الخميس ١ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٥
بقلم يسرى فراوس

حمّلتُ البحرَ زمني

فيما يرى النائمُ أرى
دمًا أصفرَ ينزُّ من شقوق السّماء
نجومًا في غير أفلاكها تدورُ
على أعقاب قمر تشظَّى تَدورُ
 
أرى
رؤوسًا تتأرجحُ بين غيمتين
والعمائمُ مثلُ الشّهُب تتلاقفُها الرّؤوسُ
ثم تهوي على الجثث المبتورة
و تلفُّها بردًا و سهامًا
 
أرى
بحرًا أحْمرًا قانئًا
تجرّهُ سفينَة عرجاء
 
أدفنُ في السرير جُمْجُمَتي علَّني لا أرى
ينتفضُ جسمي محمومًا
كَتَنّور يلهجُ بمغمغمات الموتى إذ يسّاءَلون:
من المقبلُ علينا
أفكُّ شفرةَ عيني علَّني أبصرُ غيرَ هذي الخيالات
فوقي ترقصُ العمائمُ و يَزوغُ خلفها بصري
عبثًا
تُريدُ يَدي أن تُمسكَها
عبثاً أُسْدلُ ستائري
لا يدي طالتْها ولا بصري أهملَها على حافّة العمى
 
يا ليلُ قُلْ لي
أأكونُ يَمامَتَهم الزّرْقاءَ و النّخلُ يمشي
 
يا كحْلُ قُلْ لي
سملُوا عينيَّ و القلبُ معتمُ
أم هُوَ سوادُكَ صارَ في
العين ضياءً
-لو أنهم يُخطئُونَ لونَ الخبز
لكذّبتُ عمايَ
و صدّقتُ بصيرتهم-
هذه الحمّى أعْرفُها
فطالما سَقْسَقَتْ في رأسي عصافيرُها
رأْسي
يا طاحونةً مهجورةًَ
تُصفّرُ فيها المجازاتُ
ليتنفّسْ بعضُ النور فيكَ
تهجُرُكَ الخفافيشُ
و تهدأََ زمنًا
هذه الحمّى أعرفُها
كأنَّ للشّعر فيَّ نُزولٌ
كأني هزّاتُ صوت أليف
كأنّي زلزال
 
يا حزنُ يا أخضَرُ أبدًا
يا قحْطُ يا ولاّدُ
يا أبَ القصيدَة / يا مرْتعَ الأشباح
إنّي أنْكَرْتُكَ فاهجُرني
يا نصُّ عاهاتي كثيرَةٌ
 
لي وجعٌ في الرُّكبتين
يُطْفئُ شبقَ الياسمين
على وسادات العمر
 
لي زهرةٌ
لولا السّياج العالي
لامتشقَتَ شَعري
 
لي أحذيةٌٌ عاشقةٌ
غيرَ أنهُ في بلد الحزن
لا الشوارعُ أذابتها وجدًا
و لا بيتٌ صغيرٌ من التيه آواها
 
يا نصُّ
أفنيتُك في رميم العظم
و تذرّعْتُ بعتم العين
فاهجُرْني…
 
يا بحرُ
حمّلتُكَ حزني
فابتلعني أو الفُظني
 
<< عمائمٌ ملطّخةُ بدم اللّه
قمرٌ يتشظَّى ولا مُستقرُّ
خمسُ أصابعَ حمراء
عشرُ أصابعَ حمراء
سجّادٌ مرفوعٌ أحمرُ
و البحرُ تجرُّهُ سفينةٌ عرجاء >>
 
كأنّكَ أيُّها النّصّ قاتلي
فلا تسْتجدني بالقمر
ولا تسْتجْدني بالبحر
خذْني على قدر النور في عيني
ورُدَّني للصّدف مُترجم الرّيح إلى أغنية هائمة
 
<< عمائمُهم مُلطّخةٌ بدم اللّه
و طنٌ من الرُّؤوس ما بينَ نهرين
حطامُهم أكوامٌ والفتى يُكابدُ
لم يصلْ بعدُ
إلى أين يا تُرى؟
إلى أين يسْحَبونَ البحرَ؟ >>
 
يا أيُّها النّصُّ الذي يقتُلُني
أنا حمّلتُ البحرَ زمني
أنا الآفلُ بمَ ملكت يميني من الخطايا
جريمَتهُم أنا
و محرَقَةُ النوارس في كبدي
كابرتُ أيها النصُّ
فذرفتُ العُمرَ شعرًا
رُدَّني للصَّدف مُترجم الرّيح إلى
أُغنية هائمة
 
<< يداهُ شمعٌ أبيضُ
لا تفاحَ على الخدّ…
لا موسمَ لاشتهاء القضم …
وجهٌ عن وجهه يفصلُهُ الجدارُ
يا أيّها الشاعرُ أعرْهُ قامتكَ ليَرَى >>
 
يا قاتلي
لا قامةَ لي
وليسَ بعدَ الجدار ما يُرى
لملمتُ عظامي
أهديتُ الريحَ رمادَها
ووهبتها صوتي
إن صوتي كانَ مئذنة الخراب…
صرَفتُ البحرَ عن نافذَتي
وولّيتُ وجهي الجدارَ
عمياءُ…
لا فرقَ في نظري
بين بحر سليب
و جدار يَصْلبُني
 
يا نصُّ/ يا قاتلي
كم مرّةً تريدُ أن أموتَ بكَ
كم سيُصلّي الأنبياءُ كي أُبْعَثَ من جديد…
لي ضمّادَتي
و مزماري
سأهيمَ بلا جسد أنتَ ملكتَهُ
براءٌ منك أنا
و لا أُريدُ أن أموتَ بكَ
فرُدَّني للصدف مُترجم الريح إلى
أغنية هائمة
 
<< اعتلى عمائمَهُم ليَرى
تلى الفواتحَ واعتلى
ظهرَ أبيه
ثمّ اعتلى ظهرَ أخيه ليَرَى
وجهٌ عن وجهه يفصلُهُ الجدارُ
هذه هيَ الحدودُ الجديدةُ للبحر
هنا إقامَتُهُ
لا ريحَ تَفدُ / لا سُفنُ
ضيّقًا بين الشباك صارَ البحرُ
لا نورسُ يرُدُّ أخبارَ الأهل / لا زبدُ
ساحلُ أحلامنا هوَ الجدارُ
عليه نُكوّرُ قمرا وهميًّا
لنشنُقَ الخائنينَ الطيّبين
عليه نُعلّقُ رسائلَ العشّاق
و نبعثُ بأشعارنا
منهُ سنُجري انهارا
فنُنْهي مشكلَةَ المياه
….
ضفَّتُا الجدارُ
نلوّنُهُ بالأزرق و ندَّعيه بحرًا
مقبرَتُنا الجدارُ
لا حاجةَ في تاريخ العرب لشاهدة أعلى
 
الموجُ القانئُ عال
و الفتى يُكابدُ
لكنَّ صرْحَ الجماجم أعلى
….
ثمَّةَ أرضٌ بعدَ الجدار
ثمَّةَ بحرٌ قبلَ الجدار
عليَّ أن أخرُجَ الآن
….
من أُذُنيكَ سأخرُجُ فيَرُدُّني الصَّدى إليكَ
مثلُ حكايات الجنّ،
من أصابعكَ و من جلدكَ
ملتهباً كأنفاسكَ
من عتم عينيكَ
و من جثث الموتى
كبياض أسنانكَ مرصوفةٌ
يا أيُّها الشَّاعرُ اكتُبني
تعويذَةً للحزن
و ارتطمْ ما شئتَ بي
أنا النصُّ و بالمعنى افتَتَنْتُ
سأهبُ الجدارَ قامتكَ
أنا النصُّ و بالمعنى افتتنتُ
سأصيرُ حجرَ الكرامة بيد الفتى
خلْفَ الجدار أرضٌ / أمامَ الجدار بحرٌ
أنا النصُ والريحُ ترجمَتي
أنا النصُّ والغيمُ محبَرَتي
لا حاجةََ لي بالجسد الميّت
يا جثّةََ الشاعر الذي يأْسُرُني
إني أضرمتُك فاشتعلي
أنا لا أريدُ أن أموتَ بك

مشاركة منتدى

  • لو صدف أن التقينا بمجنون لم ينس الكلام وجلسنا إليه ونحن نمسك ورقا وقلما واستفززناه على الحكي وبالطبع يجب أن يكون قبل جنونه من الوطنيين وممن عملوا في السياسة وفي حقوق المرأة وقرأ استشراقات رامبو وسياحات بعض مجاذيب الصوفية في الكون وكان ممتلكا قبل جنونه أيضا للغة أخرى فهل يمكن أن نسمع منه أجمل من هذه القصيدة
    يسرى فراوس تتحدثين كما تكتبين الشعر وتضحكين كذلك وتنامين (نومة منغولية) قبل الدجاج لتصحي على صياح الديك الشعري فوق مئذنة قلبك
    رغم أنني لا أحبك ولا أحب منغوليتك إلا أنني أقرأ شعرك حين أبدأ متكئةً وما هي إلا جمل وأجلس قعدتي وأتكتّف كتلميذ في مدرسة الراهبات وتنقبض كل عروق مساحة التوتر في داخلي وكأنني أتهيأ للولادة بمشاعر رحمية والعرق يكدّني حتى تتفصد جبهتي وأصل إلى آخر قصيدتك وتتداخل عندي هل أنا أقرأ أم ألد قصيدة وبدونما شعور أمسد رحمي وأتأكد أنها كانت في مخاض قبل قليل فأنحني على وجه القصيدة أقبلها وأمسح رأسها وأنتظرك تسمينها
    ولولا أنها شديدة الشبه لك لحنّكتها ومضغتُ التمر وألقمتها بطرف لساني
    ولكن حليبُك أكثر حلاوة وأسلس مساغا فليتني كنتُ مولودتك لأشبعت الشعر بعقدة أوديب
    سحر منغولي
    سوريا الناصرية

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى