الثلاثاء ٢٧ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم عادل الأسطة

بنات الرياض لرجاء الصانع: ملاحظات قراءة أولى

تختار رجاء الصانع لروايتها الأولى عنوان " بنات الرياض "، فالرواية تتحدث عن أربع فتيات من مدينة الرياض هن: قمرة وسديم ولميس وميشيل. وقد فكرت الكاتبة ملياً في العنوان المناسب لما كتبته خلال الفترة ما بين 13/2/2004 إلى 11/12/2005 ( الزمن الكتابي )، واقترحت عناوين عديدة، غير أنها آثرت في النهاية عنواناً آخر غير التي اقترحتها.

وإذا كان العنوان يقول شيئاً، فإنه يخفي أشياء يقولها المتن الروائي. فإذا كان أبرز مفردة بنات وأخفى مفردة شباب، فإننا في الرواية نقرأ عن هؤلاء وهؤلاء، ما يعني أن فتيات المدينة لسن المحور الرئيس في الرواية بمفردهن، وما يعني أيضاً أنهن لسْنَ شاذات، يقمن في عالم منعزل عن عالم الرجال، فالرجال لهم حضورهم الكبير في أذهان بنات الرياض اللاتي يبحثن عن علاقة أنثوية ذكرية، لا عن علاقة أنثوية أنثوية قد يقولها العنوان ابتداءً، لأنه لم يأت على شباب الرياض.
ولن يقرأ المرء كلاماً عن البنات وعالمهن بعيداً عن عالم الرجال. تماماً كما أنه لن يقرأ عن عالم مدينة الرياض فقط، فهذا العالم موصول بباقي مدن السعودية ومناطقها، كما أنه موصول بعوالم أخرى تبدأ بدول الخليج وتمر بلبنان ولا تنتهي بلندن، إنه يمتد إلى أمريكا حيث تدرس ميشيل التي هي أصلاً من أم أمريكية.

وربما كانت الرسالة رقم 48 المكتوبة بـ 4/2/2005، ربما كانت أشبه بخلاصة فكرة الرواية، إذ تعطيني صورة عن طبيعة المجتمع السعودي الذي تعيش فيه الفتيات الأربعة، ويعيش فيه أيضاً الرجال السعوديون، والعلاقة بين الشباب والشابات وإلى أين تسير. المجتمع، كما تقول ( ميشيل ) مريض. وهذا ما يبدو في الفقرتين التاليتين:
" تأكدي يا سديم أن فراس وفيصل رغم الفارق الكبير في السن بينهما، لكن اثنينهم من طينة واحدة، سلبية وضعف واتباع للعادات والتقاليد المتخلفة حتى إن استنكرتها عقولهم المتنورة، هاذي هي الطينة اللي خلق منها شباب هذا المجتمع للأسف. هذولي مجرد أحجار شطرنج يحركها أهاليهم، ويفوز في اللعبة اللي أهله أقوى ".

و " أنا كان ممكن أتحدى كل العالم لو كان حبيبي من غير هذا المجتمع الفاسد اللي يربي أبناءه على ( الكونترا دكشننر والدوبل ستاندر دز )، التناقضات وازدواجية المعايير مثل ما يقولون. المجتمع اللي يطلق فيه الواحد زوجته لأنها ما تجاوبت معه بالشكل اللي يثيره في الفراش بينما يطلق الثاني زوجته لأنها ما أخفت عنه تجاربها معه وما تصنعت البراءة والاشمئزاز "(ص306).

وما من شك في أننا هنا نصغي إلى صوت أنثوي، تماماً كما أننا في الرواية كلها نصغي إلى كاتبة تقص عن بطلات لها صلة بهن كما سنرى. وإن كانت تبدو متحررة نوعاً ما، وإلى حد ما، من الآراء المسبقة الثابتة حول عالم الرجال وعالم النساء على السواء. ويتضح لنا موقفها من الآخر في الرسالة رقم 39. إنها تروي قصة كما حدثت، فهي لا تعمم، لأنها ترى في كل منطقة أصنافاً متنوعة من الناس. (ص242)، وهو ما تعززه الرواية في ص (267)، حين تتحدث عن شباب نجد وشباب الرياض والفرق بينهم.

سؤال السلالة:

من خلال المراجعات التي قرأتها عن الرواية، وهي قليلة، أشاد الكتاب بأسلوب الرواية وتأثره بمعطيات التكنولوجية الحديثة، هذه التي فرضت نفسها، وأثرت بدورها على أسلوب الكتابة. فتوظيف تقنية الانترنت لكتابة رواية، ما كان يمكن أن يتم قبل اكتشافه وشيوعه، وبالتالي فقد يرى بعض دارسي الرواية أنها جديدة كل الجدة في أسلوبها. وقد يكون هذا صحيحاً، لكن ما يجعلنا نقول أنه ليس أسلوباً لم يكن له نظير من قبل كلياً، هو أن الرواية تذكرنا، حين نقرأها، بنصوص روائية وقصصية سابقة في أدبنا العربي.

سيتذكر قارئ هذه الرواية رواية إميل حبيبي " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل "(1974)، وسيتذكر أيضاً قصة أكرم هنية " وقائع موت المواطنة مني. ل "(1980). يكتب إميل حبيبي روايته على شكل رسائل: " يرغب المحترم الذي تلقى هذه الرسائل العجيبة، أن يبلغكم بأنها كانت ترد عليه مدموغة في بريد عكا "(ص196). والرواية كلها تتكون من (45) خمس وأربعين رسالة (20+13+12)، وتتكون رواية رجاء الصانع من (50) خمسـين رسالة. وإذا كانت رسائل إميل حبيبي مكتوبة بخط اليد، وتصل إلى أنا الكاتب من سعيد أبي النحس المتشائل: " كتب إليّ سعيد أبو النحس المتشائل قال "، فإن رسائل رجاء الصانع تكتب بواسطة جهاز ( الكمبيوتر ) وتعمم، لا من خلال البريد كما هو شأن رسائل إميل، وإنما من خلال الشبكة العنكبوتية ( الانترنت ). وإذا كان إميل حبيبي لم يعرف ردود القراء إزاء رسائله إلا بعد نشرها في كتاب، حيث قرأ مراجعات لها كتبها نقاد متخصصون في الأغلب، فإن رجاء الصانع كانت كلما كتبت رسالة ( إيميلاً ) عرفت ردود فعل القراء، نقاداً وعاديين، وأسهم هذه بدوره في توجيه الرواية وجهة ربما لم تخطط لها من قبل. وربما تعد هذه الرواية، بحق، من أفضل الروايات التي تحقق مقولة مشاركة القارئ في كتابة النص. وفي غير مرة، بل وفي بداية كل ( إيميل ) تجد الكاتبة تشير إلى استقبال القراء لـ (الإيميل ) السابق، وتتفاعل هي بدورها معه، ما يجعل آراء القراء ذات تأثير واضح على سيرورة الكتابة. في بنات الرياض نحن لسنا فقط أمام كاتب ونص ومتلق سلبي، ولسنا أيضاً أمام نص ومتلق، وإنما نحن أمام مؤلف ونص وقارئ، يؤثر الأخير في الأول، كما يؤثر الأول في الأخير، وهذا التفاعل ما بين الأول والأخير يؤثر، بدوره على النص، وهكذا يكون النص نتاجاً لتفاعل طرفين. ولا يعني هذا أن النص لم يكن مؤثراً، فتأثيره على القارئ هو الذي جعل الأخير يشارك في العملية الإبداعية. وسيكون لنص " بنات الرياض " تأثير واضح في المقولات النقدية.

وربما يجب الإشارة إلى تشابه ثان بين الرواية ورواية إميل حبيبي، يكمن في ظاهرة التناص. وإذا كان بعض الدارسين رأوا، وهم يدرسون إميل ونصوصه، أنه صاحب التناص المتطرف في الفن الروائي العربي، فإن الشيئ نفسه يمكن نعت رواية " بنات الرياض " به. نحن أمام نص يحفل بشكل بارز بنصوص الأخرين. ما من ( إيميل ) تقريباً من ( الإيميلات ) الخمسين إلا ويحفل بنص كاتب آخر، سواء في التصدير أو المتن. ولا يبدو هذا الاحتفال بنصوص الآخرين تزييناً شكلياً. إن نص الكاتبة يقول الفكرة التي تقولها العبارة المقتبسة، فهذه توجز ما تريد الكاتبة أن تقوله في رسالتها ( إيميلها ). وإذا كان عنوان النص الكلاسيكي يلخص ما يقوله النص، فإننا، في " بنات الرياض "، أمام نصوص مستحضرة تلخص ما تريد الكاتبة أن تقوله فيما ستكتبه. العنوان للإيميل / الرسالة هو ما تدرجه الكاتبة أمام كلمة Subject، والتصدير هو العبارة أو المقطع الشعري أو النثري الذي تبدأ به الكاتبة. هنا أيضاً نجد الشيء لدى إميل حبيبي تقريباً مع اختلاف، فهذا يضع لكل رسالة عنواناً يلخص به نص الرسالة، وقد يصدر الكتاب بمقاطع شعرية، وإذا لم يصدره أورد الشعر أو المثل أو النص النثري في متن الرسالة. وتستحق ظاهرة التناص في الرواية دراسة مفصلة.

وكما أشـرت فإن قارئ الرواية سـيتذكر قصة أكرم هنية " وقائع موت المواطنة منى. ل من " زاويتين: الأسلوب والفكرة. لقد أفاد أكرم هنية في إنجاز قصته من عمله صحفياً، كما أفادت رجاء الصانع من ( الانترنت ). وكان أكرم هنية عالج فكرة الشباب المتعلم الذي يتخلى عن مبادئه ويخضع لقوة العادات والتقاليد وقسوة الواقع، وثبات الفتاة على مبادئها. وتكاد فكرة " بنات الرياض " لا تختلف كثيراً. الفتاة تدفع ثمناً باهظاً، لأنها تقيم علاقة مع رجل يخضع للعادات والتقاليد، ويتخلى عن اختياره، لأنه لا يريد إغضاب الوالدين أو ما شابه، وعلى الفتاة أن تدفع الثمن، وهو ما نلحظه في الرواية. ثمة غير فتاة أبرزهن ( سديم ) تدفع ثمناً لشباب معطوبين يخضعون لعادات المجتمع وتقاليده.

وإذا ما أتينا على الزمن في الرواية لاحظناه محدداً تقريباً. الزمن الكتابي والزمن الروائي. كل ( إيميل ) – رسالة – لها تاريخها. تبدأ الرواية بالتاريخ 13/12/2004 وتنتهي بالتاريخ 11/2/2005 وفي هذا اليوم تكتب رجاء / الكاتبة ( إيميلين )، ولا أدري إن كان ثمة خطأ في التاريخ، وهناك خطأ أظنه مطبعياً في الإيميل رقم 44، فالتاريخ الظاهر 7/1/2004 والصواب هو 7/1/2005، وما بين 13/12/2004 و 11/2/2005 تكتب الكاتبة أسبوعياً، تنقطع خلال هذا الفترة لمدة شهر تقريباً هو شهر رمضان، وهكذا فإن الزمن الكتابي في الرواية هو المدة التي تنفقها كاتبة الرسائل أسبوعياً على مدار واحد وخمسين أسبوعاً، - أي حوالي واحد وخمسين ساعة. أما الزمن الروائي فتذكره الكاتبة فيما تكتب – حوالي ست سنوات من حياة البنات الأربعة، هي سنوات دراستهن في المدرسة الثانوية ودخولهن إلى الجامعة وتخرجهن منها، فالرواية في نهايتها تأتي على حفل التخرج.

سؤال اللغة:
وربما ما يلفت النظر في أثناء قراءة الرواية هو لغتها. نحن أمام مستويات لغوية عديدة، بل أمام لغات عديدة تقريباً. هناك اللغة العربية الفصيحة، وهي لغة السرد، ولكن هذا اللغة ليست اللغة العربية الفصيحة تماماً، إذ تتخللها عبارات إنجليزية مكتوبة بحروف عربية، وحتى لا يرى بعض الدارسين مأخذاً على الكاتبة نجدها، داخل روايتها، تبرر هذا الإكثار من العبارات الإنجليزية.

" أعجبت ميشيل بالقصة كثيراً وأثنت على طريقتي في السرد وكانت تساعدني باستمرار على تذكر الأحداث التي تغيب عن ذهني وتصحح لي النقاط التي أذكرها بشكل خاطئ غير واضح، مع أنها لم تكن تفهم بعض كلماتي الفصحى وتطلب مني أن أزيد من استخدامي اللغة الإنجليزية على الأقل في الإيميلات التي تتحدث عنها حتى تتمكن من فهمها بشكل جيد، وقد فعلت ذلك من أجلها " (ص317).

وهذا الفقرة تفصح لنا عن أشياء مهمة فيما يخص اللغة، وإن أفصحت لنا أيضاً عن أشياء أخرى تخص السرد، وتخص الكتابة الروائية بشكل عام ومشاركة الشخوص فيها.

ما قالته ميشيل عن بعض المفردات وعدم فهمها سيقوله أيضاً قراء عرب لا يعرفون اللهجة السعودية ولا يلمون في الوقت نفسه بلغة الطبقة الأرستقراطية التي تسافر إلى أوروبا كثيراً وتتعامل مع السلع الأوروبية. أنا واحد من القراء وضعت إشارات لابأس بها إزاء مفردات بالعامية السعودية وأخرى مكتوبة بحروف عربية لأنني لم أفهمها. والكاتبة تدرك هذا من خلال شخصية ( ميشيل )، بل وتدرك أن أبطالها حين يصغون إلى عبارات ترد باللهجة العراقية لا يفهمونها.

لنلحظ نموذجين لغويين من النص:
" بونسوار لإلكون، مين بتتوأعوا تكون الشخسي المجهولي؟ أَمَرَة يما سديم يا لميس؟ احزروا وبتربحوا تزكرتين مع إكامي ببيروت تتجوا تحضرونا بحفلة البرايم ..... " (ص44).

" شت أب!! يو بتش! يو تيك ماي هزبند آند يو توك؟!! ( الترجمة لغير الناطقين بالفنزويلية: جعلتس اللي ماني بقايلة! بعد لتس عين تحتسين بعد ما خذيتي رجلي؟! يو مانزثيف!! ( يا خطافة الرجالة بس بالإنجليزي ) قسم بالله آي ول كول يو! ( أنا أوريتس يا حيوانة!! والله لأخلص عليك، وأظن الباقي واضح ! ) ( ص99).
مرة توضح الكاتبة المقصود ببعض العبارة، وثانية لا تفعل ذلك. مرة تقول لنا كيف تقرأ الكلمات ذات اللهجة، وثانية لا تفعل. مرة تضع المعني العربي مقابل المفردة الواردة باللهجة السعودية، وثانية لا تفعل، وأظن أن بعض القراء سيجدون بعض الإرباك في فهم بعض العبارات، وأن القارئ غير السعودي أو الخليجي سيضع إشارات كثيرة أمام مفردات كثيرة. وربما تذكر قارئ الرواية العربية، وهو يقرأ بنات الرياض، رواية الطيب صالح الروائي العربي السوداني " بندرشاه: ضو البيت " ففي هذه إغراق في اللهجة السودانية أيضاً.

السرد:

لما كان هناك تواصل بين كاتبة( الإيميلات ) – الرسائل – وقرائها، فإن هؤلاء الذين يقرأون كلاماً ربما بدا غير مستساغ وخطيراً أيضاً، فإنهم يسألونها عن مصدر معلوماتها. وهذا يفتح أمامنا المجال للحديث عن السارد وأنواعه، فالسارد كلي المعرفة غير السارد المشارك وغير السارد الكاميرا أو السارد غير الحاضر. يبدو الأول، كما يقول نقاد الرواية، غير مقنع، لأنه يقص ما يعرف وأكثر مما يعرف دون مسوغ عقلي منطقي، ويراه بعض النقاد أسوأ أنواع الرواة لهذا.
ويختلف عنه السارد المشارك الذي يروي من الداخل بمقدار ما يعرف ويشعر به، تماماً كما يختلف عنه السارد / الكاميرا / المحايد، هذا الذي لا يروي إلا ما يرى وما يسمع وما يتكلم به، ويبقى السارد الرابع الذي يروي ما يرويه الآخرون وما يسمعه منهم، ويظل الصدق والكذب فيما يروي على عهدة الراوي أو الرواة، وليس المطلوب منه أن يقنع، لأنه يكثر من عبارات قالوا، شاع، روي، حدّث فلان.

وفي الرواية التي يشارك القراء في توجيهها، حيث ترسل كاتبة الإيميلات الإيميل وتنتظر ردود أفعال القراء، فتقرأها وتعقب عليها، في الرواية التي يتساءل فيها بعض القراء إنْ كانت الكاتبة ( كاتبة الإيميلات ) تختفي خلف هذه الشخصية أو تلك، يسألها بعض القراء عن مصدر معلوماتها، حتى يثقوا بكلامها. يرد في ( الإيميل ) رقم 41 ما يلي:
" كتب لي كثيرون يستفسرون عن الدفتر السماوي لسديم الذي ذكرته في الإيميل السابق، بعضهم يتساءل كيف قرأت ما كتبت سديم " أرادوا أن يضيفوا: إن لم تكوني سديم نفسها، لكن الذوق منعهم من ذلك! " والبعض الآخر متحمس لمعرفة المزيد مما كتب في هذا الدفتر.

يا لفضولنا القاتل! يود البعض لو يقرأ بعض الفضائح الشــخصية! أوكي، للملافيف ( مثلي ) سأقرأ لكم ومعكم المزيد من خواطر سديم التي دونتها في دفترها السماوي، وللتحريين ( الغثيثيين ) أقول: أنتم مستقعدين لي؟ ما حد قال لكم تقرون إيميلاتي إذا كان عندكم شك بكلامي ! ... " ( ص253/254 ).

كأنها تستحضر هنا لنا ما يقوله نقاد الرواية في الراوي كلي المعرفة، هذا الراوي غير المقنع في كثير مما يقول، لأنه لا يكون حاضراً دائماً في كل مكان وكل زمان، ولا يقنعنا في كيفية حصوله على المعلومات التي يقصها، وكثيراً ما يكون غير مقنع. وإذا ما أردنا إعمال عقلنا فيما نقرأه من معلوماته تركنا الرواية جانباً. لكن الذي يدفعنا إلى مواصلة قراءة روايات كثيرة يكون السارد / الراوي فيها كلي المعرفة هو ثقتنا بالكاتب، فإذا ما زالت هذه ما عاد هناك مبرر للقراءة.
هنا تطرح الكاتبة الأمر نفسه: إما أن تثقوا بي وإلا فاتركوا ( الإيميل ) وانصرفوا إلى شأن آخر:
" ما دام فيه ناس مصدقة ليش نقطع وناستها؟ يعني لا ترحمون ولا تخلون رحمة ربنا تنزل؟ طيب وش رايكم أن غزالتي الفسفورية سرقت الدفتر من غرفة سديم وهي نايمة وطارت وحطته عندي، سويت له كوبي وعطيته لغزالتي ترجعه .. هاه؟ عندكم شي؟ حد شريكي؟ اللي مو مصدق يصطفل، والغرفة لها أربعة جدران "(ص254).
لكن الكاتبة التي أجازت لنفسها، عبر خدعة روائية، أن توضح لنا كيف تحصل على معلوماتها، وإن كان هذا غير مقنع لكثيرين من أصحاب العقل، وإن كان يقنع من يؤمنون بالخرافات والخيال، تعود لتخبرنا بالضبط كيف حصلت على هذا الذفتر.

في الفصل الأخير الذي عنوانه بيني وبينكم تفصح لنا عن رأي بطلاتها فيما كتبته عنهن، وفيه أيضاً تأتي على تصويرها لعوالمهن الداخلية، وتأتي على قصة دفتر سديم:
" سديم لم تفصح لي عن مشاعرها الحقيقية في بداية الأمر، حتى ظننت أنني قد خسرتها بعدما أوردت قصتها في إيميلاتها، لكنها فاجأتني في أحد الأيام بعد إيميلي التاسع والثلاثين بهدية ثمينة، هي دفترها السماوي الذي لم أكن لأعرف عنه لولا أن أهدتني إياه قبل عقد قرانها على ابن خالتها لأحتفظ به، ولأنقل فيه مشاعرها كما كانت تسطرها في تلك الحقبة المؤلمة من حياتها ". (ص318)

تحديد الجنس الأدبي:

كنت ذهبت ابتداءً إلى تأثر الكاتبة برواية إميل حبيبي المتشائل، وإلى أن هناك شبهاً بين الروايتين أسلوباً مع اختلاف.

تنهي الكاتبة روايتها بفقرات منها:
" لقد قررت أخيراً أن أكشف لكم عن هويتي بعد أن يتم طبع هذه الرسائل كرواية مثلما اقترح علي الكثيرون، لكنني أخشى مغبة تسميتها رواية، فهي مجرد جمع لهذه الإيميلات المكتوبة بعفوية وصدق ".
وأرى أن هذه العبارات لا تختلف عن تلك التي وردت في نهاية رواية " المتشـائل ": " يرغب المحترم الذي تلقى هذه الرسائل العجيبة أن ... ".

ثمة رسائل شكلت رواية. هناك كاتب واحد للرسائل، وهناك مخاطب / مخاطبون حاضر/ون في ذهن المرسل، وهناك وحدة موضوع، وهناك تناص، وكل يروي قضية شعبه. ولا ضير أن تكون الكاتبة تأثرت بإميل حبيبي من حيث الشكل، وربما بأكرم هنية حيث الكتابة عن أزمة المرأة في المجتمع العربي المعاصر، لا ضير في ذلك، وما من شك في أن " بنات الرياض " عمل أدبي ممتع أنجزته أديبة بارعة أهم ما يميزها خفة دمها التي تلحظ في كثير من سطور الرواية. أنا أنصح القارئ بأن لا يتردد في قراءة هذا العمل الأدبي الممتع الساحر حقاً.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى