الاثنين ٥ أيار (مايو) ٢٠٠٨
بقلم عادل الأسطة

بنات إيران... بنات الرياض

مرة سألني محرر أدبي: هل صحيح أن الشعراء لم يكتبوا منذ (هوميروس) حتى اللحظة سوى قصيدة واحدة؟ ولعلني أجبت يومها، متأثراً بمقولة بنيوية: لقد كتبوا قصيدتين؛ قصيدة حب وقصيدة حرب، وكل ما كتب ليس سوى تكرار، هذا إذا جردنا، كما يقول البنيويون.

وانا أقرأ في كتاب مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة، وهو لمجموعة من المؤلفين الفرنسيين، وقد صدر ضمن كتاب "عالم المعرفة" في الكويت، لفت نظري ما ورد في ص95 عن القراءة البنيوية: "فقد ننتقل من قراءة نص ما إلى ربط نصوص مختلفة للمؤلف ذاته للكشف عن بنية نفسية محددة" و" أو قد نربط بين نصوص ذات أصول مختلفة للخروج ببنية شاملة وعامة". وربما ربط المرء بين "أوديب" لسوفوكليس، و"هاملت" لشكسبير، و"السراب" لنجيب محفوظ.

هل يختلف ما سبق عما ذهب إليه طه حسين الذي دعا إلى دراسة الأدب العربي على أساس من الموازنة بينه وبين الآداب القديمة الكبرى، وذلك لأن الحياة الإنسانية تتشابه وتتقارب مهما تختلف ظروفها ومهما تنوع ما اختلف عليها من الخطوب، وقد لاحظ هذا دارسو طه حسين.

قبل ثلاثة أسابيع تقريبا اقتنيت كتابا عنوانه "بنات إيران"، ومؤلفته الإيرانية (ناهيد رشلان)، وكتب على لوحة الغلاف: رواية واقعية، والمؤلفة من مواليد 1945، عاشت في إيران، ثم غادرتها، زمن الشاه، لتقيم في الولايات المتحدة، وقد صدرت روايتها في العام 2006، ونقلت إلى العربية في العام الحالي (2008)، وقد ترجمها عمر الأيوبي ترجمة لا تخلو من أخطاء نحوية كثيرة، حبذا لو تداركتها دار النشر.

لا أدري لماذا وجدتني أقرأ الرواية فورا، علما بأن هناك كتبا أخرى لدي تنتظر القراءة، ويجدر أن أنجز عنها مقالات. وما أن انتهيت من قراءة "بنات إيران" حتى وجدتني أفكر في كتابة مقالة عن صلتها ببنات الرياض للروائية السعودية رجاء الصانع، الرواية الصادرة في العام 2006. هل العنوان وحده هو ما أوحى لي بذلك؟ لا. ليس العنوان وحده، فعدا مقولة فرويد والبنيويين وما ذهب إليه طه حسين، وجدت أن الروايتين في خطوطهما العامة، بعيدا عن الأسلوب، تتشابهان.

تصدر (ناهيد رسلان) روايتها بملاحظة منها: هذا كتاب مذكرات، وهي الأحداث التي ما زلت أذكرها وما قيل لي عندما كنت في سن تسمح لي بالاستيعاب.. وقد غيرت أسماء القليل من الأشخاص والمؤسسات والأماكن للحفاظ على خصوصيتهم...". فهل يختلف هذا التصدير عما أوردته رجاء الصانع في مقدمة روايتها، حين كتبت: أي تشابه بين أبطال الرواية وأحداثها والواقع هو تشابه مقصود. وسيرى قارئ الروايتين أيضا أن الإهداء ليس بمختلف كثيرا.

لا أدري متى بدأت (ناهيد رسلان) كتابة روايتها التي أنهتها في العام (2006). ولا أدري متى بدأت رجاء الصانع كتابة روايتها وإن كانت أشارت فيها إلى زمن كتابة الرسائل وزمن نهاية كتابتها.

هل نشرت الأخيرة مثلا روايتها في بداية العام 2006 أو في نهاية العام 2005، وكتبت عليها تاريخ 2006؟ وهل كانت هذه الرواية من قراءات الروائية الإيرانية، هذا إذا كانت تجيد العربية، هي التي أقامت فترة في الأهواز الإيرانية؟

وربما راودني سؤال آخر هو: هل أصدر ناشر "بنات إيران"، وهو صاحب دار الكتاب العربي في بيروت، الرواية لأنه لاحظ رواج رواية "بنات الرياض"، فأراد أن يغتنم الفرصة ليبيع؟ بل يمكن إثارة سؤال آخر أسبق من السؤال السابق هو: هل أقدم المترجم عمر الأيوبي على ترجمة "بنات إيران" لأنه لاحظ رواج رواية "بنات الرياض" فاغتنم الفرصة لتلبية حاجة السوق إلى هذا النوع من الكتابات، أم أن هناك سببا آخر يكمن في حضور إيران في لبنان والمنطقة العربية في هذه المرحلة؟

أحد معاني البنيوية: التجريد والتعميم والنموذج، ونحن حين نجرد الروايتين من الملامح الخاصة لهما؛ كمكان الأحداث وأسماء الشخصيات واللغة، حين نفعل هذا فهل نجد اختلافا بينهما؟ إن كلا من "أوديب" و"هاملت" و"السراب" تسير في الفكرة نفسها: الارتباط بالأم وقتل الأب أو من يحل محله. ولا أظن أن بنات الرياض" و"بنات إيران" بعيدتان من حيث الخطوط العامة عن بعضهما: هموم البنات وحظوظهن العاثرة غالبا في مجتمع محافظ تقليدي، يتعلم فيه الرجل ولكنه يظل خاضعا للعادات والتقاليد وللأهل، مجتمع على قدر كبير من التناقض.

هل سنقرأ عما قليل رواية اسمها بنات فلسطين؟ ولا أدري إن كان كاتب إيراني ينجز الآن رواية عنوانها شباب إيران أسوة بما فعله كاتب سعودي حين كتب: شباب الرياض. الأشياء تتشابه، وتتكرر.

هامش: أتذكر كنفاني

وأنا أقرأ "بنات إيران" تذكرت أيضا غسان كنفاني. تذكرت روايته "عائد إلى حيفا" (1969)، وتذكرت مأساة الأسرة الفلسطينية التي كانت تقيم في مدينة حيفا، وغادرتها في العام 1948 بسبب الحرب. سيترك سعيد وزوجته صفية ابنهما خلدون، ولن يتمكنا من رؤيته إلا في العام 1967، بعد حرب حزيران وفتح إسرائيل الحدود بين المناطق المحتلة في العام 1967، وما غدا دولة إسرائيل- أي المناطق المحتلة في العام 1948. وسيحاول الزوجان إعادة خلدون الذي غدا (دوف)، فلا يعود، فالابن كما يقول الشيوعيون لمن يربي. هل تذكرون مسرحية (برتولد بريخت): دائرة الطباشير القوقازية؟ هل تذكرون علام بناها؟

ستحتكم السيدتان، الأم التي ولدت والأم التي ربت، إلى سيدنا سليمان، وسيرسم دائرة بالطباشير، ليكون الولد من نصيب الأم التي ربت، لأنها كانت أحرص على الطفل من أمه التي ولدت. وستكون الأرض في مسرحية (بريخت) من نصيب الذين دافعوا عنها يوم احتلت، لا من نصيب أصحابها الذين هربوا وتركوها يوم اندلعت الحرب، وسيظل خلدون- دوف مع أمه اليهودية (ميريام) التي ربته، ولا يعود مع أبيه وأمه البيولوجيين. طبعا لم يكن كنفاني ليقول إن دوف/ فلسطين غدت من حق اليهود، فهو يرى أن أهل فلسطين لم يتخلوا عنها في الحرب، ذلك أن الحرب لم تكن متكافئة، ولم يكن ثمة أخلاق فروسية في النزاع. هناك خديعة ومؤامرة وظلم غير مبرر.

في "بنات إيران" تعطي الأم الولود أختها العاقر واحدة من بناتها، لكي تربيها ولا تشعر بالوحدة. تتنازل عن حب ورضا فهناك بنات غيرها، ولكن الأب يرفض التنازل عن ابنته، فيذهب من الأهواز إلى طهران ويسترد ابنته، علما بانها تفضل البقاء مع خالتها/ أمها الجديدة.

وأنا أقرأ "بنات إيران" قلت: أغيب عن واقعنا الفلسطيني أربع أو خمس ساعات، فلا أرى الدم على شاشات التلفاز، وأنسى حصار غزة ولا أحصي الشهداء والجرحى. دائما أحاول فعل ذلك، ولكني أجدني دائما أقارن بين ما لا يمسنا من قريب وبين ما نحن فيه. هل تذكرون قصة من أرادت أن تتوب فلقته مزروعا في الدروب؟ نريد نسيان جرحنا لساعات، فيخرج إلينا من بين السطور البعيدة... البعيدة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى