الخميس ٩ أيلول (سبتمبر) ٢٠٢١
بقلم أحمد الخميسي

ثـيـودوراكــيـــس.. الـفـنـان والـمـوقـف

من المألوف لنا أن يكون لمعظم الأدباء موقف سياسي وفلسفي يعبرون عنه مباشرة من خلال المقالات والحركات السياسية أو من خلال إبداعهم الأدبي، لكننا لم نر ذلك إلا نادرا في تاريخ الموسيقا، إلا أن الموسيقار اليوناني العالمي ميكيس ثيودوراكيس (1925- 2021) الذي فارقنا الخميس 2 سبتمبر الحالي أكد أن من الضروري للفنان أيا كان مجال إبداعه أن يبرز موقفه من القضايا الكبرى. يعرف الجميع تقربيا ثيودوراكيس من موسيقاه التي وضعها لفيلم زوربا عام 1964، وفيلم "زد" 1970، وربما من مئات المقطوعات الموسيقية الأخرى علاوة على أعماله الأوبرالية. عشق ثيودوراكيس الموسيقا من نعومة أظفاره، ووضع أول الحانه وهو في الثانية عشرة من عمره، وشاهد في شبابه المبكر الاحتلال النازي يغزو بلاده في الحرب العالمية الثانية، فانضم وهو في السابعة عشرة إلى المقاومة الشعبية وسجن من جراء ذلك، ومع اندحار الفاشية وانكسارها تفرغ ثيودوراكيس للإبداع الموسيقي عام 1950، وكان يمكن له أن يكتفي بتاريخه الوطني المشرف ويعكف على الإبداع، لكنه ما أن قام في اليونان نظام حكم عسكري مابين 1967- 1974 حتى نهض ثيودوراكيس للمقاومة من جديد، وتم اعتقاله ووضعه تحت الاقامة الجبرية لكن شهرته العالمية أجبرت الحكم على اطلاق سراحه والاكتفاء بنفيه إلى فرنسا!

وفي باريس تزعم الموسيقار العظيم الجبهة الوطنية ضد الحكم العسكري في بلاده، وتعرف هناك إلى الشاعر الكبير بابلو نيرودا، فأصبحا صديقين يقومان معا بجولات موسيقية وشعرية لأجل حرية اليونان. وفي اليوم الذي سقط فيه الحكم العسكري في اليونان عام 1974، أذيعت على الفور ليل نهار أغنيته "ستة أقمار" تعلن النصر بالأنغام، ووصفته صحيفة نيويورك تايمز بقولها: "حارب بالموسيقى والكلمات ضد الديكتاتورية". وبعودة الديمقراطية رجع ثيودوراكيس إلي اليونان، وأصبح وزيرا، ثم تخلى بمحض إرادته عن المنصب لصالح الفن، وظل في صفوف المعارضة منددا بسياسة التقشف التي دعت إليها الحكومة وبكل نقيصة يراها في أداء الحكم. لم يخمد صوته ولا أنغامه لحظة. عام 1982 خلال الحصار الاسرائيلي لبيروت شد الموسيقي العظيم رحاله إلى لبنان، واخترق الحصار، وقاد الأوركسترا عازفا الأناشيد الوطنية مؤججا روح المقاومة والتحدي في مواجهة الحصار، وخلال ذلك وصف الكيان الصهيوني بأنه "بذرة الشر في العالم" فلاحقته تهمة العداء للسامية الجاهزة للجميع، فلم يفزع وصار يظهر في العديد من حفلاته بالكوفية الفلسطينية، بل وقام بتوزيع موسيقى للنشيد الوطني الفلسطيني. عارض بقوة العدوان على العراق والغزو عام 2003 وندد بأعلى صوت بموقف حكومة اليونان الموالي لجورج بوش. وفي خضم تلك الحياة العريضة من الفن والمقاومة والموقف ترك ثيودوراكيس كتابا بعنوان "يوميات المقاومة" قال فيه:"لديهم الدبابات.. وأنا لدي الأغنيات.. لم يخترع أحد بعد دبابة تستطيع أن تقتل الأغنية".

وداعا ثيودوراكيس ويبقى اسمك طائرا محلقا على إيقاع أغنياتك العذبة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى