أن كان من قبل يزرع في مديريتي المنوفية والغربية بصفة اساسية وفي مديريتي الدقهلية والشرقية بصفة ثانوية.» [38] «كما ازدادت اهمية مشايخ القري السياسية نتيجة التطور الدستوري الذي قام به اسماعيل بانشاء مجلس شوري النواب في عام 1866م. وكانت الغالبية العظمي من اعضاء المجلس من بين مشايخ القری. وقد أدت هذه التطورات الی ظهور طبقة من كبار ملاك الاراضي الزراعية اخذت تتجه بالنظام الزراعي نحوالرأسمالیة وتعمل علی تثبيت الملكية الزراعية من ناحية والمشاركة في الحكم من ناحية اخری. وأضحت هذه الطبقة ذات مصلحة اساسية في سياسة الحكومة الاقتصادية والمالیة وبدات تتحرك عندما اشتدت الازمة المالیة في اواخر ايام اسماعيل.». [39]
« وهكذا اشتركت الطبقة المالكة الجديدة في الحياة السياسية وكونت مع غیرها من العناصر الأخری الناقمة علی سياسة رياض باشا مثل محمد شريف باشا محمد سلطان باشا حزباً سرياً أسموه "الحزب الوطني" واتخذوا من مدينة حلوان مركزاً له.ثم قام الحزب في 4 نوفمبر عام 1879 م باصدار اول بيان سياسي له يحدد فيه اهدافة التي تلخصت في انقاذ مصر من التدخل الاجنبي والاستغلال الاوروبي والنهوض بالامة المصرية عن طريق التعلیم .» [40]
الحالة الاجتماعية والثقافية:
« ابرز انتشار التعلیم المجانية في اكثر مراحله حقيقة هامة من الناحية الاجتماعية وهي كثرة الطبقة المتوسطة وقوتها ،كما أن هذه الطبقة برز الاهتمام بها بسبب كثرة المصانع والعمال وقامت الحكومة بتوفیر مياه الشرب النقي للقری، وخففت الضريبة علی صغار الملاك وكان لكل هذا صداه في الحياة الاجتماعية. وبينما كان المصريون يبرزون في محيط الحياة الاجتماعية من جميع النواحي كان الأجانب يختفون. فإن ريح الحرية لم تكن جوا مناسبا للأجانب، فقد كان هولاء ينعمون بحماية المستعمر وبالامتيازات الاجنبية ، فلما اختفی هذا وذاك، بداأ الأجانب يرحلون. ولم يقف الاأمر عند اختفاء الاأجانب من محيط التجارة والصناعة لتقاعسهم عن دفع الضرائب ومنافسة النشاط المصري الزاحف بل بدأ الأجانب يختفون كذلك من الوظائف والدواوين عقب تصريح 28 فبراير وقيام البرلمان، وكان دور سعد زغلول في هذا المجال واسعا، ثم اكلمت معاهدة 1936 الشوط فبناء علی هذه المعاهدة كان من الممكن الغاء الوجود الأجنبي في الجيش والشرطة والقضاء. وهكذا نمت المصالح الاجتماعية المصرية علی حساب المصالح الاجتماعية .» [41]
ومن جهة أخری أرسلت البعثات العلمية من أبناء العالم العربي إلی أوروبا وبخاصة فرنسا، وبالذات البعثات المختلفة التي أرسلها محمد علی واسماعيل في مصر. وعلی اية حال، كانت هذه الیقظة اوالنهضة تشیر الی نوع من التنبه بين ابناء العالم العربي وبخاصة المثقفين منهم، الی انهم ينتمون الی كيان يختلف عن ذلك الذي ينتمي الیه الغربيون .
المصادر والمراجع:
- زیدان، جرجی: تاریخ مصر الحدیث من الفتح الإسلامی إلی هذا العصر.
- شبلي، أحمد: موسوعة التاریخ الإسلامي، دراسات تفصیلیة عن تاریخ مصر المعاصر.
- طریسین،أحمد: تاریخ مصر وسودان المعاصر، دراسة في التطورات والاتجاهات السیاسیة.
- د.عبدالعزیز عمر،عمر: تاریخ المشرق العربي.
- الفاخوري، حنا: الجامع في تاریخ الأدب العربي.
Ommolbanin marzi
Department Of Arabic Language And Literature,Karaj Branch,Islamic
Azad University,Karaj,Iran.
Dr.Yousof Hadipou
Assistant Professor
Department Of Arabic Language And Literature,Karaj Branch,Islamic
Azad University,Karaj,Iran.