الخميس ١١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٧
الشاعرة السورية جاكلين سلام:

الاخرون زرعوا الاسئلة والدهشة مابين قلبي وقلمي

نورالدين محقق

جاكلين سلام ،هي شاعرة عربية سورية المنبع لكن مصبها الإبداعي يمتد شرقا الى كل الجهات العربية كما يمتد غربا بحثا عن آفاق كونية فسيحة. امتدت مسيرتها الشعرية عبر كتابات أخاذة جمعت البعض منها في ديوانين شعريين هما " رقص مشتبه به" و"وكرستال" كما امتدت كتاباتها الأخرى القصصية منها و المقالية لإضاءة جوانب من الحياة الثقافية ليس العربية منها فحسب بل الإفريقية والكندية حيث أصدرت بعض الترجمات وألفت بعض الكتب . تُرجمت بعض قصائدها إلى اللغة السويدية، الإنكليزية والفرنسية ولها حضور قوي في بعض المنتديات الثقافية العربية في شبكة الإنترنت، لنشر ثقافة السلام والتفاعل مع ثقافة الآخر.

تعيش في كندا و تنشر كتاباتها في عدد من الصحف: الشرق الأوسط، السفير، الزمان، الوقت...ومواقع الكترونية ... وبغية تقريب عالمها الإبداعي الخصب وإحساسها الداخلي المليء بالمحبة الإنسانية ،كان لنا معها هذا الحوار:

من أين جئت إلى الكتابة؟ من فرح الحبّ الأول أم من ألمه؟

جاكلين: جئتُ إلى الكتابة من روايات وقصص حياة الآخرين الذين زرعوا الدهشة والأسئلة واليقظة في ذهني منذ الصغر وحتى اليوم. وجئتُ إليها من قصص الحب الأصيلة والعابرة والوهمية التي عصفت بي وما تزال. لم أذهب إلى الكتابة بقرار، هكذا حصل وما أزال أبحرُ في هذا الشقاء الحميم بكل الألم والفرح والحب. كانت أولى قراءاتي في عالم الرواية والقصة، وبين تلك السطور التي لا تحصى كنت أتصيد الجمل الشعرية وأجمعها في دفتر ممتلكاتي. بعدها ولا أدري متى بدأت أكتب ولم أحتفظ بشيء إلى أن تبلور صوتي واستدليتُ عليه متأخرة قليلاً. كان عالم الكلمة ساحراً وأخاذاً ويبعث نداءاته المتتالية حين كنت لاهية عنه بأفراح الحب وآلامه، بخيبات الحياة وجنانها التي تقبل التأويل وإعادة النظر والتفكيك والتأليف حولها وعليها إلى آخر المطاف.

عما تبحثين فيها؟ عن طفولة مفتقدة أم عن ظلال هاربة باستمرار؟

جاكلين: أبحث عني بالدرجة الأولى، وحين أجدني لا أكون في قطيعة عنكم، عن الإنسان والكون والأشياء. حين أجد بعضاً مني أستدّل أيضا على تفاصيل الزحام والصخب والألفة والقطيعة التي تشبك عالمي مع قلوب الآخرين أو تضعه على تنافر منهم. لقد تخليتُ عن فكرتي السابقة حول الأدوار البطولية والثورية التي كنتُ أعتقد أن فعل الكتابة مرهون لها. الطفولة تتحول في فعل الكتابة إلى استعادة ومعايشة مبالغ فيها، محرّفة عن براءة لحظتها وتاريخها. مرة كتبت "الأطفال شعراء صغار السنّ " وقد يتم تأويل العكس إلى أن الشعراء أطفال كبار، أو لا يكبرون رغم ما يكبر فيهم من الخبث والجموح والغطرسة والنضج والقوة والجمال. منذ أيام كنت في مشوار مع صديقة وبعد العودة من السهرة سألتني عن مكونات طبق طعام شامي مشهور كنت قد أحضرته اسمه" حمّصْ " وحين رحتُ أشرح طريقة تحضير الحمّص، كان لابد من ذكر "الطحينة" التي تضاف إليه، ومن هناك وجدتني أعرج على بيت الطفولة وأصف حبات السمسم وبيت أهلي حين كنتُ أغفو بجانب قافلة من السمسم. قاطعتني الصديقة وقالت: ولماذا لا تكتبين هذا في نص؟ فابتسمتُ وصمتتُ.

السمسم إذا رغم فداحة صغر حباته نائم أيضاً في مخزن الذاكرة إلى جانب أشجار الرمان وعرائش العنب، وكل ما سقط في بئر الروح وتم تغييبه سيأخذ حضوراً آخر في الحبر حين تحين الساعة. أحياناً يلزمني كمهاجرة أن أهرب من فتنة الماضي المصنوعة، وأن أبحث عن المستقبل. أعتقد أن إحدى مآزق الكتابات العربية هي اللوذ بالماضي وتمجيده على علاته، أما المستقبل فهو البطل المفقود الذي يلزمني أن أبحث عنه كي أذهب إلى الغد بما تبقى مني، وبما أحمل من ثمار التجربة في الكتابة والحياة.

ما أقرب كتاباتك إليك، شعراً أم نثراً؟

جاكلين: في فترة الكتابة الأولى لأي نص شعري أو نثري أشعر أن ما كتبته قريب من روحي وأجمل من كل ما سبق. مع الزمن وتكرار التجارب يخفت هذا الوهج والشعور بالالتصاق بهذا النص أو هذا الكتاب. وهذا يجدد مقدرتي على نقد ذاتي ومحاولة العمل على جديد يتجاوز ما سبق. أعتقد أن الشعر صارم ومتطلب رغم انفلاته من القوانين والمقاييس الجاهزة، بينما النثر يسمح بانسياب مزيد من التفاصيل والفوضى والعبث.
من كتاباتي مثلا، أعيد قراءة نص من مجموعة "كريستال" بعنوان "كنتُ على وشك أن أحبك" وأعيد قراءة نص بعنوان" أقرب من الحتف والبحيرات" في مجموعة "رقص مشتبه به" أما في مجموعة "خريف يذرف أوراق التوت" فأتوقف مراراً أمام ورقة تقول" وإذا الخريف بكى، غيمةٌ من رماد تتلعثم/تخدش أسمال الحقيقة" وفي مجموعة "المحبرة أنثى" قيد الطبع يأخذني نص طويل بعنوان "المحبرة أنثى والكلام ناقص" لما يجمع من خصوصية الشعر والنثر وذاكرة الماضي ونبض الحاضر.

ما طقوس الكتابة عندك؟ أتحضر ليلاً أم صبحاً أم في كل الأوقات؟

جاكلين: لا أجدني مأسورة لطقوس أو توقيت للكتابة. لستُ متفرغة للكتابة، لذلك جدول الأعمال اليومية المتغير يفرض شروطه، ولا يرحم قصيدة أو فكرة أو مشروع كتابة. أدون كلمات وجمل وملاحظات عابرة، سواء في الباص أو الشغل أو المقهى، أو عبر الإيميل المرسل إلى جهة ما، ومن ثم في لحظة الومضة أعيد صياغة تلك الفوضى في عجينة أولى، ومن ثم أعيد تشكيلها وتزويقها وتشذيبها حتى أشعر بصلاحيتها، وإن شعرتُ أنها نافرة، أتناساها بين زحمة الملفات الالكترونية.

ما الكتاب الأدبي الذي تمنيت لو كنت صاحبته ولِمَ ذلك التمني؟

جاكلين: لم يحدث أن تمنيتُ شيئاً من هذا لقناعتي بأن كل كتاب وكتابة حقيقية لا يمكن أن تنجز إلا من قبل شخص بعينه في ظرف ومكان ولغة وتاريخ شخصي وعام يخص الشخص وبناه السيكولوجية والروحية والمعرفية. أحببتُ رواية "زوربا" كثيراً لأنه أراد أن يلقنني درساً في الرقص فوق الخيبات والبدء دوماً من جديد. وأستمتع بقراءة كتاب للشاعرة الكندية مارغريت أتوود بعنوان" قاتل في الظلام" لأنه يجمع القصيدة بالنثر بالسيرة في لغة فارهة المخيلة ومحفوفة بالسخرية الذكية، ولا تخلو من نقد. وحدها التي تستطيع أن تقول بمنتهى الدهاء "هناك ثلاثة أشخاص طبيعيين وشاعر" وفي أحد نصوصها الجميلة "توجيهات لاستخدام العين الثالثة" حساسية وعمق ودهشة تفرحني.

حين تبصرين في مرآة الكتابة وجهك، ما الصورة التي تتراءى لك فيها؟

جاكلين: الصورة ناقصة مشوشة، الوجه ملتبس التقاطيع والمشاعر، الغموض مرادف لطيات الروح. و الأهم أن يطيل القارئ النظر في الكتابة ويحاول أن يجد أبعاد الصورة التي يحملها النص/المرآة. هذا وأن بعض المرايا خادعة مغشوشة ورائجة في سوق الكتابة والمتاجر. وهناك من يصنعون صورهم بأنفسهم ومؤسساتهم ويروجون لها بفداحة تنطلي على تجار السوق الثقافية فينحازون، أو يختارون الصمت إلى أن يأتي طفل آخر يقول "الوالي عار من الملابس"

ما هي الكتابة التي تسعين إلى بلوغها قبل أن تبلغين السبعين من عمرك؟

جاكلين: لا تصور لدي عن مستقبل كتابتي وأين ستصب. في السبعين لن أكتب، لدي موعد عشق مع حبيب سأذهب إليه كما وعدته في الحكاية يوماً. سألبس الحذاء الرياضي وبنطال الجينز وكل التفاصيل الأخرى غير مهمة. وسأحمل معي بوصلة لأنني سأعود وحيدة وستختلط علي الاتجاهات كالعادة. وبعد السبعين سأكتب شيئاً عن سيرة حياتي كامرأة وكاتبة حملها الغيم والحلم بالعالم الأفضل إلى كندا- آخر العالم. امرأة ممتلكاتها أوراق وتجربة وبعض المعرفة. وربما في زمن آخر سأتفرغ قليلاً للعناية بالصور الفوتوغرافية التي ألتقطها في أركان الصمت والطبيعة والجمادات. الصور التي أعتقد أنها بعض "القصائد الملقاة في الشارع"

نورالدين محقق

ألف ياء الزمان اللندنية/7/يناير 2007


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى