الأربعاء ٢٧ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
في حوار مع الصحافي السوري حجي المسواط

الباحث محمد السمّوري: أعداؤنا يحاولون زرع ثقافة الهزيمة في أجيالنا

الباحث محمد السموري :أحد أهم رواد الحركة الثقافية والكتاب المرموقين في الجزيرة السورية،كونه متعدد المواهب والقدرات فهو كاتب، وباحث،وصحفي،وناقد، يعمل على توثيق التراث الجزراوي ، وله مشروع فكري ثقافي في الدراسات الانتروبولوجية ،موسوم بموضوع « الصمت » حيث ألف كتابين صدرا عن دار المعارف في حمص «فلسفة الصمت ، ثقافة الصمت »

ويطمح إلى مواصلة إغنائه بمزيد من الدراسات حول قضية المسكوت عنه ،ولديه عدد من المخطوطات التي تأخر صدورها لأسباب تخصه ، فضلاً عن عشرات المحاضرات والمقالات المتنوعة ، يكتب المقالة الساخرة ،وكان قد نشر بعضها في « جريدة الفرات » وله مقالات في التحليل السياسي ،والنقد الأدبي، نشرت في معظم الصحف وفي بعض المجلات الالكترونية على شبكة الانترنت ،زارته جريدة الفرات في منزله في مدينة القامشلي فوجدناه: هادئاً، صامتاً ، خجولاً ،ومثالياً، بدأ الكتابة الصحفية في منتصف السبعينيات من القرن المنصرم ،ويغلب على كتاباته الطابع المعرفي والوجداني، وكان لنا معه هذا الحوار الفكري الثقافي .‏

 من هو المثقف ؟‏

 علينا ان نعرف اولاً :ماهي الثقافة ؟ والمثقف ليس معملاً لإنتاج الثقافة، أو مخزنا للمعلومات، والثقافة على تعدد تعريفاتها هي :مجموع معارف وعادات ،وتقاليد، وقيم ،وسلوك ،وآداب ،وعلوم، وفنون، الجماعة البشرية، في الزمان والمكان ،والمثقف هو :العارف بها والمعبر عنها ،وفي اللغة ثقف الشيء : ظفر به وأدركه وفي القرآن الكريم : أينما ثقفتموهم : وجدتموهم وهنا يتكامل المفهوم فالمثقف هو الذي يدرك ويجد الأفكار الصحيحة ،ويوظفها في مكانها وزمانها الصحيحين ،فينتفع بها الناس وأرفض تسمية المثقف بالثقاف ،لأن الثقاف هو الله، والحياة ،والعقل، والمجتمع، والتجارب، والممارسة ،والمدرسة، والتاريخ الشخصي ،والجمعي، والولدان ،والاصدقاء، واشياء كثيرة اخرى ، كلهم ثقافون لأنهم يصنعون المثقف ،وكل انسان مثقف بمقدار ،والانسان كائن مثقف .‏

 ما هي مهمة المثقف العربي في هذه المرحلة الدقيقة ،وكيف يمكن له مواجهة التحديات التي تتعرض لها الأمة العربية ؟‏

 في كل مرحلة :المثقف الحقيقي هو الذي يتبنى قضايا الناس ،والأمة ويعبر عنها بصدق ،وأمانة، ويبحث عن أسباب تقدمها ،ويشعر أنه مسؤول عنها مسؤولية تاريخية، فلا يعفي نفسه من استحقاقاتها، ولا يبحث عن خلاصه الفردي ،ويكمن سر نجاحه بتماهيه مع مشاعر الناس، وقد أفرزت سلوكيات المثقفين مصطلحات عدت بمثابة أنماط واشكال للمثقفين فمنها: المثقف الجماهيري، ومثقف النخبة ،ومثقف تحت الطلب وغيرها ، شرحت مختلف أنماطها وصورها في مقال بعنوان « ادعياء الثقافة ومحنة انفلات المعايير » منشور في مجلة ديوان العرب الرقمية .أما في هذه المرحلة بالذات حيث تواجه أمتنا شتى اشكال التحديات فعلى المثقفين ألا ينهزموا فيلحقون الهزيمة بالناس ،والأمة، وعليهم بمختلف اشكالهم وصنوفهم ومختلف تفرقاتهم الاتفاق على مواجهة هذه التحديات مواجهة صريحة وجادة غير استعراضية أو نفعية ،لأنهم يشكلون خط الدفاع الأول،عدونا أو أعداؤنا يلهثون جاهدين لزرع ثقافة الهزيمة في أجيالنا ،والمثقفون العرب هم الضمانة لتأصيل ثقافة المقاومة والصمود والتحد ي،وأرى أن المصارحة والمصالحة بين السياسي والثقافي من شأنها توحيد جهود الأمة وطاقاتها في هذه المواجة،فأمتنا تتعرض لمؤامرة استعمارية امبريالية واضحة المعالم .‏

في العودة الى مشروع «الصمت»‏
 أولاً : ماهو الصمت ؟‏
 ثانياً : إلى أي مدى استطعت التعبير عن هذا المشروع والنهوض به ؟‏

 الصمت باختصار : هو كل الأفكار التي تدور في أذهان أصحابها دون أن يصدعوا بها لسبب أو لآخر ،وحاول أن تراقب المارّة من حولك ،كل منهم له قصة،في ذهنه موضوع ،يردد مقولة يدبر شيئاً ما ،إنه يفكر ،لايوجد عقل بشري واحد مقفل تماماً ،ومجموع هذه الأفكار تدور في دوامة أسميتها «جمهورية الصمت» وحارس جمهوريتي اليوتوبية المزعومة هذه هو العقل الباطن ،وهي مليئة جداً بالمكبوت والمسكوت عنه ،والممنوع ،والتابو، والعيب، والحرام ،والمخيف ،لكني لم أتمكن من التعبير عنها البتة ولايوجد مخلوق على وجه الأرض يزعم أنه يستطيع ولوج عقول كل الناس ليعرف مايدور في أذهانهم،لكنني أعتقد أني استطعت القول : أن هذا الشيء موجود بالفعل وأضرب الناقوس للباحثين في علم النفس والانتروبولوجيا ،والجامعات للاعتراف بهذا العلم إنه علم التأمل النظري ويشمل علوم الروح والتصوف الفلسفي ،واليوجا،والأسطورة الكامنة في اللاوعي الجمعي،ومفاهيم الجمال والحرية ،والحب ،وهذه لها فلسفتها الخاصة فلايمكنني تقديمها جاهزة .‏

 تعملون منذ فترة على توثيق التراث الجزري فما أهمية هذه الجهود ومامستواها و ما فاعليتها ؟‏

 سؤالك يفتح بعض الشجون ،فأحلامنا كبيرة تصبو الى تأسيس موسوعة لتراثنا ،لأن الحسكة أرض بكر للبحث وخصبة بالتراث غير المادي،لكن الجهود فردية ومتواضعة ونحن بحاجة الى مؤسسة بحثية في الحسكة لتوثيق تراثنا وصونه،والباحثون المهتمون في هذا الصدد قلة لاحول لهم ولاقوة حاولنا إحداث فرع لجمعية العاديات في الحسكة وهي جمعية ثقافية تهعنى بالدراسات التراثية وقد تاسست في حلب منذ عام 1926 فلم نجد من يلتفت إلى المبادرة إن لم يكن قد سعى لتعطيلها وتهميشها ،وحاولنا إصدار كتبنا المخطوطة فلم نتمكن على حسابنا الشخصي ،إن مصادر مشروعنا التوثيقي تعتمد على المعمرين وهي مصادر تنضب يوماً بعد يوم ،وهنا مكمن الخطر على تراثنا الشفهي غير المادي لأنه ثقافة الشعب ،ومع هذا فنحن غير محبطين ،لكننا بحاجة الى تضافر الجهود وتسخير الامكانات والطاقات لتشكيل فرق بحثية مدربة لتسجيل هذه المعارف وحفظها من التشويه والتزييف والسرقة والانتحال .‏

 يطغى على كتاباتك الجانب المعرفي فهل هذا (موت المؤلف)؟‏

 موت المؤلف مقولة تؤسس لما يعرف بنظرية مابعد الحداثة ،وهي صرعة غربية فانتازية غير ممكنة واقعياً فكيف يمكن قراءة قصيدة أو مشاهدة لوحة دون حساب أي وجود لمؤلفها؟‏
كذلك الأمر بالنسبة للكتابة لأن عوامل عديدة تدخل في صوغ المادة الابداعية ومنها الجانب الشخصي والظروف الموضوعية والذاتية للمؤلف أما حول الاتجاهات المعرفية في الكتابة فهي ضرورة يمليها الحرص على تقديم المعلومة العلمية المعرفية على حساب الانشاء والاستطالة والسرد ،وأرى ثمة تشابه - لكنه غير مباشر - بين الاتجاهين المعرفي وموت المؤلف ،هنا يجب القول بتحييد المؤلف لأن المؤلف في الجانب المعرفي غير مسؤول مسؤولية شخصية مباشرة عن محتوى المادة العلمية المعرفية ،وإن كان هو الذي أوردها ،فهو غير ميت لأنه موجود ومثال ذلك : مامسؤوليتي الشخصية عن مادة قمت بكتابتها معرفياً من مصادرها وهل يجدر بنا شتم المؤلفين الذين دونوا مآسينا ،واحباطاتنا، وهزائمنا، ولم يتركوها في طيات النسيان .

 وقبل أن نختم حديثنا قلنا له : كيف توفق بين الكتاب الورقي، والرقمي فهذه مكتبتك تغص بكليهما ؟‏

 الكتاب الورقي للقراءة، ولايمكن الاستغناء عنه كما لايمكن للكتاب الرقمي رفعه إلى الرف ،أما الكتاب الرقمي فهو للبحث السريع عن المعلومة المحددة فلدي مكتبة رقمية للقواميس ،والمعاجم ،والموسوعات تسهل عملي وتغنيني عن تقليب الصفحات وهدر الوقت أثناء إعداد بحث نظري ويظل الكتاب هو الأصل .‏

ودّعنا الكاتب محمد السموري وكان بودنا سؤاله عن أشياء أخرى كثيرة طالما كانت تبحث عن أجوبة في.(جمهورية الصمت)

حاوره : الصحفي السوري: حجي المسواط مراسل جريدة الفرات في القامشلي - سوريا تصدر يومية عن مؤسسة الوحدة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى