المادة " 76 " في حياة مصر الثقافية
قدم الرئيس حسني مبارك مبادرة لتعديل المادة 76 من الدستور الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية بحيث يتم انتخاب الرئيس المصري من بين أكثر من مرشح . وهي خطوة تشبه سقوط حجر صغير من أعلى الجبل . السؤال هو : ماذا بعد ؟ خاصة أن الحديث عن حركة سياسية حقيقية وأحزاب معارضة تؤخذ على محمل الجد أمر صعب . والمواطن الذي لم يكن بوسعه انتخاب الرئيس من بين أكثر من مرشح ، كان محروما أيضا من انتخاب قادة أحزاب المعارضة من بين أكثر من مرشح ، وبذلك أثبتت تلك الأحزاب على مدى ربع القرن أنها صورة أخرى مصغرة لذات المبادئ التي قام عليها الحكم ، ولهذا لم تستطع أبدا أن تصبح أحزابا جماهيرية رغم لحظات التألق القصيرة .
والفكرة الرئيسية من تعديل الدستور ، مع إحاطة التعديل بكل القيود المتوفرة ، هي الإقرار بحق الانتخاب والاختيار . والسؤال هو : ماذا عن وضع " المادة 76"
في المجال الثقافي ؟ أقصد ماذا عن سريان المبدأ السابق في الحياة الثقافية ؟ ألسنا نرى مسئولين عن قطاعات ثقافية رئيسية باقين في مواقعهم لعصور كاملة كما هي الحال في هيئة الكتاب ، وقصور الثقافة ، ومؤسسات المسرح ، والمهرجانات ، والمجلس الأعلى للثقافة ، والمركز القومي للسينما ؟ وما شابه ؟ هل سيصبح من حقنا أن ننتخب من بين أكثر من مرشح المسئولين عن تلك المواقع؟ وهل هناك وسيلة ليسري التعديل الذي سيتم في الأعالي في نسيج الحياة الثقافية بحيث يتخلل كل نواحي تلك الحياة وأوجه النشاط فيها ؟ أم أن تعديل المادة 76 في الدستور سيظل قاصرا فقط على انتخاب الرئيس المصري دون أن يكون لذلك أدنى علاقة بتغيير ذات المبدأ الذي يحكم باقي أوجه الحياة ؟ وهل سيصبح بوسعنا ونحن مقبلين على انتخابات التجديد النصفي لاتحاد الكتاب أن نقول إننا سنمارس في هذا المجال تعديلا بحيث لا تظل قيادة الاتحاد حكرا على ذات الو! جوه داخل تركيبة مختلفة لورق اللعب ؟ نحن أيضا نريد تعديلا على المادة " 76 " التي تحكم الشئون الثقافية . نريد لهذا التعديل أن يمكننا من طرح مبدأ الانتخاب والديمقراطية داخل الأجهزة الثقافية ، نريد ذلك بعد أن رأينا المخطوطات تسرق من دار الكتب في ظل وجود مثقفين يديرون شئونها ، ونريد ذلك بعد أن رأينا الآثار تسرق وتهرب إلي الخارج ، وليس لنا كلمة في تغيير مدير دار الكتب ولا المسئولين عن الآثار . ونريد أيضا أن تكف عملية مصادرة الكتب داخل معرض الكتاب وخارجه ، أو التلويح بالمصادرة والرقابة . لماذا لا تكون لنا كلمة في كل ذلك تسمح لنا بانتخاب المسئولين هناك من بين أكثر من مرشح ؟ ولماذا لا تكون لنا كلمة في تحديد القائمين على إدارة شئون مؤتمرات أدباء الأقاليم بحيث تصبح تلك المؤتمرات منتديات للنقاش الحر من غير تلك الوجوه الرصينة التي ترتسم الحكمة على ملامحها بينما تتحرك عقولها مثل شوارب القطط في مليون اتجاه ، وتسعى نظراتها ما بين مليون موضع ؟ ولماذا لا يكون لنا الحق في الانتخاب من بين أكثر من مرشح لمنصب مثل ال! مسئول عن التلفزيون ؟ والإذاعة ؟
إننا نريد لمبدأ الانتخاب أن يعم ويخفق في مناخ كل المؤسسات الثقافية بحيث يصبح التعديل على المادة " 76 " تعديلا شاملا ملموسا نحس بأثره في الهواء المحيط بنا .
أما الناس فإنهم يريدون لمبدأ الانتخاب أن يسري في مجالات حياتهم العملية ، وليس فقط في الدستور ، بحيث يستطيع المواطن أن ينتخب لأبنائه دون خوف من المصاريف مدرسة مناسبة من بين أكثر من مدرسة ، وبحيث يستطيع أن ينتخب لساعة الفطور رغيفا مناسبا من بين أكثر من رغيف نظيف ، ومواصلة مريحة لا يخرج منها محطما من بين أكثر من وسيلة مواصلات . يريد الناس أن يشتمل التعديل على المادة "76 " على حقهم في انتخاب سكن للشبان من بين أكثر من عمارة ومبنى رخيص ، وعلى حقهم في انتخاب مكان للعلاج دون فزع من التكاليف
من بين أكثر من مكان وعيادة . وباختصار فإننا نتمنى أن يتسع التعديل ليغطي أوجه حياتنا الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ، بحيث لا يظل التعديل أعجوبة معلقة في الأعالي لا يستطيع نورها أن يخترق السحب الكثيفة ليصل إلي الأرض .