التماثيل
فشلَ المعلمُ مع تلميذه الاتهازي, تركه لأقنعته و مكائده المتعددة الخدمات و مضى يشكو لجرحه طعنات الأقزام.. اصطحبَ معه همومه و أوراقه و خريطة انتسابه و انطلقَ خارج المدينة..
خترقَ الغابة بصبره..صرعَ في طريقه العديد من الذئاب, نزعَ بحد الجموح الكثير من الأشواك و النباتات العدائية.. و ظل يمشي و يمشي صوب جهة القصد, و كان وصوله في ساعات الفجر الأولى..
نزلَ من الجبل, التقطَ الزعتر البري..وصلَ إلى الوادي.. جلسَ على حافة جدول صغير , أخذَ يحرك المياه بأصابعه .. كانت صورة التلميذ تبتعد و تبتعد ..
جمعَ كومةً حجارة من وادي العرفان..أخرجَ خنجر جده من جيب بنطاله الأزرق, وبدأ ينحت في الحجارة..
صقلَ الحجر الأول على هيئة البلاد..جرحَ إصبعه , سالت قطرات الدم, سقطت فوق المنحوتة الصغيرة..وضعها في الشمس..حطت يمامةٌ فوق الصورة..
نحتَ من الحجر الثاني علماً بأربعة ألوان..حمله بثقة و حرص و رجعَ يتسلق الجبل.لم يحس بالتعب..كان سعيداً , قبَّله ثم وضعه على القمة..
صاغَ الثالث على شكل صقر بأجنحة جميلة و قوية.. و لما فرغَ من العمل..أطلقهُ نحو السماء..و نظرَ إلى الأعلى بقلق.. لكن الصقر لم يسقط..و مرَ سربٌ من الصقور فوق الوادي.. أشارَ بسبابته نحو الفضاء و قال بصوت سمع رجع صداه:- ذاك صقري أني أميزه بوضوح من بين الصقور المحلقة..
شربَ بعض القطرات من الجدول..و مدَّ يده يلتقط الحجر الرابع.. أعطاه شكلَ المسجد الأقصى..إنحنى , قبلَ أن يضعه في جيب قميصه فوق القلب.
تَذَكَّرََ جدته و حصان العائلة..فنحتَ الخامس على شكل حصان..سمعَ صوت الصهيل..كان يأتي..
تعرّق ..قطعَ بعضَ أوراقِ الدفلى.. مسحَ جبينه..حدَّقَ بالجبلِ القريب و قال:" لن أستسلم حتى أنجز مهمتي"
تنهدَ بعمق, و أمسكَ بالحجر السادس.. كان صلداً قاسياً..جرحَ يده للمرة الثانية..و صنعَ منه تمثالاً يشبه خارطة الوطن العربي..وضعه تحت شجرةِ خروب..
والتقطَ السابع..شكلًه على هيئة مفتاح بيته في الجليل.
داهمه النوم.. قاومه قدر استطاعته و أكثر..نظرَ إلى كومة الحجارة المتبقية خارج التشكيل, و همسَ بصوت خجول:- هؤلاء هم تلاميذي..
و غرقَ في نوم عميق.
كانت غرفة السجن ضيقة.