الوطنیة في شعر محمّد مهدي الجواهري
– فراس دهدار، أستاذ في جامعة پیام نور مرکز بندر إمام خمیني قسم اللغة العربیة وآدابها
– الکتورة سهاد جادري، أستاذة في جامعة آزاد الاسلامیة فرع آبادان قسم اللغة العربیة وآدابها
المقدمهَ:
لاشـﻙ أنَ الرغائب الفردیة والدوافع النفسیة خیر حافز لتحقق المتطلبات في نفس الإنسان وأنا إنطلاقاً من العلاقه التي لا مفرَ منها کنت أتحری في زمن الدراسة عن موضوع یجعلني أتَعرف علی الإتجاهات الحدیثة في الأدب العربي المعاصر وخاصة الأوضاع السیاسیة المتَغیرة وکذﻠﻙ موقف الشعراء اتجاه هذه المستجدات والأحداث المصیریة ومن جانب آخر الإلتزام الذي یلزم الشاعر أن یتخذ موقفاً في مسیر حیاته ویناضل من أجله فوجدت خیر معین للتعرف علی هذا المنهج هوالجواهري، الشاعر الذي عاصر أحداث العراق والمجتمع العربي وبقی شاهداً علی العصر اکثر من نصف قرن.
تطرقنا في هذا المقال لحیاة الشاعر ومن ثمّ عرضنا الإلتزام الوطني في شعرالجواهري فبدأنا بتمهید بسیط بیّنا فیه مفهوم الإلتزام والوطن لغةً واصطلاحاً وحاولنا أن نعطي القارئ فکرة کافیة شاملة فیما یرتبط بالإلتزام الوطني ومراحل تطور الإلتزام عبر التاریخ ثم توقفنا عند الوطنیة في شعر الجواهري.
ولادته ونشأته:
«هوأبوفرات محمد مهدي بن الشيخ عبدالحسين بن الشيخ عبدعلي ابن الشيخ محمد حسن صاحب جواهر الکلام، أشهر مشاهير الشعراء في العصر الحاضر، وانتهت إليه إمارة الشعر بلامنازع » ]]الخاقانی، علی، شعراء الغری، ص 139 [1] الجواهري، محمد مهدي، الديوان، ج 1، ص 15. [2] الجواهري، محمد مهدي، ذکرياتی، ج 1، ص 39.
«محمد مهدي الجواهري: من أعلام الشعر العربي الحديث، وآخر فحول الأحياء ولد في النجف الأشرف من أب کريم وشيخ جليل من عائلة آل الجواهري ومن الأم ينتسب إلی عائلة آل کاشف الغطاء وهي عائلة دينية مشهورة في النجف». ]]يعقوب، اميل، معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة، ص 24. [3] الروضان، عبدعون، الشعراء العرب في القرن العشرين، ص 464. [4]الجواهري، محمد مهدی، ذکرياتي، ج 1، ص 25. [5]جحا، ميشال خلیل، الشعر العربي الحديث من احمد شوقي إلي محمود درويش، ص 289.
حفظ الجواهري الشعر ولبس العّمة والقفطان، کان يتطلع إلی أن يکون واحداً من الشعراء المرموقين.
و«رشح الجواهري اکثر من مرة لنيل جائزة «نوبل للسلام» وذﻟﻚ لما في کتاباته من إحساس بالإنسان المقهور الغريب المعذب الذي يتطلع للخلاص من متاعبه، والذي يسعی ليحس بالأمن والسلام.
وقد عاش الجواهري معظم حياته في المنفي خارج وطنه لأسباب سياسية، فعاش في مصر فترة سنتة 1951 ثم عاش في براج عاصمة تشيکوسلوفاکيا لمدة سبع سنوات.
ثم عاش لمدة ربع قرن في سوريا حتی وفاته في 26 يوليو1997، والغريب أنه توفی في ذکری يوم مولده وقد عاش يتغنی بالسلام وبالحرية وبالعدالة لجميع الشعوب العربيه».]]جودة، السحار سعيد، موسوعة اعلام الفکر العربي، ص 226.
إشتغل الجواهري مدة قصيرة في البلاط الملکي زمن المـﻟﻚ فيصل الأول عند أول توليه الحکم، وکان ــ الجواهري ــ ما يزال يرتدي العمامة والجبة والعباءة، ثم ترکها کلها کما ترﻚ البلاط الملکي
أما سبب ترکه للبلاط کما جاء في کتاب الشعر العربي الحديث من أحمد شوقي إلی محمود درويش: «سبب ترکه وظيفة التشريفات، فهوأنه نظم سنة 1929 قصيدة عنوانها «جرّبيني» تحت اسم مستعار فاستدعاه المـﻟﻚ وقال له: «أيجوز أن يصدر هذا الکلام عن ابن الشيخ صاحب الجواهري؟» أجابه: «إنه کلام شعراء». قال المـﻟﻚ: «والخروج علی الدين؟» حيث يقول:
أنــا ضــدُّ الـجمهــور فـــي الـعيشوالتفکيرِ طُرّاً وضدُّه في الدينِ
قال: « أعتذرولا أعود إلی ذﻟﻚ ثانية.» وما أن تخطّی العتبة حتی قال في سرّه سأعود وأعود وأعود، ثم نظم قصيدة: يقول فيها:
قال لي صاحبي الظريف وفي الکفِّارتعاشٌ وفـي اللسان انحباسَـهأيــن غــادرتَ عِــمّــةً واحتفــاظــاًقلتُ: إنّي طرحتها في الکُناسه
ثم کانه أن طلّق وظيفتة التشريفات بعدَ أن مکث فيها حوالي الثلاث سنوات وإتجه سنة، 1930 نحوالصحافة.»]] جحا، ميشال خلیل، الشعر العربي الحديث من احمد شوقي إلی محمود درويش، ص 290.
بیئته:
«البيئة هي الزمان الذي يولد فيه الشخص ويعيش فيه، والمکان الذي ينشأ في رحابه والمجتمع الذي يتفاعل معه، وتتداخل هذه العناصر الثلاثة في بعضها، وتتّسع لکل مکان ومجتمع قد ينتقل الشاعر في خلال حياته إليه، ويتّسع مفهوم البيئة للظروف التي تصادف الشاعر».]]غنيم، کمال احمد، عناصر الابداع الفني في شعر أحمد مطر، ص 48. [6] بيضون، حيدر توفيق، محمد مهدي الجواهري شاعر العراق الاکبر، ص 15.
أسرة الجواهري:
انحدر من أسرة عريقة في علوم الفقه والأدب والشعر عرفت بالجواهري نسبة لکتاب جليل اسمه «جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام » ألفه الشيخ «محمد حسن».]]بيضون، حيدر توفيق، محمد مهدي الجواهري شاعر العراق الاکبر، ص 17.
أحد أعلام الفقه في عصره والمرجع الديني البارز للطائفة الشيعية في زمانه. «انّه کان من عظماء القرن الثالث عشر الهجري ونوابغه في کتابه هذا وفي قوةعارضته، ولسانه المفوّه وبراعة تدريسه وإدارته لشؤون النجف الأشرف والعالم الإسلامي التابع لها وأخلاقه الفاضلة المحمّدية وملکاته الملکوتية، وعنايته الفريدة بتربية تلامذته ابطال الحوزة العلمية الذين تبوؤا بعده منصة الزعامة الروحية المطلفة. وقد إنتهت إليه الرئاسة العامة والمرجعية في التقليد باستحقاق، فنهض بها خير ما ينهض به الجاهدون العاملون، وتفرد بها لايشارکه مقارن ولا يزاحمه معارض في النجف وخارجها مع وفرة العلماء الکبار في عصره»]] النجفي، محمد حسن، جواهر الکلام في شرح شرائع الاسلام، ص 2. [7] الجواهري، محمد مهدي، الديوان ج 1، ص 18.
نشأ محمد مهدي الجواهري في هذا الجوالعاطر بالعلم والمعرفة.تزوج الجواهري بأبنة عمه الشيخ جعفر الجواهري مناهل فأنجبت له فرات وفلاح واميره.
وبعد وفاتها تزوج بأختها «آمنه» فأنجبت له ولدان کفاح ونجاح وبنتان ظلال وخيال. «وفي عام 1944م، إشترک في مهرجان أبي العلاء المعري الذي انعقد في الشام وألقی فيه تـﻟﻚ القصيدة الرائعة، وشاءت الصدف أن يتزوج بفتاة شامية إسمها رمزية وکان الوسيط في هذا الزواج السيد هاشم ابن السيد محسن الأمين، وحين أراد الرجوع أبرق إلی صديقه المرحوم حسن محمد علي ليهيّئ له داراً يسکنها فأخلی صديقه داره الواقعة في محلة الطوب لقربها من إدارة الجريدة وبقيت في بغداد مايقارب التسعة أشهر، ثم عادت مع أمها إلی الشام ».]]ديب، علی حسن، المرأة في حياة وشعر الجواهري، صص 40 و39. [8]ديب، علی حسن، المرأة في حياة وشعر الجواهري، صص 40 و39.
تحصيله العلمي والأدبي:
درس محمد مهدي الجواهري فترة قصيرة في المدرسة العلوية في النجف الأشرف، مسقط رأسه وثم تلمذ علی يد عدد من شيوخ زمانه، منهم علی المظفر، وعلی الثامر وحسين الحمامي وغيرهم وأخذ عنهم النحووالصرف والبلاغة والفقه، وکان أبوه يريده أن يکون رجل دين، شيخاً مثله ومثل اجداده وفي هذا الصدد يقول الجواهري: «کان أبي يمارس عليّ ضغطاً مستمراً لحفظ علوم الدين، وأتظاهر مؤمناً بتنفيذ الأمر وما أن يخرج هووأخي الأکبر حتی أهرول إلی دواوين الشعر.]] انظر، الروضان، عبدعون، الشعراء العرب في القرن العشرين، ص 465؛ العطية، جليل، اعلام الادب في العراق الحديث، ص 180.
تعلم القراءة والکتابة علی يد شقيقه الأکبر عبدالعزيز وإبن عمته «علی الشرقی» وهولم يتم الخامسة من عمره، کما أنه تعلم القرآن عند ملّة ام جاسم وتعلم مع أقرانه الجزء الثلاثون والأخير من القرآن.]] الجواهري، محمد مهدي، ذکرياتي، ج1، ص 49.
« في السنة السابعة من عمره نقله والده من «الملة ام جاسم» إلی مرحلة أکثر جدّية وقساوة في التعليم، إلی مکتب سيّد مشهور في المدينة لقّب نفسه بـ «جناب عالی» لکنّ الجواهري لم يتحمّل قسوة هذا المعلّم وترﻚ التعليم وأنّه لم يتعلم شيئاً مهماً في هذا المکتب الإبتدائی، بحيث کانت الدراسة طوال هذه المدة عبئاً ثقيلاً عليه».]]العطية، جليل، الجواهري شاعر من القرن العشرين، ص 40.
وبعد هذه المرحلة أخذ يلازم أباه الحضور في المجالس الفقهية والأدبية والتی کانت تقام في النجف الأشرف وکان يرتدي عمامته وهکذا ظلّ يری نفسه کبيراً، بينما هوصغير بين الثانية أوالثالثة عشر من عمره وفي هذه المرحلة من عمره «إبتدأت استجابته لنظم الشعر تقوی في سن مبکرة جعلته يقفز فوق المراحل ويتجاوز بکثير. وکأنّهاالموهبة دقت أبوابها فلبّاها»]] بيضون، حيدر توفيق، محمد مهدي الجواهري شاعر العراق الاکبر، ص 8.
شخصيته الإجتماعيّة:
يقول الجواهري عن نفسه: «في داخلي کثير من العناصر المتفجرة، إعتزازی بکرامتي، الثقةُ بالنفس، والتی تصل حدّ الغرور أحياناً، کل هذه دّمرت جزءاً من حياتي.» هذه الأمور مما جعلته يتحدی الملوﻚ والحکام مما أدّت إلی تکوين شخصيته المتناقضة. لشخصية المتنبی الغريبة الأطوار توّاقة للمعارﻚ والصِدمات زاخرةً بالأضداد کالجواهري. وأن الجواهري عبقري العصر الحديث وصاحب عبقرية سحرية فذة ومميزة التی کونتها حياته الحافلة بالأحداث کما أنه شاعر التحدی فتحدی فحول الشعراء کما تحدی الحکام والأوضاع السائده في البلاد لأنه شهد علی عصره ما عانته البلاد وواکب قضاياهم فان شعره کتاب تاريخ لهذه الأحداث المتواترة. وکان أبی النفس فهجر الديار التی اذلّته واذلّت شعبه فلجأ إلی البلدان المجاورة «فعاش الشاعر في غربتين: غربة داخلية ــ داخل وطنه ــ وغربة خارجية لدی ترکه العراق وتنقله في بلاد عدّة حتی وفا ته في دمشق في 27 / 7 / 1997 بعيداً عن أرض بلاده».]] جحا، ميشال خلیل، الشعر العربي الحديث من احمد شوقي الی محمود درويش، صص 295و294.
شاعريّته:
بدأ کتابة الشعر وهوفي الرابعة عشر من عمره، لکن لم يبوح به حتی تجاوز السادسة عشر فبدأ يقرأ شعره في أواسط النجف فتعرفه علی شعره وبدأ ينشر أشعاره في الجرائد ونشرت أول قصيدة له في جريدة العراق لکن من عادة الجواهري، أنه لم يلجأ إلی نظم القصيدة کاملة کما يفعل سائر الشعراء بل أنه قد اکتفی في نظم قصائده علی بعض أبيات القصيدة أوقوافيها أوبعض الحروف والرموز.]] عبدالطيف، خليل ابراهيم، أدباء العراق المعاصرين، ص 139.
«في الجواهري ولع بالشعر يصل إلی الدرجة القصوی، أنه ومنذ البدء لم يستسغ من العلوم والفقه والأصول شيئاً وبقی الشعر هاجسه الأول الذی لا يستطيع تفويت أی فرصة ليظفربه، ولتکن بعد ذﻟﻚ کل تحصيلاته العلمية والأدبية والدينية واللغوية روافد للقصيدة التي بدأ بالوثوق بها وبدأت بمطاوعته في بداية العشرينات من هذا القرن. لقد اتسعت شخصيته وانتظمت مسيرته، وبات في الحکم السائرين في رکاب الحياة، لم يعد ثمة ما يضغط عليه، ولم يعد ثمة وجود لمعوقات، أبوه التحق بالرفيق الأعلی، وها هی الهجمة الإنکليزية الشرسة علی العراق والثورة العراقية المواجهة تتصدر الأحداث، ومحمد مهدي بما هي مکونات شخصية متمرد قوي، يثور مع شعبه، وبالرغم من ضيق ذات يده ومستجدات جديدة طرأت علی الأحوال العامة في العراق، إلا أنها لا يمکن أن تسلبه حقه في الکتابة والإشعار والإنذار والنشر».
«والجواهري في شعره رجل الثورة الذي إلتزم قضيّة الشعب والوطن، وانتصب مناضلاً في سبيلها، يهاجم المسؤولين في صراحة جريئة وعنيفة، ويعجّ في فيض شاعريّته عجيج الأمواج الصّاخبة، وکأنّي به صوت القضاء الذي تتردّد أصداؤه في موجات کلاميّة موسيقيّة حافلة بالرّوعة والصّولة. وقد تحمله الغضبة الثائرة علی ضروب من العنت في الترکيب وتخيّر اللفظ، فيبدوﻟﻚ ذﻟﻚ کالجلاميد التي يدفعها السيل الجارف، فتزيد الکلام صرامةً وتضفي عليه من الشدّة مالا يخلومن تأثير بعيد المرامي في نفوس المجتمعات التي يعمل علی تحريکها وبعث الحياة فيها».]]الفاخوری، حنا، الجامع في تاريخ الادب العربی(الأدب الحديث)، ص 508.
أسلوبه:
الجواهري من شعراء العراق المعاصرين الذين التزموا بالقديم والشعر العمودی وحافظ علی التراث القديم واطار القصيدة کما قال عنه جلال الخياط في کتابه الشعر العراقي الحديث: « ان الجواهري لم يأت بإسلوب جديد ولم يجد طرقاً حديث في نظم الشعر تُحتذی، فهومستقل يمثل نفسه ولا ينضوي تحت مدرسة معينة، ولم يؤسس مدرسة لها أتباعها، فهولم يُلحَّ کالرصافي. الدعوة إلی الإصلاح الإجتماعي لأن کثيراً من المشکلات الإجتماعية بدأت تنحسر عن عقول الشعراء بعد الحرب العالمية الثانية کالحجاب والسفور وغير ذﻟﻚ، وهولم يّدع الفلسفة ولم يذکر أنه مجدد، ولم يهاجم القديم بل ينظم القصيدة تلوالأخری دون أن يعقد حولها المناقشات کما فعل الزهاوي من قبل».]] العطية، جليل، اعلام الادب في العراق الحديث، ص 182.
«الجواهري عملاق الشعر العربي الحديث، عبّاسیّ الديباجة، طويل النفس، يرصّ کلماته وأشطره رصاً فتجيیء قصائده کالصرح الممرّد أوالطود الشامخ، ويکسومعاينه أثواباً مؤنقة من جزل الألفاظ. قرض الشعر يافعاً وجوّل في آفاقه وجلی في حلباته وتفنّن في أغراضه من غزل ووصف وإجتماعيات وسياسيات ووطنيات، وله من القصائد آيات بيّنات، ولئن کان في حياته الشخصية متقلّب الأهواء، کثير النّزوات شأن العباقرة النّابغين، لقد کان شعره دائماً إنسانيّ النزعة، فوّار العاطفة، تقدّمي الأغراض. وکان الشاعر مؤمناً بجماهير الشعب، معبراً عن آمالها وآلامها» الخياط، جلال، الشعر العراقي الحديث، صص 99 و98.
«إنَّ شعر الجواهري الثائر المتأجّج، المنافح عن الشعب المظلوم، النّازل علی ظهر الحاکم الظالم کالسوط اللاهب، ليشبه فکتور هوغوفي دفاعه عن الحرية وتنديده بالطغيان والطّغاة. أجل،إنه ليشبه فکتورهوغوخطيب الجماهير في ثورة 1848، وصاحب «نابليون الصغير» و«العقوبات» والمبعد إلی جزيرة بحر المانش «تـﻟﻚ الصخرة التي حطم عليه جناحه». وسيبقی شعر الجواهري أبداً سجلاً حافلاً للجهاد العربي وتخفّز الشعب وظمأه إلی الحرية والکرامة».]] المصدر نفسه، ص 184.
وکما قال عنه عبدعون الروضان: «الجواهري هوشاعر القرن العشرين.. افترش ساحة القرن من أوله إلی نهايته أرّخ للمشهد السياسي العراقي والعربي.. فشعره زاخر بالأحداث الجسام التي عاصرها وشعره دفاع متواصل عن حقوق الشعب العراقي والأمة العربية، إضافة إلی أغراضه الأخری من مدح وغزل وتصوير صادق لمعاناته الطويلة وصراعه مع الحکام. حدث کل ذﻟﻚ بقدرة فائقة في التعبير وفي بناء قصيدة طويلة ومتماسکة وغنية بالصور المتدفقة والرائعة. کان شعر الجواهري صادقاً عن وعي سياسي وتاريخي متقدم إضافة إلی الوعي الفني واللغوي الأصيل والمتقدم لبناء القصيدة العربية، فلا غرابة أن اعتُبر الجواهري أعظم وأبرز الشعراء العرب السياسيين في التاريخ العربي الحديث ومن أکثرهم تأثيراً وحضوراً في وجدان الإنسان العربي وذاکرته».]] الروضان، عبدعون، الشعراء العرب في القرن العشرين، ص 467.
آثاره الأدبية:
أصدر الجواهري:]] العطیة، جلیل، اعلام الادب فی العراق الحدیث،صص 182و181.
1- «حلية الأدب» سنة 1923، وهومجموعة معارضات لمشاهير شعراء عصره کأحمد شوقي وإليا أبی ماضي، وبعض لسابقين، وکلسان الدين بن الخطيب وإبن التعاويذی.
2ــ « بين الشعور والعاطفة» سنة 1928.
3ــ « ديوان الجواهري » الجزء الاول سنة 1935، والجزء الثاني سنة 1945، والجزء الثالث سنة 1953.
4-« برید الغربة» سنة 1965.
5ــ «بريد العودة» سنة 1969.
6ــ «أيها الأرق» سنة1971.
7- « خلجات » سنة 1972.
8ــ « ذکرياتی » مجلدين، سنة 1988.
الجواهري الصحفي:
محمد مهدي الجواهري کان في أول حياته يرتدي العمامة لباس رجال الدين لأنه نشأ نشأة دينية محافظة واشترﻚ بسبب ذﻟﻚ في ثورة العشرين عام 1920 م ضد السلطات البريطانية وهولابس العمامة ثم، إشتغل مدة قصيرة في بلاط المـﻟﻚ فيصل الأول عندما توج ملکاً في العراق وکان لا يزال يرتدی العمامة، ثم ترﻚ العمامة کما ترﻚ الإشتغال في بلاط الفيصلي. ]]شکیب انصاري،محمود، تطور الادب العربي المعاصر،صص 119و118.
وإشتغل في أول حياته بالتعليم ثم جذبته الصحافة إليها وعمل في الصحافة منذ أربعين عاماً. «في عام 1930 م اصدر أوّل جريدة رسمية هي جريدة «الفرات» وقد صدر منها عشرون عدداً ثم الغي إمتيازها بقرار الحکوميّ فالمه ذﻟﻚ کثيراً وفي سنة 1931 عيّنَ معلماً في مدرسة المأمونية ثم إنتقل بعد ذﻟﻚ إلی ديوان الوزارة رئيساً لديوان التحرير». ]] شعبان، عبد الحسين، الجواهري في عيون اشعاره، ص34.
« وفي سنة 1936 م أصدر الجواهري صحيفة « انقلاب» لکنّ مصير هذه الصحيفة لم يکن بأفضل من سابقتها، فقد دافع الجواهري في صحيفته عن فقراء الطائفة اليهودية في بغداد التي احتجت علی ارتفاع اسعار اللحوم الخاصة بهم وساند قضيتهم مما اغضب ذووالنفوذ والسلطة فعطلوا صحيفته، وحکموا عليه بالحبس ستة اشهر».]] شکيب انصاري، محمود، تطور الادب العربي المعاصر، ص 120.
بعد فشل الإنقلاب اصدر جريدة ثانية هي: «الرأي العام » لکنّ هذه الجريدة ايضاً لم تکن أحسن حظاً من الجرائد التي سبقتها. وفي سنة 1943 م عطّلت الحکومة الجريدة المذکورة. فانسحب الجواهري رسمياً من حزب الإتحاد الوطني ومنحته الحکومة سنة 1946 م امتيازاً جديداً لجريدة باسم «صدی الدستور»، ووصل الجواهري حینئذ إلی المجلس النيابي ممثلاً لمدينة کربلاء لکن بما أنه نظم لمعارضة معاهدة بورتسموت إستقال من مجلس النواب فعطلت جريدته.]] المصدر نفسه، ص 120.
«وفي سنة 1953 م اصدر الجواهري صحيفة الجهاد لمدة ثمانية أشهرٍ، بعد ذﻟﻚ اُضطر إلی مغادرة العراق واللجوء إلی مصر ثم إلی سوريا في قيام ثورة 14 تموز ــ 1985 م وسقوط الملکية واعلان الجمهورية في العراق. عاد الجواهري وقتئذٍ إلی بغداد، واصدر جريدته «الرأی العام». ثم اُختير رئيساً لإتحاد الأدباء العراقيين، وبعدها نقيباً للصحفيين. لکنّ هذه الفترة لم تدم طويلا، ففي أواخر عام 1960م غادر بغداد متوجهاً إلی البلدان الإشتراکية، متبرماً من المضايقات، وغاضباً من الإهانات التی کان يتعرّض لها لتأييده ومساندته للتيار اليساري هناﻚ. وهکذا تعطّلت آخر صحيفةٍ في حياة الشاعر محمد مهدي الجواهري وإلی الأبد».]] المصدر نفسه، ص 121.
اسفاره:
«عرف الأسفار وهوفي سن مبکرة، فسافر إلی ايران مرّتين. الأولی عام 1924م والثانية 1926 وکان قد أخذ بطبيعتها، فنظم في ذﻟﻚ عدّة مقطوعات وقصائد عديدة مسحونة بهذا الجوومستوحاة من هاتين الرّحلتين، جمعها في ديوان أطلق عليه إسم « بريد الغربة». ]]بيضون، حيدر توفيق، محمد مهدي الجواهري شاعر العراق الاکبر، ص8.
أما عن سبب سفره إلی ايران قال الجواهري: «أن سفرتي لإيران، عامي 1926، 1924 کانتا بمناسبة وجود أخي عبد العزيز الذي کان قد استدعاني لکي أکون مشرفاً علی بيته خلال عودة من عوداته الکثيرة إلی الوطن».]] الجواهري، محمد مهدي، ذکرياتي ج 1، ص 124. [9] جاويد، خلدون، لماذا هجرت الجواهري، ص54.
وعند ما اتصل شاعرنا بامين الريحاني عرف عن نفسه وقال:
«مرحباً استاذ امين الريحاني، هل تعرف من الذي يکلمـﻚ ؟ أنه الرجل الذي ولد في ايران، فارسياً ينظم الشعر، وطبعاً فبالفارسية، أنه محمد مهدي الجواهري!»]] الجواهري، محمد مهدي، ذکرياتي، ج 1، ص 327.
«في عام 1944 سافر إلی سورية وشارﻚ في مهرجان أبي العلاء المعري وألقی فيه قصيدته المشهورة بحقّ ابي العلاء المعري والتي کان مطلعها:
قف بالمعـرة وامسح خدّها التّربـاوَ استَوح من طوّق الدّنيـا بما وَهَبـا
وسافر الی فلسطين للاشتراﻚ بالامسية الأدبية الّتي کانت تشرف عليها هيئة الإذاعة البريطانية في يافا الّا انّه تردد في الاشتراﻚ احتجاجاً علی الاشراف البريطاني علی المهرجان، لکن حضور الشخصيات العربية الفذّة آنذاﻚ کالعقاد وطه حسين في المهرجان شجّعه الی يافا وألقی فيه قصيدته المعروفة يافا.»]] الجواهري، محمد مهدي، ذکرياتي، ج 1، ص 327.
«وفي عام 1947 أيضاً سافر إلی لندن ضمن وفد صحفي للتعرف علی بريطانيا وألتقی هناﻚ في مقرّ السّفارة العراقية بالضابط الشاب «عبد الکريم».]]العطية، جليل، الجواهري شاعر من القرن العشرين، ص 74.
و«في عام 1986 تعرضت الجمهورية الليبية إلی العدوان الأمريکي فنظم الجواهري قصيدة بعنوان «يا امتي يا عصبة الامم» بعد ذﻟﻚ وفي أواخر الثمانينات وجّهت إليه الکثير من الدعوات وبإلحاحٍ شديد لبّی الجواهري هذه الدّعوات وسافر إلی الجماهيرية الليبية».]] المصدر نفسه، ص 137. [10]المصدر نفسه، ص 40. [11] البصیري، میر،أعلام الأدب في العراق الحدیث، ص 427. [12] الجواهري، محمد مهدي، الديوان، ج1، ص 18. [13]شعبان، عبدالحسين، الجواهري جدل الشعر والحياة، ص 218. [14] الجواهري، محمد مهدي، ذکرياتي، ج 2، ص 91.
بعد عودته إلی العراق تعرض إلی مضايقات کثيرة فلم يجد أمامه حلّاً سوی السفر إلی القاهرة ثانية؛ لکنّ الحکومة العراقية ارادت اعادته إلی العراق فأرسلت برقية إلی السفّارة، العراقية وطلبت من الحکومة المصرية بوجوب اعادته، فأنقذه الدکتور «طه حسين» وبقي فترة من الزّمن هناﻚ، وشارﻚ الشعب المصري في معرکة السويس بقصيدة اسمها «خلّي الدّم الغالي» وهي قصيدة علی الطريقة البدوية ]]المصدر نفسه، صص 103ــ 93.
« في عام 1953 دخل العراق حلف بغداد الغربي، ذﻟﻚ من أجل التآمر ضد سورية وتورّط في حرب مکشوفة ضد الرئيس المصري «جمال عبد الناصر» وخلال هذه الفترة شهد العراق تشکيل عدّة وزاراة واغلالها، حتي شکّل الوزارة الرجل الأول «نوري السعيد» وکانت اوّل اعماله هي غلق جميع الصحف والأحزاب السّياسيّة وحلّ المجلس النيابي».]]العطية، جليل، الجواهري شاعر من القرن العشرين، ص 72.
وفي هذه الأثناء «أراد الحکّام اسکات الجواهري واشغاله فأقطعوه أرضاً في منطقة «علي الغربي» لکنّه سرعان ما تمرّد وعندما دعته لجنة تأبين عدنان المالکي إلی دمشق للمشارکة في تأبينه، لبّی الدّعوة فلمّا وصل اليها ألقی قصيدته المثيرة «خلفت غاشية الخنوع» التي هاجم فيها الحکم العراقي»]] المصدر نفسه، ص 72.
ومطلعها:
خلـف غــاشيــة الـخنـوع ورائـــي
وأتيـتُ أقبـس جمـرة الشهـداء ]]الجواهري، محمد مهدي، الديوان، ج 3، ص 157. [15] الجواهري، محمد مهدي، ذکرياتي، ج 2، صص 224و223.
«فانتهز دعوته إلی حضور حفلة تکريم «الأخطل الصغير» في بيروت عام 1961 لمغادرة العراق وقد غادره فعلاً، ومن هناﻚ استقر في « براغ » ضيفاً علی إتحاد الادباء التشيکوسلوفاکيين»]] شعبان، عبدالحسين، الجواهري في عيون اشعاره، ص 38.
«في عام 1968م استلم حزب «البعث» في العراق زمام الأمور وعاد الجواهري ألی الوطن بدعوة من الحکومة العراقية، وأستقبل استقبالاً رسميّاً حيث اعدّت له وزارة الثقافة والأعلام حفلاً کبيراً ألقيت فيه کلمات وقصائد ترحّب به وألقی هوقصيدة رائعة تحت عنوان «أرح رکابـﻚ» ومطلعها:
ارح رکابـﻚ مـن أيـنٍ ومـن عثــر
کفاﻚ جيلان محمولاً علـی خطـر ]]الجواهري، محمد مهدي،الديوان، ج4، ص 68.
« بعد هذا سارت الأمور بشکل جيدٍ، خصصت وزارة الثقافة والإعلام راتباً تقاعديّاً للشاعر يوازي مرتبات الوزراء ثمّ عاد ليتولی رئاسة اتحاد الأدباء العراقيين وترأّس وفود الاتحاد هنا وهناﻚ في جوسيّره قيام الجبهة الوطنية بين حزب البعث الحاکم والحزب الشيوعي العراقي «1979،1973» في عام 1975 قرّر المکتب الدائم الإتحاد الکتاب الافريقيين والآسيويين في دورته الخامسة عشرة المعقودة في موسکومنح جائزة «لوتس» الدولية في الآداب لسنة 1975م إلی الجواهري بالإشتراﻚ مع کاتبين آخرين باکستاني ونيجيري».]]بصري،مير، اعلام الادب في العراق الحديث، ج 1، ص 182.
وفي أوائل الثمانينات زار الجواهري «جمهورية اليمن الدّيمقراطية الشعبية» بعد أن وجهت اليه الکثير من الدّعوات وقد خلّد عاصمتها «عدن» بقصيدة رائعة کان مطلعها:
«من موطن الثلـج زحّافـاً إلی عـدن
خبـت بي الريـح في مهر بلارسنٍ» ]]شعبان، عبدالحسين، الجواهري جدل الشعر والحياة، ص 132.
مفهوم الإلتزام والوطن:
«الإلتزام » و« الوطن » في اللغة:
جاء في كتاب العـین للفراهـیدي:
«اللُّزوم: معروف، والفعل: لَزَمَ يَلزَمُ، والفاعل: لازم، والمفعول: مُلزَم، ولازَمَ لِزاماً» ]]الفراهيدي، العين، مادة لزم.
وجاء في القاموس المحیط للفیروزآبادي:
« لزم الشيء: ثبت ودام؛ ولزم بیته: لم یفارقه. لزم بالشيء: تعلق به ولم
یفارقه. التزمه: اعتنقه. التزم الشیء: لزمه من غیر أن یفارقه. التزم العمل أوالمال أوجبه علی نفسه».]] الفيروز آبادي، القاموس المحيط، مادة لزم.
وجاء في لسان العرب لابن منظور:
«اللُّزومُ: معروف. والفعل لَزِمَ یَلزَمُ، والفاعل لازمٌ والمفعول به ملزومٌ، لزِمَ الشيءَ یَلزَمُه لَزماً ولُزوماً ولازَمه مُلازَمَةً ولِزِاماً والتزَمَه والزَمه إِیَّاه فالتَزَمَه. ورجل لُزَمَةٌ: یَلزَم الشيء فلا یفارِقه»
وجاء في المعجم الوسيط:
« لزم الشيُء – لزوماً: ثبت ودام. ولزم کذا من کذا: نشأ عنه وحصل منه. ولزم الشيُء فلاناً: وجب عليه. ولزم العملَ: دوام عليه. ولزم المريضُ السريَر: لم يفارقه. ولزم الغريمَ، وبه: تعلّق به، التَزَمَ الشيء أوالأمر: أوجبه علي نفسه. اللُّزمَةُ: يقال: رجل لُزمةٌ: يلزم الشيء فلا يفارقه».
ولکن بالنسبة لکلمة « الوطن » جاء في کتاب العين للفراهيدي:
« الوطن: مَوطِنُ الإنسان ومَحَلُّه. وأوطانُ الأغنام: مرابضُها التي تأوي إليها. ويقال: أوطن فلانٌ أرض کذا، أي: إتّخذها محلاً ومَسکناً يُقيم بها قال رؤبة:
حتَّـي رأي أهـلُ الــعِـراق أنـنّـيأوطنتُ أرضاً تکن من وطنيوالموطِنُ: کلُّ مکان قام به الانسان لأمر».
وجاء في لسان العرب لإبن منظور:
«وطن: الوطن: المنزل تقيم به، وهوموطِنُ الإنسان ومحلّه، وقد خففه رؤبة في قوله:
أوطنتُ وَطناً لم يکن من وَطَنيلولـم تَکُـن عـامـلَها لــم أسـکُنبها، ولم أرجُن بها في الرُّجَّنِ
قال ابن بري: الذي في شعر رؤبة:
کَـيمـا تـَرَی أهـلٌ العِـراق أننّيأوطنتُ أرضاً لم تکن من وَطَني
وقد ذکر في موضعه، والجمع أوطان. وأوطان الغنم والبقر: مَرَابضُها وأماکنها التي تأوي إليها؛ قال الأخطَلُ:
کُرُّوا الي حَرَّيتکُم تَعمُرُونَهُمـاکمـا تَکُـرُّالـي أوطـانهـا الـبقــرُ
وأوطََنَهُ: إتّخذه وَطَناً. يقال: أوطَنَ فلانٌ أرض کذا وکذا أي إتخذها محلاً ومسکناً يقيم فيها. والَموطِنُ: مَفعِلٌ منه، وسمي به المشهدُ من مشاهد الحرب، وجمعه مواطن. والموطِنُ، الَمشهَدُ من مشاهد الحرب. وفي التنزيل العزيز:
«لقد نَصرکم الله في مواطن کثيرة»]]سورة التوبة، الآية 25.
وأوطنت الأرض ووَطَّنتُها توطِيناً وإستوطَنتُها أي اتخذها وطناً، وکذلـﻚ الإتَّطان، وهوإفتعال منه. وغيره. أما المواطِنُ: فکُلُّ مقام قام به الإنسان لأمر فهومَوطِنٌ له، کقوﻟﻚ: إذا أتيت فوقفت في تـﻟﻚ المواطِن فادعُ الله لي ولإخواني».]] ابن منظور، لسان العرب، مادة وطن.
وورد في المعجم الوسيط:
«وَطَنَ بالمکان ــ يَطِنُ وطناً: أقام به. أوطن المکان: وَطَنَ به وأوطن البلد. اتخذه وطناً. وأوطنَ نفسه علی کذا: مَهَّدها له ورضاها به. وطن بالبلد: اتخذه محلَّاً وسکناً يقيم فيه. ووطنَ نفسه علی الأمر، وله: حَمَلَها عليه. إتطن البلد. إتخذه وطناً. إستوطن البلد: توطّنه. والموطنُ: الوطنُ، والمواطِنُ: کل مکان أقام به الإنسان لأمر والموطن: المجلس الموطن المشهد من مشاهد الحرب. (ج) مواطن.
الوطن: مکان إقامة الإنسان ومقَّره، وإليه إنتماؤه وُلِدَ به أولم يولد. والواطن: مريض البقر والغنم الذي تأوي ألية. (ج) أوطان ».]]أنيس، ابراهيم وآخرون، المعجم الوسيط، مادة وطن.
«الوطن» و«الإلتزام» في المصطلح:
إنّ الإلتزام موجود من الزمن القديم وليس موضوعاً جديداً في الأدب والملتزم هومن يشارﻚ في قضايا مجتمعه سياسياً أواجتماعياً أوغير ذﻟﻚ. وينبغي له الوقوف والتحدي أمام الصعوبات. والباحث في الأدب العربي في مختلف أدواره، يجد هذه الرکيزة لدی العديد من الأدباء والشعراء سواءٌ في العصر الجاهلي أوفي العصور المتوالية الأخری.
«لفظة الإلتزام قديمة في الإستعمال اللغوي، لکن التطور الفکري الحديث قد أفاض عليها معنی اصطلاحياً جديداً. وهي أکثر ما تطلق اليوم في معرض الکلام علی الفکر والأدب والفن، حيث نجد في مضامينها مشارکات واعية في القضايا الإنسانية الکبری: السياسية، والإجتماعية والفکرية.
وليس الأمر مقتصراً علی المشارکة في هذه القضايا، وإنما يقوم الإلتزام في الدرجة الأولی علی الموقف الذي يتخذ المفکر أوالأديب أوالفنان فيها.
وهذا الموقف يقتفي صراحة ووضوحاً واخلاصاً وصدقاً واستعداداً من المفکر الملتزم لأن يحافظ علی إلتزامه دائماً، ويتحمل کامل التبعة التي تترتب علی هذا الإلتزام.
من هنا کان الإلتزام مرتبطاً بالعقيدة، منبثقاً من شدة الإيمان بها، صادراً في جميع أشکاله وأحواله عن أيديولوجية معينة يدين بها الفکر الملتزم.
ومعلوم أن الإلتزام شيء والإلزام شيء آخر. فالإلتزام يعني حرية الإختيار، وهويقوم علی المبادرة الإيجابية الحرة من ذات صاحبه، مستجيباً لدوافع وجدانية نابغة من أعماق نفسه وقلبه ومن طبيعة العمل المسؤول أن يکون هادفاً إلی غاية محددة. وللإلتزام الفکري هدف، هوالکشف عن الواقع الراهن، والسعي إلی تغييره؛ أوقل: هوالسعي إلی تغييرما ليس سليماً فيه، لأن الفکر الملتزم يعاين ماليس حقاً ولا عدلاً ولا خيراً، فيندد به، ويعمل علی تحطيمه».]] الشيخ، غريد، فدوي طوقان ـ شعر والتزام، صص 74 و73.
الإلتزام: هوالمشارکة في القضايا السياسية والإجتماعية يقول أحمد ابوحاقة:
الإلتزام يعني التقرير والمشارکة والمسؤلية (عسکري ــ مارکسي ــ وجودي ــ شخصي) وخصصت لفظة الإلتزام سابقاً بالمعنی الخلقي وکثر الحديث في العصر الحاضر عن الفکر الملتزم والأدب الملتزم.ولکن ظاهرة الإلتزام موجودة في کل عصر ولا سيما حيث يوجد نزاع حول الواجبات التي تفرضها أنواع الصّراعات السياسية والإجتماعية بأن يتخذ الفرد موقفاً واضحاً، وأن يکون مستعداً للنتائج المترتبة علی هذا الموقف... ]]ابوحاقة، أحمد، الإلتزام في الشعر العربي، ص 13.
يقول توفيق الحکيم في تعريف الأدب الملتزم:
«يجب أن يکون الإلتزام جزءاً من کيان الأديب أوالفنان، ويجب أن يلتزم وهولايشعر بأنه ملتزم مثله مثل حمام زاجل ينقل رسالة وهوحرّ طائر لا يشعر بقيد في ساقه ولا بغلًّ في جناحه. ]]الشيخ،غريد، فدوی طوقان ــ شعر والتزام، ص 76.
فإذا اشعر الفنان لحظة واحدة أنه يؤدي بفنه ضريبة عليه أن يؤديها
وجوباً فإن الذي سينتجه لن يکون فناً».]]الشيخ،غريد، فدوی طوقان ــ شعر والتزام، ص 76.
وجاء في کتاب الأدب الملتزم:
«أنَّ الأديب في هذا النوع من الأدب يعبّر عن واقع عصره ويعيش مع مشاکل العصر وقضايا الحياة ويعبر آمال الشعب وآلامه بحريّة لا تفضي إلی حالةٍ فوضوية وهذا مايسمی بالأدب الواقعي أوالأدب للحياة أوالفنّ للحياة ومايقابله يسمي بالأدب المتحرّر الذي لاصلة له بواقع عصره ولا يرتبط بمشاکله وقضاياه، بل يعبّر الأديب في مثل هذا القسم من الأدب عن ذاته ومشاعره متجرّداً عما حوله، تارکاً آلام الناس وآمالهم وراء ظهره».]] سياحي، صادق، الأدب الملتزم بحب اهل البيت، ص 25.
ويقول أحمد أبوحاقة في تعريف الأديب الملتزم:
والأديب الملتزم هو: «الذي لايکتب لنفسه وإنما يکتب للمجتمع الذي يعيش في کنفه متوخياً أن يحدث في ضمير هذا المجتمع هذة من شأنها أن تتفتح الأعين علی الواقع وتبرز ما فيه من عيوب بقصد الثورة عليها، والإطاحة بها».]]أبوحاقة، احمد، الإلتزام في الشعر العربي، ص 46.
يقول الدکتور عطوات في تعريفه للشاعر الوطني: «الشاعر الوطني هوالذي يلتزم آلام أمّته وآمالها ويتغنی بأفراحها وأتراحها، يدافع عن وطنيته ويتمسـﻚ بقومّيته ويعبر عن مواقفه الثابتة بصراحة وشجاعة»]]عطوات،محمدعبد عبدالله، الإتجاهات الوطنیة في الشعر الفلسطیني المعاصر،ص224. [16]عفیفی، محمدصادق، الدراسات الادبیة، ص 120. [17]المصدر نفسه، ص 71.
يخاطب الشاعر الشعب قائلاً: ايّها الشعب في القلب آهات ولوعات کثيرة عليـﻚ والقلوب تغلي عليـﻚ من شدة الغرام والمحبة ﻟﻚ.
ولقد اشتکيت من عيش فيـﻚ حسبته عاراً وذلّة ولکن حبذا العيش فيـﻚ لودام ذﻟﻚ العيش.
وکثرت حوﻟﻚ أماني الناس واکثرهم تمنّوا العيش فيـﻚ وهکذا شأن المورد العذب، تزدحم عليه الناس والجميع يتمنی الوصول اليه.
ولقد نصب الأعداءُ أشراکهم ليصيدوا ما ارادوا من الشعب ولکن الطير تفطّن وانتبه للاشراﻚ وطار قبل أن يُصطاد.
ولقد تشوقت ﻟﻚ القلوب يابلد العراق ويا معهد الشوق والمحبّة سقيت أرضـﻚ وعمّ فيـﻚ الرخاء.
ان تحققت فيک الأماني فنعم المطلوب وأن خابت الأماني، فالوداع يا أرض الوطن وعليـﻚ السلام.
وفي قصیدة عنوانها: «العلم والوطن» یخاطب العلم ومناهجه ثم یعاتب العراق لماذا تأخر عن موكب العلم والحضارة والجواهري شأنه شأن الشعراء الذین اهتموا بقضیة الوعي والفكر للأمة وراحوا یعالجون التخلف المزري بالأمة، وراح یتسائل الجواهري الذین یلومون الشاعر عن مفاداته للوطن:
1ــ مــاذا یُـــریـد الائـمـونَ فـــانّـهوطــنٌ یُــحَــبُّ، وحــبُّــه إیــمــانُ2ــ سنذودُ عـنه بعـزمِ حُـرٍّصــادقٍمـنـه ضــمـیــرٌیـسـتـوي ولِـســانُ3ــ لي فیكَ آمالٌ وصـدقُ عــزائــمٍلا بـــدَّ تـنــشُــرُ طََـیَّـهــا الأزمـــانُ4ــ یا موطنَ النُّجد الغـزاة هضیمةًكیف ارتقَت عـن شـأنك الأوطـان]] المصدر نفسه، ص 86.
يقول الشاعر: ماذا يقصد الذين يلوموننا علی حبّ الوطن، فان العراق وطني وحب الوطن ايمان.
وبکلّ عزم وإرادة صادقة ندافع عن الوطن في ذﻟﻚ يکون ضميري ولساني سواء، (اي لا اتملق في ذﻟﻚ)
ثم يخاطب الوطن قائلاً: ايّها الوطن، لي فيـﻚ آمال وعزيمة صادقة وسوف تتحقق هذه الآمال ويکشفها الزمان.
يا وطن العزة والإباء، هضيمة أن نراﻚ في هذه الحالة کيف تقدّمت عليـﻚ سائر الأمم (قد کنت في عزّة ومنعة ولم يطمع فيـﻚ الطامعون والآن قد سبقتـﻚ الأمم)
وقضیة التخلف تكمن في الصراعات بین القدیم والجدید، وبین العلم والجهل وبین الظلام والنور وهي التي أضرمت جذوة الحیاة العربیة وفي هذا الوقت عالج الأدباء الواقع المتخلف والأسی یتخلل نفوسهم والألم یمزق أجسادهم.]] انظر، الخوص، احمد، نظرات في الأدب العربي الحديث، ص 63.
فنری الجواهري أكثر تحمساً من غیره علی الحالة الفكریة والثقافية في بلاده لأنّ البلاد بأهله قد خودع بغیره. وفي ابیات أخری من القصیدة یظهر لنا حب الشاعر إلی وطنه وتطلعه إلی الیوم الذي یری فیه هذا الوطن ینعم بالحریة والإستقلال والتسامي للعلاء والكرامة والعیش الرغید وینوه إلی الحالة الإزدواجیة بین من یتحری عن الكرامة ومن یقبل الذل والهوان:
1ــ ماذا التواني منك في شَوط العُلـیهــلّا نَهـضـتَ وكـلنـا أعــوان2ــ إن تَخـشَ سطوةَ ظالمٍ فـلقد تُـریوالغَـربُ منـه لحكمكَ الاذعان3ــ غَرُّوكَ إذ دارت كؤوسُ خداعهـمحـتی سكِــرتَ فعـقَّـكَ النُّــدمــان4ــ أمـنَ المـروءةِ أن تَـنَالَ حقوقَهـالَـقِـطٌــ وأنـتَ نصیبُـك الحِرمان5ــ بـئسـت عـلاقـة واغـلـیـن وإنـمـاعـیش الكـریـم مـع اللئـیم هــوان6ــ قد سَرَّ اكنافَ الجـزیرة مــا رَوَوایـا مـصرُ عنك ومــاَدتِ الأركــانُ7ــ مُـدِّي بـرُوحَـكِ للعـراقِ یَبــن لـهنَهـجُ الــرّشــاد، أمـدَّكِ الرحـمـنُ8ــ یـا أیـّها الوطنُ الــمفـدَّی، دونـَهیــومَ الـفـداء الأرضُ والأوطــانُ9ــ فدتك نـاشـئةُ الـبـلادِ وشـمَّــرتلكَ عـن سـواعدِ عـزمها الفتیـانُ10ــ زاحم بَمنكـبكَ الـنجومَ ولا یطلشــرفا عـلیك بـبــُرجه (كـیوانُ)11ــ وارَع الشباب وصُن كریمَ عهودِهمفهُـم لـصفحةِ مَجـدِكَ الـعُـنــوانُالجواهري، الديوان، ج 1، ص 87.
يخاطب الشاعر الشعب ويحثهم علی الثورة ويقول: لماذا هذا التکاسل والتهاون منـﻚ في مضمار العلی (يا وطني) لماذا لا تنهض ونحن کلّنا ﻟﻚ أعوان
إن خفت من غزوالظالمين والطغاة، إعلم بأنّ الغرب يخضع لِما تقرّره. (اي کان الغرب من قبل تبعاً لما تقرره له وکان خاضعاً لحکمـﻚ).
لقد خدعوﻚ عندما نلت ما قدموا ﻟﻚ من الکوؤس المکسرة ــ وعند ذﻟﻚ سکرت، وخانـﻚ النديم، اي غشوﻚ بخدعهم، وأنسوﻚ ما کنت عليه من عزٍّومجد رفيع.
وهل هذا من المروءة أن ينال الاعداءُ والحاقدون حقوقهم وانت نصيبـﻚ يکون الحرمان، ( قد انتفعوا الأجانب بخيراتـﻚ ونهبوا ثرواتـﻚ وابقوﻚ صفراليدين)
ثم یقول: ما أضرَّ هذه العلاقة ــ والواقع أنّه من الذلِّ والهوانِ أن يعيش الکريم مع اللئيم.
وأن التحول الذي حدث في مصر لقد سر ارجاء الجزيرة وحصل تغيير في البلدان الأخری إثر ذﻟﻚ التحول. ثم يخاطب مصر ويقول:
فيا مصر. مُديّ يد العون وأنقذي العراق ــ حتی يتّضح له طريق الرشاد. والله يکون بعونـﻚ يا مصرُ
ايها الوطن الذي يُفدي ﻟﻚ کلّ عزيز وثمين وکل الأراضي وجميع الأوطان تفدي ﻟﻚ، يوم الفدی. (الجميع تفدي ﻟﻚ)
لقد نهضت الشباب وشمرت عن ساعد الجد والکلّ مستعدة للتضحية والفداء في سبيـﻟﻚ.
إرفع الهامة، وزاحم برفعـة رأسـﻚ النجوم ــ وکيوان ببرجه العالي لا يدانيـﻚ بالشرف ــ لَّانـﻚ أعلی منه عزّةً وشرفاً
حافظ علی الشباب وحافظ علی عهودهم. لانّهم عنوان مجدﻚ وبهم يبنی البلاد.
وفی قصیدة عنوانها «یا فراتی» یقول:
1ــ یا فــُراتي وهـل یُحـاكیـك نهـرٌفي جمـالِ الـضُحی وبـردِ الـعَشِي2ــ مـلكت جانـبیك عُربٌ أضاعـواإذ أضـاعوا حِـمـاكَ عـهـدَ قـُصـي3ــ دنّـَسَت طُهـرَكَ ألمطـامعُ حـتَّیلـم تـَـعُــد تَــنـقَــعُ الـغـلـیل َ بِـــرِي4ــ آه. لـولا خِصبُ العراق وریـفٌهــولــولاه لــم یـكـــن بــمــرِِي5ــ ما أستجاشت له المطامعُ والتفـَّـت عــلـیه مــن الــمَحَـلِّ الَــقصِـي6ــ واستخفَّت به الشعـوبُ،وباتــَتوهـي تـرنــولــه بـلـحظٍ خــفيّ7ــ قــد نـطقـنا حـتـَّی رُمِینا بـهُجرٍوسـكـتـنـا حــتـَّی اتـُّهِـمـنـا بــِعِـي8ــ ورضـِینا حُـكمَ الـزَّمانِ وما كانَ احـتكـامُ الــزَّمانِ بـالـمَـرضـيالمصدر نفسه،ج1، صص 128و127.
الشاعر يخاطب الفرات وهومنبع الرّي والخصب للعراق ويقول: يافراتي هل يشابهـﻚ نهر في العالم من جهة الجمال في الضحی وبرد العشاء.
ولقد ملکت اطرافـﻚ علی جانبيک طوائف من العرب وبادوا ولم يبق لهم ذکر لانّهم اضاعوا حماﻚ في العهد القديم ولذﻟﻚ لم يبق لهم ذکر.
والاطماع قد دنست ماءُﻚ الطاهر، وعدت لم تروي عطش العطشان.
ويتحسّر الشاعر ويقول: لولا خصب العراق وأريافه لما کان بلداً يذکر في الخيرات.
ولولا البرکات والخيرات في العراق لما طمعت به الأعداء ولما طمع به الطامعون ولما اتت إليه الغزاة الطامعون من مکان بعيد ومن أجل ذﻟﻚ.
واستهانت به الشعوب وباتت تنظر إليه بنظر خفي يطمعون به من وراء ذﻟﻚ استحقاراً واستخفافاً به.
وتحدثنا واظهرنا مابنا من مصائب حتی من کثرت ما قلناه اصبنا بالهذيان وسکتنا في مواقف اُخری حتی عيب علينا بعدم النطق.
ورضينا بما حکم به الزمان علينا من مقادير في الأمور، ولکن ما انصف بنا الزمان وکان حکمه جائراً علينا.
وفي قصیدة عنوانها «النجوی» یستثیر الهمم ویرجوالبعث والنهوض للشعب: عاش الجواهري في خضم أحداث العراق بكل تفاصيلها وشهد احداث العالم العربي والعالم خلال قرن من الزمن شهد حربين كونيتين هزائم وانتصارات لحكومات وشعوب وانهيارات وانكسارات لحركات تحرر.. صراعات وتحولات في انظمة وسياسات عاصرها الجواهري متفاعلاً وفاعلاً ومشدوداً لها فهل يمكننا ان نختصر قرنا من الزمان؟ هوحياة الجواهري كلها تمثلها شعراً كشاهد على عصر وتاريخ؟ ویندد من یروجون فكرة التسلیم لأنّهم حسب ظنّهم لایستطیعون النهوض والقیام أمام الغرب:
1ــ یقــولـونَ: لـیـلٌ علـیـنـا أنــاخنهارٌ علی الغـربِ یُعشي الـعیـونا2ــ وأنـّـَا نسـینـا عــنـاءَ الـقـلـوبلأنــَّا بـهــذا الـــدُّجــی هــادئـونا3 ــ ألا هِــزَّةً تـستــثیـرُ الـشّـعـوبفـقـد یُـدرِكُ الــنـَّهــزَةَ الثـائـرونا4ــ ألا قـبـساً من شـُعـاعِ الـكـلیـمتُعـیدُ علی الشَّرق یا «طُـورَ سینا»5ــ ولـسنـا وقـد أعجـزتـنا الحـیاةعـن الـمـوتِ في نیلهـا عاجـزینـا6ــ ألاَ هَـل أتـی نـوَّماً فـي العراقِأنـَّـا لأجـــلِـهــمُ ســاهــرونـــا7ــ أحـبــَّتــَنـا إنَّ هـمـسَ الــبحارزفـیـــرُ الأحــبَّـة لـو تـعـلمـونــا8ــ أصیخـوا ولولاهـتـزازِ القلوبفـلیسَ مــن الـعدلِ أن تـُوحدونـا9ــ إذا مــا وردتــم نـمـیـرَ الـحـیاةوراقَ لــكــم وردُه فــاذ كرونـا10ــ وإنَّ لاحَ صـبـحٌ لـكـم فـاذكــُرُوابـأنـَّا بـلیـلِ الـعـمی خـابـطـونـاالمصدر نفسه، صص 132- 129
يندد الشاعر الذين يرضخون امام الذّل ويقول: يذعنون هؤلاء ويقولون قد خيّم علينا ليلٌ من الجهل ولکن سطع نور العلم علی الغرب وهونورٌ لکلّ البصر عند مشاهدته.
وقد نسينا تعب القلوب وايضاً نسينا ما حل بنا لأنّا نعيش حياةً هادئة في ظل هذا الجهل المظلم.
ثم يتمنی الشاعر أن تحدث هزّة في کيان هذه الشعوب حتی يستفيقوا من نومهم.
وکذﻟﻚ يتمنی أن ينبثق نورٌ وشعاع من قبس موسی (ع) حتی يعيد علی الشرق ما ضيه الماجد.
ثم يقول، نحن لا نعجز عن إدراﻚ ما نبتغي حتی وان اعجزتنا الحياة وکل ما اصابنا من عجز وتأخر هونتيجة الصعوبات التي فرضتها علينا الحياة.
ثم يتسائل ويقول: هل هناﻚ ناسٌ نوم في العراق ولم ينهضوا ونحن من أجل تـﻟﻚ النّوم ساهرون.
ثم يخلق الأمل في نفوس شعبه ويقول: ايّها الاصدقاء تيقنوا أن الصوت المنخفض في البحار دليل علی حدوث امواج هائلة في المستقبل.
ويطلب منهم ان يثوروا وان تهتز قلوبهم وان لا يترکوا الثّوار وحَدهم.
ويقول لهم: يا احبابي واصدقائي، عندما تشربون الماء العذب واستطاب لکم الشرب والأکل فاذکرونا.
وان اتاکم الصبح المنير فتذکروا حالنا، لاننا نعيش في ليل دامس من الفتن والاضطراب، ولا يهدءُ لنا بال.
في قصیدة عنوانها «درس الشباب أوبلدتي والإنقلاب» یقول: بالحاكم ففعل ما فعل أسلافه لانه يرى وما رأه صحيحاً انه ليس أقل منهم مكانة ولا أصغر موهبة ولا أضأل طموحاً تاريخياً، ولم يجد الجواهري مانعاً نفسياً من ان يلعب لعبة الإستغلال المتبادل مع بعض الأحزاب والتيارات ما دام الأمر يعود على مشروعه الشعري بالفائدة، فيتبنى في مرحلة معينة فكراً يخدمه بشعره ليتبنى الفكر نفسه حزباً كان أوتياراً. فهویحرّض الشباب علی النهوض. ویطلب التجدید في حیاة الأمّة ویستنهض الهمم:
1ــ إنــزِعــي یــا بــلــدتـي مـــارثَّ مـــن هـــذي الــثـیــابِ2ــ وإذا خِــــفــــتِ عـــــــراءًفــســیـكـســـوك صـحــابــي3ــ أمَــــلٌ لـي فــیـكِ، بــعـد اللَّــه، یــنـمــوفــي الــشــبـاب4ــ یــا بــني الــشـعــریـن فــيأعـمـالـكـم فـصـلُ الـخِطــاب5 ــ رَهـــنُ مــا عــنــدكــم مــنهـــمــةٍ عــقــبـی الــمـــآبالمصدر نفسه، ص 176.
يطلب الشاعر من البلاد أن تجدد مناهجها وتسير مع الرکب الحضاري الجديد ويقول: يا بلادي انزعي ما عليـﻚ من ثياب رثّة وبالية.
وإذا خفت أن تعري فهناﻚ رفاقي الأمجاد سوف يکسونـﻚ ثياب العزّ الجديدة.
وکل ما ترجوبعد الإتکال علی الله هوأن تدّبَ روح الثورة في الشباب.
ثم يخاطب أبناء الشعب ويقول: يا أبناء العشرين أنتم بناة المستقبل وفيکم فصل الخطاب.
إنّ الهمة التي تمتلکونها هي آخر المطاف والهمم هی التي تقرر مسير البلاد.
وفي قصیدة عنوانها« ویلي لأمة یعرب» یقول:
1ــ جِــدُّوا فــإنّ الـــدهــرَ جَــداًوتـراكـضُـوا شِـیبـاً ومُـردا2ــ وتحـاشَــدوا خَـیرُ الـتسـابقلـلعُــلی مـــا كـــانَ حَــشـــدا3ــ صُـولـوا بعــزم لیس یـصدأُحــــدُّه والـــسـیــفُ یــصــدَا4ــ لا تَـقعُــدوا عــن شـحـنـِهــاهِـمَـمـاً تَــئِــدُّ الــــدهــــرَ أدَّا5ــ أولـستُـمُ خـیـرَ الـمــواطـنِمَــوطــنـاً وأعـــزَّ جُــنــداالمصدر نفسه، ص 182.
يقول الشاعر: اعلموا الجدَّ ولا تتهاونوا، فان الدّهر قداستعمل الجدَّ بکم وانهضوا واسعوا شيباً وشباباً.
وتسابقوا نحوالعلی، واکسبوا المعالي والمفاخر، وليکن منکم تکاثف في السباق.
واهجموا بعزيمة لا يصدأ حدّها، ولا تلين شدتها وبّما يکل حدّ السيف ولکن حد العزم لا يکل ولا يصدأ.
وتابعوا تـﻟﻚ الصولات ولا يهن عزمُکم، وتابعوا الهمم وارغموا الدهر تـﻟﻚ الهمم وادحضوه.
ثم يتسائل الشاعر ويقول: ألستم خير الشعوب، وبلدکم خير البلاد. وکنتم اکثر البلدان قوّة وعزّة.
وفي قصیدة عنوانها في «ذكرا ا لخالصي» یستنهض أبناء شعبه ویدعوهم الی الثورة والقیام یقول:
1ــ قد قلتُ فیك وقلتُ ثـانيَ مَـرَّةٍولـســوف أرجِـع كـرّتي فــأقــول2ــ أما العراق، وقد قضیتَ، فكفُّهُمـشلـولـةٌ، وحسـامُــهُ مــفـلــول3ــ إن ینتـفض فَـبِقـوةٍ مـستغـلـبٌأویـنـتهـض فَــبـِـذِلَّــةٍ مــغـلــول4ــ اللهُ، والأوطـانُ تــعـرِفُ نـیّتيوعــلـيَّ فــیـمـا أدّعــیـهِ، وكــیـل5ــ إني اذا شَغَـل الــغـرامُ مـتـَبـَّلاًفــأنــا الــذي بـبـلادهِ مـشـغـــول6ــ وطـنٌ جـمیـلٌ، وجـهُهُ بـغــدادُهُورُضـابُـهُ مــن دِجـلـةٍ مــعسـولالمصدر نفسه، ج 1، ص 188.
قد قلت في شأنـﻚ واُعيد القول فيـﻚ وسوف اُکرر القول فيـﻚ وأقول حول العراق.
أما مايرتبط بالعراق فأنّ کفّهُ مشلولة وحسامه مفلول عن النضال.
وأن يستنهض شعب العراق فأنّ القوة التي يمتلکها فهي قوة الآخرين وليست قوّته الذاتيّة وإن اراد أن ينهض فانّه مکبّل الأيدي من قبل الإستعمار.
وانّ الله والأوطان يعرفون نيتي وما يخطر في بالي والله علی ما أقوله شهيد.
إني إذا شغفت في الغرام، فالواقع أني مشغول ببلاد ذﻟﻚ الغرام ولديَّ إلتزام الکافي تجاه الوطن.
وهذا الوطن، هووطني الجميل وطلعته بغداد وماءُ ريقه من دجله وهوکالعسل.
وفی قصیدة عنوانها «الوطن والشباب» یخاطب فیها شباب الوطن:
1ــ أشــبــّانَ الـعـراق لـكـم نـدائیومــثـلُـكُــمُ جــدیــرٌ أن یُــنــادی2ــ ألــسـتم إن نـبا بالشعب خطبٌنــضـیـنــاكــم لـه قـضـبـاً حــدادا3ــ وحسب الشعبِ بالفكرِ اعتقاداًوبـعـد اللـه بـالـنـشءاعــتضــادا4ــ لــسـانـی نـافـثٌ سَـمّـاً وطبعيیــلــطــفُــهُ فــتـحسـبُــه شِـهــادا5ــ لـئـن غـطـی عـلی كَبِدي أدیـمٌفـكم مـن جـمـرةٍ كُـسِـیـَت رَمــاداالمصدر نفسه، ص 217.
ويقول: يا شباب العراق أناديکم ــ لأنکم أهلاً لذﻟﻚ وجديرون أن تندبوا.
فأنتم الذين إذا حلَّ خطب في البلاد، نجدکم کالسيوف البتّارة أمام تـﻟﻚ الأمر العظيم.
وکفی بالشعب أن يتمسک بعقيدته وبکفره وأن يعتصم بعد الله بالجيل الجديد.
فی قصیدة عنوانها «النفثه» یخاطب فیها الأمة العربیة ویندد باعمالها ویدعوالی مقارعة الأعداء یقول:
1ــ السَّلـم لا یُـجدي بیـوم الـكفاحفــاسـتقبـلِ الأیـام شـاكی السلاح2ــ یــاأُمـــةً أعــمـالُـهــا طــفــرةٌبُشــراكِ قـد انتجـت قبـل اللِّقـاح3ــ مــن لـي بشـعـبٍ واثـقٍ آمــنٍغُــــدُوُّه ُ لـــغــایــــةٍ والـــرَّواح4ــ قــد فـَـوَّضَ الأمــرَ لــشُبـانــِهِفــكـُلـَّلـت أعــمـالــُهُ بــالـنجــاحالمصدر نفسه، ص 225.
الصلح لا يفيد في يوم الحرب فإذهب إلی استقبال الحرب مع الأعداء تام السلاح.
يخاطب الشاعر اُمّته ويعزواعمالها إلی طفرة ويقصد بذﻟﻚ أنّ الأحداث التي تحدث في بلاده هي بمثابة الوثوب والقفزات، وعند ذﻟﻚ يحدث التغيير في البلاد، فالشاعر يُبشر أمته بالإنفراج والتوسع.
ويمنی أن يکون شعبه آمن وواثق بما سيحدث في المستقبل، لأنه يحدونحوغاية وهدف منشود.
لأنّ هذا الشعب فوّض أمره إلی الشباب فتقترن أعماله بالنجاح.
وهكذا كانت أحوال العراق تزداد سوءاً، حتی سدت علی الشریف الأبي سبل العیش الكریم، فما عاد للعلم رجاء، ولا للفهم نفع، ولا للأدیب مكان، فسوط العذاب مدخر لكل حر ناهض والمناصب العلیا مدخرة لكل خامل مغفل، اودجال مستغل أووصولي خسیس ممن یمیت الكسب نفوسهم، وتعمي المغانم عیونهم وتصم الشواهات آذانهم عن نداء الحق
1ــ تحـفَّـت أُباةٌ حـین لم یُلـفَ مركبٌنزیهٌ إلی قصدٍ من العیش یُركب2ــ فلا العـلمُ مرجـوٌّ ولا الـفَهم نافـعٌولا ضامنٌ عیشَ الأدیـبِ التأدُّب3ــ ومُـدَّخرٌ ســوطُ العـذابِ لـناهـضٍومُـدَّخَـرٌ للخـامِـلِ الـغِــرّ مَنصِب4ــ أقــولُ لـمـرعــوبٍ أضلَّ صـوابَـهتـردّي دساتـیـرٍ تُضِلُّ وتُـرعِـب:5ــ ألا إنَّ وضع النَّهي والأمرِعنَدناغریبٌ وأهلُ النهي والأمرِ أغرب6ــ تداولَ هذا الحُكـمَ ناسٌ لوَ أنَّهـمارادُوهُ طـیفـاً فـي مـنـام لخُـیّبــوا7ــ قـصـورٌ وأریـافٌ یَلَذُّونَ ظِـلَّهاوجاهٌ وأموالٌ ومَوطیً ومَركب8ــ یخافونَ أن یَشقَوا بها فیؤاخَذواإذا كشفوا عمَّا یَـرَونَ وأعـربـوالمصدر نفسه، ج 2، ص 61.
يقول الشاعر: عند ما لم يحصل مرکب يُرکب عليه، سعت أباة الضيم تمشی حفاة، اي ترجلت الرجال في وقت لم يحصل مرکب يرکب عليه.
فلا أمل في العلم وفي البلاد ولافهم ينتفع به بين الناس، ولا ضامن يضمن عيش الأديب.
وهناک أما، أميرٌ بيده سوط العذاب، يدخره إلی الذين ينهضون في البلاد وسدّت الأمور إلی غير أهلها.
فاقول للذي اصيب بالرعب وتاه طريقه وفقد الصواب تکثف بالدساتير وأنت مرتعب العواقب.
أصبح في بلادنا أمرذوي النهي عجيب وغريب وأن أهل النوی أصبحوا في البلاد غرباء والأمر السائر في البلاد أغرب من ذﻟﻚ.
في الواقع أن متولي الأمور في البلاد هم أناس قد حکموا وتداولوا الحکم ولوأرادوا طيفاً في المنام لخيّبوا ظنونهم. وما أدرکوا شيئاً وما أصلحوا شيئاً للبلاد.
وقد تمتع هؤلاء الحکام بالقصور والأرياف وإستمتعوا بظلها وإمتلکوا جاهً وأاموالاً وأوطاناً ومراکب، أي ملکوا جميع ما أرادوا.
فهم من کثرة تهاويهم بالممتلکات والأسراف بالترف يخافون أن يفتضحوا يوماً.
فإذا كان هؤلاء النفعیون الوصولیون یسكتون عن الفساد، ویحالفون أصحابه حرصاً علی مصالحهم فلماذا یسكت الجمهور الشعب المحروم والمظلوم والمسلوب حقوقه وكرامته وحریته واتعابه؟ وماذا یخشي أن یخسر؟ فلا هومطعمه، ولا هوصاف مشربه ولا مال لدیه، ولا عزّ ولا نعمة وهوسلاح البلاد والمعول علیه في كل ملمة فلماذا ینبو؟
1ــ سلاحُ البلادِ المرهفُ الحدِّ ما لهنَبا منهُ في یومِ التَّصادُم مضربُ؟2ــ أفي كلِّ یـومٍ في العـراقِ مُـؤمّـرٌغــریـبٌ بِه لا الأمُّ مـنـه ولا الابُ3ــ ولـم یُـَر ذا بطشٍ شدیدٍ وغِـلظَةٍعــلی بَــلَـدٍ إلّا الــبعــیـدُ الـمُجـنَّـبُ4ــ أكُـلُّ بَغـیضٍ یُـثقِـل الارضَ ظِلّهُوتـأبـاهُ یـُجـبـی للـعـراقِ ویُجـلَبُ5ــ وحُجَّتُهم أن كانَ فـیما مضی لناأبٌ، اسمُهُ عـنـدَ التواریخ یَعـرُبُ6ــ فیا أیُّها التاریخُ فارفُض مَهاِزلاًسَتـرفُـضها أقلامُنـا حــینُ تكتَـبُالمصدر نفسه،صص63و62.
يقول الشاعر: سلاح البلاد سلاحٌ حادّ وقاطع لا يکل ولا يصدأ في يوم الضرب وحالة القرع.
ولکنّ في العراق کل يوم، يأتي غريب يترأس السلطة ويتحکم علی البلاد وليس له علاقة في البلاد، لا من جهة الأمّ ولا من جهة الأب. فهوغريب أجنبي ولکن حکم علينا.
وهذا الحاکم الغريب لا توجد عنده قُدرة وبطش يدافع بها عن البلاد وليس هوصاحب قدرة وسطوة علی البلدان الاخری، لأنه اجنبي.
لماذا يجلبُ کلّ أجنبي، ثقيل علی النفوس يحکم في العراق وهوبغيض لا يحبه الشعب ولا يرضاه، ثقيل علی النفس حتی الأرض تتثاقل من ظله، فما باله هو.
وحجت هؤلاء القوم والمنصاعين للحکم الأجنبي هوتمسکهم بالماضي وأن جدّنا يعرب وهذا يکفي لنا. ثم يخاطب التاريخ ويقول:
فيا تاريخ الأمة إرفض ما يدعونه هؤلاء القوم، لأنّها مهازيلاً لا تغني شيئاً وسوف ترفضها أقلامنا هذه المفاخر التافهة.
وفی قصیدة عنوانها «تحرك اللحد» نظمه بعد أشهر معدودات من الإنقلاب العسكری الذي قاده الفریق بكر صدقی سنة 1936 وقد أخذت القوی ألتی أطاح بها الإنقلاب تتحرك وفی ذلك یقول الشاعر:
1ــ كِلُوا إلی الغـَیبِ مـایـأتي به القـَدَرُواستَقـبلویومَكُم بالعزمِ وابتدروا2ــ لا تَترُكوا الیأسَ یَلقی في نُفوسكملَـه مـَدَبـّاً، ولا یـأخُــذكُــمُ الـخَــوَر3ــ وأجمِعُوا أمـرَكُم یَنهَـض بسعیِكُـمُشَعبٌ إلی هِمَمِ الساعینَ مُـفـتَـقِـر4ــ إنَّ الشبابَ سِنـادُ المُـلكِ یَعـضُــدُهُأیّــامَ تـُوحِــدُهُ الأرزَاءُ والـغِــیــَر5ــ طـالت عَـمایةُ لـیـلٍ ران كـلكـلُـــهعــلی الـبـلادِ وإِنَّ الـصُبحَ یُنـتظر6ــ وإِنَّمـا الصُبحُ بالأعـمال زاهـــیـةًلاالوعـدُ یُغري ولا الأقوالُ تنتَشِرالمصدر نفسه، ج 2، ص 111.
قول الشاعر: دعوا أمرکم إلی الغيب وما قدر الله وإستقبلوا يومکم الجديد بالعزم والجّد وإستعجلوا.
ولا تسمحوا لليأس أن ينفذ في نفوسکم وينقص من عزمکم ولا تتکاسلوا.
وإتفقوا جميعاً ووحدوا جهودکم وکونوا شعباً بحاجة إلی إهتمام الساعين.
وفي الأبيات المذکورة، يبين الشاعر، دور الشباب وأهميتهم في البلاد وفي إتخاذ القرار ويقول: في الواقع إن الشباب هم عماد المـﻟﻚ والمـﻟﻚ يبتنی عليهم وفي ايام المحن والمصائب يتکیءُ البلاد علی الشباب. ثم يقول:
خيّم الظلام علی البلاد وناء بکلکله، وطال الجهل في البلاد والصبح منتظر، اي عن قريب يأتي صبح الحرية والإزدهار ويزول ظلام الجهل والإستبداد.
ولايتحقق صبح الإزدهار والفرج إلابالأعمال الجادة والمثمرة وليس بالوعود الکاذبة والأقوال دون العمل.
الجواهري وإلتزامه بمکافحة الظلم:
الجواهري شاعر ثوري بطبعه ومزاجه يرفض الظلم ويندد بمن يرتکب الظلم ولا يقبل الإنقياد للشعب العراقي خاصة والشعوب الشرقية عامة، فنراه في قصيدة عنوانها «منی الشاعر» يتسائل عن مدی الظلم وهل له نهايه؟
ثم ینسب الظلم إلی خصال بنی البشر وأن هذه الخصال موروثة من عهد أبیهم آدم (ع) ولكن أمة الشرق لا تعرف إلا العناء وإن تملكت الأمور وحكمت علی البلدان في مر العصور. ولكن آل أمرها إلی الفشل لأنّها فقدت التماسك بینها وأولوا ذلك الضعف والهوان إلی القدر المحتوم:
1ــ حمامةَ أیكِ الروض مالی ومـا لَكِذُعـرتِ، فهــل ظُلُـم الـبریـة هــالَـكِ2ــ أعـنـدك عـلـمٌ أنـنی مـن معــاشــرأبوهم جنی واختـار أدنی المسـالــك3ــ فقـلت مـطـاراً أُمـَّة الشـرقِ هـكـذاتَمـلّكـتِ الأطیـارُ أعـلی المـمــالـك4ــ تبـاكوا وقالوا الشرق مال دِعامُهوهـل دَعـمٌ قــامت بـغیـر التمـاسُــك5ــ وقالوا: هي الدنیا عِراكٌ، رویَدكمفــانّا ضِعـاف مـالـنـا والـتهــالـك ]]المصدرنفسه، ج 1، ص 65.
يتسائل الشاعر ويقول يا أيُّتها الحمامة النائحة علی الأشجار، ما بنا إننا قد ذُعرنا فهل ينتهي ظلم البيئة أم لا؟
وهل تعلمين أنني من قومٍ، قد ارتکب أبوهم جناية وإنتخب المساﻟﻚ أي بعد ما إرتکب جريمة رکب رأسه وخرّ إلی المساﻟﻚ ولعلّه يقصد بذﻟﻚ قصة قابيل عند ما قتل أخاه وتواری عن أمَّه وأبيه وکلّنا بني البشر أولاد ذﻟﻚ القاتل المتواري.
وقلت إنّ دئب الشرق کلّه هکذا ــ تملکت فيه الأطيار أعلی المماﻟﻚ.
لقد أظهروا الجزع والوبل علی أنفسهم وقالوا انّ دعائم الشرق قد مات وحصل فيه الأنهيار والتخلّف، يا تُری هل دعائم إستمرت دون التماسـﻚ والتعاضد، فالدعائم لا تستمر حتی يحصل بين أفراد المجتمع تماسـﻚ وإتحاد.
وقالوا، إنّ الدنيا إبتنت علی النزاع والآن فيها حروب، فامهلوا فاننا ضعاف لاطاغة لنا في الحروب (أی قنعوا بالذّل والهوان)
وفی قصیدة عنوانها كذب الخائفون یقول:
1ــ رمـقَ الأُفــقَ طــرفُـه فـتـرامــیورأی الـحــق فـــوقــه فــتعــامی2ــ كـلَّ یـــوم للحـاكـمـیـن كــؤوسجـرَّعـوها الشعــوب جـاماً فجاما3ــ كـذبَ الخـائـفـون مـا الضیمُ منـاأيُّ شعب یُــرضیه أن یستضاما؟4ــ إن حِفظتم علی الصُّدور وسـاماًفـمن الـشعـب قـد أضعتـم وسـاما5ــ آیـتا الـعـرب فـي نـدیً وزِحـــامطـیـِّبوا ذ كـركـم، ومـوتوا كـراما6ــ أنـا ذاك الـحـر الـعــراقـي إمـــّاحَـنَّ یستنهـضُ الـعراقُ الـشاماالمصدر نفسه، ص 143.
يندد الشاعر حالة الخائفين وأنهم يتعامون عن الحقيقة ويقول: نظر هذا الخائف بطرفه للحقيقة وما يحدث ورأی الحق ولکنه من جنبه يتعامی کانّه لم يشاهد ويغض البصر عن الحقيقة.
وشأن هؤلاء الحکام أنهم جرعوا الشعوب کأس المذلة والخوف کأساً تلوکأسٍ.
ثم يقول: لقد کذب الخائفون بقبولهم الظلم، ليس الضيم منا وأيّ شعب في العالم يقبل لنفسه الظلم.
ولکنکم أيّها الحکام الخائفون إن نلتم مناصب ووضعتم علی صدورکم الأوسمة فکل هذا هومن الشعب ولولا الشعب لما وصلتم إلی هذه الرواتب.
ثم يخاطب العرب ويقول: أيتها العرب الکرماء أينما کنتم، اکسبوا المحامد وحافظوا علی الذکر الحسن وعيشوا مرفوعي الرأس وان أردتم الموت والشهادة فموتوا کراماً.
أنا ذﻟﻚ العراقي الحرّ الذي لا يقبل الضيم والخسف وهل آن الأوان أن ينير ويحرر العراقي في الشام. أي متی تکون الوحدة بين الشعوب حتی يتعاضدوا ضد الغُزاة.
وفي قصیدة عنوانه «تحیة العید أوالملك والإنتداب» إثر تصریح «تشرشل» وزیرالمستعمرات البریطاني آنذاك، بوضع العراق تحت الإنتداب البریطاني... وكان یوماً مشهوداً حین أعلن الإضراب العام، فأغلقت الأسواق وإنطلقت المظاهرات الواسعة، مستنكرة التصریح المذكور، ومطالبة بالإستقلال والحریة.... وقد إمتنع فیه العراقیون عن المعایدة: فهوكأبناء جلدتة لا یبارك ولایفرح بمجیءالعید لأنّ العراق ارتدی ثوب الحداد والتعزیة ویتحمس الشاعر علی حالة الإنتداب التي فرضت علی العراق سیاسیاً واعتبر فك العراق من نیر الإستعمار هوالعید والفرح وهویستبعد هذا الأمر لأن ساسة البلاد مولوعون بالفساد فلا یرجی منهم الخیر والصلاح والإستقلال:
1ــ شـوّالُ جـئـتَ وأنـتَ أكـرمُ وافــدٍبــالعـیـد تُـسعِـدُ كعـبـةَ الـــوُفّـّـادِ2ــ أما الـعراقُ فلسـتَ مـن أعـیادهوعـلـیه لـلأرزاء ثـــوبُ حِـــدادِ3ــ مَـلكَ الـعراقُ هـنـاك ملكُـكَ أنّـهوقــفٌ عـلی سِبـط النـبي الهـاديِ4 ــ زفَّ العراق إلی عُلاك سـلامـهمـا بــیـن حـاضر ربعـهِ والبــادي5 ــ یدعوكَ للأمرِ الجلیلِ ولـم تـزلتُــرجَـی لـیــوم كـریـهـة ونـــآدِ6ــ فكَّ الـعراق مـن الحـمایة تُحیِـهِِوامــدُد لـســـوریّــا یـَـد الإِسـعـادِ7ــ عجباً ترومُ صلاحَ شعبك ساسةٌبالأمس كـانوا أصـلَ كــلِّ فسـادِالمصدر نفسه، ص 84.
الشاعر يخاطب شهر شوال: لقد أتيت بالعيد يا شهر شوال وأنت أکرم وأعزّ وافدٍ علينا وأتيت لتسعد الناس بالعيد ويحل الفرح.
ولکنّ العراق ليس له عيد وقد ارتدی الشعب ثوب الحزن والحداد لما أصابه من ذلّ الإنتداب
وملک العراق هومـﻟﻚ لأبناء الرسول (ص) ولا ينبغي لأحدٍ أن يتدخل في شوؤنه فهووقف سبط الرسول.
لقد زفّ العراق وإتّسم إلی العُلی وأهدی التهاني والتباشير من جميع أرجاءه.
ويستعين بـﻚ إلی الأمور العظام وأنت لاتزال تُرجی إلی يوم الشدائد وتندب إلی النضال. (يخاطب مـﻟﻚ العراق أويخاطب شوال)
والمرجومنـﻚ هوأن تفـﻚ العراق من الإنتداب عند ذﻟﻚ تحيی هذا البلاد لأنّـﻚ تفکّه من القيود والأسر وکذﻠﻚ يطلب منـﻚ أن تساعد وتعين سوريا أن تنجومن نير الإستعمار.
ومن العجب أن هناﻚ رجال سياسة ويريدون صلاح البلاد وهم بالأمس کانوا جرثومة کُلِّ فساد.
في الواقع إنَّ المسألة الوطنیة تتغلغل في شعر الجواهري، قصائد وسطوراً، وكلمات، فهي نسیج شعره ومادته، ومركز إلتزامه وجاء الدیوان بأجزائه الأربعة حافلاً وملیئاً بالكرامة الوطنیة، والنضال من أجل حریة الوطن وإستقلاله ولم شمل الشعب المتفرق وقطع أیدي المستعمرین والأذناب. ولتحقق ذلك نری الشاعر یعطي الطرق والحلول لهذه الأزمة وهي الإتحاد والتعاضد بین أبناء الشعب والكفاح المستمر حتی یصبح البلد حراً مستقلاً متقدماً:
1ــ فیا وطـني إن لم یحِـن ردُّ فائتٍعـلیكَ فانَّ الـدَّهـرَ مـاض وراجع2ــ أحلامـُنا مـنهـا صحـیحٌ وكـاذبٌوأیــَّامـُنـا مـنهـنَّ مُــعــطٍ ومـانع3ــ كما فرَّق الشّمـلَ المجـمَّعَ حادثٌفقد یجـمعُ الـشّملَ المفرَّقَ جامع4ــ وما طالَ عصرُ الـظُلم إلاَّ لحكمةٍتُـنبیءُ أن لا بُدَّ تـدنوالمصارعالمصدر نفسه، ص 59.
يخاطب الشاعر وطنه ويقول: يا وطني العزيز ان حدث بـﻚ من المکاره والمصائب، ولکن الدّهر يمضي ويرجع وتحصل هناﻚ تغييرات في المستقبل.
وهناﻚ تصدّق بعض أحلامنا وبعضها لا تتحقق والأيام تکون معطية ومانعة لبعض ما نتمناه.
وکما يتفرق الشمل اثر الحوادث، ولکن بعض الأحيان يجتمع الشمل المفرق بعوامل أخری فيحصل إجتماع بعد التفرق. فالشاعر يبعث الأمل في قلوب أبناء شعبه.
وعصر الظلم ماطال إلّا لحکمة وهذه الحکمة توحی بأنّ صراعاً قريباً يحدث في المستقبل.
وفي قصیدة عنوانها «ضحایا الإنتداب» نظمهاالشاعر راثیاً بها الأخوین الشهیدین عمر وبكر وكان لمصرعهما اثناء انتخابات عام 1928 النیابیه اثر كبیر فی النفوس.
1ــ دم الأخـوین فـي الكفنین یغـليخطاب لـووَعَـی قــومٌ خطـابـا2ــ سیعـلمُ من یخـال الجَوَّ صـفـواًبأنَّ الــجــوَّ مــمــلــوء ضبــابــا3ــ ومن ظنّ المجـالسَ عـامـراتٍبـمــدح أنّهــا شُـحِـنـَـت سِـبـابــا4ــ ویعرفُ من أراد صمیمَ شعبیرَمـِّـیــاً أيَّ شــاكــلـةٍ أصـــابــا5ــ ولـوعَـرَفـَت بلادي مـا أرادَتبـهـا الـنُـواب لـم تـرد انـتـخـابــاالمصدر نفسه، ص 239.
يقول إنّ دَم الأخوين الشهيدين يفور ويغلي وفي ذﻟﻚ الفوران خطاباً للأمة، لوفهمت الأمة ذﻟﻚ الخطاب.
وليعلم الذين يظنون أن الجوصفواً وليس فيها کدر، أن جوّ العراق مليءٌ بضباب الظلم والقتل.
وهکذا ليعلم الذين يظنون أن المجالس عامرات بالنقاش والحوار الهاديء، کلا أنّ المجالس قد ملئت بالسّب والشتم.
وليعلم من قصد أن يرمي الشعب ويُصيب قلبه، أيّ شکل قد أصاب، وإلی اي شي سدد رميتَهُ.
ولوعلمت البلاد ما أرادوا بها الأعداءُ من وراء هذه الإنتخابات، لم يساهموا بهذا الإنتخابات، لأنّ الأعداءُ أرادوبالشعب شراً من وراء ذﻟﻚ.
ويظهر إلتزام الشاعر في توعية أبناء شعبه ويقول:
1ــ وضُوِیقتُ حتی في شُعوري وإنَّماشعوريَ بُقیا عُــدَّتي وعَتـادي2ــ ومـا لـذَّةُ الـدُّنـیا إذا لــم أكـن بهـاأُمتـَّـعُ فـي تـفـكـیـرتي ومُـرادي3ــ فـلا تَـنشُـدوا حُـریـّةَ الــفكـر إِنَّهـا«بـبغدادَ» معنی نكـبـةٍ وصـفـاد4ــ إلی الیوم في«بغداد» خنقُ صراحةٍوتــعـذیــبُ آلافٍ لأِجـــــل أحاد5ــ مـداخلةٌ فـي مجـلـسٍ ومـســاربٍوتـضـیـیقـةٌ في جـیـئـةٍ ومـَعـاد6ــ وخلّوا اهتضامَ الشعر إِنَّ حدیثَـهشجونٌ أقضَّت مَضجعي وَوِِساديالمصدر نفسه، ص 242.
یقول الشاعر: لقد ضيق علیَّ من کلّ جانب حتی في احساسي وشعوري، وما بقی شيءُ عندي الّا الشعور، أخذوا عني کلَّ شيء.
ولا خير في الدنيا إذا لم أتمتع بفکر فيها ولا أنال فيها مرادي.
لا تطلب حرية الفکر، لأنّ حريّة الفکر في بغداد قد نکبت وصُفدت ولا يمکن الحصول عليها وصاحبها يتعاقب بأشدّ العذاب.
حتی اليوم في بغداد تخنق الصّراحة وتعذب آلاف الناس، فالجّوفي بغداد خانق ولا تحصل الحرية.
وتحصل المشاجرات في المجلس وهناﻚ تشتت وتحزب بين الطوائف والأحزاب وهناﻚ مضايقات في التردد وتضارب آراء.
ودعومناقضات الشعر والقريض لأن حديثه صعب المنال، فيه شجون أرقنني من النوم ونقصّت علیَّ راحتي.
وفی قصیدة عنوانها «الأربعین» والتي ألقاها الشاعر بمناسبة حفلة التأبین التی أقـیـمت في بغداد بمناسبة مرور أربعین یوما علی انتحارالسعدون:
1ــ یا أیُّهـا الـسادةُ الأحـــرارُ كــلُّكــمللشَعب ان أعوزَته خدمةٌ خَـدَم2ــ هذي الضحیَّةُ في تبجیلها عِـظَـةٌإن الذي خَدَمَ الأوطانَ مُحـتَشم3ــ ان الـبلادَ بـمرصـاد ومـن سَـفــهٍإن تحسَبوا الناسَ طُرّاً لُعبةً لكُم4ــ إن تنصُرُوها فان الشَعبَ منتصرٌأوتخذِلوها فان الشعبَ مُنتقمالمصدر نفسه، ص 279.
يخاطب الحکام الذين يتحکمون علی رقاب الناس وفي ظنهم أنّ الناس خدمٌ لهم ويقول: ياسادة الناس وايُّها الرؤساء فالواقع کلکم للشعب خدم إذا الحت الحاجة الی خدمتها.
وهذه الضحية التي قدمت نفسها فداء للشعب هی عظة لنا والذي يخدم الوطن يُعزّ ويکرّم ويبجل ويقام له تکريم.
ثم يقول: ان البلاد وأهله بمرصاد لکم ومن السفاهة أن تظنوا جميع الناس لعبة بايديکم وتديرونهم کيفما تشاؤون.
وإن تنصروا البلاد فان الشعب ناصرون ومنتصرٌ لکم وإذا خذلتم البلاد وجررتموها الی هاوية الذلِّ فان الشعب ينتقم منکم.
وفي القصیده «تأبين الغراف الميت» یعزی الشعب العراقی ویحث علی الصبرويظهر عن حزنه إتجاه الظلم الذی حلَّ بالشعب:
1ــ شـعـبٌ أراد بـه الـوقـیعةَ خـصمُـهُوبــنـوه فـهومـمزَّقُ الأوصال2ــ شُغِل«الفراتُ» بضیمه عن«دجلة»ونسی جنوبيَّ العراق شمالي3ــ وإذا سـألتَ الـرفقَ كان جوابُــهُـمما للقـلوبِ الموجَعاتِ وماليالمصدر نفسه، ص 291.
يقول الشاعر: لقد أراد العدّوالوقيعة والنکال بالشعب وأبنائه ولذﻠﻚ صار شعباً ممزق الأوصال.
وحدث التفکـﻚ بين الشعب حتی دجلة إنشغلت عن الفرات وکذﻟﻚ نسی الشمال جنوب العراق.
وعندما تسأل عن الرفق والمداراة بين الناس، يجيبون أنّ هناﻚ وجع وألم في القلوب وهذا الرفق لاطائل فيه مادامت القلوب موجعة.
وفی قصیدة عنوانها «الحزبان المتآخیان» نظمت اثر إتحاد الحزب الوطنی وحزب الاخاء بحزب واحد هوالاخاء الوطنی وكان یمثل المعارضه یقول فیها الشاعر:
1ــ علیكم وان اطال الرجاءُ المُعوَّلُوفي یَدكُـم تحقـیـقُ مـا یُـتـأمَّـلُ2ــ ولابـد أن ینجـابَ لیـلٌ وینـجـليبـأوضـاحه یــومٌ أغــَرُّ مَـحُجَّـل3ــ فإن تسـألِ الأقــوامَ عـنـا فـانـّنـاعلی حالـةٍ خــرقـاءَ لا تـُتَحَمَّـل4ــ بـلادٌ تـُسامُ الجـورَ حُـكما وأمـةٌتُـضام، ودُستورٌ مُهانٌ مُعَطـَّلالمصدر نفسه، صص 313 و312.
عليکم ايّها الحزبان المعولّ والرجاء فيکم وعلی ايديکم تتحقق آمال الشعب والبلاد.
ولا بد لليل أن ينجلي ويأتی له يومٌ أغرَّ يذيل ذﻟﻚ الظلام.
ثم يقول الشاعر إن سألت عن حالنا، فاننا في حالة تشبه حالة الخرقاء وهی حالة لا تتحمّل.
ثم يصف وضع البلاد وما حلّ به من تدهور وشتات ويقول: ان بلادنا يتحکم فيه الجور، سواء کان من الحکام ام من الأمّة، فالبعض يظلم البعض وهناﻚ دستور مهان به ولا تجري أحکامه.
فی قصیدة عنوانها المحرقهَ نظمها الشاعر وكان فی أزمة نفسیة حادة علی اثر ظروف خاصة عنیفة وملابسات سیاسیه واقتصادیة یقول فیها:
1ــ أُحاوِلُ خرقاً في الحیاةِ فما أجراوآسَفُ أن أمضي ولـم أُبقِ لي ذكـرا2ــ ویُؤلـمني فـرطُ افـتكاري بأنـَّنيسـأذهـبُ لا نـفـعـاً جـلـبـتُ ولا ضُـرّا3ــ ولـیس بحُـرٍّ مـَن إذا رامَ غـایـةًتـخـوَّفَ أن ترمي بـه مَــسلكاً وعـرا4ــ ذممتُ مُقامي في العراقِ وعلَّنيمتی اعتزم مسرايَ أن احمَدَ المسری5ــ لَعلي أری شِبراً من الغَدرِ خالیاًكـفـاني اضطهـاداً أنّني طالـبٌ شِـبراالمصدر نفسه، صص 327- 324.
اُحاول أن أحدث خرقاً في الحالة السائدة في البلاد وهی حالة غير مُرضية فلا آسف علی حياتي ولاآسف إن لم يکن لي ذکرٌ بعد الممات.
مع أن الجواهري مؤمن ایماناً وطیداً یخصب بلاده، واخبابها للعظماء. لكنه یعجب، والحسرة تنهش فؤاده، كیف استشرت هذه الأدواء في وطنه، فعمت الفوضی أرجاءه وخیم علیه الظلم في كل مكان، وضاعت القیم وفسدت المقاییس، فبات الحق كالباطل والصدق كالكذب، والإخلاص كالخیانة.
1ــ تكاثـرتِ الأقـوالُ حَـقّــاً وبـــاطـلاًوقالَ مقـالَ الصـدقِ جلفٌ مُكـذَّب2ــ وشُكِّـكَ فـیـمــا تـــدَّعــي تــظّـنیــاًولـوأنـَّــه شحـمُ الـفـؤادِ المذَوَّب3ــ وبـات سـواءً مـن یـثورُ فـیغتـليحماساً، ومن یلهومُزاحاً فیلعب4ــ فمـا لكَ مــن أمــرینِ بُـدٌّ وإنـمــاأخـفهـما الــشـرُّ الـــذي یتجـنب5ــ سكوتٍ علی جمرِ الغضا من فضائحٍتُـمثــَّلُ أوقـــولٍ علیـه تُـعـذَّبالمصدر نفسه، صص 61 و60.
ولقد تکاثرت الأقوال وحدث تخبط في الکلام فهناﻚ کلام حق وهناﻚ کلام باطل وأصبح يقول الحق من هوکاذب.
فتغيرت القيم والمعايير، حتی أخذ البعض يشکـﻚ بالذي تدعيه من أجل غلبة الظنّ والشـﻚ ولوکان ذﻟﻚ القول من شحم القلب المعذّب، والذائب في حب الوطن.
وأصبح الفريقان سواءً، الذي يحاول الثورة ويسعی من أجلها والذي يلهوويلعب.
وهذان الأمران اللذان ساعدا علی البلاد وعلی أدمغة الناس، لابّدَ منها وأخف هذين الأمرين هوتجنب الشرّ والإبتعاد عن المخاطر والمخاوف.
اما أن يسکت المواطن ويلزم الصمت وهوبمثابة الجمرة في الاحشاء واما أن يبوح الإنسان بسره ويعاتب عليه، يعذب اثر ذﻟﻚ القول.
ولم یعد للحُرِّ بدٌّ أمام هذا الواقع المریر، من أحد أمرین كلاهما شرمستطیر.
الخاتمة:
بعد هذه الرحلة الطویلة في ریاض شعر الجواهري وبعد الدراسة المستقصیة عن إلتزامه الوطني نحاول أن نلخص بعض النتائج التي توصلنا إلیها تلخیصاًسریعاً، لنختم بها ثمرة هذا الجهد المتواضع:
1ــ الجواهري عبقري وعملاق القرن العشرین شاعر سیاسي ومؤرخ تاریخي، دخل السیاسة من شتی أبوابها وفي شعره عارض الکثیر من السیاسیین وتعرض للکثیر من المشاکل ببسب جرأته وموکبته الشعرية وشاهد علی العصر بکل أحداثه وتقلباته وهذا واضح لکل من أبحر في نتاجه وغاص فيه، فهوانعکاس لعصر مضطرب.
2- نظم الشعر في سن مبکرة، واظهر میلاً منذ الطفولة الی الأدب، وقال الشعر في أغراض شعریة مختلفة وان الشعر لدیه هوانعکاس عن الحیاة أوالطبیعة وتعبیر عنها لا تقتصر عن غرض ما أوفکرة ما أوموقف بل هي تحتوی کل شیء.
3ــ احتقر العنصرية ودعا الی المساواة والعدالة الإجتماعية بين الناس في کل مکان وزمان ووحدّ الأُمم الإسلامية في سبيل النضال والکفاح لنيل الحرية. کان الجواهري علامة هامة في تاريخ النضال العربي ضد القهر والظلم والطغيان.
4ــ التزامه الوطني مرتبطاً بالتزامه القومي، ووقف مؤيداً لکلّ الثورات والإنتفاضات والحرب العربية التي خاضتها الامة العربية ضد الإستعمار.
5ــ ضميره الصادق وارادته الحرة وذکاءه العميق جعل عاطفته الصادقة تخرج من ضميره الواعي ومعظم هذه العاطفة کرّسها في خدمة الشعب والوطن فاتّسمت بالوطنية وطرح قضايا الوطن وهمومه السياسية والإجتماعية والإقتصادية، وعالجها في اطار الإلتزام الواعي کاشفاً نقاط الغضب في کيان المجتمع.
6- ان اهم میزة في الشعر الجواهري انه استمرار لتراث الشعر العربي العظیم ولعلنا لا نجافي الحقیقة اذا قلنا انه لم یظهر بعد المتنبي شاعر مثل الجواهري وهذه قناعة العرب جمیعاً. في الوقت ذاته واکب الحرکة الوطنیه العربیة،وعبر في شعره عنها،وقدم لها قصائد ستظل خالده. بالرغم من قصائد المطولة التي وصلت الی أکثر من 100 بیت، لا تجد فیها غیر الجید من الشعر.
7- یتصف أسلوب الجواهري بالصدق في التعبیر والقوة في البیان والحرارة في الإحساس، لهذا طبع شعر الجواهري في ذهن الناشئة من کل جیل مفاهیم وقیماً شعریة انسانیة لاتزول. وإلتزم في شعره قضیة الشعب والوطن وراح یعالجها في کل حدب وصوب وهاجم المسؤولین في صراحة جریئة وعنیفة فنجد مظاهر العظمة والإعتزاز والأنوفة في شعره وکان اسلوبه کاسلوب المتنبي فخماً متیناً جداً وغنیاً بالتشابیه البارعة والإستعارات الأنیقة وبعض الصیاغة اللفظیة إضافة إلی ذلک اسلوب الساخر الذي یستخدمه بعض الأحیان.
المصادر:
1ــ القرآن الکريم
2ــ ابن منظور، جمال الدین محمد بن مكرم، لسان العرب، ج 12، دار صادر، بيروت، بلاتا.
3ــ ابوحاقة،أحمد، الالتزام في الشعرالعربي، دارالعلم للملايين، بيروت، 1979م.
4ــ الآبياری، ابراهيم، الوطن في الأدب العربي، دار القلم، القاهرة، 1962م.
5ـ اسماعيل، عزالدين، الشعر في اطار العصر الثوری، دار القلم، بيروت 1974م.
6ــ الأصفهانی، ابوالفرج،تحقیق قصی الحسین، الأغاني، دار ومکتبة الهلال، بيروت،2002م.
7ــ الأميني، محمد هادي، معجم رجال الفکر والأدب في النجف خلال الف عام، ط 2، 1992م.
8ــ انيس، ابراهيم وآخرون، المعجم الوسیط، انتشارات ناصر خسرو، ط2، طهران، بلاتا
9ــ بصيري، مير، العلم والأدب في العراق الحديث، ج3، دار الحکمة، لندن، 1999م.
10ــ بيضون، حيدرتوفيق، محمد مهدي الجواهري شاعر العراق الاکبر، دار الکتب العلمية، بيروت، 1993.
11ــ الجاحظ، ابوعثمان عمر بن بحر، البيان والتبيين، تحقيق درويش جويری، المکتبة العصرية صيدا، ط 2، بيروت 2000م.
12ــ الجندی، انعام، الرائد في الأدب العربي، دار الرائد العربي، بيروت، 1406هــ.
13ــ جودة، السحار سعيد، موسوعة أعلام الفکر العربي، مکتبة مصر،القاهرة، بلاتا.
14ــ الجواهري، محمد مهدي، الديوان (اربعة مجلدات)، دار العودة، ط 3، بيروت 1982م.
15ــ ـــــــــــ،ــــــــــــ، ذکرياتي، نشر دار الرافدين، دمشق، 1988م.
16ــ الجواهري، خيال محمد مهدي، الجواهري وسيمفونية الرحيل،وزارة الثقافة، دمشق، 1999م.
17ــ الجيوسی، سلمی الخضراء، الإتجاهات والحرکات في الشعر العربي الحديث، ترجمة (عبد الواحد لؤلؤ)، مرکز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 2001م.
18- الحر، عبدالمجید، احمد شوقی امیر الشعراء ونغم اللحن والغناء، دارالکتب العلمیة،بیروت،1992.
19ــ حوّر، محمد، فلسطين في شعر الجواهري وقراءات في الادب الحديث، دار الفارس، بيروت، 1998م.
20ــ الخاقاني، علی، شعراء الغری، ج10، مکتبة آية الله العظمی المرعشي النجفي، قم، بلاتا.
21ــ خفاجی، محمد عبد المنعم، مواکب الأدب العربي عبر العصور، مطبعطة الأزهر، القاهرة، 1953م.
22ــ جحا، خليل ميشال، الشعر العربي الحديث من احمد شوقي إلی محمود درويش، دار الثقافة، بيروت، 1999م.
23ــ الخوص، احمد، نظرات في الأدب العربي الحديث، المطبعة العلمية، دمشق، 1986م.
24ــ الخياط، جلال، الشعر العراقي الحديث، دار صادر، بيروت، 1390م.
25ــ الدسوقي، عمر، في الادب العربي الحديث، ج2، دار الفکر، ط 7، القاهره، 1973م.
26ــ ديب، علی حسن، المرأة في حياة الجواهري، الاوائل للنشر والتوضيع، دمشق، 2002م.
27ــ الرکابی، جودت، الادب العربي من الاغدار الی الازدهار، دار الفکر، ط 2، دمشق، بلاتا
28ــ الروضان، عبدعون، شعراء العرب في القرن العشرين، الاهلية، بيروت، 2005م.
29ــ زهدي، زاهد محمد، الجواهري صناجة الشعر العربي في القرن العشرين، دار القلم، بيروت، 1420 هــ.
30ـــ الزوزنی، حسین بن أحمد، شرح المعلقات السبع، دار الکتب العلمیة، ط2، بیروت،2002
31ــ سياحی، صادق، الأدب الملتزم بحب أهل البيت،انتشارات سمت، تهران، 1382ش.
32ــ شعبان، عبد الحسين، الجواهري جدل الشعر والحياة، دار الکنوز الادبية، بيروت، 1997م.
33ــ ـــــــــ،ـــــــــــ، الجواهري في عيون اشعاره، دار الطّلاس للدراسات والترجمة والنشر،
ط3،بیروت،1997م.
34ــ شکیب انصاری، محمود، تطور الادب العربي المعاصر، نشر جامعة الشهيد چمران،اهواز، 1374هــ ش.
35ــ الشيخ، غريد، فدوی طوقان ــ شعر والتزام، دار الکتب العلمية، بيروت، 1994م.
36ــ طبانه، بدوی، التيارات المعاصرة في النقد الادبي، دار الثقافة، بيروت، 1985م.
37ــ عبد الطيف، خليل ابراهيم، ادباء العراق المعاصرين، ج 1،، مطبعة النعمان، النجف، بلاتا
38ــ عزالدين، يوسف، الشعر العراقي واثر التيارات السياسية والاجتماعية فيه، دار القومية للطباعة والنشر، قاهره، 1965م.
39ــ ــــــــــــ،ــــــــــــــ، الشعر العراقي أهدافه وخصائصه في القرن التاسع عشر، الدار القومية، القاهرة، 1965م.
40ــ العطية، جليل، اعلام الادب في العراق الحديث، دار الحکمة، لندن، 1415هـ.
41ــ عفيفي، محمدالصادق،الدراسات الأدبية، دار الفكر،دمشق،1974
42ـــ غنيم، کمال احمد، عناصر الابداع الفني في شعر احمد مطر، مکتبه مدبولی، القاهرة، 1998م.
43ـــ الفاخوری، حنا، تاریخ الادب العربی، توس، تهران،1383ه. ش.
44ــ ــــــــــ، ـــــــــــ، الجامع في تاريخ الادب العربي، دار الجيل، ط2، بيروت،1995م.
45ــ الفراهيدي، خليل بن أحمد، کتاب العين، تحقيق مهدی المخزومی وابراهيم السامرائی، دار الجهرة، قم، بلا تا.
46- فروخ،عمر،تاریخ الادب العربي (ادب القدیم)،دار العلم للملایین، ط5،بیروت، 1984م.
47ــ الفيروز آبادی، مجدالدين محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، ج 4، دارالجيل، بيروت،بلا تا.
48ــ القدورة، زاهية، تاريخ العرب الحديث، دار النهضة، بيروت،1975م.
49ــ القيروانی، ابن رشيق، العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده، حققه وفصله وعلق حواشیه محمد محي الدین عبد الحمید،ط4، 1972م.
50ــ الکفراوی، محمدعبدالعزيز، تاريخ الشعر العربي، ج 4، دارالنهضة مصر، القاهرة،1961م.
51ــ متنبی، ابوالطيب، الديوان، دار بيروت، بيروت،1983م.
52ــ الموسوی، مصطفی المرتضی، صفحات من تاريخ العراق السياسي، دارالإمام الصادق (ع) للمطبوعات، قم،1401هــ.
53ــ المقدسي، أنيس، اتجاهات ادبية في العالم العربي الحديث، دارالعلم للملايين، بيروت،1988م.
54ــ منيف، عبدالرحمن، العراق هوامش من تاريخ والمقاومة، دار البيضاء، المغرب،2004م.
55ـــ ناصيف، أميل، أروع ما قيل في الوطنيات، دار الجيل، بيروت، بلاتا.
56ــ النجفی، محمد حسن، جواهر الکلام في شرح شرائع الاسلام، نشر دار الکتب الاسلاميه، طهران، بلاتا.
57ــ نوار، عبدالعزيز، تاريخ العرب المعاصر ومصر والعراق، دار النهضة العربية، بيروت، بلاتا.
58ــ الواعظ، رؤوف، الاتجاهات الوطنية في الشعر العراق الحديث، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1974م.
59ــ وهبة، مجدی وکامل المهندس، معجم المصطلاحات العربية في اللغة والأدب، مکتبة لبنان، ط 2، بیروت، بلاتا.
60ــ يعقوب، اميل، معجم الشعراء منذ بدء عصر النهضة، ج3، دار صادر، بيروت، 2004م.
المصادر الاُخری:
1- آل یاسین، محمد حسین، بمناسبه رحیل الجواهری، العراق، 26/ july/ 2008 م، الشبکة العنکبوتیه: www. Alsabah.com.
مشاركة منتدى
16 أيلول (سبتمبر) 2016, 15:46, بقلم د.محمد العراقي
قدم الباحث محمدحسون نهاي رسالة ماجستير بعنوان الغربة والحنين في شعر الجواهري الى قسم اللغة العربية في كلية الآداب الجامعة العراقية ببغداد في عام 2007م