الثلاثاء ٨ تموز (يوليو) ٢٠٠٨
بقلم تيسير الناشف

حقوق المدنيين: الاعتبارات العملية والقانونية

يكتسب موضوع حماية المدنيين العزل الضعفاء الأبرياء في الصراعات المسلحة اهتماما متزايدا نظرا إلى تزايد تعرض المدنيين لويلات هذه الصراعات. إن كفالة احترام القواعد الأساسية للقانون الإنساني الدولي تستلزم ايلاء الأولوية لهذا الموضوع.

ومن الطرق الفضلى لحماية المدنيين منع نشوب الصراع. ومن الوسائل المثلى لمنع نشوب الصراع المسلح، وخصوصا الصراع الداخلي، الذي يذهب ضحية له كثيرون من المدنيين تفعيل الدبلوماسية الوقائية وقيام الأمين العام للأمم المتحدة وأجهزتها الأخرى بدورها في حفظ السلم والأمن الدوليين.

وكان من الممكن أن تكون مشكلة حماية المدنيين أقل خطورة لو حدثت في ظل ظروف غير ظروف الصراعات المسلحة، ولو احترمت مختلف الآليات المنشأة بموجب الصكوك الدولية التي اعتمدت طيلة السنوات المئة المنصرمة. لقد مرت قبل وقت الذكرى السنوية المئة للمؤتمر الأول للسلام الدولي، وهو المؤتمر الذي تناول القانون الإنساني، والذكرى السنوية المئة لاتفاقية لاهاي، والذكرى السنوية الخمسون لاتفاقيات جنيف، والذكرى السنوية الثلاثون لاتفاقية منظمة الوحدة الأفريقية التي تحكم جوانب متعلقة بمشاكل اللاجئين في أفريقيا، والذكرى السنوية العاشرة لاعتماد اتفاقية حقوق الطفل. وينبغي للمجتمع الدولي أن يستلهم هذه المناسبات لاعتماد مزيد من التدابير لحماية الفئات الأضعف في حالات الصراع. إن المدنيين، وخصوصا الأطفال، يحتاجون في حالات الصراع، فضلا عن توفير الغذاء والدواء لمجرد البقاء، الى الحصول على تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية. ومن شأن ذلك أن يمد المدنيين بقدر أكبر من الإحساس بالحياة الطبيعية ومن الأمل في غمرة الحالات الباعثة على القلق الشديد أو اليأس، فضلا عن أن يشكل وسيلة لمنع تجنيد اأاطفال وتسريح الجنود الأطفال.

وتقوم هوة عميقة بين المعايير الدولية السارية واحترامها في الواقع. يشهد المجتمع الدولي تناقضا ظاهريا واضحا. فبينما حظيت الصكوك الدولية المعنية بحماية المدنيين مثل اتفاقيات جنيف بتأييد يكاد يكون عالميا، بانضمام ما يزيد عن مئة وثمانين دولة اليها، يجري تجاهل أغلبية أحكام هذه الصكوك على أرض الواقع، مع الإفلات من العقاب. وأحيانا لا تعرف أطراف الصراع مضامين هذه الصكوك. ويقع ضحية ذلك التجاهل والإفلات المدنيون، وخصوصا المرضى والمسنين والنساء والأطفال. وتتزايد الهجمات على موظفي المساعدة الإنسانية والتنكر للمبادئ الإنسانية والإبادة الجماعية. وثمة حالات التطهير العرقي، والامثلة على ذلك كثيرة، منها ما حدث في رواندا والبوسنة والهرسك وكوسوفو والصومال والعالم العربي حيث يجري الاحتلال.

وكان واضعو اتفاقيات جنيف يدركون إمكانية نشوء هذه الحالة، أي عدم تطبيق أحكام الاتفاقيات. تنص المادة العامة 1 من اتفاقية جنيف الرابعة على ما يلي: "إن الأطراف السامية المتعاقدة تتعهد باحترام هذه الاتفاقية وكفالة احترامها في كل الظروف". وعند اختتام مؤتمر جنيف في سنة 1949 رأى معظم المفسرين أن قصد نص هذه المادة هو الطلب الى الدول بان تكفل احترام الاتفاقية من قبل مؤسساتها وجيوشها وسكانها. ومعنى ذلك ألا تكتفي الدول بإصدار تعليمات واضحة لإدارتها الحكومية المختصة ولكن أن تنفذ تلك التعليمات أيضا.

ومن العوامل التي تسهم في كفالة التقيد بأحكام الصكوك الدولية المعنية بحقوق الإنسان، ومنها اتفاقية جنيف الرابعة، اتخاذ الدول الموقعة عليها لخطوات منها أن تنشئ الدول شعوبها على الامتثال الكامل للقانون الدولي وأن تثقفها بأهمية القانون الإنساني. ويجب أن تدرج اتفاقية جنيف الرابعة وغيرها من الصكوك ذات الصلة ضمن التشريعات الوطنية الواجب احترامها.

وينبغي للدول أن تستعمل إجراءاتها القانونية في توسيع نطاق احترام مواد الصكوك الدولية المعنية بحقوق الإنسان وأن توفر المساعدة القانونية لكل مدني يقع تحت إدارة عسكرية نتيجة عن صراع مسلح. وينبغي أن يتوفر حق الطعن أو الاستئناف للفرد الذي تتخذ السلطة العسكرية قرارا إداريا بشأنه.

ويجب أن يتخذ المجتمع الدولي تدابير أشد فعالية لحماية الأطفال في حالات الصراع. ويمكن أن تكون لاتفاقية حقوق الطفل آثارها في إعمال حقوق الإنسان وكذلك في إعمال القانون الدولي المتعلق بالشؤون الإنسانية. ومما يتضمنه تحسين حالة السكان المدنيين في حالات الصراع المسلح حل مشكلة الأطفال المجندين. وبالرغم من ورود المادة 38 في هذا القانون التي تطالب الدول باحترام القانون الإنساني الدولي وتحدد أيضا السن الدنيا للتجنيد ب 15 سنة فإن أرباب الحروب وغيرهم من الأطراف في حالات الصراع يتجاهلون أحكام هذا الصك مع الإفلات من العقاب. ويتزايد عدد الذين يقبلون مقترح منظمات حكومية وغير حكومية في الأمم المتحدة بزيادة الحد الأدنى لسن التجنيد إلى 18 سنة، كما هو متوخى في البروتوكول الإضافي لاتفاقية حقوق الطفل، وإدراج مراعاة السن الدنيا للتجنيد كشرط للالتحاق بقوات الأمم المتحدة لحفظ السلام والشرطة المدنية الدولية. ومن الجلي أن رفع سن المشاركين في الصراعات المسلحة إلى 18 سنة وجه من وجوه هذه الحماية. وحتى بعد رفع سن التجنيد فإن المشكلة لا تكون قد حلت تماما، لعدم خضوع الجماعات المتمردة والمرتزقة، وفقا لتعريفها، للقانون الدولي وليست ملتزمة بالاتفاقيات.

إن وضع آليات للقضاء على استغلال الأطفال والنساء والمسنين ليس من شأنه سوى التخفيف من حدة المشكلة. والأفضل من القيام بوضع الآليات هو القيام بالعمل الوقائي، الذي يستلزم معالجة الأسباب الجذرية للصراعات في شتى أرجاء المعمورة. ويجب القيام بالنظر الجاد في أسباب الصراع ليكون من الممكن تلافيه. واتخاذ نظرة جزئية لا تقوم على دراسة الحقائق ليس من شأنه أن يساعد في الإحاطة بأسباب الصراع. وقد ورد ذكر لهذه الأسباب في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة المعنون "أسباب النزاع في أفريقيا وتعزيز السلم الدائم والتنمية المستدامة فيها" والمؤرخ 13 نيسان/أبريل 1998. ومن هذه الأسباب البيئة الاقتصادية الدولية الراهنة ونقص التنمية السياسية والتكنولوجية والاجتماعية والاقتصادية ونزعات الاستعمار الجديد والتركة الاستعمارية الثقيلة. كل هذه العوامل تسهم في جعل الأغنياء يزدادون ثروة والفقراء يزدادون فقرا. وتقوم علاقة متبادلة بين شتى المجالات، مثلا بين التنمية الاقتصادية وميدان حقوق الإنسان. من الأسهل تجنيد الأطفال إذا لم توفر لديهم مدارس ولم توفر لآبائهم فرص العمل.

وفضلا عن الحاجة إلى السعي ألى إزالة الأسباب الجذرية للصراع يجب على جميع الدول أن تتحمل مسؤولياتها التي تنبع من مختلف الصكوك الدولية التي تحدد التزاماتها بحماية المدنيين في حالات الصراع المسلح. ويتعين أيضا على مجلس الأمن ألا يتهاون في تحمل قسطه من المسؤولية عن حماية المدنيين في هذه الحالات في شتى بقاع العالم، فهو الجهاز المسؤول، وفقا لميثاق الأمم المتحدة، عن صون السلم والأمن الدوليين.

ومن المشاكل المطروحة حماية موظفي المساعدة الإنسانية لدى قيامهم بالمساعدة. ويجب أن يتخذ المجتمع الدولي التدابير الصارمة والضرورية لزيادة ضمان حماية وسلامة هؤلاء الموظفين، وخصوصا في الحالات التي تكون موافقة أطراف الصراع فيها محدودة. وتجب مراعاة مبدأ إمكانية وصول العاملين في مجال المساعدة الانسانية الى الناس الذين يحتاجونها. ثمة مشكلة خطيرة في إيصال المساعدة الإنسانية إلى مواقع الصراع مثلا في الصومال حيث يتضور اللاجئون والمشردون جوعا. ومن شأن وجود الموظفين الدوليين أن يساعد في احترام القانون الدولي، وبالتالي يسهم في منع ارتكاب الفظاعات. ولذلك يجب ضمان الرصد والتطبيق الفعال للقانون الدولي وحقوق الإنسان.

ويجب منع استغلال وسائل الاتصال أداة في الصراعات. لقد مهدت حملات الكره القومي او العرقي أو الديني التي شنت ولا تزال تشن عن طريق وسائط الاتصال للقيام بالإبادة الجماعية في بقاع منها العالم الإسلامي.

ومن المواضيع التي تتصل برفاهة الأفراد وأمنهم والتي يتعين على المجتمع الدولي أن يهتم بها حظر نقل الأسلحة الصغيرة والألغام الأرضية المضادة للافراد. وتتطلب حماية المدنيين في حالات الصراع المسلح أن تعجل الدول بالانضمام إلى اتفاقية الحظر الشامل لإنتاج الألغام الأرضية المضادة للأفراد وانتاجها وتخزينها ونقلها نظرا إلى ما تحدثه هذه الأسلحة الفتاكة من الأضرار.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى