الاثنين ٢٧ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم أحمد الخميسي

الآداب السلطانية

نص متجدد

يعتبر الأستاذ المغربي د . عز الدين العلام في كتابه " الآداب
السلطانية " ( فبراير الحالي سلسلة عالم المعرفة ) أن تلك الآداب تشكل
نوعا قائما بحد ذاته بين أنواع الفكر السياسي لازم الثقافة العربية ومن
قبلها الفارسية واليونانية والأوربية. والآداب السلطانية عنده هي إرث
فكري يعتمد على فكرة جوهرية هي إسداء النصح للحاكم أو الملك ، بهدف
واحد هو تحسين أداء السلطة .

ولا يهم أدباء الرؤساء والملوك من الدولة
أو الحكومة أن ينظروا في شرعيتها، أو الأسس التي تقوم عليها ، قدر ما
يعتنون بالبحث في الوسائل والتقنيات التي من شأنها تقوية السلطة
والحفاظ عليها ، ولا يؤرقهم من أحوال الرعية أو ذكرها سوى طرح السلوك
الواجب على الحاكم الاهتداء به لاتقاء شرور الرعية وضمان ولائها ، وهم لا
يطمحون إلا لتقديم دليل عمل من شأنه أن يفيد الحاكم في ممارسة سلطته .

وتربط فكرة " إسداء النصح للحاكم " بين تلك الكتابات، بدءا من أفلاطون
ونصائح أرسطو مرورا ، مرورا بكتاب كليلة ودمنة ، ثم عهد الملك الفارسي
أردشير ،وعشرات الكتب في الثقافة العربية،وكتب مشابهة في تاريخ أوروبا
مثل" كتاب الأمير " لميكيافلي ، بحيث أصبحت فكرة " إسداء النصح " للملك
والرئيس من ثوابت الخطاب السياسي في تلك النصوص. وحين ترجم ابن
المقفع " كليلة ودمنة " كتب منوها : " إن ظاهرة سياسة العامة .. وباطنه
أخلاق الملوك " .

وذهب أبو بكر الطرطوشي إلي أن قراءة كتابه المسمى "
سراج الملوك " تغني الملك عن مشاورة الوزراء . وحدد لسان الدين بن
الخطيب في " الإشارة في أدب الوزارة " السلوك العملي الذي ينبغي أن
يسلكه الوزير مع الحاسدين ، وذلك بقمع الطماعين منهم ، واستمالتهم ،
ومقابلة حسدهم بالإنعام عليهم ، ثم باصطناع أضدادهم ، وأخيرا حسن اختيار
من " يصطنعه لخدمته ". أما أبو القاسم بن الصيرفي فبدد موهبته بامتياز
في تلميع سيرة الوزير أبو على الأفضل وعاش بوقا لكل ما ينطق به الوزير
من ملح ونوادر .

وترتبط فكرة إسداء النصح للحاكم ، بفكرة أخرى – من
ثوابت ذلك الخطاب – ألا وهي اعتبار أن السلطان مفهوم مركزي تتمحور حوله
كل القضايا ، وخدمته هي موضوع أولئك الكتاب وكتبهم . ولهذا سنجد في
النصوص السلطانية الكثير من الاستعارات التي ترى في السلطان رأس الحكم ،
وفي الوزير يده ، وفي الكاتب لسانه ! ومن بين العناصر المهمة في تعريف
الكاتب السلطاني أنه رجل سياسة ، ورجل ثقافة ، وقد يكون مؤرخا أو
فيلسوفا ، وربما يكون في قمة الهرم الحاكم مثل أبي حمو الزياني حاكم
تلمسان ، وقد يكون متوليا خطة سلطانية مثل ابن رضوان ، أو يكون في غالب
الحالات ممن يترددون على البلاط السلطاني تقربا أو طمعا في وظيفة يصبح
بفضلها لسانا لوزير أو مسئول . ويتداخل في تلك النصوص التعبير الأدبي
والسياسي معتمدا على مختلف مجالات المعرفة من تاريخ وفلسفة وأدب وأخلاق ،
ورغم ذلك فإن تلك النصوص تحلق فوق كل تلك المجالات دون أن تنتمي حقيقة
لأي مجال منها ، كما أن المعرفة فيها تنحل لمجرد أدوات في خدمة ما يسعى
إليه النص . ويرى عابد الجابري أن استبداد الحكام يجد مسوغه الأيديولوجي
في تلك الآداب .

وفي حينه عارض ابن خلدون تلك المؤلفات واعتبرها " لغو
أحاديث واستكثار أقوال " ، لأنه كان يرى أن " طبائع العمران هي التي
تحكم أفعال السلطان ، وليس ما تخططه هذه التآليف " ، أي أن ابن خلدون
اعتبر أن إسداء النصح للحكام هو تصور مضلل لإمكانية التطور وقفز على
الشروط الحقيقية التي تحكم حركة المجتمع ، والتي لا ينفع فيها " إسداء
النصح " . ويمكن اعتبار نص جلال الدين السيوطي المسمى " ما رواه الأساطين
في عدم المجئ إلي السلاطين " بمنزلة تكثيف لمختلف الآراء المعارضة للعمل
مع الحاكم ، إذ يعبر فيه بوضوح عن رفضه حتى لمجرد الدخول إلي بلاط
السلطان ناهيك عن قبول عطائه ، انطلاقا من مبدأ الحياد الذي يدعو الفقيه
العالم إلي اعتزال عالم الحكام حتى لا يكون عونا لظلم السلاطين من جهة ،
وحتى يحافظ على مكانته العلمية من " مذلة " قد تلحقه بمخالطتهم.أما
الفقيه الشوكاني وكان رجلا صريحا فقد برر في كتابه " رفع الأساطين "
العمل مع الحكام وأوضح على المكشوف أن الرزق يستلزم الحركة وكتب
قائلا : " إن كل بني آدم يسعى من أجل تحصيل الرزق بشتى الطرق فكيف نحرم
هذا على العلماء وهم ذوو بضاعة خاصة ؟ ".

لقد تزاحمت جوقة الكتاب السلطانيين عبر التاريخ على تأليف الكتاب نفسه
، وظل الكتاب يستنسخ لمئات السنين ، ومازال الكتاب يجد كل يوم من يضيف
إليه صفحات مكررة بعبارات عصرية . إنه نص متجدد ، كلما مضى عليه الزمن
اكتسب المزيد من الشباب والحياة والصحة .

نص متجدد

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى