الصالون الأدبي الثالث مع مها حسن- عن الحرب والكتابة والحريّة
ماذا يعني أن نكتب بالعربيّة من المنفى؟ وماذا يعني أن نكتب بحرّية عن سجن كبير كان يشكلّ ذات يومٍ وطنًا؟ أسئلة كهذه وأعمق ناقشها المحاور الدكتور بلال الأرفه لي مع الكاتبة الكرديّة السوريّة مها حسن في اللقاء الثالث للصالون الأدبي للأكاديمية العربية الألمانية للشباب للعلوم الإنسانية.
عقدت هذه الجلسة افتراضيّا عبر "زوم" لمدة ساعة ونصف تحدثت فيها مها حسن عن تجربتها الروائيّة في أخذ آن فرانك في رحلة متخيّلة إلى فلسطين والكتابة عن حرب سوريا ونساء حلب. تخلّلت الجلسة قراءتين من روايات مها "عمت صباحًا أيتها الحرب" و "آن فرانك" كما تناول النقاش ثلاثة محاور شيّقة، أولها تحت عنوان " الهوية والمكان والحرية".
الهوية،المكان، والحرية:
كان لا بدّ من سؤال مها حسن عن الهويّة، هي الكاتبة الكردية السوريّة التي تحمل الجنسيّة الفرنسيّة وتكتب من الخارج عن وطن في حالة حرب.اليوم، تقارب مها هذا التعدّد في هويّتها، أو هويّاتها، بكل انفتاح ورحابة صدر، وتشاركنا تجربة الأمان التي شعرت بها منذ وصولها إلى فرنسا حيث تشجّعت على اكتشاف ذاتها والبحث عن مكانها في العالم الأدبي. تجدر الإشارة هنا أن تقبّل التعدد في هوية مها لم يكن على هذه الحال في السابق، أي حين كانت في سوريا. كما تقول مها " تأخرت كثيرًا حتى قلت إني كرديّة، وكان الموضوع معيبًا لي بسبب القمع. كوني أكتب بالعربيّة، وضعت كرديّتي على الهامش، لكنّ التنوّع في فرنسا شجّعني وأشعرني أن هويتي هذه مرحّبٌ بها ".
عدا عن شعورها بالأمان والانتماء، تشارك مها شعورها بالحريّة خارج حدود الوطن دون خوف أو تحذيرات من الشرطي في رأسها كما تقول. بالنسبة لها، إن الحريّة مشروع كبير يطال المجتمع ككل أكثر من كونه مشروعًا فرديًا، وقد انعكس هذا الأمر على كتابات مها وشعورها بالمسؤولية تجاه النساء اللواتي لا يتمتعّن بحريّتها تلك. كما تقول مها " يعلموننا في سوريا أن نسكت وأن لا نحكي، لكنني أعدت النظر في المسكوت عنه واكتشفت أن كنزنا كامن في التابو". من منبرها الحر خارج الوطن، تقر بنت الهامش، كما تدعو نفسها، أنها صوت الهويات المطمورة تحت ركام المجتمع والايدولوجيات والسياسة.
التاريخ، الرواية، ومسؤولية الراوي:
بالانتقال إلى المحور الثاني لهذه الجلسة والمعنيّ بالتاريخ ومسؤولية الراوي، تشارك مها الدافع للكتابة عن الحرب السوريّة. في هذا السياق، تعتبر كاتبتنا أن الكتابة، والكتابة الروائية على الأخص، نوع من الشهادة، وأنها تمارس شهادتها بالطريقة الأدبية. انطلاقًا من رغبتها في تقاسم الخبرات الإنسانيّة، تتحدّى مها ألمها وصدمتها جرّاء تجربة الحرب القاسية وتكتب من باب الإخلاص للفن والألم. بالحديث عن كتاباتها عن الحرب، تنظر مها بعين الناقد إلى أولى رواياتها "طبول الحرب" وصولًا إلى "مترو حلب"، معترفة أنها تدرّجت بالنضج الفنيّ بالكتابة. مع مرور الزمن، تمكّنت مها من الخروج من حالة الرعب والصدمة إلى ما يشابه الهدوء للتفاهم مع كل ما حصل في الوطن عن بُعد مسافة آمنة.
عند سؤالها عن الفرق بين التأريخ والرواية، تؤكد مها مجدّدًا أن الرواية هي صوت المهمّشين، موضّحة أن الروائي يتكلم عن ألم وأمل إنساني لا يمكن للمؤرخ أن يتناوله. تكمل مها قائلة " أنا حرّة أكثر من المؤرخ وفي عملي نبل أكثر من عمله"، ففي حين ينحاز التاريخ للقوى والزعامات، تنحاز مها في مساحتها الأدبية للإنسان.
في فن الكتابة:
بهذه الكلمات، تصف مها حسن تعلّقها بعالم الكتابة:"حياتي الحقيقية تحدث في الكتابة، أما حياتي في الخارج فهي مجرد تسلية". فمن خريجة حقوق إلى الانتقال الكليّ إلى الرواية، تشارك مها ايمانها بأنها ولدت لتروي. لأنها تخاف من وتيرة الحياة السريعة، ترى مها في الكتابة عالمًا خاصًّا تضيف فيه حيوات أخرى وتخترعها، الأمر الذي يمكّنها من أن تعيش أكثر من حياة واحدة. انغماس مها في الكتابة أمر لافت، لدرجة أنها تصفه بمرض لا تريد الشفاء منه. في الوقت ذاته، تبقى الكتابة وسيلتها للتعافي عبر استعادة الذاكرة. كما تنصح كاتبتنا، فهناك ذواكر لا يمكننا استحضارها دون القلم، ويبقى الحل الوحيد أن نكتب ونكتب ونكتب.