جدل.. ما تبقى بيننا من حوار
(نحن كالجسد الواحد.. كالكرة الأرضية.. ولكنك نصف الكرة الشرقى.. وأنا نصفها الغربى والدموع التى سكبناها معاً صارت محيط من الدمع.. وأملنا صار يابسة شطرتنا جزأين).
كانت هذه الكلمات آخر ما كتبت لى على خلف الصورة التى أهدتنى إياها لكى أتذكرها إن مضت أيام ولم أراها بعدها.. أرجعت الصورة لمغلفها وأرجعت المغلف لمكانه فى خزانتى.. خزانة الذكريات وحاولت أن اخلد للنوم..
هاجس غريب جعلنى أفيق فى منتصف الليل لا ادرى ما هو، هذا الهاجس اللعين، ولماذا جاء الآن، لكنى أفقت وبدأت وأنا أخال نفسى فى الأيام التى خلت، وبدأت ابحث عنها، أفتش حولى أو تحت السرير، وانظر باتجاه الباب علها تدخل الآن، ربما ذهبت وستعود قريباً، ربما دخلت الحمام، أو ذهبت لتشرب الماء، لكنى اشعر بأنها لم تزل فى أجواء المكان، واشعر أن أنفاسها لم تزل قريبة منى ولم تزل تعطر جو الغرفة القاتمة.
فجأة بدأت أضحك بصوت عالٍ جدا.. أضحك صوتى كل ما حولى منى.. كانت الأشياء تضحك لجنونى وحلمى فى اليقظة.. كان الضحك يساعدنى فى محاولة إخفائى ما بي.
كنت أحاول التمثيل..وغيرى يصدق.. وحتى أنت..أحاول التمثيل أمامك حتى فى غيابك.. رغم غيابها إلا أن حضورها كان دائم وغير مستحيل..
بحثت عنها.. ومرة أخرى قمت للخزانة ذاتها وأخرجت الصورة من مكانها وعدت لجنونى بمحاكاة الصورة :
إلا أنت..فى عينيك أضيع..إلا أنت..عجزت وفهمت فى نفس الوقت أن الألم بدأ يأخذني..
الأيام التى فاتت ولم تمت، وبالذات الأيام الأخيرة التى قضيناها معاً، لم تزل تنخر أعماق ذاكرتي، تغوص عميقا فى داخلى كالجنون.
هذه الأيام جعلتك جزء من حياتى.. صعب عليك أن تفهمى كيف من الممكن للإنسان أن يحمل تناقضات فى داخله إلا إذا عشتِ المرحلة التى أعيشها الآن.. ما بين حبك حتى الجنون.. وبين الكفر فيك.. من شدة جنونى.. بدأت اصدق بأن قلبى لم يخلق إلا لحبك، ولم يفكر بالنبض إلا لأجلك، و أنفضح بك.. وكم أنت تشبهين الفضيحة فى داخلى.
لأن الحياة مليئة بالتناقضات ونعيشها بكل وقت فطباعنا تكون متناقضة بين رقة وحساسية وقسوة، هل تذكرين.. ( كنت أحدث الصورة ) وأتذكر ردها على ذات الكلمات التى أقولها الآن
لها :
أنا افهم بالضبط ما تتحدث عنه لأنى أعيش التناقضات فى حياتى.. رغم أنها ليست بحجم ما عشته أنت من تناقضات ذلك أن ظروفك كانت أصعب.. لكن كل إنسان يحمل تناقضات بحجم الأحداث التى عاشها فى حياته، وكذلك فالإنسان يعيش تناقضات كبيرة جدا بداخله كلما حاول أن يصحح مسار حياته نحو الأفضل وهذه هى المعضلة المتصورة فى الحياة.
هذه الكلمات رسخت بذاكرتى بصيغتها وقد أجبتها فى وقتها : بأنها بالرغم من كونها تناقضات إلا أنها بنفس الوقت واقعنا وحياتنا،والذى يظن انه من الممكن أن يعيش بدون تناقضات يكون غبياً، لأنه يرفض الحياة التى هى عبارة عن تركيبة من التناقضات، حتى فى علم الاجتماع علماء الاجتماع لما نظروا لأى مجتمع على أنه نسيج من العلاقات المتناقضة.
أجابت وهى تندمج فى معانى الحديث : لكن مع معرفة الناس أن حياتها تنضوى على مجموعة من التناقضات إلا أنها ترفض الاعتراف بها وتعتبرها نقيصة وانتقاص لقدرها، لذلك أتصور أن الحكمة التى تقول : (رحم الله امرئٍ عرف قدر نفسه)، لم تأتى من فراغ، بل جاءت نتيجة رصد لحركة التناقض فى داخل الإنسان التى ينكرها.
أنهيت حديثى مع الصورة ومع نفسى وبدأت اقلب بقية الصور والدفاتر الصغيرة التى أحتفظ بكلمات منها فيها، قصاصات ورق، صور لأطفال كتب على خلفها عبارات، وبدأت أمر عليها وشرط الذاكرة يسير معي، تستوقفنى بعض العبارات لأربطها ببعض المشاهد والأحداث التى عشناها وكانت السبب فى أن كتب أو كتبت أنا عبارة وجمعناها معاً،
بدأت احتار فى كلينا.. والعب مع الجرح.. وأسأل..أياً منا اشد جرحا من الثانى.. وأياً منا كان اشد قسوة فى جعل حاضرنا الجميل ماضى مؤلم !!!
ولماذا تحولت الأيام لمجرد ذكرى عادية.. وغداً بعد جلاء بقايا الشوق فى صدرى تتحول لمجرد ذكرى عادية روتينية قد تخطر بالبال !!!
دوما كنت اشتاق لك،ويزاد الاشتياق فيصبح أكثر من احتياج، وقد يصبح اجتياح.
اجتياحك لكل تفاصيل الحياة عندى.. كنت عندها أهرب لتفاصيلك المتبقية عندى لتصاويرك، لخط قلمك فى دفتر مذكراتي، لصوتك المخزن بذاكرتي، كانت تصاويرك تحدثنى عنك وتبوح لى بعتابك لغيابى.. ما أصعب أن ابحث عنك فلا أجدك إلا فى التصاوير الصغيرة.
ما أروعك.. تركت لى بعضك عندى ينقذنى بغيابك.. وما أكثر قناعتى.. كنت فى الماضى لا أكتفى بمجرد حضورك، كنت دوماً أطمع بأكثر من قبلة منك تعبر عن حضورك.. واليوم وبكل جنون وحمق، بل وسخافة أكتفى بالصور.
دوما كنت تقولين لى : وجع.. يسكننى الوجع.. يجتاحنى الوجع
دوما كلامك كان ينتهى بالوجع.. حتى بعودة طيفك، جعلت كلامى ينتهى بذات الكلمة
ليته ذاك الوجع ما رجع.