الأربعاء ٢٨ آذار (مارس) ٢٠٠٧
بقلم تيسير الناشف

تفسير القرآن الكريم والسنة الشريفة

نشأت في القرون الأولى من التقويم الهجري تفاسير عديدة للقرأن الكريم والسنة الشريفة من قبيل تفسير ابن كثير والزمخشري والجلالين. وثمة مذاهب فقهية معدودة، وأكثرها شيوعا المذاهب المالكي والحنفي والحنبلي والشافعي والجعفري. يدل تعدد هذه التفاسير والمذاهب الفقهية دلالة قوية على أنه نشأت اختلافات في فهم المقصود من القرآن والسنة. قام المفسرون بهذه التفاسير وهم يستندون إلى فهمهم للمقصود من القرأن والسنة في ظروفهم الاجتماعية الاقتصادية النفسية التي عاشوها في زمن من الأزمنة وفي مكان من الأمكنة.

والذين تتوفر لديهم شروط الأهلية في الوقت الراهن للقيام بتفسير القرآن الكريم والسنة الصحيحة الصريحة المشرفة يقومون بتفسيرهما في الواقع حسب فهمهم - المعتمد على خلفيتهم الاجتماعية والدراسية والنفسية وتكوينهم العقلي – للقرآن والسنة.

لنأخذ على سبيل المثال الآية الكريمة "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثُلاث ورُباع فإن خفتم الا تعدلوا فواحدة ...". يجيز التفسير المألوف للمسلم الزواج باربع نساء. ولكن في الحقيقة كان يمكن للمفسرين الأوائل الا يجيزوا سوى الزواج بامرأة واحدة من منطلق جزء الآية الذي نصه "فإن خفتم الا تعدلوا فواحدة". ومن الواضح انه لا يمكن ان يوجد عدل في حالة الزواج باكثر من امرأة. هذا الحكم القرآني مثال حسن جدا على امكانية اختلاف التفسير.

ونفس القول ينطبق على الحديث النبوي "ان ابغض الحلال عند الله الطلاق". ما دام الطلاق بغيضا إلى الله سبحانه وتعالى كان يمكن للمفسر ان يضع مزيدا من الشروط التي تجعل الطلاق اصعب وذلك بزيادة تقييد يدي أو، دعوني أقول، عضلة لسان الزوج التي قد تلهج بسرعة بلفظة الطلاق لزوجته، وهو قد يكون مخمورا أو متوتر الأعصاب، الزوجة التي لعلها عاشت معه في كنف الحياة الزوجية سنين كثيرة وأنجبت له أولادا يتجاوز عددهم أصابع اليدين. ولكن من الجلي ان المفسر اجاز الطلاق. إن عددا لا يستهان به من المسائل الواردة في القرآن والسنة مسائل قابلة لتفسير مختلف من جانب المفسرين ذوي الخلفيات العقلية والفكرية والاجتماعية والنفسية الثقافية المختلفة.

ومن المبادىء الاساسية المعتمدة في فقه الشريعة الإسلامية المبدأ المعروف بالقياس، وهو استنباط حكم شرعي جديد استنادا الى حكم شرعي في مجال آخر. وللقياس احكامه التي تجب مراعاتها.

لقد أسهم عدم اللجوء الى الاجتهاد او عدم اللجوء الكافي اليه اسهاما كبيرا في نشوء التزمت. والتزمت احد الاسباب الرئيسية في التشنج الاجتماعي والنفسي. ومما يحمله التزمت من معان عدم تعديل المعاملات في الفروع لمراعاة الظروف والمستلزمات الجديدة في الحياة.

وجدير بالمسلمين ان يدرسوا تاريخ الفقه الاسلامي والفلسفة الاسلامية ودراسات الحديث النبوي وان ينفتحوا على الفقه الاسلامي الواسع الذي يشمل المذاهب الاسلامية الاربعة الكبرى السنية ومذاهب شيعية تقرها المذاهب السنية وعلى التفسيرات والتأويلات السنية.

وفي العصر الحاضر لدى كثيرين من المسلمين حس اسلامي قوي ويحبون ان يستندوا في ادارة شؤون حياتهم الى احكام الشريعة. وهم يعيشون في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية ونفسية جديدة. ومن هذه الظروف، على سبيل المثال، حاجة بعض الازواج الى العمل خارج المنزل للوفاء بحاجات الزوجين المعيشية، وضرورة تواجد الرجال والنساء في نفس مكان العمل او المدرسة او الجامعة، واختراع الشبكة الدولية للمعلومات، وهي الشبكة التي تتيح قراءة الاخبار والكتابات الادبية ومشاهدة الصور ذات التوجهات القيمية المختلفة، وصيرورة العالم العربي، رضينا ام ابينا، جزءا من النظام الاقتصادي العالمي.

يحتاج العرب والمسلمون عموما في ظل هذه الظروف وغيرها حاجة ماسة الى ان تصدر احكام للسلوك تكون مراعية لطبيعة الظروف القائمة من ناحية ومراعية للشريعة الاسلامية من ناحية اخرى. والعربي، في ظل الظروف الحياتية الضاغطة والقاهرة، يحتاج الآن الى الاحكام الموجهة. ليس في وسعه ان ينتظر صدور تلك الاحكام مدة ليست قصيرة. فهذه الظروف تداهمه مداهمة وهي تفرض نفسها عليه. والتباطؤ في اصدار مثل هذه الاحكام يضع كثيرا من العرب والمسلمين في حيرة فيما يتعلق بطريق السلوك الذي يختارونه. ولعدم اصدار تلك الاحكام قد يكون أثر في مدى مراعاة الاحكام الاسلامية.

ان قسما من تفسيرات القرآن والسنة التي كانت مناسبة للمسلمين في العهود التي جرت التفسيرات فيها لا يناسب المسلمين في ظروفهم الحياتية الراهنة. ونظرا إلى أن التفسير انعكاس للفهم البشري فإن فهم المفسرين في القرون الغابرة لا بد من ان يختلف في قسم من السور والاحاديث عن فهم المفسرين في الوقت الحاضر.

وبعض الآيات القرآنية تشتمل في ظاهرها على تناقضات. وفي هذا السياق يجب إيلاء الاهتمام لظاهرة الآيات الناسخة والمنسوخة ولأهمية الأخذ بالأحاديث الصحيحة والصريحة. وتظهر خلافات بين بعض الآيات والمقولات العلمية. ولازالة ما يظهر أو يبدو من التناقضات والخلافات ينبغي اللجوء الى التأويل، وبذلك يمكن الوصول الى الحقيقة الروحية الالهية الكامنة وراء النص الظاهر. والتأويل هو تجاوز الوقوف عند سطح اللفظ الظاهر للنص الى التعمق في ما يكمن وراء هذا الظاهر الى المعنى الحقيقي الذي قصده النص، الى الحقيقة الاولى التي هي ينبوع الآيات القرآنية. فهناك المعنى الظاهر وهناك المعنى الباطن الروحي الحقيقي للنص. هناك الشريعة التي هي المظهر الخارجي للحقيقة وهناك الحقيقة التي هي البعد الداخلي الباطني للمعاني القرآنية. الظاهر رمز يرمز الى باطن مقصود والباطن هو المرموز اليه. عن هذه الطريق، عن طريق التغلغل والتعمق في ظاهر النص القرآني ووراءه في معانيه الحقيقية الباطنة تمكن ازالة التناقضات بين ما يظهر أو يبدو انه تناقضات بين بعض الآيات وازالة خلافات بين النص القرآني ومقولات علمية.

ومما لها صلة بالتفسير مسألة العلاقة بين خطاب المتولين للسلطة الحكومية وخطاب رجال الدين. وهل الخطاب الديني يتأثر بالمناخ السياسي القائم؟ وهل يسخر قسم من المؤسسات الدينية الاسلامية خدمة لاغراض حكومية؟ يبدو ان بعض المفتين افتوا وبعض الذين عينتهم الهيئات الحكومية لشغل مناصب دينية تصرفوا، مراعين لمواقف الهيئات الحكومية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء او المديرات.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى