توظيف الأسطورة في شعر إلیاس أبي شبکة
شارك في هذا البحث:
– الأستاذ المشرف : الدکتور حسن شوندی بجامعة آزاد الإسلامیة في کرج
– و الأستاذ المشرف المساعد: الدکتور فرهاد دیوسالار بجامعة آزاد الإسلامیة في کرج
الملخص
كان من أهداف الرومانسية، كما سبقت الإشارة، تحرير الأدب من القيود وكسر الحواجز التي وقفت دون تطوره وفي مقدمتها تلك الأشكال والقوالب الفنية الجاهزة التي ورثها الشعراء عن أسلافهم، والتي أصبحت لا تعبر عن مضامين التجربة الشعرية الحديثة بحرارة وصدق.
أما الحاجز الآخر فيتمثل في اللغة إذ يرى أقطاب المذهب الرمزي و الرومانسي أن اللغة العادية عاجزة عن احتواء التجربة الشعرية، وإخراج ما في اللاشعور، وتوليد الأفكار في ذهن المتلقي. لكن الرمز و الاسطورة يمنحها القدرة على نقل هذه التجربة، واجتياز عالم النفس الخفية، لأن الرمز يتضمن قدرة فنية عالية تساعد على التكثيف والإيحاء والتخيل. وبما أن موطن الرمز الأصلي، هو الأسطورة والشعر بوصفهما أرقى صور التعبير الرمزي المنحدرة عن التفكير السحري والمجازي، فإن العودة إليه أصبحت أمراً ضرورياً لتجاوز مرحلة التقليد.
الکلمات الدلیلیة: الرومانسیة، الأسطورة، أبوشبکة
أصبحت الأسطورة في الأدب العربي الحديث من أبرز الظواهر الفنية التي جلبت اليها الانظار في التجارب الشعرية الحديثة. فقد ألحّ الشعراء علی الأساطير و الشخصيات التراثية و محاولة استدعائها قصد التعبير عن معاناتهم لأن «الأسطورة في إطار الحضارة الصناعية و المادية مازالت تعيش بكلّ نشاطها و جيويتها و مازالت ـ كما كانت دائما ـ مصدر لإلهام الفنان و الشاعر بل لعلها في إطار هذه الحضارة أكثير فعالية و نشاطا منها عصور مضت». [1] و قد أدرك الشاعر في العصر الحديث أهمية توظيف الاسطورة في عمله الإبداعي حيث «حاول بعض الشعراء العرب من هاتين المدرستين (الرومانسية والرمزية) أن يتخذوا من الأساطير مادة للتلميح والإيحاء، وإغناء العمل الأدبي بطاقات رمزية جديدة، كاستخدام جبران خليل جبران لأسطورة أدونيس وعشتروت في لقاء دمعة وابتسامة واستخدام زكي أبو شادي لأسطورة أورفيوس ويورديس، وعلي محمود طه في (أرواح وأشباح) التي عمد فيها إلى استخدام بعض الأساطير الإغريقية كأسطورة (هرميس) و(تاييس) و(سافو) و(أورفيوس)، وسعيد عقل في مسرحيتيه الشعريتين (بنت يفتاح) مستمداً موضوعها من التوراة، و(قدموس) التي تروي قصة حب بين زوس وأوروب ابنة ملك صور». [2]
ومن هؤلاء أيضاً نجد إلياس أبو شبكة الذي حاول من خلال لمحاته الأسطورية المستوحاة من الكتاب المقدس (العهد القديم) بثّ بعض آرائه و أفكاره كتلك التي تحدث فيها عن شرور جمال المرأة وما يجره من ويلات للرجال من خلال قصيدته (شمشون). المرأة التي عبّر الشاعر عنها في توظيفه للأسطورة هي المرأة الغادرة المخادعة، التي لا تُخلص للرجل الذي اختارته شريكاً في الجنس، بسبب مزايا خاصة، ليست موجودة في غيره، وكيفَ لها ذلك، ما دامت تبدلهم كيف شاءت، وأنّى رغبت. وبالتالي فقد تقدِمُ المرأة على بيع شريكها إلى أعدائه، كي يلقى حتفه، وهنا يستحضر أبو شبكة من الموروث أسطورة شمشون ودليلة.
تقول حكاية التوراة: «إن شمشون رجلٌ من بني إسرائيل، خارق القوّة، استطاع أن يروّع الفلسطينيين، ويزرعَ الخوفَ والهلع في قلوبهم، بإحراقِ حقولهم، وتدمير منازلهم، وتصادفَ أن تعلّق قلبه امرأة عاهرة منهم، فأحبها، وتزوّجها، وظلّ قومها يطلبون منها أن تعرف مصدر قوته، حتى فعلت، وعلمت أن مصدر قوته هو شعره الطويل، فدعتهم ذات يوم وشمشون نائم، فقصّوا شعره، واقتادوه عنوةً، ووضعوه في السجن أياماً، حتى يحاكم، فنما شعره قليلاً، خلال ذلك، وفي اليوم المحدّد اجتمع القضاة، وجيءَ بشمشون مقيداً، فربط إلى عمودين ضخمين وسط الدار، وراح الفلسطينيون المجتمعون يسخرون منه ويشتمونه، فدعا الله أن يردّ إليه قوته، وهزّ العمودين، فتزلزلت الدار، وانهارت على من فيها فلم ينج أحد». [3]
اسحتضر أبو شبكة هذه الأسطورة و شخصياتها في قصيدة (شمشون) من ديوانه (أفاعي الفردوس) و استطاع باستدعاء دليلة، أن يقدّم نموذجاً ساطعاً للخيانة والدَنَس، نموذجاً بقدر ما هو ضعيف ورقيق، من حيث قوّته الانثوية، فهو قوي جداً بجماله الأنثوي ودهائِهِ:
ملّقيهِ بحسنكِ المأجـــــورِ
وادفعيهِ للانتقامِ الـــــكبيرِ
إن في الحسن يا دليلة أفعــى
كم سمعنا فحيحها في سريرِ
أسكرتْ خُدعةُ الجمالِ هِرقلاً
قبل شمشمون بالهوى الشريرِ
والبصيرُ البصيرُ يُخدَعُ بالحــ
ـسن وينقادُ كالضريرِ الضريرِ [4]
لكن هذا الجمال لا يحملُ في نهاية المطاف إلا الموت للذين ينخدعون به، أو يستسلمون لإغوائه، ويتبدّى ذلك جلياً في مفردات القصيدة كلها، ولاسيما في قوله:
ملّقيه ففي أشعّة عينيــكِ
صباح الهوى دليـــــل القبورِ
وعلى ثغركِ الجميل ثمارٌ
حجبت شهوة الردى في العصيرِ
ملّقيهِ فبين نهديكِ غامت
هوّة الموت في الفراشِ الوثيــرِ [5]
إلا أن أبا شبكة لم يكن بصدد تحليل أسطورة شمشون ودليلة بقدر ما كان يهدف إلى نقل موقف معين وتجربة معينة. فالأسطورة ليست غاية وإنما وسيلة فنية لجأ إليها الشاعر ليؤكد موقفاً معيناً، علماً أن هذه الوسيلة كانت تفتقر في بعض أجزائها للتوهج الشعري، كما كانت عادة تنتهي إلى عبرة أخلاقية خارجة عن طبيعة الشعر. لكن على الرغم من كل هذا فقد استطاع هذا الشاعر أن يتقدم خطوة إلى الأمام في استخدامه للتراث الشعبي مقارنة مع شعراء عصره، لأنه حاول أن يوحد بين الأسطورة والتجربة في لحمة شعرية واحدة، وإن كان ينقصه التوهج الشعري في بعض الأحيان. [6]
ـ استمرّ إلياس أبو شبكة رسم فجور هذا النموذج، بأن يجعله قادراً على اختراق المحرّمات، وأغواء الأب ومطارحته الغرام، وذلك من خلال استحضار حكاية ابنتي النبي لوط التوراتية؛ التي تروي أن لوطاً خرج بأسرته من سدوم بعد أن أرسلَ الرب إليه ملاكين ينذرانه بتدميرها على رؤوس أهلها بعد أن فجَروا وفسقوا؛ أما امرأة لوط فقد نظرت إلى الخلف وتحوّلت إلى عمود ملح لأنها ضعيفة الإيمان، وسار مع ابنتيه حتى بلغا مكانا بعيداً، ولجؤوا إلى كهف في جبل، فمرت السنوات ولم يلتقوا بشراً في مكانهم الموحش النائي، فما كان من ابنتيه رغبة في الحفاظ على نسل قومهما، إلا أن اتفقتا، على أن تسقياه خمراً، فإذا ما سكرَ دخلت عليه الكبرى، فضاجعته وحملت منه، وفي الليلة التالية يفعلان الأمر ذاته، فتدخل عليه الصغرى، وهكذا كان، فجاءت سلالة الخطيئة هذه بالمؤابيين. [7]
يأخذ الشاعر هذه الحكاية بأكملها فيوظفها في قصيدة (سدوم) من ديوانه (أفاعي الفردوس) التي يبدؤها مخاطباً إحدى بنتي لوط:
فغناكِ مُلتهبٌ وكأسُكِ مُترعهْ
فاسقي أباكِ الخمر واضطعجي مَعهْ
لا تعبأي بعقابِ ربّكِ إنّـــه
جرثومةٌ من نــــــاركِ المتدفِّعَهْ
في صدرك المحموم كبريت إذا
لعبت به الشهوات فخبَّرَ أضلــــعه
في صدركِ الدامي مناجمُ للخنى
أورثتِها نــــارَ الذراري المُزمَعَهْ
فلكلِ صقعٍ في ضلوعك قسمَةٌ
خِلَعٌ على لهب الشباب موزّعـــهْ [8]
ولا يلبث أن ينتقل من نموذج المرأة العاهرة، التي لا تلتفت حتى إلى المحارم، والتي تجعل شهوتها تقودها فوقَ ما شرَّعتُهُ الرسالات السماويّة من حدودٍ وأخلاقيّات، إلى حضارة عَصره التي لا تختلفُ بشيءٍ عن هذا النموذج من النساء، بل يُلبِسُ الحضارةَ نفسَها وجهَ هذه المرأة؟ وجه ابنة لوط، وتصيرُ سدوم ــ التي كفرت بنعمة الرب واختارت الفجور ــ عنواناً لعصرنا الجديد:
سكرتْ بكِ الدنيا سدومُ فكلُّها
زُمرٌ على طُرقِ الحياة متعتعـهْ
وأثرتِ حنجرةَ الفجور فأطلقتْ
حِمماً على نغمِ الجحيم موقّعهْ
أغنية حمراء أنشدَها الخنــــا
مِزقاً على أوتاركِ المتقطّعــهْ
أسدوم هذا العصر لن تتحجّبي
فبوجه أمّك ما برحتِ مُقنّعهْ
كانت مُنكّرةً كوجهك عندمـا
هبت عليها من جهنّم زوبعهْ
قذفتكِ صحراء الزنى بحضارةٍ
ثكلى مشوّهةِ الوجوه مفجّعهْ
بؤرٌ مستَّرةٌ الفسادِ بخدعــــةٍ
نكراء بالخزِ الشهيِّ مُرقّعــهْ [9]
ولا يخفى على أحد حجم السخط والحقد والغضب، الذي صبه الشاعر على العصر وحضارته، فيما اقتبسته وما تركته؛ حتى أنه لم يستطع أن يرى في عصره إلا الفساد والزنى والدعارة، وانقلبَ واعظاً يصوّر لنا الدنيا وارتعاسةٍ وشقاء وبؤس، أما حضارتنا فهي متداعية ومنحلّة ولا خيرَ فيها، إنّها الحضارة الناتجة عن الخطيئة والعهر؛ وما ذلك إلا نتاج خطيئة المرأة!
يقول ثائر زين الدين عن توظيف الأسطورة في قصيدة (شمشون) و (سدوم) للشاعر إلياس أبي شبكة: «إن كان قد أخذَ الشاعر شخصيتي شمشون ودليلة من التوراة، ولم يضف شيئاً على ما عرفناه عنهما، ثمّ أخذ حكاية ابنتي لوط مع والدهما بحذافيرها، ونظمها في قصيدة "سدوم"، فإنه لم يفعل ذلك لإحضار هذه الشخصيات، بل حاول أن يأخذ من ملامحها ما يتناسب مع تجربته، ويتطابق معها، ثمّ أضفي أبعاد تجربته تلك على هذه الملامح؛ فإذا به مثلاً يعبّر بشخصيّة دليلة عن المرأة المعاصرة الغادرة والفاجرة، التي تبيعُ مخدع الزوجية لعابر سبيل، فلا تحترمُ عهدها لزوجها، والرباط المقدّس الذي يربطهما، وتمكّن الشاعر من ذلك بربط قصيدتي (شمشون) و (سدوم) بقصائد الديوان الباقية، وإن كان ثمّة ما يؤخذ عليه فكرياً، فهو بقاؤه أسير النظرة التوراتية، وعدم قدرته على اختراقها أو تجاوزها».
[10]
كما يمكن للدارس شعر إلياس أبي شبكة أن يقف في متن قصيدته الطويلة «غلواء» علی بعض المقاطع التي يلمح فيها تقاطعا و دلاليا مع بعض الأساطير الغربية و التي تعدّ دليلا واضحا علي تأثّر إلياس أبي شبكة بالموروث الاوروبي الاجنبي و الثقافة الغربية عموماّ. و من بين الاساطير الغربية و العالمية التي نجد لها حضورا في شعر الياس ألياس و تقييم علاقات تفاعل واضحة مع ما ورد في قصيدته (غلواء) نجد اسطورة أدونيس.
تشير اسطورة أدونيس الي معني الطقوس التي كانت تمارسها الشعوب البدائية من بابليين و مصريين و فينيقيين و اغريق و التي كانت وسيلة لهدف جماعي هو محاولة السيطرة علي خصوبة الطبيعة المتجسدة في النبات و الحيوان و الانسان، و محاولة لتعليل موت الحياة الزراعية و الحيوانية و عودتها من خلال تعاقب الفصول و من خلالها ربط الانسان البدائي بين موت الحياة و عودتها من جهة أخري و بين الآلهة التي تتحكم في الطبيعة و تخضعها لسلطانها من جهة أخري و جعل تلك الطقوس ترتبط بأسماء الاآلهة و تمارس من خلالها. [11]
فأدونيس الذي أحبتّه أفروديت في الأساطير اليونانية شابّ جميل و وسيم يموت في فصل الشتاء و يعود الی الحياة في فصل الربيع من كل عام. و هكذا ظلّ أدونيس في حياته و موته رمزاً لدورة فصول السنة فالصيف و الربيع يبعث فيهما و الحريف و الشتاء يموت فيهما كما تموت النباتات، لأن الآلهة تبعثه علي أن يبقي مع حبيبته ستة أشهر و يبقي مع الموتي في العالم ألآخر الستة أشهر الباقية.
و يلحظ القارئ أثر هذه الاسطورة في العهد الرابع من قصيدة ابي شبكة المطولة (غلواء) و هو القسم الاخير من القصيدة عنوانه (الغفران):
مَضَت أَشهُرٌ نُذِرَت لِلمَطَـر
وأظلم فيها المسا وَالسَحَر
وَأَقبَلَ نُوّارُ عُرسُ الطَبيعَـــةِ
يَضحَكُ في وَرَقاتٍ الشَجَر
يُدَغدِغُ بِالطَلِّ عُشبَ الحُقولِ
وَيطبع أَلوانه في الزَهَــــر
وَيَبني عَلى الهَضَباتِ مَتاحِفَ
تَسخَرُ مــــن هَذَيانِ البَشَر
كَأَنَّ عَباقِرَةَ الجِنِّ فيهـــــا
سَكَنَّ وَعَلَّقنَ تِلـــكَ الصُوَر
فَخَفَّ الشَبابُ نَدِيَّ الحَيــاةِ
يَستَقبِلُ الحُلُمَ المُنتَظَــــــر
عَلى ثَغـــرِهِ بَسَماتُ الرَبيعِ
وَفي قَلبِهِ بَسَماتٌ أُخَـــــر [12]
فهذه الابيات التي أوردناه تحيل القاري بعد قليل من التامل الي سيرورة حياة الاله أدونيس، فهو الذي يغيب و يختفي عن الحبيبة أشهر المطر و تلك التي يغيب فيها المساء و السحر في اشارة من الشاعر الي أيام الشتاء المظلمة التي تكاد تغيب فيها الشمس تماما و تحتجب عن الأنظار، ثم يقبل علي حبيبته في أيام الربيع حيث تتزين الطبيعة بحُلّة جميلةو تبدو للناظرين كعروس طلعت في موكبها ليلة زفافها. إنّها طبيعة الربيع الحلابة التي تبني علي الهضبات و التلال متاحف يعجز الانسان عن وصفها و ايجاد بديل لها. و كأنها من صنع عباقرة الجنّ فترسم البسمة في الوجوه و يزهو الأمل في النفوس و تعود الحياة الی أرواح البشر و يدبّ فيه النشاط من جديد.
و إن كانت «غلواء» لا تزال معرضة عن «شفیق» الا أن الشاعر صوّر فيما تلا تلك الأبيات التقاء الحبيبين من جديد و العزم علي طيّ صفحة الماضي الأثيم و الصفح عما علق به من آثام و زلّات و داية عهد جديد و هو عهد الغفران و الانطلاق في عوالم أخري جميلة تتسم بالطهر و الفضيلة. يصف إلياس أبو شبكة موقف الحبيبين في بقاء العهد الجديد و يتخذ من عودة الحياة للكون و الطبيعة سبيلا للتفاعل مع أسطورة الاله أدونيس اله الخصب و النمّاء فيقول:
و َفي يَومِ عيدٍ نقيِّ السَماءِ
كَأَنَّ السَما صَفحَةٌ من سُوَر
أُطلَّ شَفيقٌ عَلى الهَضَبـاتِ
فَراءَ الشَبابَ عَلَيهـا اِنتَشَر
وَأَبصَرَ غَلواءَ بَينَ الزُهــورِ
كَحَوّاءَ بَينَ شَهيِّ الثَمَـــر
تُسَرِّحُ في عَدنِها نَظَـــراتٍ
عَرَفنَ أَزاهيرَ خَيــرٍ وَ شَر
وَقَد لَبِسَت ثَوبَها الزَنبَقِــــيَّ
عَلَيهِ نَسيجٌ بِلَـــونِ الخِضَر
وَأَلقَت عَلى العُشبِ جِسماً هَزيلاً
كَغُصنٍ من الياسمين اِنكَسَر
فَخَفَّ اِلَيها وَفيـــــهِ عَذابٌ
بَدا مِنه في مُقلَيته أَثَــــر
وَقالَ لَقَد خَلَعَ الحَقلُ عَنــهُ
رداءَ الشِتاء وَغطّى الحَجَــر
وَأَلقى عَلَيه الرَبيعُ وِشاحــاً
جَمالُ الطَبيعَةِ فيــهِ انحَصَر
فَهلّا خَلَعتِ رداءَ اللَيالـــي
وَأَلبَستِ روحَكِ ثَوبَ البُكَر
وَهَلّا تَشَبَّهتِ بِـــالياسِمين
فَما كادَ يُحجبُ حَتّى ظَهَــر
لَقَد غَسَلَت بَسَماتُ الزُهورِ
ذُنوبَ الشِتاء الكَفيفِ البَصَر
وَعادَ العَفافُ الى الهَضَباتِ
فَفي كُلِّ غَرسٍ فُؤادٌ غَفَـــر
فَقالَت أُحاوِلُ أَن أَتَنـاسى
زَماناً مَضى وَخَيالاً عَبَـــر
فَقالَ وَماذا يُمَثِّلُ هذا الخَـ
ـيالُ فَقالَت غَراماً عَثَــــر
فَقالَ وَقد جَحَظَت مُقلَتـاهُ
وَهذا فَقالَت حَبيباً غَــــدَر
وَهذا الحَبيبُ غَفَرتُ لَــهُ
وَيَعفو إِلهُك عَمّا بَـــــدَر
غَفَرتُ كَما غَفَرت في الرَبيع
زُهورُ الرُبى لِشتاءٍ كَفَـــــر
أول ما يسترعي الانتباه في هذه الصورة هو أن عناصرها تكاد تكون طبيعية حسية في مجموعها كالعشب و الياسمين و الحقل و الحجر و الزهور و ..... . غير أننا حين ننظر اليها في تركيباتها الجديدة نجد أنها قد وظّفت بطريقة صنعت صورا تتجاوز الحسية الي ما فوقها لأن هذا الجمال الذي جمله الربيع للطبيعة و الكون و كان محطّ إعجاب و وصف من الشاعر ما هو في حقيقته سوي عودة الحياة للحبيبين من خلال صفح غلواء عن شفيق و عفوها عنه و بداية عهد جديد سبق أن ذاق حلاوته الحبيبان.
و لما كانت أساطير الخصب و النماء تهدف الي غاية واحدة هي تجديد دورة الخصب في الطبيعة فإنّ الياس أبا شبكة حاول أن يجعل من أسطورة أدونيس مجالا لتمثيل علاقته بغلواء و صيرورتها و ما فيها من ثنائيات تقوم علي الاختلاف و الاتفاق علي القطيعة و الوصل و الخطيئة و التكفير.
و يتداخل هذه المقطع مع أسطورة أدونيس بشكل يبدو أكثر وضوحا حين يري الشاعر أن صدود غلواء عن حبيبها قد تسبّب في ازالة مظاهر التجدد في الطبيعة و حين عادت الحياة للكون و الطبيعة كان ذلك إيذانا بعودة الحياة الجميلة للحبيبين المعذبين.
فالشاعر في هذه النموذج يتنفس في أجواء من أسطورة اله الخصب و النماء أدونيس حيث تخيّل غلواء الحبيبة هي ذاك الاله غير أن الشاعر لم ينقل لنا الأسطورة بجانبه التاريخي و انما حوّر جزءا كبيرا منه و أضفي عليه من ذاته و تجربته الخاصة مشاعر من الشوق و الحنين و الأمل، فإذا كان أدونيس يعود فتعود معه الحياة للطبيعة فأنّ غلواؤ غفرت لشفيق و شهدت علي ذلك الطبيعة و احتفلت بهذا العهد الجديد.
عنوان المقال:توظیف الأسطورة فی شعر إلیاس أبی شبکة
Title: Myth Elias Abou Shabaka,s poetre
Department of Arabic Language and Literature, Karaj Branch, Islamic Azad University, Karaj, Iran
– الأستاذ المشرف : الدکتور حسن شوندی بجامعة آزاد الإسلامیة في کرج
– و الأستاذ المشرف المساعد: الدکتور فرهاد دیوسالار بجامعة آزاد الإسلامیة في کرج
– الطالبة فرزانة فروغي: خریجة في مرحلة ماجستیر بجامعة آزاد الإسلامیة في کرج، إیران.
مشاركة منتدى
26 كانون الأول (ديسمبر) 2014, 20:24, بقلم ثائر زين الدين
انا سعيد أن الباحث عاد إلى بحثي عن صورة المرأة في شعر أبي شبكة.وهو منشور منذ زمن طويل .لكنني كنت أتمنى أن يكون أكثر دقة في الاقتباس.وأن يضع كل كﻻمي بين قوسين وليس بعضه.هناك عبارات كثيرة مأخوذة عن بحثي دون اﻹشارة إلى المصدر
21 أيلول (سبتمبر) 2015, 16:44, بقلم كمال الفقير
نعم يبقي شعر الاسطورة نمودج مهم في القصيدة العربية نعم هناك
خيانة ترادفها اسطورة شمشون وهناك نجد اساطير مدونة في الشعر كتيرة سيزيف برتموس وكلها فيها رمز ادبي لفضي ومعنوي فسيزيف يحمل صخرة الضروف التحمل معنوي لفضي وضيفي الي غير ذالك... المهم فالشعر في زمننا هذا متطور ويستعمل العديد من وسايل الحياة والابداع ولغة بسيطة ومهمة وكذا رموز عديدة وخيال عجيب وفلا ش باك والسينما والمسرح والاسطورة والواقعية والسريالية والزجل والارفكس كذالك الخاطرة والعديد من القيم والحكم ..... والي غير ذالك.
21 أيلول (سبتمبر) 2015, 16:51, بقلم كمال الفقير
و الرد علي هذا الموضوع بالتالي
هل الاسطورة حقيقية في التاريخ ام هي خيال فلاسفة ام
ماذا.