الثلاثاء ١٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢٤
بقلم سهيل عيساوي

القيم في كتاب «صياد.. سمكة وصنارة» للمحامي فؤاد نقارة

كتاب"صياد.. سمكة وصنارة"تأليف المحامي فؤاد نقارة، تحرير النص الأديبة صباح بشير، الكتاب إصدار نادي حيفا الثقافي، بالتعاون مع دار الشامل، يقع الكتاب في 200 صفحة من الحجم الكبير، ملون، طباعة قشيبة، يقسم الكتاب إلى ثلاثة فصول، الفصل الأول يتناول التجارب ومغامرات في الصيد، والفصل الثاني يتناول بشكل مسهب عالم الأسماك، معلومات قيمة وتجارب في صيد الأسماك، والباب الثالث يتناول هواية الكاتب في جمع الطوابع، التي تحمل صور الأسماك المختلفة من شتى أرجاء المعمورة.

الإبحار في كتاب الاستاذ فؤاد نقارة تتناول وتقتصر على القيم التي يحاول نثرها عبر صفحات الكتاب، والقيم هي وقود الحياة ولولا القيم لصار العالم حفنة من الرمام، وعالم بلا قيم موحش يستحيل العيش به، تغادره الإنسانية إلى غير رجعة.

ص 5 يهدي الكاتب كتابه إلى والده"أهدي هذا الكتاب إلى والدي الحبيب معلمي الأول، وصاحب الفضل علي". وهذا موقف نبيل أن يقدر الابن عطاء الوالد ويهديه كتابه، وفي ص 7 يقدم الشكر إلى الأستاذة الفاضلة صباح بشير التي أسهمت بجهودها المخلصة في الإشراف على هذا الكتاب وإخراجه إلى النور"وهذا موقف نبيل، لأن الكثير من الكتاب يتنكرون لجهود الجندي المجهول الذي يرافقهم ويساندهم خلال مراحل إصدار الكتاب، كذلك يشكر صديقه العزيز منذر قرمان، الذي ساهم في دعم اصدار الكتاب ماديا.

تعالوا بنا نغوص مع المؤلف عبر مغامراته ونبحث عن القيم في القصص التي اختار أن يشركنا بها.

جاء في مقدمة الكتاب ص 10"لم تكن رحلات الصيد مجرد رحلات ترفيهية، بل كانت دروسا في الحياة يعلمني إياها أبي، بكلمات بسيطة وسلوك قيم، من خلالها تعلمت احترام الطبيعة وحبها، فكل كائن حي فيه له قيمته وفائدة، كما عزز في روح التعاون والمشاركة، فالبحر يجمع مختلف المخلوقات في بيئة واحدة تتعايش فيها بانسجام تام، فقد غرس بي قيم الصبر والمثابرة فالبحر لا يكشف أسراره بسهولة،بل يتطلب منا الصبر والمثابرة لفهم عظمته وجماله". من هنا يكشف لنا فؤاد نقارة اثر والده على تربيته وأثر البحر على اكتسابه القيم الهامة منها الصبر والمثابرة، وحب الطبيعة والتعلق بها، كذلك البحر يجمع ملايين الكائنات المختلفة التي تعيش بانسجام تام، تدعو الطبيعة المذهلة والرائعة إلى احترام الآخر المختلف. في رحلة صيد عكاوية، وصراع على سمكة ودرس في الأخوة.

يسوق لنا المؤلف قصة حقيقية بين الأصدقاء كيف اختلفوا على صيد سمكة فاتح تمو". بينما اشتعلت مشادة كلامية بين الصديقين على أحقية كل واحد فيهم للسمكة التي وقعت في الصنارتين في ان واحد، لم يرق الخلاف للمؤلف، أراد الخروج من الموقف المحرج للجميع،

تقدم من الصديقين وطرح عليهم أن يحكم بينهما، بعد قبولهما تحكيمه ألقى بالسمكة ثانية في عرض البحر، دهش الجميع من خطوة الكاتب، لكنه سرعان ما أعطى كل منهما سمكة سمينة، حتى شكراه وشعرا بالخجل، وعاد الهدوء والفرح إلى المركب، القصة تعلمنا، التروي في اتخاذ القرار، والكثير من الصراعات تبدء بأمور تافهة، قد تعرض الصداقة الحميمة إلى أتون من جحيم يصعب وقف اللهيب والكراهية، بينما تدخل صديق وفي وعاقل يمنع الكثير من المشاكل، كذلك رحلة الصيد هي متعة رحيقها الرفق الصداقة إذا فسدت الصداقة ودبت الغيرة واشتعلت الكراهية، فقدت رحلة الصيد بريقها. أما في قصة"صياد يحرج نفسه بالمبالغة في صيد السمك"ص16 ، تحكي القصة عن صياد يبالغ في حديثه للآخرين عن نجاحة في الصيد، بينما في الحقيقة يصيد سمكات يتيمة، يصيد حفنة من السمك، ذات يوم جاء اليه أحد الأقارب وأراد ان يعزمه على وجبة سمك، لكنه اكتشف أن ثلاجته خالية من السمك، اضطرّ إلى الذهاب إلى السوق لشراء السمك وعندها اكتشف أن السمكات وزنها قليل ولم يصدق الميزان ولا البائع أراد ان يقول : يجب أن يكون وزنها أكثر، تعلم الصياد أن الصدق أفضل من المبالغة. تكشف هذه القصة المبالغة لدى العديد من الصيادين بهدف كسب الشهرة أو البطولة في عيون زائغة.

وفي قصة مغامرة خطرة ودرس في احترام الطبيعة. ص 20، تقص علينا تجربة محفوفة بالمخاطر، مع أن البحر كان هائجا وبعد نقاش واصرار من أحد الصيادين قرروا الخروج إلى الصيد رغم المخاطر الكبيرة، تعرضوا للمخاطر والأمواج المتلاطمة، الصديق الذي ألح عليهم بالإبحار بدأ بالبكاء والعويل وربط نفسه بالحاويات الفارغة خوفا من الغرق، في صباح اليوم التالي عادوا سالمين إلى الميناء اما الصديق أقسم أنها آخر رحلة له في البحر، هذه القصة تعلمنا عدم التهور واحترام قوانين الطبيعة،وقبول رأي الأغلبية،وعدم رمي النفس للتهلكة من أجل اعلاء الانا.

وفي قصة درس في الغرور، ص 23 ، جاء إلى رحلة الصيد شاب مغرور،عندما سأله الكاتب عن معطف وقبعة، رد بثقة زائدة بانه"لا يشعر بالبرد أبدا"، حذره الكاتب من دورات البحر، لكنه أصر على مقاومة البرد، لكن ما هي إلا لحظات بعد انطلاق مركب الصيد، تغير لون وجه الشاب وبدأ يرتجف، من شدة البرد، تقيأ مرارا وتكرارا حتى أصيب بوهن شديد، في تلك اللحظة أدرك الشاب غروره وراح يتوسل"أبوس أيديك أخرجني من هذا البحر"ص 23. عاد المركب فورا الى الشاطئ، وفي الأسبوع التالي عاد الشاب، بملابس مختلفة، واعتذر عن غروره في المرة السابقة، ويسأل المؤلف هل ملابسي مناسبة ؟. هذه القصة تعلمنا عن المغرور سرعان ما يندم، وأهل مكة أدرى بشعابها، لو سأل أهل الخبرة لاختصر على نفسه المرض والمشقة والندم، ايضا أن الصيادين عادوا أدراجهم، وتنازلوا عن الصيد في سبيل مساعدة مريض، هنا إشارة إلى نبذ الأنانية والتعاون، وحياة الإنسان أثمن من صيد الأسماك.

وفي قصة مغامرة محفوفة بالمخاطر، ودرس في الإهمال، تتحدث القصة عن تنبيه الكاتب للريس حول استهلاك الطاقة، وطلب منه إطفاء ضوئين من خمسة لتوفير الطاقة، لكن قائد المركبة سخر من الكاتب، بحجة أنه يعرف شغله، لكن في عرض البحر البطارية شارفت على النفاد، لكنه لم يشغل المحرك بين فترة وفترة، وكان البحر هائجا والرياح غربية، اتضح انه لا يوجد مرساة على المركب ولا توجد بطارية إضافية، هذا يعني أنهم في خطر محدق، لقد انتهك الرجل شروط السلامة البحرية. لكن الكاتب اتصل بقبطان أحد المراكب فأحضر بطارية جديدة وأنقذ الموقف، وأكملوا رحلة الصيد. هذه القصة تشير إلى يقظة الكاتب والمبادرة، ومن ناحية أخرى إلى الجهل واهمال قائد المركب الذي كاد أن يغرقهم ويتركهم لأنياب الموت والأسماك. كذلك قيام قبطان آخر بالقدوم وتقديم يد العون، أيضا صفع القبطان الرجل المهمل بقوة على وجهه عقابا له على الإهمال وسوء التصرف. نحن لا نحبذ العنف. للتعبير عن الغضب.

وفي قصة من صندوق الذكريات، كيف نجح الفريق في صيد سمكة ضخمة وصل وزنها إلى اثنين وخمسين كيلو غراما، استغرق سحبها أكثر من ساعة ونصف، وابتكار طرق للحفاظ عليها، تدلنا هذه القصة على التعاون والصبر والإصرار.
أما في قصة صيد الأوهام وخيط الإيمان لا تخلو هذه القصة من روح الدعابة، تحدثنا عن صياد فشل في الصيد، يعاتب ربه، وغضب من الكاتب لأنه أعاد سمكة صغيرة إلى البحر، قائلا له لماذا أعدتها فإنها رزق من السماء. ص 28. حاول الكاتب أن يمازحه ويفهمه"لكل كنيسة اختصاص واحدة للبحر وأخرى للبر"، لكن الصياد العجوز اعتقد ان الكاتب جاد في قوله ووعده أن يذهب إلى الكنيسة الأرثوذكسية ليصلي إلى الله ويدعوه ليحظى بصيد وفير.

القصة تشير إلى ان البعض يريد الصيد فقط من خلال التضرع لله، بدون جهد وفكر وتخطيط ومغامرة وتجربة عميقة وفهم البحر، ايضا الكاتب أعاد إلى البحر سمكة صغيرة كي تكبر، ورحمة بالصغار.

خلاصة ؛ كتاب صياد وسمكة وصنارة، للكاتب فؤاد نقارة، يشير إلى تجربة عميقة ومتبادلة مع البحر الذي عشقه، ويحاول إيصال قيم إيجابية تعلمها من تجاربه العميقة مع رحلات ومغامرات الصيد، وأن يكون الإنسان ايجابياً، ومحبا للآخرين وعلى استعداد لمد يد العون للزملاء ومنع الخصام ولو على حساب راحته، وأن السلامة هي أثمن من الصيد.

أخيرا نبارك للصديق الأستاذ فؤاد نقارة صدوره كتابه الرائد والزاخر بالقيم والمغامرات والمعلومات الثمينة حول أنواع الأسماك وتجاربه الخاصة معها في عرض البحر.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى