الثلاثاء ٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٢
بقلم مصطفى أدمين

الفتوى الخمرية

ما من نص صريح يحرم تناول الخمر. التحريم جاء من تأويل بعض الفقهاء لبعض النصوص. وعندي؛ الخمر حلال وحرام: حلال بما فيها من منافع وهذا مذكور في الكتاب، وحرام بما فيها من «رجس» أي (وسخ) وهذا مذكور في الكتاب أيضا. وأما منافعُها ففي قدرتها الهائلة على دعم الاقتصاد وتحريك دواليبه؛ ذلك لأنّ اقتناء لتر واحدٍ من شراب «بودْراعْ» ليلة سبت، يستوجب ركوب سيارة أجرة في الذهاب والإيّاب بحكم بعد محلات بيع الخمور عن الأحياء الشعبية. ثم إنّ الشاب الأعزب الوحيد والمسالم الوديع، لا يشرب نصفه حتى تتجلى له صورة فتاة جميلة على جدار غرفته الآيلة للسقوط؛ فتراه يخرج لاقتناء فتاة؛ ومن تمَّ المزيد من الشراب وعلب الدخان وأفخاذ الدجاج المحمّر والبطاطا المقلية والجبن الأصفر المغلّف بالشمع الأحمر والمخللات والمكسرات...

وفيما هو وخليلتُه يشربان ويدخـِّنان ويأكلان ويستمعان إلى أغاني تلك الشيخة أو ذلك الشيخ ويرقصان على إيقاعات علم «العيطة»، يطرق بابَهما صديق... فمزيدا ممّا سبق ذكره.

وفي لحظة ذهاب الشاب إلى «التواليط» يتحرش الصديق بصديقته، وبسبب السكر؛ يضبطه ملبّسا بها؛ فعراكٌ وقنينة على الرأس ودم، وبوليس ومستشفيات ومحاكم ورشاوى وصلح وجلسة خمرية أخرى فيها جميع الأصدقاء والصديقات...

قد يحرك لترٌ واحد من الخمر الرديئة التي لا يتعدّى ثمنُها ثلاث أوروهات ثلاثة ألف من الدولارات؛ واضرب هذا الرقم في عشرة مليون «الشارِبانْ »، وإذا احتسبت عدد المؤمنين بالخمر (أولئك الذين لا يفوتهم وقتٌ من أوقاتها) ستجد أنّ تُذرّه الخمور من الأموال يُقدّر بملايير الدولارات التي منها أجور الموظفين ومنهم المؤذنون وخطباء الجُمُعات ومدرسو مادة التربية الدينية وفقهاء المجالس العلمية ووزير الأوقاف والشؤون الدينية...

وصدق من قال:«الخمور عماد الاقتصاد ولولاها لتخرّبتِ البلاد وضاع رزق العباد».

ويبقى السؤال الفقهي الأساس: على من هي حلال وعلى من هي حرام؟».

يقول شيخـُنا الإمام الرازي رضي الله عنه:«على كل طالب أن يستعين على طلب العلم ليلا بمقدار شبر من الخمر المعتـّقة؛ فهي تـُقـْهيه وتنشطه وتنسيه ألم الجلوس وعناء الاجتهاد» وعندما تأمّلتُ هذه الفتوى الخمرية من عالم حكيم، وقـِستـُها باللتـْر والتجريب، وجدتها تعادل محتوى قنينة خمر من فئة 4/3 (طـَرْوا/كارْ) وتعينُ صاحبَها على 34 صفحة من كتاب صعب مثل كتاب (الفتوحات المكّية) لشيخ شيوخ المتصوفة، الفقيه العالم المتبحر الذي لا شـُطآن له؛ سيدنا محيي الدين بن عربي المغربي. وهذا ما أثبته علماء التغذية حاليا: أقل من لتر خمر وأكثر من نصفه لرجل يزن 70 كيلوغراما، وضِعْف هذا الرقم بالنسبة لامرأة مثقفة في أدب وجمال ورقّة روائية من طراز (أ.م) الجزائرية، وضعف هذا الرقم لصحافية «مـُترَّمـَة» من نوع (ن.ح) المغربية... وكلٌّ بقياس، ولا تفريط َ ولا إفراط...

إخواني القرّاء، أخواتي القارئات العزيزات على القلب؛ ألا ترون فيما قاله شيخنا سبقاً علميا ونوعاً من الإعجاز؟ هذا لأنّنا ـ نحن الفقهاء ـ لا نفتي إلا بعد مشقـّة وعلم وعناء.

الخمر حلال على خمسة أنواع من الناس: المصابون بداء القلق الوجودي وبالأسئلة الفلسفية حول معنى الوجود والعدم؟ وهل في الكون عدل؟ وهل هنالك من يتدخـّل في مساندة المظلومات والمظلومين؟ ولماذا يوجدُ العديد من صفات الخالق في بعض الحكّام؟ ولماذا هذا الشبه اللعين بيننا والحيوان؟

وهو حلالٌ على الأطفال المشرّدين الكبار المُهملين، إذ به يستعينون على إتلاف «الوقت» الذي أتلفهم، ويتّقون به صقيع الليالي الديسمبرية وصهد الليالي الأغوسطوسية والتحقير والإقصاء والضرب...

والخمر حلالٌ على صار مدمناً عليها بالوراثة إلى أن يعفو الله عنه؛ ذلك الشخص رضع الخمر من ثدْي الدولة نفسِها وأبوه أخ له في الرضاعة الخمرية وجدّه.

الصحابة شربوا الخمرة حتى ملّوها وبانتْ لهم الفائدة من عدم تعاطيها. ولعلّ بعضهم تعاطاها في السرّ لسبب لا يعلمه إلا الخالق. ولعلّ بعض الصحابيات شربنها إلى حين. ولا نهتمُّ في هذا المقام لهذه المسألة؛ إذِ العبرة بما فعلوا وفعلْن.

وهي حلال على الأغنياء من ذوي الأموال والوجوه والسلطات والشهرة والسلاح، وهذا الأمر، ما فيه نقاش إلى أن ننتزع منهم الحريّة في التعبير.

ثمّ إنّها حلال على الأدباء والفنّانين العقلاء؛ فلولاها ـ على ما أعتقد ـ لما استمتعنا بشعراء ما قبل الإسلام، ولا برباعيات الخيّام، ولا بشعراء فلسطين الذين استخدموها وقودا لأشعارهم لإيقاظنا، ولا بأدب الروائيين من قبيل شكري وزفزاف وأدَمين، ولما انطربنا لأغاني إسمهان المصرية ووردة الجزائرية ولطيفة رأفت المغربية وعبد الهادي بلخياط وناس الغيوان...

أيّها الناس الخمر حرامٌ على الفقراء والضعفاء والمرضى بالتطرف والنساء الحوامل والجهلة من الناس.

هذه فتوايْ، فإنْ أصبتُ فادعواْ لي بلتر، وإن أخطأتُ فلِتـْرٌ واحدٌ يكفيني إلى أن أصيب، وكفى المؤمنين شرّ السؤال.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى