

باب السر
كنا نزوره, أحيانا, نستمعُ إلى حكاياه في السوق, كنتُ أشعر و أنا أنظر إلى عينيه, أنني في مواجهة غابة من عيون ,تبصرني في أدق مشاغباتي..و أنه يراني حتى و أنا أحركُ أفكاري لأهمسَ لصاحبي "م" الذي يرافقني, بشيء عن شكوكي.
يصوّبُ العم " شاهد" عصاه نحوي , تغدو شتائمه الموجهة نحونا, أعلى سقف بيت الصفيح - :" مش مصدقين إني أعمى يا زعران.. طيب واحد منكو يسكِّر باب السر"
لم نفهم ماذا يقصد بباب السر.. حتى هتفَ ثانية : الشباك يا أفندية!
يسأله صديقي م : و لماذا نغلق الشباك يا عم " شاهد"؟
– " مش عارفين.قال مش عارفين..مش كل يوم بتييجي "تفاحة الشقرا" و بتوقف على باب السر, مفكري إنو قلبي رايح يستسلم, و يقول : تعالي تجوزيني, يا تفاحة و كوشي ع سنين الشقا !"
أقول ببراءة -: طيب وين المشكلة, هي صبية في العشرين و أنت تجاوزت الستين؟
– "رو حو انقلعو من هون ,أحسن, أنا أتجوز وحدة ناصحة و كمان كانت متجوزة! بنت بنوت أو بلا هالبيعة!"
نخرجُ مطرودين, كالعادة, من منزله المتواضع جداً..و نقرر شيئاً!
مع زحمة الأحداث و مرور الوقت..و تزاحم النداءات الفتية في العروق..ننسى الأمر و ننشغل في حراسة أحلامنا على حدود الجمر.
أنا تركتُ المخيم للدراسة, و بقي الشباب في مواقع الأرجوان المتقدم, إلى أن حلَّ الربيع بزهوره و دموعه و تقدمت الدبابات الهمجية, و قُصفت بالطائرات, القواعد و المخيمات و الجسور و القرى و البساتين و السواحل..قررتُ العودة في الحال..وجدتهم في أعالي الشموخ يفصلهم عن الخنازير, مسافة بستان صغير..رميتُ حقيبتي و كتبي في متاريس صحوهم.
تهجَّرَ السكان نحو المدن الكبيرة.. موحشة و مقفرة كانت الدروب..مغلقة كانت المحلات..تأخَّرَ "التموين" لأسباب نجهلها.. و تضوَّرت النجوم جوعا.ً.
– يجب أن نفعلَ شيئاً..تعبَ الشباب من أكل العشب و النباتات البرية...فلنبحث لهم عن الخبز.
– قلتُ: فلنذهب..
قادَ صديقي "م" السيارة العسكرية. في أحد الشوارع الضيقة الخالية تماماً, شاهدناه..كان العم" شاهد" يسير وحيداً, يتأبط عدة "ربطات" من الخبز.
قال صديقي: من أين يأتي "شاهد" بكل هذا الخبز و هو يعيش بمفرده؟
أجبت : ربما من فكرة خلفية..
– نخطفُ منه ربطة لفكرة أمامية أهم و أجدى .. و لن يعرف شيئاً إنه أعمى!
و سارعتُ و خطفتُ ربطةَ الخبز.. و عدنا إلى الشباب في موقعهم .
بعد أقل من ساعتين..كان العم "شاهد" يقف فوق رؤوسنا في القاعدة.
قال - : "إنتو مش و طنيين أكثر مني.. خذوا كمان.. هاي كمان ثلاث ربطات خبز و رايح بجيب أكثر" ثم أضاف:
– " لازم تشوفو مليح و مش ناقصكو عيون لتفهمو"
و لذنا بالصمت.. و فرحنا حين سامحنا و وافق على شرب" كاسة" شاي معنا.