الاثنين ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم أحمد مروات

التصوير الفوتوغرافي النسائي في فلسطين

بين نظرة التحريم وحداثة المرأة والتعليم!

لا شك أن التصوير الفوتوغرافي في حداثته الأولى ما بين منتصف التاسع عشر لم يجني ثماره من المرأة وخاصة المرأة العربية الفلسطينية في المجتمع الشرقي، وتعود الأسباب إلى منظومة التقاليد العربية التي حرمت بشكل قاطع امتثال المرأة أمام عدسة الفوتغراف التي تسللت إلى هذه المناطق التي لم تعتد على هذا الاختراع من قبل، وان كان حديثا مع أن الحداثة لاتعني أنها الحرية والوصول إلى ذروة المشاركة الاجتماعية ففي يومنا هذا يسعى العالم الاقتصادي إلى تسويق جسد المرأة من خلال بعض السلع الاستهلاكية حيث يتاح لها الوقوف إلى هذا الاختراع الذي أصبح لاغنى عنة بالرغم من سلبياته !

المرأة الفلسطينية وما يدخل في جوانب كثيرة من حياتها كانت تفتقر إلى الكثير من المشاركة الاجتماعية التي كانت ضمن الكيان الفلسطيني أولها التعليم الكامل. وحقوقها بين الذكورين من أبناء عائلتها ! مشاركة في اتخاذ القرار! موافقة على من يشاركها العمر! ففي ذلك قصص كثيرة لا بل أنها حقيقة. ففي أواخر العهد العثماني لفلسطين لم تجرؤ الفتاة أن تتخذ أي قرار وخاصة بما يتعلق بمراسيم خطوبتها أو زواجها.

وفي ظل هذه المناسبات الفرحة لم تلتقط المرأة فرحتها وتحفظها للتاريخ على كربون التصوير الفوتوغرافي والذي كان متوفرا بين المدن وحتى القرى وبحرفية وصلت مداها من بعض المستشرقين والمصورين المحليين. إلا انه حرم لأسباب تقليدية واجتماعية أولها عدم السفور والاحتشام أمام الغرباء. وكانت فلسطين قد شهدت نقلة غريبة من اللقطات الفوتوغرافية لصور نساء القرى المحيطة بالمدن الرئيسية من بعض ابرز المصورين الفوتغراف أريك ماتوسون، الذي استطاع التقاط آلاف الصور الحية للكثير من النساء التي تظهر أعمالهن في مجالات متعددة كالزراعة والفلاحة وغيرها من التراثيات التي كانت غاية هؤلاء المستشرقون وخاصة من المجتمع الشرقي ‮.‬

هناك استثناءات في هذا المجال حيث كان المصورون الذين يحضرون لفلسطين يقومون بعملية نقل حي لكل مجريات الحياة بفلسطين وأكثرها السياسية ومن ثم الاجتماعية والشعبية . طبعا في ظل هذه الظروف والمناسبات لم تشترك المرأة ولم تظهر بها وكانت العدسة من نصيب الذكورين. مع كل هذه البدايات الغير مرضية لكينونة المرأة’ الفلسطينية وقدراتها المدفونة إلا أن احد أبرزهم تفوق على هذه الحرفة حتى أصبحت حرفة نسائية وذات طابع خاص وهذه المرة بدون ذكور!!

المصورة الفلسطينية كريمة عبود ونشأة التصوير النسائي وحرفية المهنة

يلاحظ غياب الأبحاث التي تتعلق بمهنة التصوير الفوتوغرافي ذكر هذه المصورة التي فاقت زملائها الذكورين وخاصة في أوائل الثلاثينيات. حيث تعلمت هذه المهنة منذ حداثتها وكانت أولى أعمالها في عام 1913 بشكل غير محترف ومنتظم. كان والدها كاهنا روحيا عمل في العديد من المدن والقرى الفلسطينية في المجال التقليدي وكان دائم التنقل بحكم عملة.. وبطبيعة الحال فقد كانت العائلة برفقته أين ما كان.. بهذه الفترة ومع تفتح طفولة كريمة اكتسبت الكثير من التجارب في حداثتها .. ففي الناصرة تعلمت المراحل الأولية وفي القدس المراحل الثانوية والأكاديمية وفي بيت لحم مولد المسيح علية السلام عاشت… وبحكم عمل والدها وتنقله في الكثير من المدن العربية الخارجية مثل السلط ودمشق وبيروت قام باقتناء كاميرا فوتوغرافية لابنته التي لم تتجاوز العشرين من عمرها .. في تلك اللحظة أثبتت كريمة مدى عشقها لجمال الطبيعة وزمكانيتها وراحت تلتقط زوايا كثيرة من المناطق الفلسطينية كان أولها المعابد التقليدية الكنائس والمساجد .. ثم التقطت صورا كثيرة لمعالم بارزة من المدن الساحلية منها مدينة طبريا ويافا وحيفا . وقد حرصت كريمة عبود على أن تضع اسم مدينة الناصرة باللغة الانجليزية لكي تعرف مصدرها .. لكن بعد سنوات العشرينيات أصبحت تكتب على ظهر الصورة تحت عنوان ( كريمة عبود مصورة شمسية ) ..

لاشك أن كريمة كان لها دور كبير في تلك المهنة التي كان لها اثر كبير للمجتمع العربي الشرقي ! خاصة أن الكثير من العائلات المحافظة لم تكن تقبل بان تظهر على عدسات هذه الاختراع الغريب إلا بعض العائلات العريقة التي كانت تتبناها بالتصوير الجماعي وهو ما تثبته الصور القديمة لبعض عائلات القدس ويافا وحيفا وحتى غزة هاشم في أيام الانتداب البريطاني ….

حيث بدأت بالتقاط بعض الصور لأبناء عائلتها والمقربين لها حتى احترفت المهنة في أوائل العشرينيات وافتتحت لها أستوديو للتصوير الفوتوغرافي النسائي في بيت لحم. وقد عرفت من خلال تلك الفترة بالمصورة النسائية .

من خلال عمل كريمة عبود في حرفة التصوير استطاعت التقاط الكثير من الصور التي تخص النساء وفي الكثير من المناسبات ولكن الفرق بينها وبين المستشرقين أنها بادرت لتصوير المرأة التي نهضت للحياة كمربية وطالبة وأم وحاضنة وربة منزل وليس للتركيز على النساء والدواب وجر المياه من أعين الاستسقاء كما توثقه عدسة هؤلاء التي ترسخت مفاهيمهم بان المرأة هي خادمة في بيتها ومطيعة لزوجها وفي أرضها ومرضعة لأطفالها ! ولابد من الإشارة إلا أن دخول الانتداب البريطاني لفلسطين احدث نوعا من التخلي عن هذه المعتقدات الراسخة أو الشبة مغفلة نحو امتثال المرأة أمام هذا الاختراع الغريب! وان ترسم مرة أخرى على بطاقة كرتونية لاروح بها حسب معتقداتهم. أو أن الكثير من الرعيل الأول الذي عايش هذا الاختراع منذ تسلله لفلسطين ونشأته كان يعتقد أن التصوير الفوتوغرافي هو بدعة من عمل الشيطان ولا يستوجب على المسلم بالأخص أن يمتثل أمام هذا الاختراع الغربي ليغضب وجه الله، لذلك فالخزانة الفلسطينية تفتقر الى الكثير من الصور الفوتوغرافية لبعض الأعلام والشخصيات التي عايشت تلك الفترة وكان لها الدور الريادي في المجتمع الفلسطيني والسياسة والأدب والثقافة. وبكل عزم وتحدي جاءت ألآنسة كريمة عبود لتملئ هذا الفراغ الكبير الذي حال دون ظهور المرأة بصورتها الطبيعية بعيدة عن الزيف بطبيعتها وبلباسها وتقاليدها بمشاهد مختلفة طيلة سنوات كثيرة. ومع تقدم الوقت والحقب الزمنية أصبحت الصورة الفوتوغرافية هي حاجة ماسة لكل بيت ولكل فتاة أما من الدوائر الرسمية كالمدارس الأهلية والكليات والجامعات أو جواز السفر الباسبورت الذي كان يمنع أن تلصق صورة المرأة بتاتا على صفحاته ويكتفي موظف دائرة النفوس " "الداخلية " بان يشير إلى اسمها واسم زوجها وعدد أولادها !

وبحضور رب الأسرة أصبح للتصوير لون وطابع جديد إذ كانت لهذه اللحظات مراسيم شعبية وتحضيرات مشوقة. فتستقبل العائلة المصور \ المصورة بالباس الجميل الزاهي وتكون الموبيليات ذات منظر راقي لترسم أيضا على جوانب الصورة . ويلاحظ من أكثرية الصور أن الورود ترافق دائما أصحاب البيت أو العائلة ولعل الكثير من الاختراعات ظهرت بشكل مماثل كجهاز التلفون حديث الاختراع والفونغراف الموسيقي كنوع من التباهي والتفاخر أو بعض المزهريات التي تضفي نوعا من الجمال والديكور. والغريب لكل ذلك أن السجادة دائما ملقية تحت الأقدام. في الوقت الذي كانت فيه القدس عاصمة التصوير الفوتوغرافي ظهر بكل مدينة مصورين محليين كيافا وحيفا والناصرة وبيت لحم ليصبح هذا الاختراع وثيقة هامة للتعرف على الفرد وذكرى جميلة ترسم وأحيانا يفنى من بها وتبقى هي صامدة أما جبروت التاريخ وعوامل الزمن !

من الناصرة ارض المولد والمنشأ سافرت كريمة لتستقر في بيت لحم مع ذويها ولتبدأ مرحلة الصعود لحرفية المهنة فمن هناك افتتحت استوديو ومشغلا لتلوين وصبغ الصور الفوتوغرافية وإدخال الألوان الزاهية بداخلها وكان أمرا نادرا حينها فقد أدخلت اللون الأحمر والأخضر والأزرق لتعطي الصورة النطق بعد الصمت في سنوات الثلاثينيات .. أيضا كانت تقوم كريمة عبود بتصوير النساء بداخل بيوتهم لأنها أنثى وهو ما خولها بان تلتقط مئات الصور الفوتوغرافية لكثير من نساء المشايخ والوجهاء .. وأيضا للطالبات اللواتي كن يتعلمن في كليات التعليم العالي في القدس وبيت لحم وبيروت والشويفات . لم تتزوج كريمة وبقيت عزباء في مدينة بيت لحم توفيت على الأغلب في أواخر الستينيات ودفنت في بيت لحم تاركة صورا بلغت أكثر من 2000 صورة ونيف مازال أكثر 400 منها مشتت بين أزقة المدن الفلسطينية المهجرة .

بين نظرة التحريم وحداثة المرأة والتعليم!

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى