المعرفة والقيود العقلية على نموها
تتجذر المعرفة البشرية في فهم الواقع الداخلي النفسي والواقع الخارجي الثقافي والاجتماعي والطبيعي. وثمة نقاط تماسّ وتداخل بين الواقعين وبالتالي فهما متفاعلان ويتأثر الواحد منهما بالآخر. وتعيق عوائق زيادة المعرفة البشرية بالواقعين الداخلي والخارجي. ومن هذه العوائق عوائق خارجية اجتماعية وطبيعية وعوائق داخلية نفسية. والعوائق الداخلية النفسية قد لا تقل أهمية عن العوائق الخارجية الاجتماعية والطبيعية. ودراسة الواقعين عبارة عن القيام ببيان حسي عن طريق عمليات دماغية وعقلية. ومن العوائق الداخلية والخارجية القيود الداخلية والخارجية التي تقيد الوصول الى بيانات. على سبيل المثال، المسافة الواقعة بين الأرض والكواكب الأخرى، مما يحول دون دراستها بالتفصيل، أو المدن المندثرة منذ وقت أطول من أن تستطيع أن تخلف أي أثر لوجودها السابق، أو التهيئة الاجتماعية والثقافية والقيمية التي تردع البشر عن طرح أسئلة يتخوفون من أن يسبب طرحها أو الإجابة عنها إشكالات نفسية وقدية.
ومن هذه العوائق الصفات المميزة للفرد. فبعض الناس يصيبهم الذعر إذا طلب منهم فهم تراكيب كيميائية. وبعض الناس يخافون – لأسباب منها تجارب الطفولة المؤلمة أو القامعة – من الإعراب عن أفكار قد تسخر من المؤسسات الاجتماعية القائمة أو قد تهزأ بالنظم الاجتماعية والثقافية الراسخة.
ومن هذه العوائق أيضا عائق مقترن باللغة. ليس من الممكن أن يعرب الناس عن مفهوم أو أن يصيغوا مفهوما لا يمكن لمفردات في اللغة أن تحدده. ليس من الممكن، على سبيل المثال، الإعراب في اللغة الانكليزية عن مفهوم "العِرض" في الثقافة العربية والإسلامية.
ومن العوائق أيضا وجود طرق أقدم في التفكير. من المستحيل، على سبيل المثال، فهم نظرية داروين في التطور إذا اعتقد المرء بأن عمر الأرض بضعة آلاف من السنين.
وتوجد مواطن ضعف تتجاوز خصائص الثقافات البشرية وتعكس بنى الدماغ البشري وعملياته. وبعبارة اخرى فإن مواطن الضعف هذه تكمن عميقا في تكوين ما نسميه "الطبيعة البشرية" نفسها.
ومن العوائق أيضا الميل البشري إلى تفسير كل الظواهر في المتسع الفضائي والزمني للكون بالأنماط المألوفة في المجال الوحيد الذي نعرفه من التجربة المباشرة لأجسامنا، أي تجربة أشياء تعيش عقودا قليلة ويبلغ طولها أقداما قليلة، وأيضا نزعة البشر إلى القيام باستنتاجات عامة من ملاحظات محدودة ومتحيزة، متجاهلين مصادر واضحة لبيانات لا تؤثر في حواسنا. ومما له صلة بهذا الموضوع الفكر المتجسد في القول المأثور إن الإنسان مقياس كل الأشياء. بشيوع هذا الفكر ينبغي ألا يستغرب البشر من وجود بصماتنا البشرية في كل تقييم تقريبا، وخصوصا في عباراتنا التجريدية.
وأحد أدواء مختلف الثقافات البشرية هو الاستكانة إلى قبول مقولات معرفية وثقافية وسياسية واقتصادية وتاريخية دون دراستها أو دون دراستها على نحو واف او مستمر. وعلى الرغم من أن كثيرا من هذه المقولات مبتذل وخاطىء فإن الناس يستمرون في قبولها وتداولها.
ومن الأسئلة البالغة الأهمية بالنسبة إلى العرب والمسلمين: هل من الممكن اكتشاف المنطق الداخلي للنسق الفكري والثقافي العربي الاسلامي؟ هل من الممكن للعرب والمسلمين التوصل إلى معايير تقع خارج القوالب الفكرية والنظرية الغربية المتحيزة التي تسعى إلى الغاء التاريخ العربي والاسلامي او التي تؤدي إلى سوء قراءته أو سوء تفسيره أو سوء فهمه والتي تنظر اليه – خطأ وتعسفا - من منظور مقولة تكرار التجارب الأوروبية في القرون الوسطى وفي القرون التي تلتها؟