الأحد ١٦ نيسان (أبريل) ٢٠٢٣
بقلم مصعب أحمد أسعد

حـلـم يقـظـة

قصة للأطفال

زاد شعور رام بالملل في الآونة الأخيرة حيث لم يعد للألعاب(حتى الجديدة منها) ذاك البريق وتلك المتعة، مع أصدقائه يشعر بالملل نفس الألعاب والحديث كل يوم, روتين الدراسة في المدرسة نفسه يومياً، يستيقظ صباحا، يتناول فطوره بلا رغبة، يوصله والده بطريقه للمدرسة، يتابع دروسه، وبانتهاء الدوام المدرسي يعود للمنزل برفقة والدته ليتناول طعام الغداء، ويرتاح قليلاً، ثم يباشر بإنجاز فروضه المنزلية، هكذا كانت تتوالى أيامه المدرسية.

تعليمات والديه وتنبيهاتهما التي لا تنتهي تلاحقه أغلب الوقت: رام أنجز فروضك، رام رتب سريرك، رام أخفض صوتك، رام اذهب لمحل البقالة وأحضر كذا وكذا.

كان رام يقابل تلك التعليمات والأوامر بالتذمر والتململ: بعد قليل سأنجز فروضي لتوي قد وصلت من المدرسة، لماذا يجب أن أرتب سريري كل يوم طالما سأنام فيه ليلاً، ألا يوجد أحد غيري ليذهب لمحل البقالة؟؟

كانت نافذة غرفة رام في الطابق الثاني تطل على حديقة المنزل وكم كان يستمتع بمراقبة الكائنات الموجودة في عالمنا غيرنا نحن البشر.

شجرة التوت الكبيرة الخضراء وارفة الظلال بفيئها تنام قطة كسولة، قال رام في نفسه ليتني لم أخلق إنساناً لو أنني كنت شجرة توت لا تفعل شيئاً سوى الوقوف والنمو، أوليتني كنت قطة رشيقة ألعب وأمرح كل الوقت لا دراسة ولا فروض ولا واجبات سوى الأكل والنوم.

أغمض رام عينيه على وقع أفكاره وأصاخ سمعه وتنفس بعمق شهيق زفير (وهي لعبة اعتاد لعبها ليخفف من ملله ويرفه عن نفسه).

شاهد نفسه قطاً أشقراً (أشقر) رشيقاً يتنزه في حديقة المنزل، اقترب من القطة السمينة الغافية بكسل تحت شجرة التوت قاصداً اللعب والتسلية، لكن ما أن أحست القطة باقترابه حتى تغيرت ملامحها الهادئة وهاجمته بعدائية فاجأته، وأشبعته عضاً وخمشاً بأسنانها ومخالبها.

بصعوبة بالغة تخلص رام (القط) من مهاجمته التي لم تتركه إلا بعد أن تأكدت من ابتعاده عن الحديقة مسافة لا يستهان بها، لم يكن رام (القط) يتصور أنه باقترابه من القطة يتجاوز حداً ممنوعاً في عالم الحيوانات، يتمثل بأنه يقترب من المنطقة الخاصة بالقطة الأخرى وهذا يعتبر تهديداً بالاعتداء ويستوجب الرد عليه.

بدأ رام (القط) يلعق ذراعه اليسرى حيث الإصابات الأبلغ، لم ينتبه لوقوفه وسط شارع عريض حتى نبهه صوت عالٍ لبوق سيارة مسرعة كادت تدهسه، قفز هارباً نحو الرصيف القريب وبدأ يستطلع المكان ليعرف أين وصل بهروبه من القطة الشرسة.

لم يكن بعيداً عن منزله فهذه الشوارع يحفظها جيداً ويعرف تفاصيلها، تماماً هناك عند الزاوية منزل صديقه جاد، قال في نفسه لماذا لا أزوره ونتسلى قليلاً خاصة أنه بدأ يشعر بالجوع وببعض العطش.

اقترب رام(القط) من منزل جاد وشاهده من خلال سياج الحديقة يلعب مع أخته الصغرى ليليت وقرر الانضمام إليهما، تسلل من بين فتحات السياج واقترب من جاد وخاطبه قائلاً: مرحباً يا صديقي هذا أنا رام، ويالشدة دهشته حينما صدر عنه مواء متواصل بدل الكلام الذي قاله.

ابتسم جاد للقط واقترب منه وبدأ مداعبته ثم حمله، والقط يحاول شرح الموقف له لكن دون جدوى فلايزال مواؤه غير مفهومٍ بالنسبة لصديقه.

قدّم جاد القط لأخته الصغيرة ليليت لتلعب معه، فاحتضنته بخوف وضمته بعنف إلى صدرها، حاول القط التملص لكن الصغيرة الخائفة أحكمت إمساكها به وزادت ضغطها عليه حتى كادت تخنقه، فما كان من القط المشكين إلا أن ماء بصوت مخيفٍ مستغيثاً، فألقت به الصغيرة أرضاً وبكت بصوت عالٍ.

ركض جاد وراء القط يريد معاقبته على إخافته أخته الصغيرة فانطلق القط هارباً وخلفه جاد وليليت وأصواتهما الغاضبة.

توقف رام (القط) لاهثاً بعد فترة من الركض: نجوت بأعجوبة لم أكن أعلم أن جاد وأخته عنيفين (عنيفان) لهذه الدرجة، هكذا قال في قرارة نفسه.

تسلل إلى حديقة المنزل المجاور حيث يسكن أصدقاء أهله ويربون كلباً بالغ اللطف لطالما لعب رام معه وأحبه،(سألعب مع الكلب اللطيف وسنتشارك الطعام) هكذا كلّم رام (القط) نفسه وبدأ الاقتراب من حيث ينام الكلب، لكن الكلب الوديع فاجأه بشراسة ما عهدها فيه وقابله بنباح شديد وزمجرة أخافته تراجع رام (القط) مسرعاً، وحمد الله كون الكلب مقيداً بسلسلة معدنية لا يمكنه الافلات منها، وانسحب خارج الحديقة مرهقاً.

(ما العمل ما هذه الحياة حسبت أن حياة القطط مجرد لهو ولعب وأكل) قال في نفسه وقد اتخذ قرار العودة للمنزل لكن بحذر هذه المرة.

ما إن وصل ناصية الطريق حتى فاجأه حجرٌ طائر باتجاهه قفز بسرعة متجنباً إياه، ثم حجرٌ ثانٍ فثالث وعلت الصيحات إنه رامي الطفل المشاكس في الحي ومعه بعض الأطفال صاحوا: هيا فلنمسك بهذا القط، لن ندعه يفلت منا هذه المرة.

مجدداً وجد رام (القط) نفسة في أتون مطاردة ساخنة، انطلق بأقصى سرعة والأشقياء من خلفه يلقون تجاهه مايقع في أيديهم من حجرٍ أوعلبٍ بلاستيكية وماشابه.

تجاوز أول منزل والثاني وها هو يقترب من منزله، وبعد جهدٍ جهيد وصل رام(القط) إلى بابه ويا لسعادته عندما رأى والده يفتح الباب قفز باتجاه الباب صائحاً: هذا أنا ياأبي خلّصني من هؤلاء الأشرار، لكن كالعادة صدر عنه مواءٌ مخنوق متقطع.

ابتسم أبوه له وهويغلق الباب بوجهه قائلاً: اذهب إلى بيتك أيها القط اللطيف لابد أن أصحابك يبحثون عنك، وأغلق الباب.

أحس رام(القط) باليأس فها هو وحيد بمواجهة الأطفال الأشقياء الذين بدؤوا (بدؤا) بالاقتراب منه ومحاصرته، لم يتحرك ولم يقاوم فقد تعب من الهروب المستمر، اقترب رامي منه حاملاً كيساً وهو يقول: هيا أيها القط اللطيف ادخل في هذا الكيس ومدّ الكيس باتجاه رام (القط).

أحس رام (القط) بالذعر الشديد ومع اقتراب الكيس منه أغمض عينيه وأصاخ سمعه وتنفس بعمقٍ شهيق، زفير.

كم كانت سعادته كبيرة عندما فتح عينيه على صوت والدته تناديه: رام يارام تعال الغداء جاهز.

لقد أفاق من حلم اليقظة المتعب، حمد الله على كونه ما يزال إنساناً، وقد تخلص من رامي وعصابته.

عادت والدته لمناداته بصوت أعلى هذه المرة: هيا يارام الغداء جاهز أسرع قبل أن يبرد صحنك.

أسرع رام بالنزول إلى غرفة المعيشة، وكم كان أبواه سعيدين بشهيته الجيدة للطعام.

كان رام يتأملهما باسماً بين الفينة والأخرى، ومن يومها لم يسمع أحدٌ شكوى ملل من رام أو تذمر من كونه إنساناً، ولا حتى من واجباته المدرسية أو أي طلب يطلبه أبواه منه.

=انتهت =

قصة للأطفال

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى