الروایة العربية نشأتها وتطورها
التمهید
قبل أن نتحدث عن موضوع الروایة ودراسة التحولات والتطورات التي یترتب علیها، یجدر بنا أن نصدر کلامنا حول القصة عندالعرب ونوضّح موضعنا من القصة.
«القصة أوالحکایة من أقدم الأنواع الأدبیة، وربّما سبقت الشعر؛ فإنسان منذکان، کان شغوفاً متطلعاً إلی معرفة الأحداث الإنسانیة... وأدرک الکتّاب هذه الحقیقة منذ القدم، فحکوا الحکایات ثمّ کتبوها وربّما أضافوإلیها شیئاً من خیالهم أورووا أحداثاً من صنع الخیال وحده، فأطفأوا بذلک عطشاً کان في الصدور.» [1]
القصة عبرالزمن
القصة في عصر الجاهلي:
إن العرب منذ العصر الجاهلي کان لهم قصص وأخبار تدور حول الوقائع الحربیة، وتروی الأساطیر القدیمة، وعند ما ظهر الاسلام ونزل القرآن الکریم جاءهم أحسن القصص ثمّ تکونت علی هامش القرآن وتفسیره، قصص وحکایات استمرت موضوعاتها وعناصرها من تعلیم الدین الجدید. فظهرت قصص الأنبیاء وقصص المعراج وسیر النبی:
«فاقصُصِ القصَصَ لَعَلهَّم یَتَفَکّرَون» [2]
القصة في العصر الأموي
«وعندما نصل إلی عصر الأموي نری القصّة ظفرت بعنایة کبیرة حیث صارت مهنة رسمیة یشتغل بها رجال یسألون علیها الأجر وهذا ما دفع الرواة علی الخروج إلی البارئة لتألیف الروایات وجمع أخبار الأحباء والشعراء العاشقین كقصّة عنترة وعبلة، لیلی ومجنون، جمیل وبثینة کثّیر وعزة وغیرهم.»
http://etudiantdz.com/vbl t33304.htm
القصة في العصر العباسي
وقد تطورت القّصة في العهد العباسی، إذ بدأت طائفة من الکتاب ینقلون القصص الأعجمیة إلی العربیة حیث بلغت حوالی ستین ترجمة:
«ومن أشهرها «کلیلة ودمنة» لعبدالله بن المقفع حیث فتح باباً جدیداً في الأدب القصصي العربي، وصار نموذجاً مثالیاً سارعلی منواله کثیر من الکتاب المتاخرین الذین صاغوا أفکارهم الفلسفیة علی لسان الحیوانات؛ ومن القصص الأخری الهامة «الف لیلة ولیلة» من أصل هندي أوایراني، وقد أثر هذا الکتاب في الأدب القصصي الجدیدة.
ومن القصص المؤلفة التي صاغها العرب أنفسهم هي «البخلاء»، وقد صوّر فیها أخلاق فئات من الناس، وهم البخلاء متعرضاً لهم آخذاً علیهم، ثمّ رسالة «التوابع والزوابع» لإبن شهید الأندلسی وهي قصّة خیالیة موضوعها لقاءات مع الشیاطین الشعراء، ثم رسالة الغفران لأبی العلاء المعري، وهي قصة خیالیة موضوعها سفر خیالي إلی الجنة والجحیم، لقي فیه أبوالعلاء شعراء الجنة والجحیم، وانتقد من خلاله الشعر في العصر الجاهلی والإسلامّي. وقد تمیّزت هذه الرسالة بخیال خصب کما قال طه حسین، حیث جعلها في عداد الآثار النادرة. وأما المقامات فهي أقرب الأنواع القصصیة في الأدب العربی إلی القصّة الفّنیة الجدیدة، واعتبرها بعض المستشرقین أول مظهر للقصة العربیة، وهی قصة قصیرة تدور حول مغامرات بطل موهوم یرویها راوٍ معین، غایتها تعليمیة؛ وقدأجمع المؤرخون علی أن بدیع الزمان هومبدع المقامات، ومن أعلامها بعده هوالحریري. وإضافة إلی هذه الأعمال القصصّیة نری القصّة واصلت سیرها في تضخم وکثرة، ودخلت فیها الرحلات «رحلة ابن جبیر وابن بطوطة» والخرافات وسیر الأشخاص «سیرة عنترة وسیرة بني هلال.» [3]
ویمکن أن نقول بأن القصة العربیة نشأت وتطورت تحت ظروف وعوامل حسب المعتقدات والأساطیر وأن الادب العربي القدیم بما فیه تراث قصصي عظیم من القصص القرآنیة، قصص الأنبیاء وسیر النبی، والمقامات والرحلات والقصص الخیالیة والتراجم الذاتیة وقد ترک تراثاً ضخماً من مجال الأدب القصصي، وهوالذي أثر تأثیراً عمیقاً في رأی بعض المعاصرین- في نشأة الأدب القصصي الغربي وتطوره فیما بعد.
القصة في عهد الانحطاط:
ومع هجمة التتار وسقوط الخلافة العباسیة بدأت فترة الانحطاط الأدبي في الأدب العربي؛ الأمر الذي أدّي إلی خمود الحرکة الفکریة والأدبیة من جهة والتشاغل عن حفظ هذا التراث الضخم من جهة أخری، ولأجل ذلک قلّما نشاهد في هذه الفترة التي امتدت ستة قرون إبداعاً بارزاً في مجال القصة.
القصة في الأدب العربي الحدیث:
«هناک اختلاف رأی بین العلماء المحدثین في نشأة القصة العربیة الحدیثة؛ فمن یتحمّس منهم لأصلها العربي ویری أنها ولیدة التراث القدیم واستمراراً له، ومن ینفی أن تکون هناک أیة صلة بین القصّة الجدیدة وبین تلک الأنماط القصصیة القدیمة ویراها أنها ولیدة الاحتکاک بالغرب والتعریف إلی نتاجه القصصي ونقله إلی العربیة.» [4]
« إن أغلب الدراسات التي تناولت هذه القضیة، قد اتفقت علی أن الروایة هي نوع أدبی وفد إلینا من الغرب بعد الإتصال الحدیث به. وهذا الرأی هوالرأی الأصوب والأدق علمیا، لأن الرأی الآخر، والذي یری أن الروایة هي أمتداد لأنواع قصصیة عربیة قدیمة، لا یفهم الفارق الواضح بین فنیة تلک الأنواع القدیمة وتنوعها، وبین الخصائص الفنیة للروایة کنوع أدبی محدد. هذا بالاضافة إلی أنه یتصور أن الأنواع الأدبیة تسیر سیرتها الحیاتیة المستقلة، وتنقل من زمن إلی آخر بحریة مطلقة لا تقیدها حدود الزمن وتطور البشر منتجی هذه الأنواع الادبیة؛ أی أنهم یعزلون هذه الأنواع في ذاتها، ویفصلونها عن تاریخیتها، التي هي المکون الأصلي لها.» [5]
وهناک قول آخر من یحیی حقی عن موضوع المذکورة.
«القصة جاءتنا من الغرب... وأول من أقام قواعدها عندنا أفراد تأثروا بالأدب الأروبي والأدب الفرنسي بصفة خاصة.» [6]
هکذا قال یحیی حقي وأكد إسماعیل أدهم ومحمد تیمور وإبراهیم المصري ومحمد حسین هیکل:
«لم تکن الصلّة قویة بین القصة العربیة الحدیثة وسابقيها القصّة العربیة القدیمة، فلم تبرز الأولی إلامن طریق الاتصال بالغرب. ففي النصف الثانی من القرن التاسع عشر المیلادین، هيأت الظروف للاتصال الفکري بالغرب، وعلی الأخص في لبنان، فأعجب المثقفون بالقصّة الغربیة وبخاصة منها الفرنسیة.» [7]
کما لم یکن المصریون یطلبون في ثورتهم هذه (1919) الاعتراف باستقلالهم وسیادتهم ویطلبون حیاة سیاسیة وصوراً من الحریة السياسیة علی مثال ما في الغرب سواء؟ فلتکن مظاهر الفن مصبوبة في قوالب غریبة لتکون آیة للناس جمیعاً علی تقدمهم وعلی أنهم سابقون الغرب إلی میادین الحضارة وقد یسبقونه.» [8]
الروياية العربية المعاصرة
وإذا فحصنا في القصة العربیة المعاصرة، فهي فن جدید یختلف شأنها عن شأنها القدیم، اتضحت لنا أنّها مرت بثلاث مراحل أساسیة ظهرت في کل منها مجموعة هائلة من أنواع القصة وهي:
– الف: مرحلة التقلید والتعریب (1914- 1850)
– ب: مرحلة التکوین والإبداع (1939- 1914)
– ج: مرحلة التأصیل والنضج (1939- حتی الان)
الف: القصة العربیة في مرحلة التقلید والتعریب:
«وعلي الرغم أن غالبیة الباحثین قد أنکرت الصلة بین القصة العربیة الحدیثة وبین التراث القصصي عند العرب، إلا أن هذا الإرتباط موجود بشکل بارز في صیاغة الشکل والمضمون، إذ بدت القصّة الحدیثة في بدء تطورها متأثرة بالأجناس القصصیة المأثورة کالتراجم والمقامة و...، ومن أوضح أمثلتها للتاثر بفن المقامة هو«حدیث عیسی بن هشام» للمویلحی (1900) حیث یبدوفیه التاثیر العربي واضحاً في العنایة بالأسلوب والأحداث التي تحدث للبطل الذي یتصل بشخصیات متعددة، کما أن الأثر الغربي أیضاً یبدوفیه جلیاً من حیث تنویع المناظر، وتسلسل الحکایة، وبعض ملامح التحلیل النفسی.» [9]
«إن التسلیم بکون الروایة الحدیثة متاثرة أومنقولة عن الغرب، هوحقیقة تاریخیة سلم بهارواد هذا النوع الأدبي منذ البدایة، غیر أننا نستطیع أن نجد موقفین مختلفین لهؤلاء الرواد خلال العقود الأربعة الأولي من هذا القرن العشرین. فکل هولاء بدأوا بالتأکید هذه الحقیقة، مع الدعوة إلی الإیغال فی تقلید النموذج الروایي الغربي؛ وذلک خلال العقدین الأول والثانی من القرن.» [10]
وفي أواخر القرن التاسع عشر ظهرت موجة جدیدة في الأدب القصصي الحدیث، وذلک إثر ترجمة القصص الغربیة ونمت هذه الموجة في مصر ولبنان. فراحویترجمون القصص الغربیة التی کانت موضوعاتها في الأغلب، رومانتکیة حول الحبّ والجنس وقد بدأت هذه الموجة علی ید اللبنانیین؛ منهم «سلیم السبتانی» الذي اعتبر الرائد الأول لهذا التیار. ومن أعلام القصة والروایة العربیة في هذه المرحلة«فرح أنطوان»، «نقولاحداد»، «یعقوب صروف»، «لبیه هاشم»، «طاهر حقي» و«المنفلوطی».
«وصفوة القول في القصة والروایة فی هذه المرحلة أن أعمال هؤلاء الکتاب کانت في أغلبها تقلید القصة الغربیة، یغلب علیها السرد التاریخي أوالإجتماعي... ولکن هناک ظاهرة فنیة یجدر الوقوف عندها، وهی الجهود الروائیّة للذین مضوا إلی المحبر، فأتیح لهم الإطلاع علی النماذج القصصیة الغربیة بکامل الوجه، فتأثروا بها فنضجت أعمالهم حیث تختلف عن النماذج القصصیة في البلد العربي، فلاشک أن إنتاجات جبران من القصة والروایة ک «عرائس المروج 1906» و«الأرواح المتمردة 1908» و«العواصف 1910» و«الأجنحة المتکسرة 1912» وکان لها طعم جدید، إذ یبدوفیها روح التمّرد علی عوامل الجمود وموانع التطور... ثمّ من الذین هاجروا خارج الوطن العربي وکتبوا فیه وخرج نتاجهم ثمرة لتزاوج المجتمعین العربي والأروبي، «الدکتور محمد حسین هیکل» الذي نشر روایة «زینب 1914» حیث اعتبرت هذه القصة في رأی البعض بأنها بشّرت مرحلة جدیدة في القصة العربیة، ألاوهي مرحلة التکوین القصصي العربی.» [11]
ب: مرحلة تکوین القصة العربیة الحدیثة (1939- 1914)
إن فترة ما بین الحربین العالمیتین اعتبرت مرحلة تکوین الأدب القصصي والروائي عند العرب، فالحرب العالمیة الأولی وما تبعها من أحداث وتحولات في ترکیب المجتمعات العربیة، من تغییر في القیم والموازین، ومن تطور في الثقافة والسیاسة والوعی القومي والانتفاضات الوطنیة و... کل هذه خلقت جواً جدیداً وذوقاً مختفاً عن سابقه وتطلبت بناءً وأسلوباً جدیداً للتعبیر عن هذه التحولات الجدیدة.
وتمتاز قصص هذه المرحلة بمایلی:
«تعالج موضوعات من تجارب الکتاب أنفسهم، فالبطل في کل قصة کاد منها یکون الکاتب نفسه. أوهونفسه علی الاطلاق:
– استطاع فیها الکتاب أن یغوصوا في أعماق نفوس الأبطال ویحلّلوها.
– طغت علیها کلها النزعة الرومانسیة التي کانت تسود العصر.
– عبرت عن قدرة الکّتاب علی تکییف الأسلوب اللغوي مع وسائل التعبیر فی القصّة من سرد وحوار ونجوی ووصف.» [12]
«وهکذا أخذت القصة العربیة بعد الحرب العالمیة الأولی طابع المحلیة والقومیة، وبدأت تصور فئات من المجتمع المصري أواللبناني أوالسوري أوالعراقي بغية تحسین فضاءِ المجتمع...» [13]
من أعلام هذه المرحلة طه حسین الذي له دورهام في إرساء قواعد الفن القصصي ومن أعماله: الأیّام (1929)، أدیب (1935) حیث انتقد فیها القضایا الاجتماعیة والتعلیمیة والتربویة في المجتمع المصري.
ومنهم توفیق الحکیم الذي عني بتصور الواقع عن حیاة الاجتماعیة ومشکلاتها ومن آثاره: عودة الروح (1931)، یومیات نائب في الأریاف (1937) وعصفور من الشرق (1938).
ج: مرحلة تأصیل القصة العربیة:
«هذه المرحلة هي المرحلة الأخیرة في تطور القصّة والروایة العربیة، والتي اعتبرت قمة المراحل واتسمّت بمرحلة التأصیل وقد تداخلت هذه المرحلة بالمرحلة السابقة عقداً من الزمن حیث کانت الثلاثینات خاتمة مرحلة التکوین ومدخلاً إلی مرحلة التأصیل حیث اختارت الروایة والقصة العربیة اتجاهاً جدیداً نتیجة لأسباب وعوامل مختلفة لم تکن ميسرة لهما في المرحلة السابقة.» [14]
ففي هذه المرحلة ظهر عمالقة القصة العربیة الحدیثة کنجیب محفوظ وتوفیق یوسف عوّاد وجبرا إبراهیم جبرا.
«تناول هولاء الکّتاب وأمثالهم وهم کُثُر، الکثیر من القضایا الحیاة العربیة ببناء فني قوي یختلف من کاتب إلی آخر.
باختلاف المدارس الأدبیة والنزعات الفکریة والسیاسیة وهکذا غطت القصّة مساحة واسعة من حیاة الناس، فهناک القصة الإجتماعیة والقصّة السیاسیة، والقصة التاریخیة، والقصة الفلسفیة، فعولجت مشکلات الحرب وویلاتها فی قصة «الرغیف» لتوفیق یوسف عواد، ومشکلات العصر الإنسانیة، کعبثیة الحیاة، وغربة الانسان وضیاعه، والانفصال عن الواقع في قصص «اللص والکلاب» و«الطریق» و«السمان والخریف» لنجیب محفوظ.» [15]
اتجاهات الروایة العربیة:
لحد الان ماذکرنا حول نشأة الروایة والاتجاهات التي ظهرت فیها، کانت کلها مطبوعة بطابع الروایة التقلیدیة، لکن في أواخر السنیات وبدایة السبعینات ظهرت ثورات عنیفة علی الروایة التقلیدیة المستهلکة، أدت إلی ظهور إتجاهات جدیدة، وإن کانت هي متأثرة بالغرب لحد بعید، إلا أن التاصیل والتکوین ظهرا فیها أسرع وقت ممکن وهذه الاتجاهات الجدیدة هي:
أ: روایة تيار الوعي:
کان هذا الاتجاة بمثابة ثورة عارمة علی الروایة التقلیدیة، وقد بدأ في الأدب الغربی في نهایة القرن التاسع وامتدت إلی النصف الأول علی ید «مارسل بروست» و«جیمس جویس»... وبظهور هذا التیار تغییر الأسلوب، وأصبح کتشاف العقل والباطن الخفي مثار الإهتمام، لأنه المحرک الأساسي للفکروالسلوک ومقومات هذا الاتجاه أوالتیار تتخلص فیما یلي:
– الف) المونولوج الداخلي المباشر، وفیه یغیب المؤلف، ویتم فیه بضمیر المفرد والغائب.
– ب) المونولوج الداخلی غیر المباشر: وفیه یحضر المؤلف عبر الوصف والتعلیق، ویقوم الحکي فیه بضمیر المتکلم.
– ج) وصف الوعي الذهني للشخصیات
– د) مناجاة النفس
– ه) التداعی الحر من طریق الخيال والحواس
– و) المونتاج السینمایی عن طریق تعدد الصور وتوالیها.»
[16]
ب: الروایة الطلیعیة:
«والاتجاه الثاني في الروایة العربیة بعد السبعینات هوالاتجاه الطبیعي أوالروایة الطلیعة. وهي تعني استخدم تقنيات فنیة جدیدة تتجاوز الأسالیب والجمالیات السائدة والمعروفة، لکن بهدوء وبطءِ وتمهّل. وقد تمیزت الروایة الطلیعة باستخدام تقنیات السینما، والتقطیع إلی صور ولوحات مستقلة تعطي مجتمعة انطباعاً واحساساً واحداً، کما تمیزت باستخدام المونولوج الداخلي والفلاش بک في تصویر ماضي الأبطال، کما أن میزانته الأخری أسلوبها الشعري، والنسبية أوالنظر إلی الحادثة الواحدة من زوایا مختلفة وعدیدة. ومن الروائيیئن العرب الذین تجلت هذه العناصر في نتاجاتهم، «جمال الغیطاني»، «صنع الله إبراهیم»، «إمیل حبیبي»، «جبرا إبراهیم جبرا»، «الطاهر وطّار»، «عبدالرحمن منبف» و«الیاس خوری...» [17]
ج: الروایة التجربیة:
«هذا الاتجاه أحدث إتجاه ظهر في العالم الروایی، والذي اعتمد علیه المعاصرون بوصفه تفنیة جدید، من أجل تجاوز واقعهم الفني المستهلک، فقامت الروایة التجربیة علی توظيف البناءات والأحلام اللغویة، واستقلال تفنیات الشعور واللاشعور، وانثیال الوعي واللاوعي والأحلام، وإلغاء عنصري الزمان والمکان. وقد ظهر هذا الاتجاه بغیة بناء أدب مضادّاً للإبداع المتعارف علیه مسبقاً عن طریق تدمیر البنیات الشکلیه للروایة، والعناصر الفنیة، تفجیر اللغة، والخروج علی الأنماط الروائیة السائدة نحوالإبداع والابتکار والولوع إلی عالم مستقبلي مجهول منقطعاً عن الماضي والحاضر، متفاعلاً إلی الروائي السابق.» [18]
وهناک مجموعة من العوامل، التي تکاتفت في فترة استینات، فیما یختص الحداثة الروائیة بعامة وشعریة اللغة التي تعد العمود الفقري بخاصة وخصوصاً مرحلة ما قبل هزیمة حزیران وبعدها ونعرض لهذه العوامل قبل الهزیمة ومنها:
1) الروایة الجدیدة في فرنسا، إذ ترجمت بعض النصوص خلال الستینات، ومن روادها «ناتالی ساروت» و«روب غربیة» و«میشل بوتور» و«کلود سیمون» وغیرهم ...
2) التاثر بالاتجاه الرمزي في اروبا الذی ولد في النصف الثاني من القرون التاسع عشر، خاصة فی مجال الشعر علی ید أقطاب منهم «بودلیر» و«رامبو» و«مالارمیه» و«بول فالیری».
3) التاثر بالحرکة الرومانسیة العربیة التي شهدت تألقا في الثلاثینات والأربعینات، فادا کانت الرومانسیة في بعض مواضیعها تصور البؤس والجوانب الظلمة في المجتمع. فروایة الستینات کذلک ...
4) التاثر بأعمال أدباء المهجر، الذین تنحوأعمالهم النثریة المنحي الشعري في لغتها وفي مقدمتهم جبران خلیل جبران، حیث نجد إشارة صریحة في روایة «ستة أیام» لحلیم برکات إلی جبران وکتابه «النبی»، فقد اقتبس حلیم برکات في أکثر من موضع من کتاب النبي لجبران.» [19]
«لقد طّور جیل السنیات في الروایة العربیة في الشکل الروایة والروایة التي استقرت في أعمال نجیب محفوظ الکلاسیکیة، وإن تجلی ذلک في مرحلة السبعینات وما بعدها، وخصوصاً ما بعد هزیمة حزیران التي فضحت کل شیءِ بما فی ذلک طرائق الکتابة وأسالیبها ونظرتها الواثقة إلی العالم.» [20]
الروایة عناصرها وأنواعها:
في الحقیقة إن الروایة نوع من أنواع القصة وعندما نرید أن نتحدث عن الروایة عناصرها وأنواعها لابدنا أن نتکلم عن أنواع القصة:
أنواع القصة:
للقصة ثلاثة أنواع اصطلح علی تمسیتها مایلی:
«الروایة: هي غالباً قصة طویلة، أشخاصها عدیدون وأحداثها متشابکة تعرض من خلالها طباع الشخصیات وتحلل في نموها وتکاملها خلال العمل القصصي.
القصة: غالباً ما تکون متوسطة الحجم، تقوم علی اشخاص لاتضاح جوانب طباعهم کلها، إذ تقوم القصة علی جانب من جوانب الشخصیة ولیس علیها متکاملة.
الأقصوصة: قصة قصیرة، تصّور البطل في حالة من حالاته وتکون أحداثها قلیلة لاتتجاوز هذه الحالة التي تصورّها.» [21]
عناصر الروایة الحدیثة:
الحدث والشخصیات والبیئة والأسلوب والهدف
ما هوالحدث في الروایة الحدیثة:
«هوحدث واحد، أوجمله أحداث متشابکة مترابطة یسوقها الکاتب بفنیة عالیة وصولاً بها إلی هدفه أوإلی فکرته التي یرید أن یضعها فیعرفها القاري.» [22]
ویستمد الکاتب هذه الحدث أوهذه الأحداث من مصادر وهي:
- واقع حیاة الناس.
- واقع حیاة الکاتب.
- ثقافة الکاتب وتشمل التاریخ البشري.
- خیال الکاتب.
«وقد تکون الروایة مستمده من واحد من هذه المصادر أواکثر غیر أن المصدر الرابع وهوالخیال، لا بد أن یکون صاحب دور في کل حدث، إذ لا نهوض لعمل فني نهوضاً صحیحاً ما لم یکن للخیال فیه دور، حتی ولوکان دور التنظیم أوالتقلید أوالإضافة.» [23]
العمل القصصي:
العمل القصصی هوجملة الأحداث التي تتشابک في حبکة یحبک بها الکاتب هذه الأحداث، وتولّف هذه الأحداث مجتمعه موضوع القصّة من بدایة ها إلی نهایتها.
ما هي الحبکة:
«الحبکة هي عملیة نسج الأحداث في ثوب فني یتمثل في بدایة تمهّد للحدث، وحبکة یتأزم فیها الحدث ونهایة یکون فیها حل الأزمة.» [24]
لکل روایة «بدایة وحبکة ونهایة» لکن ترتیب هذه الأقسام الثلاثة لیس ضروریاً ونری في الروایة ثلاث طرائق في بناءها:
«الطریقة التقلیدیة: وهي التي یتحرک فیها الحدث تحرکاً سبیاً أوزمنیاً من البدایة إلی الحبکة وإلی النهایة ومن أمثال ذلک قصة «أنا کارنینا» لتوستوی و«زقاق المدق» لنجیب محفوظ.
الطریقة الحدیثة: في هذه الطریقة یضعک الکاتب في قلب القصة، في أزمتها حیث یکون بطل القصة في شده نفسّیة تمزّق روحه، ویسعی الکاتب إلی النهایة إلی الحل تارکا للبطل أن یتذکر الماضي... . وهذا ما نراه في قصة «اللص والکلاب» لنجیب محفوظ.
الطریقة الخطف خلفاً: تبداً القصّة في هذه الطریقة من النهایة، کان یضعک الکاتب أمام حدث مثیر، ثمَّ یأخذ بالبحث عن أسباب هذا الحدث المثیر، فیقودک البحث إلی البدایة وأکثر ما نجد هذه الطریقة في القصص البولیسیة، مثل قصة «لغز الصورة» لأغاتا کریستی.» [25]
نحن في الروایة لدنیا نوعین من الحبكة من حیث ترابط الأحداث: 1- حبکة محکمة وهي أن تکون الأحداث تترابط وتتشابک بعضهم ببعض 2- حبکة مفککة: وهي أن الأحداث لا تترابط ولا تتشابک ببنهما بل يکون کل حدث یشبه بقصة قائمة في ذاتها.
الشخصیات:
«الشخصیات القصصیة هي التي تحمل الحدث القصصي وتطوّرها من بدایاته إلی وسطه أوحبکته حیث الأزمة ، فالنهایة حیث تنحّل عقدة القصة ویشبع القاري فضوله.» [26]
في الروایة ثلاثة أنواع من الشخصیات:
1) شخصیة أساسیة أو(محوریة) : وتکون هي البطل في القصة کشخصیة سعید «مهران« في قصه «اللص والکلاب» وشخصیة «وکییل النائب« في روایة «یومیات نائب في الأریاف»، لتوفیق الحکیم ...
2) شخصیة معارضة: ویقوم الصراع بینها وبین الشخصیة المحوریة کشخصیة «درویش عصفور» في روایة «یومیات نائب في الأریاف» لتوفیق الحکیم.
3) شخصيات مساعدة: فهم إلي جانب الشخصيتين المحوريه والمعارضة كرجال الشرط في قصه «اللص والكلاب» لنجيب محفوظ.
والكتاب يرسم شخصيات القصة أوالرواي علي إحدي الطريقتين:
هما:
>> الطريقة التمثيلية: وفيها يعمد الكاتب إلي رسم ملامح الشخصية معتمداً علي الحوار تارة وعلي نجوي داخلية علي لسان الشخصية نفسها حيناً وعلي أحاديث تطلقها الشخصيات بعضها عن بعض أحياناً أخري.
2- الطريقة التحليلية: وفيها يعمد الكاتب إلي أن يتدخل هونفسه تدخلاً مباشراً فيرسم بعض ملامح شخصياته بالتعليق المباشر عليها أوبتصوير ردّات أفعالعا تجاه الاحداث.» [27]
البيئة:
«تشمل البيئة عنصري المكان والزمان تدور فيها أحداث الرواية وتتحرك شخصياتها، فكل بيئة تترك طابعها علي الشخصيات وعلي الأحداث فشخصيات الكاتب حناميته، الذي أدار معظم أحداث روايته علي شاطي البحر وفي موائته، تختلف كثيراً، في أسلوب حركتها وردّات أفعالها تجاه الأحداث عن شخصيات الكاتب عبد السلام العجيلي. الذي يدير أحداث رواياته ويحرك شخصياته... نعني بالبيئة القصصية كل ما
يحيط بالأحداث والشخصيات من ظروف طبيعية جغرافية أواجتماعية بشرية.»
[28]
أسلوب الرواية:
«الأسلوب في العمل القصصي هوجملة الأدوات الفنية التي يستخدمها الكاتب للوصول بقصته إلي غاياتها. وهي السرد، الحوار، المناجاة، الوصف.» [29]
السرد:
«السرد هو رواية الحدث، أوحكايته بأسلوب لغوي يلائم أحداث الرواية ويلائم جماهير العريضة التي ستقرأ هذا العمل بمختلف ثقافاتها ولهذا وجب أن تمتاز لغة السرد.» [30]
«الحكي اوالسرد تعرف التحديدات العربية للعديد من المصطلحات المعاصرة من الخلط والغموض ولعل أهم مفهوم يستوقفنا أولاً، وقبل الحديث عن «القصّة» و«الخطاب»، هومفهوم «الحكي» التي نضعه مقابل (levecit) في الفرنسية و(navvative) في الانجليزية.» [31]
واللغة الغالبة علي هذا النوع من العمل القصصي هي لغة الاسلوب الفصحي الذي يتجه نحو السهولة ومجرد إيصال المعني إلى القاري بأسهل الطرق.
يسرد الكاتب الرواية بإحدي طرائق الاربعة:
1) الطريقة الذاتية: وهي التي يستخدم فيها الكاتب المتكلم مستعيناً عن دور الرواية فيها ومن هذه القصص «الحب الضائع» لطه حسين.
2) طريقة الرسائل أوالمذكرات: وهي طريقة تعتمد علي رسائل تتباد لها شخصيات القصّة، أوعلي مذكرات يومية يكتبها بطل الرواية أوإحدي شخصياتها ونذكر من هذا النوع «يوميات نائب في الارياف» لتوفيق الحكيم. وهذا تعتمد المذكرات يومية.
3) الطريقة التقليدية: وهي الطريقة التاريخية التي يعتمد فيها الراوي علي الضمير الغائب وبهذه الطريقة كتب اكثر القصص ومنها «اللص والكلاب» لنجيب محفوظ.»
[32]
الحوار:
وهو من أساليب فن القصصي:
«وقد أثر أسلوب الكاتب التقريري في استخدام للحوار الذي يبدودوره ضئيلاً إلي حد كبير، في هذا النوع من الرواية، فهم يتجهون في الغالب إلي التهرب منه ويعلنون هذا التهرب صراحة كما يفعل نقولا حداد في روايته «العجائب والغرائب الامريكية» فيقول بعد محادثة برهة في عدة مواضيع لا يهتم القاري كثيراً نهضت البدينة مستأذنة في الذّهاب. والوسيلة المتبعة في التخلص من الحوار هي تحويلة إلي أسلوب السرد.» [33]
ولا نجاح للحوار في الرواية إذا لم يتسم بمايلي:
«1- أن يكون له دور في بناء القصة.
2- أن يكون مرتبطاً ارتباطاً عضوياً بالشخصية فلا يفرض عليها قرضاً.
3- أن تكون لغته الشخصية التي تتكلم، وبحسب المواظف التي تقتضي هذا الكلام.»
[34]
النجوي الداخلية:
النجوي هي صوت داخلي لا يسمعه إلا صاحبه أما دورها فكبير في الرواية. فهي:
«1- قد تسعيد أحداثاً مفقودة في لحمة القصة.
2- قد تكون وسيلة في الكشف عن شخصيات أخرى وتصويرها.
3- قد تكون الوسيلة من وسائل تطوير الحديث.
4- قد تكون الوسيلة الوحيدة في بناء القصّة كلّها كما في القصص التي تعتمد طريق «يتار الوعي» في السرد ويلزم في اللغة لمناجاة كما في غيرها الخفة والسهولة إلي جانب مشاكلتها للشخص الذي ينطلق داخلة بها.» [35]
الوصف
الوصف هوأداة من أدوات الكتاب في بناء الرواية وقد يكون فيه البيئة التي تجري فيها الأحداث وقد يرسم شكل الشخصية من الخارج أوصورة للنفس والخ.
«للوصف دور إيجابي في تكامل القصّة إذا جاء في قصد، فلا يكون إلا تمهيداً لحدث قد يقع كما في وصف الطبيعة، أوتهيئة للحوادث التي تنهض بها الشخصيات، حتي لا تكون هذه الحوادث مخالفة لطبيعة الأشياء، كما في وصف البيئة الأجتماعية التي تجري الحادثة فيها، أوتكون كشفاً عن دواخل الشخصية وتحليلاً لا نفعالاتها.» [36]
الهدف:
«هوالفكرة التي يحملها الكاتب إلي القاريء بتجسيدها في أحداث تنهض بها شخصيات في بيئة معنية، أي بتجسيدها في قصّة، وبذلك القّصة كلها قد بنيت من أجل إيصال هذه الفكرة إلي القاريء، إلي جانب تسليته وإمتناعه.» [37]
مثال ذلك الفكرة وجود الظلم السياسي والمشكلات في نظام الاداري في مصر في رواية «يوميات نائب في الأرياف» لتوفيق الحكيم وأيضاً فكرة عبثية الحياة في قصة «اللص الكلاب» لنجيب محفوظ علي كل حال يجب أن يكون هدفاً وراء الرواية وحتي يعرف القاريء هذا الهدف خلال قرائته الرواية.