حروب الأكاديميا...!
في المجال الأكاديمي كما في كل وجوه الحياة حروب وعداوات. وفي عالم الأكاديميا معارك من كل الأنواع. وكغيرهم من المحاربين، يشن الأكاديميون حروباً من مختلف المستويات على بعضهم البعض وكما في الحروب الأخرى، يلجأ بني أكاديم إلى صنوف عديدة من الأسلحة التي طوروها أو اشتروها بأساليبهم الذكية.
الأكاديميون أذكياء بطبيعتهم فهم صفوة الصفوة، ومن المفترض أنهم الأذكى لأنهم كعادتهم يتسلحون بأعلى الشهادات والرتب العلمية التي حصلوا عليها من أعرق الجامعات. وعليه فإن معارك الأكاديميا قد تتخذ أشكالاً مختلفة عن الحروب التقليدية التي عرفها البشر.
في المجتمع الأكاديمي أفراد ومؤسسات وجماعات تمثل كل أنواع التناقضات، فالجامعات من اسمها تجمع الناس من كل صنف. ولذلك من المتوقع أن تتواجد على أراضي الحرم الجامعي كل تناقضات المجتمع. وفي مؤسسات الأكاديميا تخصصات علمية وأدبية وإنسانية واجتماعية وتقنية تمثل كافة صنوف المعرفة. وتمثل هذه التخصصات اهتمامات أصحابها الذين يمارسونها وتحزبون لها إلى درجة التعصب الأعمى.
وفي ساحات الأكاديميا أساتذة يفترض أنهم علماء وقد قيل عنهم أنهم ورثة الأنبياء! ومن هؤلاء الأساتذة من هو في سن الشيخوخة قد قارب سن التقاعد أو زاد على ذلك، ومنهم من هو في منتصف العمر، والأعمار بيد الله طبعاً، ومنهم من هو في بداية سن الشباب. وفي هذا اعتراف بفوارق عائدة إلى الاختلاف في العمر. وفي هذا احتمال لحدوث حروب عائدة إلى عوامل فجوة الأجيال. فالكبار يظنون أنهم الكبار، والأساتذة يدعون أنهم الأقدر والأذكى والأفهم والأنشط والأكثر حكمة ودراية في شؤون تخصصاتهم. وفي المقابل يظن الصغار أنهم الأكثر حيوية، وأنهم الدم الجديد، وأنهم ذوو الحماسة المتوقدة لبعث العلم من جديد.
وبين الأجداد من الأكاديميين والآباء والأحفاد تنشأ حروب تبدأ بالهمس واللمز وتنتهي بقرارات قد تترك آثاراً مدمرة على التخصص وعلى المجتمع ككل, وعلى سوق العمل الذي ينتظر ثمار العلم والتكنولوجيا على أيدي خريجي دوائر الأكاديميا.
وليس فارق السن هو وحده الذي يتسبب في حروب الأكاديميا. فهناك أسباب عائدة للتعصب الأكاديمي، فأصحاب التخصصات الإنسانية يشعرون أنهم الأساس وأن لهم الفضل في تقدم الإنسانية, في حين يعتقد أصحاب المواضيع العلمية والتقنية أنهم الأولى في الدعم ولذلك فهم عادة يستحوذون على نصيب الأسد في الميزانية والدعم المباشر وغير المباشر.
كما أن الحروب قد تنشأ بين النظريين والتطبيقيين في قبيلة الأكاديميا. فالذين تخرجوا بشهادات العلوم النظرية لا يسمحون بأي تقدم لأولئك من حملة الدرجات في العلوم التطبيقية. ويتمترس كل طرف خلف قلاع حصينة من أجل الدفاع عن المكاسب والامتيازات. وبدافع الأنانية وحماية الذات والخوف من الآخر، تنشأ المؤامرات وتدب الفتن, وتحاك الدسائس من أجل الحفاظ على شرف المهنة.
وفي المجتمع الأكاديمي نظرة استعلاء فوقية من الدكاترة والأساتذة والمحاضرين نحو الموظفين في المواقع الإدارية. ويحتدم القتال إلى درجة استيلاء حملة حرف الدال على كل وظيفة إدارية ذات وجاهة أو امتياز من نوع ما. ويشعر الموظفون بالدونية فلا يقومون بعملهم كما يجب لأنهم واقعون تحت حكم أو احتلال زملائهم ذوي حرف الدال.
وفي المجتمع الأكاديمي نزاعات من كل نوع، بين الكل ضد الكل. فالطلبة الذين جاؤوا من كل حدب وصوب يحضرون معهم كل فيروسات المجتمع، فيتعصبون ويشاجرون ويتباغضون إلى حد العنف. ويتعصب معهم أيضاً الآساتذة الأكاديميون، فيحابون هذه الطائفة، ويكرمون بالعلامات والامتيازات والبعثات والمنح لصالح فئة على فئة، وعادة ما تكون الجغرافيا أو التاريخ أو الديموغرافيا وربما المعتقد هي المرتكزات التي يبنى عليها التمييز والتحيز.
لقد غدت المجتمعات الأكاديمية في العالم الثالث مسرحاً للتنافر أكثراً منها مصنعاً للإبداع. وقد تطورت الخلافات إلى ظاهرة ما يسمى بالعنف الجامعي. وهي في هذه المرحلة بين الطلبة، لكن الحرب الباردة ما تزال مستعرة بين الأطراف الأخرى وهي مرشحة في أي وقت لتتطور إلى العنف بأشكاله المحتملة لا سمح الله.
باختصار، مخطئ من يظن أن هناك أكاديميا في العالم الثالث.