الاثنين ١٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
بقلم عبد النبي حجازي

البلاء الأعظــــم

لم أستغرب أن ينفرط عقد الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية بقدر استغرابي أن تتهالك تلك الدول على أمريكا كعشيقة متيمة تلقي بنفسها بين أحضان عشيقها.

لقد حفزني إلى كتابة هذه الزاوية أحداث (جورجيا) الأخيرة وتطوراتها وإعلان (جورجيا) أنها ستسحب ألف جندي من قواتها في العراق لدعم قواتها في (أوسيتيا) وكأنها تتدلل على العشيق وتستفزه، فأعلن دعمه المطلق لوحدة الأراضي (الجورجية).

ورجعت إلى العام 2003 إبان الغزو الأمريكي للعراق الذي شاركت فيه ثلاثون دولة بحسب إعلان (الخارجية الأمريكية) لكنها (حرصاً على مشاعر العرب!) لم تورد ذكر (إسرائيل) التي شاركت بالمجالات اللوجستية والعسكرية والجاسوسية.

ولقد انضمت إلى تلك العصابة (قوات التحالف) تحت القيادة الأمريكية ستٌ من الجمهوريات السوفياتية السابقة (أذربيجان، أستونيا, جورجيا، لاتفيا، ليتوانيا، أوزبكستان) وستٌ من دول المنظومة الاشتراكية السابقة هي (بلغاريا، التشيك، هنغاريا, بولندا, رومانيا، سلوفاكيا) بالإضافة إلى (ألبانيا) المنشقة عن (موسكو). إن تلك الدول الإمعات التي أعفاها (غورباتشوف) ثم (يلتسين) من النظام (الشيوعي) شاركت بغزو بلد آمن ليس بينها وبينه أية عداوة وهي تعلم أن الغزو من أساسه بُني على كذبة فاضحة (أسلحة الدمار الشامل) اعترف بها "دبليوبوش" ثم ادعى أن الغاية هي تطبيق الديموقراطية.

ويستغرب المرء عندما يتساءل: ماذا تنتفع هذه الدول من المشاركة؟ أهي قادرة أن تنتزع (لقيمة) من أفواه الشركات الأمريكية المفتوحة إلى أقصاها؟ أتراها تحلم بوعود أمريكية (خلبية) وهي حتى الآن ليست إلا ذباباً يغرس خراطيمه في الفضلات؟ أتبحث عن المجد فتوسّخ (سروالها) نكاية (بالطهارة)؟ وماذا حققت من إنجاز سوى أنها (تاريخياً) وضعت نفسها في القائمة السوداء؟.

وهل نستغرب ونحن في سياق (الغزو) أن (الخارجية الأمريكية) تكتمت (أيضاً) على
مشاركة بعض الدول العربية بناء على طلبها (حرصاً على مشاعر الجماهير العربية التي هبّت تندد بالغزو!) أما الدول العربية التي قدمت تسهيلات عسكرية استيراتيجية وتكتيكية مثل (قطر، البحرين، الكويت) ففد كان معلناً في وقت رفض فيه البرلمان التركي تقديم أية تسهيلات رغم العلاقة المتينة بين تركيا والولايات المتحدة.

إن أمريكا في عدائها واستعدائها هي حامل العصا الذي لايسمح لأي رأس أن يرتفع يروى أن هارون الرشيد قال لأبي نواس في ليلة بردها شديد "أتستطيع أن تمكث على السطح عارياً حتى الصباح فأعطيك جائزة سنية؟" قال "نعم" وفي الصباح سأله "أرأيت ناراً في ليلتك؟" قال"لم أر سوى بصيص في بطن الجبل بعيد" قال الرشيد"ها أنت ذا اصطليت بها" وحرمه من الجائزة، وبعيداً عن مزاح الرشيد مع النواسي هاهي أمريكا ما إن تلمح بصيصاً حتى تنقض عليه لتنفرد بقوتها العظمى، وهي لا تتفوق بالقوة العسكرية وحدها، وإنما بالغزو الاقتصادي , والإعلامي, والجاسوسية المحكمة. ولقد تفوقت في هذه المرحلة التاريخية على النمرود، ونابليون، وهتلر. إنها البلاء الأعظم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى