الحكمة الضالة
مضى دهر والمختار يستغل سلطته لينهب القرية ويبيحها لأصحاب النفوذ وأذنابهم ولا يتدخل ليمنع ذوي القوة والغلبة من نفس الفعل أو يمنع تظالم أهل القرية بينهم، فيسر حكيم القرية كراهيته للمختار ظناً منه أنه الوحيد في ذلك وخوفاً من من عيون المختار وبطشه حتى وصل الظلم حداً لا يطاق فقد غصبوا أرضه وقتلوا ابنه، فذهب إلى دار المختار.
كان يسمع مكبر الصوت ينطلق من دار المختار بالموشح الدائم (لا صوت يعلو فوق صوت المختار صانع المعجزات وباني النهضة الخيالية وحبيب الجماهير) فلما رآه حارس المختار قادما أفسح له المجال لما له من مكانة في قلوب أهل القرية.
كان المختار ما يزال يخطب (إن إرادة القرية التي عينتني، فوق كل صوت نشاز) فدخل عليه وهو ينوي حتى الصراخ في وجهه، ولكن تراجع المختار من كرسيه حين رأى علامات الغضب على وجهه – وكان قد أُنهي إليه الخبر – جعله يتشجع فأخذ الميكرفون من يده وصاح: أيها الناس من كان يريد المختار فقد أستقال ومن كان يريد حكيم القرية فليبايعني " حاول العسكر أن يوقفوه فذكرهم بمظالم المختار طيلة دهر، فمر شريط الفوضى والفساد والقهر والبؤس وتسخير القرية وخيراتها له ولحاشيته ولكل ذي غلبة مر في رؤسهم، فتوقفوا وشعروا بالدماء تضخ في أوردتهم وبشجاعة أكسبتهم لامبالاة تجاه أوامر المختار وتحريضه.
كان المختار قد بث الرعب في القرية من بطشه وجبروته، فأسر كل أحد كراهيته وظن أنه الوحيد الذي يكره حكم المختار ولكن حين أعلن الحكيم البيعة لنفسه – وهو أعزل عن كل قوة سوى حب الناس وثقتهم في قدراته – توافد الناس من كل فج عميق، حينها لمعت الحكمة في رأس المختار لأول مرة، فتقدم المبايعي.