الأربعاء ١٧ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم نبيل درغوث

العقل

تأليف : جيل غاستون غارانجي

تعريب: محمود بن جماعة

" إن المسألة الأساسية في الفلسفة هي العقل " (ابرماس )

عرف العقل بأنه هو أعدل الأشياء توزّعا بين الناس و قد عرّفه أيضا ديكارت بالحس السليم أو الصواب (Le bon sens). فالعقل هو أداة إنسانية كونية للتفكير والبحث عن الحقيقة.

العقل في اللغة العربية يعني أدرك وأمسك بعقله فكره. فجذر ع.ق.ل في لسان العرب يعني المنع والربط والحبس عقل الدابة أي ربطها وقيّدها يمكن أن نستنتج أن العقل في اللغة العربية هو الفكر المقيد والمحدد بقواعد وقوانين ومبادئ.

أما باليونانية يسمى لغوس (Logos) أي الربط والجمع الربط بين الكلمات وبين الأفكار. و باللاتينية Ratio تعني نسق من الأفكار المتماسكة غير المتناقضة، المرتبطة حسب استدلال منتظم.

فبصورة عامة يعتبر العقل الملكة الخاصة بالإنسان التي بها يستدل ويربط بين المفاهيم وبين القضايا بالاعتماد على مبادئ منطقية. و لعلّه من المفيد ونحن بصدد تحديد معنى العقل أن نعرض كتاب "العقل" LA RAISON لجيل غاستون جارانجي وقد عربه عن الفرنسية الأستاذ محمود بن جماعة و قام بنشره كل من دار محمد علي للنشر بتونس ودار عيني بني المغرب ( نشر مشترك )

لمحة عن الكاتب:

ولد الفيلسوف والإبستيمولوجي الفرنسي جيل غاستون غرانجي GILLES –GASTON GRANGER سنة 1920 بباريس تخرج من مدرسة المعلمين العليا سنة 1943

وأحرز في نفس السنة على التبريز في الفلسفة. تحصل على الإجازة في الرياضيات سنة 1946، وفي سنة 1955 قدّم أطروحتين في الدكتوراه منها "المنهجية الاقتصادية" ودرّس في جامعة ساوبولو Sâopolo بالبرازيل ثم في ران (Rennes ) بفرنسا وفي ما بين 1962-1964 تحمّل مسؤولية إدارة دار المعلمين بإفريقيا الوسطى في برازفيل. وفيما بعد شغل كرسي أستاذ في كلية الآداب بآكس AIX من سنة 1964 إلى سنة 1986 حيث كان يدير في نفس الوقت حلقة دراسية حول الإبستيمولوجيا المقارنة في إطار المركز الوطني للبحوث العلمية، وتبوّء كرسي الإبستيمولوجيا المقارنة في كلاّج فرنسا من سنة 1986 حتى سنة 1990. وأصبح فيها أستاذا شرفيا.

أهم مؤلفاته :

 الفكر الصوري و علوم الإنسان، باريس 1960
 نظرية العلم الأرسطية، باريس 1976
 اللّغات والإبستيمولوجيا، باريس 1979
 في سبيل المعرفة الفلسفية، باريس 1988
 العلم و العلوم، باريس 1993
 المحتمل، الممكن والافتراضي، 1995
 اللاّعقلي، 1998
 الإدراك الفكري للمكان 1999
 العلوم والواقع، 2001
 الفلسفة، اللغة والعلم، 2003

لمحة عن الكتاب

"العقل" كتاب فلسفي هو في الأصل بالفرنسية نشر ضمن سلسلة ماذا أعرف؟ (Que sais-je?) تحت رقم 680 أول طبعة سنة 1955 والترجمة التي بين أيدينا هي الطبعة التاسعة لسنة 1989 المحينة.

و هذا الكتاب يحتوي على أربع فصول مع مقدمة وخاتمة وهذه الفصول على التوالي:

 الفصل الأول: ثلاث مواقف سلبية
 الفصل الثاني: العقل في العلوم
 الفصل الثالث: العقل في التاريخ
 الفصل الرابع: الإنسان العاقل

1- ثلاث أنماط من التفكير

ينطلق الباحث جيل غاستون قارانجي في مبحثه الأول الموسوم بـ"ثلاث موافق سلبية" من خلال عقليات Mentalités يستمدّ منها الناس بطريقة ما أصناف ردّ للفعل ضد العقل ." كمثل التصوف الديني " الذي يمارس تأثيره كنموذج للمواقف من العقل والتصوف كما حاول علماء النفس ورجال اللاهوت تحليل حالات منهم "ويليام جايمس" حيث يذكر: (التصوّف) هي حالات معرفية تعي فيها الذات أنها تتلقى الكشف عن حقيقة تفلت من التجربة العادية " وقد وصفت هذه الحالات أحسن وصف المتصوفة الإسبانية سانت تاراز دافيلا SAINT THERESE D’AVILA بقولها: "أؤكد أنه لا ينبغي أن لا نحاول الإمساك عن إعمال العقل، ولا تعطيل نشاطه، لأننا سنظل عندئذ بمثابة الأغبياء، دون أن نستطيع بلوغ ما ندعي تحصيله بهذه الوسيلة. ولكن حين يكون الله هو الذي يعلق نشاط العقل ويعطل وظائفه فإنه يمده بمواضيع ينشغل بها، فتفتنه وتجعله يفهم دون كلام ولا استدلال، وفي لحظة إيمان، أشياء أكثر مما تستطيع تعلمه هي شأنها بواسطة الدراسة خلال سنوات عديدة".

أما السحر والأساطير، هو نوع آخر مغاير للموقف العقلي ففي نظر تايلور TAYLOR وفرايزر FRAZER وبرادين BRADINES ثمّ تطابق جوهري بين الموقف السحري الأسطوري والموقف العقلي قد يكون حصل بينهما تطور بطئ أو تحول فجئي. يبدو عن هذا أن النظام السحري الأسطوري والنظام العقلي يتعايشان في ذهن الإنسان منذ العصور الأولى. في ما يخص الموقف الرومانسي يحدّده قرانجي بأنه " سيادة القيم الحيوية (Vitales) على القيم العقلية. ونعني بالقيم الحيوية تلك التي تغرز جذورها مباشرة في الحياة البيولوجية، على النقيض من القيم التي تخصّ صورة عن وجودنا تنعكس في الذهن وبهذا المعنى يكون تمجيد القوة (Puissance) رومانسيا وهي أصلا القوة الجسمية وهيمنة القويّ على الضعيف وفيها الطاقة الحيوية وهي على سبيل التوسع للنفوذ الاجتماعي ".

2 العقل في العلوم

في تطور العلم أصبح (العلم) الشكل الحديث والفعال للتفكير العقلي. وقد اهتم الكاتب جيل قاستون قرانجي في هذا الفصل بموضع العقل في العلم. متبعا في ذلك خطة تنهض على جملة من النقاط محور الاهتمام: المستوى التركيبي للعقل الصوري / المستوى اللساني / المستوى الأكسيومي / التصور الثبوتي للعقل العلمي / تحولات العقل / حركية العقل الرياضي / العقل الخلاق في العلوم الفيزيائية / ما هو إذن في هذا المجال التفسير العقلي؟ / المعقولية
ونقل المناهج العلمية / وأخيرا العقل التجريبي في العلوم الإنسانية.

ومن بين ما يذكر الكاتب في هذا الفصل:

"وهكذا يتقدم العلم من خلال التجاوزات المتعاقبة لأشكال العقل البالية فحركة التفكير العلمي في مجملها هي إيقاع منتظم لأشكال النفي والمزايدات يستخلص منه السيد "باشلار" فلسفة في اللاّ و"لم لا" وفي ما مقابل ميكانيكا وفيزياء لا نيوتونيين تقوّضان مرح نيوتن المغلق والمكتمل في حد ذاته، تقوم هندسة لا إقليدية وإبستيمولوجيا لا ديكارتية، فميزة العقل أنه ينزع بأدق الوسائل
وأقواها إلى "تعقيد التجربة" بحيث لم يعد العالم يبدو "تمثلا" بل يبدو
" تحققا " و لم يعد الأمر إذا يتعلق كما عند "برنشفيك" بجدلية داخل الفكر بالأساس، بل بسلسلة من المواقف المتخذة إزاء عالم من الأشياء تجعله عمليات العالم نفسها ذا وجود موضوعي أكثر فأكثر غنى .فتوقفت الفيزياء الحديثة كما يقول "غاستون باشلار" عن أن يكون علما بالوقائع لتصبح علما بالمسببات.
و هنا تصبح المثالية إذن ضربا من المثالية الإجرائية، مذهبا في التعاون مع الأشياء لا يمكن التخلص من حضوره فالعلم عمل و ليس نظرا خالصا، والعقل العلمي هو ذكاء مثابر.

3 العقل في التاريخ

أما الفصل الثالث حاول فيه الكاتب أن يتناول إشكالية كبرى وهي: هل يكون التاريخ عقليا؟ أمام الواقعة التاريخية التي تفلت من العقل ومن العلم. وقد تناول في هذا المبحث كل من مفهوم الحدث اللاّعقلي / العلم والزمان / التاريخ بما هو تحقق تدريجي للروح / التاريخ بما هو تجل لحرية الإنسان / التاريخ بما هو نتاج إنساني

4 الإنسان العاقل

تناول قرانجي في هذا الفصل الأخير الدين و الفن و الهوى كعوائق أمام العقل، فالدين تعبير ثقافي قائم على الإيمان و التسليم بتعاليم هذا الدين. والفن هو خيال وتخييل بالأساس، ولكن قرانجي يذكر هنا أن "الفن و العقل يكونان عبر التاريخ طباقا يجعلهما تارة في توافق، وتارة أخرى في تنافر، وذلك بحسب نسيج البنى الجماعية العميقة التي يتمرس عليها نشاطهما". أما الهوى فيبدو هو والعقل على طرفي نقيض حيث يقول قرانجي: "الهوى في شكله الأخصّ عقل ضال ّ".

لا يمكن لهذا العرض الموجز أن يحيط بثراء ما جاء في الكتاب من أفكار وعلى كل حال لم تكن غايتنا الإحاطة بكل ما جاء في الكتاب وإنما التلميح إليه.

في آخر المطاف يجب أن ننوه على المجهود الذي قام به المترجم الأستاذ محمود بن جماعة في تعريبه لهذا الكتاب مدققا ومحققا في الألفاظ والمصطلحات التي تؤدي المعنى الحقيقي والصحيح .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى