المخفي والمعلن في الخطاب الأمريكي

صدر أخيرا عن منشورات الزمن المغربية كتاب للباحث المغربي الدكتور إدريس مقبول تحت عنوان:المخفي والمعلن في الخطاب الأمريكي، من الحجم الصغير، عدد صفحاته151 صفحة. ويتكون الكتاب من عدد من المقالات التي كتبها الباحث على فترات متفرقة يجمعها نقد النص الغربي عموما والأمريكي خصوصا بالمعنى الموسع للنص الثقافي الذي هو جماع المواقف والأحكام والمفاهيم والسلوكيات والعلاقات التي ينسجها جسم ثقافي في الحاضر، من غير أن تعني الانقطاع عن الماضي باعتباره التربة التي هيأت لتجذر الفعل الثقافي ونموه، ومن غير أن تعني الانحجاب عن المستقبل باعتباره الفضاء الذي ترتفع فيه أغصان الحاضر.

ويتكون الكتاب من الفصول الخمسة التالية:

الفصل الأول: في تفكيك النص الثقافي الأمريكي.
الفصل الثاني: الحرب اللغوية.

الفصل الثالث:في سيميولوجية الصورة والصوت، قراءة في سيكولوجية الغطرسة الأمريكية.

الفصل الرابع: الديمقراطية والوهم، هل هي بداية النهاية؟

الفصل الخامس: الغرب وثقافة التواقح.

وقد قدم للكتاب الدكتور حسان الباهي أستاذ المنطق وفلسفة اللغة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة محمد بن عبد الله بفاس.

تقديم الدكتور حسان الباهي للكتاب:

ما يشد انتباهنا في عالم اليوم، هو تصادم المفاهيم وتباين الخطابات بين ساع إلى نمذجة العالم وتنميط الفكر الإنساني، ورافض لهذا التوجه، مسلم بالاختلاف ومؤمن بالتعددية في كل أبعادها.

من هذا المنطلق عمد صديقنا الباحث في اللسانيات والأنساق اللغوية الدكتور إدريس مقبول من خلال مقالاته الخمسة التي كتبها على مراحل متفرقة وفي سياقات مختلفة إلى بيان مختلف وجوه التناقضات التي يخفيها ذلك النوع من الخطاب المبني على اليقين الجازم. كما بسط القول في مختلف السبل التي ينهجها أصحاب التصور الأحادي في سعيهم إلى إرساء دعائم تبعية معممة تحت نفوذهم؛ بما أفضى بهم إلى بناء عالم قائم على ثنائيات تصادمية.
ليحافظ التوجه الذي يدعي أنه الممتلك الوحيد للحقيقة على هذا الوضع، لا يكف عن تقديم حقيقته على أنها حقيقة كلية ومطلقة. وكل من خالفه الرأي فهو عدو ومارق.

بما أننا في عالم أصبح فيه الصراع الثقافي يحتل مركز الصدارة، فقد أضحت المعرفة قوة قادرة على فرض إرادتها. من ثم، اقتنع مدبرو مصانع الأفكار في أمريكا بدعوى مفادها أن التحكم في الآخر يجب أن يبدأ بزعزعة نظمه الفكرية. وهو ماجعلهم يرسمون الدور الذي يجب أن تقوم به مختلف وسائل الإعلام والاتصال، والمتمثل في استخدام كل وسائل التضليل والتغليط لإفساد الأنساق التصورية للمنظومات الفكرية التي تخالفهم التوجه. عليها أن تبدأ عملها بخلخلة البنية المفاهيمية لهذه الأنساق، إما بإدخال مفاهيم جديدة أو تحريف مدلولات مفاهيم موجودة أو تضييق أو توسيع مدلولات مفاهيم معينة، وغير ذلك من السبل الكفيلة بجعل أمريكا تحقق مراميها الكامنة في التحكم في الآخر من خلال تعطيل فكره وتبديل طبائعه.
بما أن عولمة نظم الإعلام والاتصال أفضت إلى جعلها وسيلة بيد القوى الاقتصادية، فلم يعد يخفى على أحد ما تمارسه من ضغط وتضليل وهي تتكلم عن السوق الثقافية، وما تقوم به من تشويه لصورة الآخر و الحط من قدراته وكفاءاته؛ اقتناعا منها بأن الطريق يبدأ بتغيير أنماط تفكيره لينتهي بتغيير سلوكاته. وبالجملة، فإن ممارساتها غير الأخلاقية تتجلى أساسا في استخدامها لكل وسائل الترغيب والترهيب لجعل المستهدف يستسلم وينبطح. كل هذا بهدف بناء نموذج اجتماعي وثقافي واحد ومنظومة قيم عالمية قادرة على خلق "مواطن عالمي".

إن بناء علاقات على أساس الاحترام المتبادل يتطلب أن يكف كل طرف عن النظر إلى الآخر على أنه عدو لا يصلح معه إلا العنف ولا يستحق إلا الموت. وبالجملة، إن بناء عالم يسوده التعايش السلمي يتطلب التخلي عن النظرة التصادمية، مع وجوب أن يتعامل كل طرف مع الآخر كما هو وليس كما يريده أن يكون.

إن بناء عالم قوامه السلام والتسامح يقتضي أن تكف أمريكا عن الختل والجهالة، وأن تتخلى عن المواقف الانفرادية؛ لتنخرط في بناء عالم متوازن تذعن فيه للمواثيق والأعراف الدولية وتتعاون مع منظماته، دون السعي إلى توجيه قراراتها والتحكم فيها. عليها أن تعرض عن سياستها الهادفة إلى قهر الطبيعة، وعن عقليتها الهادفة إلى استبضاع الإنسان، بتحويله إلى نظام معلوماتي وقاعدة من البيانات قابل للتعديل، حاله في ذلك حال أي نظام معلوماتي.

إن تعددية المرجعيات وتعددية الحقائق تعكس حق الآخر في الاختلاف، وفي أن ينظر إلى الواقع بطريقة تخصه، في إطار حقوق وواجبات مشروعة. وهو ما يقتضي استبعاد المفاهيم الأحادية والتصورات الكلية والمطلقة، واتخاذ الحوار سنة لفك النزاعات وحسم الصراعات. فالحوار هو السبيل الكفيل بمنع كل أشكال التسلط والاستبداد والإكراه المادي والمعنوي.