الخميس ٢٧ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦
بقلم تيسير الناشف

النظام الأبوي والتعددية

أحد الأسباب الرئيسية للتخلف العربي هو النظام الذكوري الأبوي (الباطرياركي) والثقافة الابوية السائدان في البنية الاجتماعية العربية. يُعَرَّف هذا النظام بمفاهيم السيطرة والهيمنة والمراقبة والسيطرة والأمر. وهذه المفاهيم تنافي وتناقض مفاهيم النقاش والحوار والأخذ والعطاء والتعددية في الفكر والسلوك، وهي من سمات النظام الديمقراطي. وذلك هو السبب الأهم في خنق التعبير الحر عن الفكر والعاطفة. من سمات هذا النظام سيطرة الأب وهيمنته على جميع أعضاء الأسرة والمؤسسة الخاصة والعامة. ويقترن بهذه الهيمنة وجوب طاعة فكر الأب أو الأخ في غياب الأب أو العم في غياب الأخ. وتكون هذه الطاعة بدون نقاش أو حوار وبدون أن يترك هامش من الحرية في أن يتولى المرء البالغ أموره بنفسه أو في أن يتدبر المرء أموره. خط المراقبة والتحكم يكون باتجاه واحد، من أعلى إلى أسفل، من الأب إلى سائر أفراد الأسرة إناثا وذكورا.

في النظام الذكوري الأبوي لا يوجد متسع لحرية المرأة في الإطار القانوني ولتأمين مكانها الذي تستحقه في إطار الأسرة ولا يوجد متسع لتحقيق بعض مفاهيم الديمقراطية ولممارسة الديمقراطية. ينافي هذا النظام الفردية ويناقضها ويعاديها ويقتلها. في ظل سيطرة وهيمنة الأب لا يمكن أن تنشأ الفردية. في ظل هذا النظام تتكون الأسرة من أعضاء وهم ليسوا أفرادا فيها.

وتشيع في مجتمعات نامية كثيرة، ومنها المجتمع العربي، العائلية والحمائلية والقبلية. وتتسم هذه المؤسسات بمفاهيم الهيمنة الذكورية الأبوية والتحكم المركزي والأمر وانعدام الفردية وانعدام حرية الفكر الفردي. وبالتالي فإن هذه المؤسسات تعزز النظام الأبوي.

هذه المؤسسات الأربع من العوامل المؤخرة لنشوء الدولة القوية والجاعلة لهذا النشوء بطيئا في حالات كثيرة والمضعفة لها بعد نشوئها. والسبب في ذلك هو أن أساس الولاء في إطار مفهوم الدولة أشمل، فهو يشمل الشعب الذي قد يتضمن عائلات وحمائل وقبائل أسس ولائها اضيق. وبالنظر إلى أن النظام في إطار الدولة ذات الأساس الأشمل ينطوي على إضعاف الولاء للحمولة أو القبيلة أو العائلة التي أساس ولائها أضيق فلا بد من أن ينفر رئيس الحمولة أو القبيلة من مفهوم الدولة أو أن يعارضه.

ولممارسة النظام الديمقراطي – وكثيرون من العرب الحريصين على مصلحتهم متفقون على الحاجة إلى ممارسة هذا النظام – من اللازم أن يُنَشَّأ الشخص العربي على الموقف المحترم للمثل الديمقراطية من قبيل المشاركة الشعبية وإتاحة الحوار وحرية الإفصاح عن الفكر. ولا يمكن تحقيق هذه التنشئة ما دام النظام الذكوري الأبوي قائما.

وعلى الرغم من وجود عوامل خارجية تسرع بتغيير الموقف العربي وبإضعاف النظام الذكوري الأبوي توجد عوامل تعزز ذلك النظام. ومن هذه العوامل أصحاب المصالح الذين يعزز هذا النظام مراكزهم السياسية والإجتماعية. يوجد التقاء مصالح وتحالف رسمي وضمني بين هؤلاء والمستفيدين من النظام الأبوي.

ولوجود الدعم المتبادل بينهم يتخوفون من أن يؤدي إضعاف نظام من النظم الى إضعاف أو إزالة نظم أخرى. وذلك التخوف في محله. ولذلك يبدي هؤلاء حرصا على رعاية وإدامة هذه النظم كلها.
يبين ذلك العرض أن من المفيد لشعبنا وحضارتنا أن نزيل طريقة التنشئة التقليدية اللاديمقراطية وإشاعة وترسيخ طريقة التنشئة الديمقراطية النقدية. وبحكم الصلاحيات السياسية التي تمتلكها الحكومة وقدراتها الإدارية وإمكاناتها المالية وبحكم ضعف المنظمات المدنية غير الحكومية تقع على السلطات الحكومية مسؤولية رئيسية – ولكن ليست المسؤولية الوحيدة – عن القيام بذلك. ولكن ليس من السهل أن تقوم الحكومات بذلك لأن قسما كبيرا من المسؤولين الحكوميين أنفسهم تَنَشَّأ على تفاوت تنشئة تقليدية لاديمقراطية ولأن النظام الاجتماعي التقليدي البطرياركي أكثر استجابة إلى تطلعاتهم في المحافظة على النظام السياسي القائم. فالطاعة والقبول التلقائي أو شبه التلقائي والخضوع وانعدام المناقشة والحوار وعدم تقليب الأمور ودراستها وانعدام النظرة النقدية من الصفات التي يحتمل احتمالا كبيرا أن تريد السلطات الحكومية في بلدان كثيرة أن تكون متوفرة. ولا يسمح بالمناقشة والدراسة والنقد إلا بمقدار ما تسمح تلك السلطات الحكومية به، وهو المقدار الذي لا ترى تلك السلطات أنه يهدد كيانها.

وبازدياد قيمة المجهود الشخصي في تحقيق المكاسب تتضعضع النظرة التقليدية التي تعتبر أن المرأة والمرؤوس والصغير أقل حكمة وأقل حقا وجدارة بتولي السلطة وبممارسة النشاط السياسي.
وبإشاعة طريقة التنشئة هذه تضعف وتقوض القيم التي تمثلها وتدعو لها وتعززها طريقة التنشئة التقليدية الاستبدادية. تضعف النظرة التي ترى أن المرأة أقل من الرجل قدرة في عقلها وفكرها، وتضعف النظرة التي ترى أن من اللازم الحفاظ على كل النظام الاجتماعي السياسي القائم، ويضعف الأسلوب الاستبدادي في التعامل مع الآخرين. وبإشاعة هذه الطريقة في التنشئة يزداد الوعي العام بأهمية الحوار بوصفه وسيلة من وسائل محاولة التواصل الفئوي والطبقي ولمحاولة التوصل الى الأحكام السديدة الرشيدة، ويحل قدر أكبر من الحوار محل أسلوب الفرض والإملاء والاستبداد بالرأي.
وبإشاعة هذه الطريقة يتعزز وينتشر الرأي في أن الحقائق ليست مُنَزَّلة وفي أن التوصل إلى معرفة الحقيقة هو نتيجة عملية فكرية يستطيع أن يشارك ويسهم فيها الناس من كل الطوائف والأجناس والطبقات، وفي أن الملَكات اللازم توفرها لاكتشاف الحقيقة ملكات تكتسب وليست منحا ممنوحة لفئات محددة ومحدودة.

لقد ضعف النظام الأبوي في أجزاء من العالم العربي، ولكنه لا يزال قويا في أجزاء أخرى. وتلاشي هذا النظام يستغرق وقتا غير قصير بسبب غلبة هذا النظام في المجتمع العربي طيلة قرون وتجذره في النفس العربية وخدمته لأصحاب المصالح السياسية والاقتصادية ولمصلحة دول أجنبية في دوام هذا النظام.

ويمكن للأسرة أن تكون مؤسسة يتعلم فيها عضو الأسرة ممارسة قدر كبير من الحرية والديمقراطية ويقدر فيها هاتين الصفتين، ويتدرب فيها على ممارستهما، ويتعرف فيها على الحوار وأهميته في بناء الفرد الصالح والأسرة الصالحة والمجتمع الصالح. وبتحقيق الوالِدَين، وخصوصا الأب، لقدر من المعرفة والدراسة والثقافة وبتخلصه من الموقف المهيمن يكون من الأسهل على أعضاء الأسرة أن يمارسوا قدرا اأبر من الحرية والديمقراطية والحوار.

ولكن، بسبب بطء تلاشي النظام الأبوي يكون تدرب اعضاء الأسرة والعائلة والحمولة على هذه الممارسات من قبيل الحوار والحرية والديمقراطية أبطأ وأقل.

وبالتالي لم تؤد العائلة العربية حتى الآن دورها اللازم أن تؤديه في تعريف أعضائها على قيم الحرية والديمقراطية وحرية الإعراب عن الرأي والعاطفة والتدرب على ممارستها. فإن كانت أدت دورا في هذا الصدد فلم يكن الأداء كافيا وافيا بالغرض. ولم تؤد العائلة دورها أيضا في تعريف أعضائها على قيمة مفهوم الدولة الحديثة، والمفاهيم المقترنة بهذا المفهوم من قبيل المواطنة الصالحة والانتماء إلى قاعدة أوسع هي الشعب أو الأمة، والحماية المتأتية من الانتماء إلى الدولة والواجبات التي يفرضها الانتماء إلى الدولة والمستحقات التي يجنيها المواطن من انتمائه إليها.

إن عوامل التغيير الخارجية – من قبيل التغير التكنولوجي والبيئي والاقتصادي – موجودة. وعلى الرغم من ذلك من الصعب تغيير الموقف، الذي يُعَرّف بتعريف المرء للحالة، بالنظر إلى تكونه من قيم الإنسان ومعتقداته وتصوراته الثقافية التي تكون راسخة في ضميره؛ ومن الصعب أيضا تغيير السلوك بالنظر إلى تعرّضه لتأثيرات مختلفة، منها كونه خاضعا لتأثير الموثق الذي يتخذه المرء. وبالنظر إلى أن
النظام الأبوي هو أحد العوامل الهامة جدا في تحديد موقف الإنسان وسلوكه فليس من الممكن تغيير سلوك وموقف الإنسان العربي دون إزالة ذلك النظام.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى